الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيغيب عنها نور الإسلام وتعود إلى عهود الظلام.
وإلى ذلك الموقف الرهيب يشير الله عز وجل بقوله: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} 1.
1 سورة الأحزاب، الآيتان 10، 11.
الخدعة في الحرب:
وفي وسط هذا الشر المطبق والبلاء المحدق، ينبت الله الفرج من الضيق، ويسوق الخير للمسلمين من أيسر طريق، وذلك هو ما قام به نعيم بن مسعود الأشجعي من خدعة محكمة لهؤلاء الأحزاب فرق بها جمعهم، وأفسد عليهم مكرهم.
وكان نعيم بن مسعود رضي الله عنه من قبيلة غطفان، وكان صديقًا لقريش وصديقًا لليهود، وقد شاء الله أن يدخل هذا الرجل في الإسلام في الوقت العصيب الذي أحاط فيه الأعداء بالمسلمين، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت، وقومي لا يعلمون بإسلامي، فمرني بأمرك حتى أساعدك. فقال الرسول:"أنت رجل واحد، وماذا عسى أن تفعل؟ ولكن خذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة".
فخرج من عنده وتوجه إلى بني قريظة الذين نقضوا عهدهم مع المسلمين. فلما رأوه أكرموه لصداقته معهم. فقال: يا بني قريظة تعرفون ودي لكم وخوفي عليكم، وإني محدثكم حديثًا فاكتموه عني. قالوا: نعم، فقال: قد رأيتم ما وقع لبني قينقاع وبني النضير من إجلائهم وأخذ أموالهم وديارهم، وإن قريشًا وغطفان
ليسوا مثلكم، فهم إذا رأوا فرصة انتهزوها وإلا انصرفوا لبلادهم، وأما أنتم فتساكنون الرجل -يريد محمدًا، صلى الله عليه وسلم ولا طاقة لكم بحربه وحدكم، فأرى ألا تدخلوا في هذه الحرب حتى تستيقنوا من قريش وغطفان أنهم لن يتركوكم ويذهبوا إلى بلادهم، وذلك بأن تأخذوا رهائن عندكم سبعين شريفًا منهم..
فاستحسنوا رأيه وأجابوه إلى ذلك.
ثم قام من عندهم وتوجه إلى قريش فاجتمع برؤسائهم وقال: أنتم تعرفون ودي لكم ومحبتي إياكم، وإني محدثكم حديثًا فاكتموه عني. قالوا: نفعل، فقال لهم: إن بني قريظة ندموا على ما فعلوه مع محمد وخافوا منكم أن ترجعوا وتتركوهم معه، فقالوا له: أيرضيك أن نأخذ جمعًا من أشرافهم ونعطيهم لك، وترد جناحنا التي كسرت -يعني: ترجع يهود بني النضير إلى ديارهم- فرضي بذلك منهم، وهاهم أولاء سيرسلون إليكم فاحذروهم ولا تذكروا مما قلت لكم حرفًا
…
ثم أتى غطفان فأخبرهم بمثل ما أخبر به قريشًا، فاضطربت نفوسهم، وأخذ زعماؤهم يتشاورون مع زعماء قريش كي يلتمسوا طريقًا لحل هذه المشكلة، وأرادوا أن يتأكدوا من كلام نعيم، فأرسل أبو سفيان زعيم قريش وفدًا لبني قريظة يدعوهم للقتال غدًا -وكان ليلة سبت- فأجابوا: إننا لا يمكننا أن نقاتل في السبت، وإنه لم يصبنا ما أصابنا من البلاء إلا بالتعدي فيه، ومع ذلك فلا نقاتل حتى تعطونا رهائن منكم، حتى لا تتركونا وتذهبوا إلى بلادكم!!
وحينئذٍ لم يبق لدى قريش وغطفان شك في صدق كلام نعيم بن مسعود، وتحققوا أن اليهود من بني قريظة يريدون لهم الشر والوبال، فتفرقت القلوب وخاف بعضهم بعضًا.
وهكذا نرى أن الخدعة في الحروب هي أمضى سلاح ينال به العدو من