الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جُنَّةً 1 فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} 2.
ثم يتحدث الله عز وجل عن مظهرهم الخادع الذي يختلف مع مخبرهم الخبيث ويحذر رسوله صلى الله عليه وسلم منهم، ويبين أنهم إذا قيل لهم: تعالوا إلى الحق واطلبوا المغفرة من الله أبوا وأعرضوا واستكبروا، وقد كتب عليهم أن يظلوا يتخبطون في هذا الشقاء والضلال فيقول:
1 أي: سترًا ووقاية يخفون وراءها حقيقتهم.
2 سورة المنافقون، الآيات 1-2-3.
مثل رائع من الإيمان:
وكان للناس عجبًا أن يتفجر الهدى والإيمان من صخرة النفاق والطغيان، وأن يخرج من صلب عبد الله بن أبي زعيم المنافقين ولد يسموا بإيمانه إلى مستوى الأبرار والصديقين.
ومن آيات هذا الإيمان الكامل موقفه حينما علم أن هناك تفكيرًا في قتل أبيه بما ظهر من نفاقه وسوء أخلاقه
…
فلقد ذهب -وكان اسمه عبد الله بن عبد الله بن أُبي- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، بلغني أنك تريد قتل عبد الله ابن أُبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلًا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فوالله
لقد علمت الخزرج ما كان بها من أحد أبر بوالده مني، وإني لأخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله، فأقتل رجلًا مؤمنًا بكافر فأدخل النار1.
ويا له من موقف رائع تتمثل في قوة العقيدة وسمو التفكير، وكيف يتغلبان على العاطفة والوجدان، ويا لها من محنة عصيبة وامتحان رهيب قدرهما الله على هذا الابن البار، فاجتاز المحنة ونجح في الاختبار.
وكانت إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك هي المثل الأعلى في العفو والصفح الجميل، وهي النبراس الذي يضيء طرق الخير ويهدي إلى سواء السبيل، وهي خير مكافأة لكل مؤمن يرتفع بإخلاصه إلى هذا المستوى الكريم، ذلك بأنه قال له:" إنا لا نقتله، بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا".
وهكذا أحسن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى من أساء إليه، وترفق بهذا الذي ألب أهل المدينة عليه وعلى أصحابه وعفا عنه، فكان رفقه وعفوه أبعد أثرٍ من عقوبته لو أنه أنزلها به، فقد كان عبد الله بن أُبي بعد ذلك يدين بالجميل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا جد الجد لا يستطيع أن يرفع رأسه آمرًا أو ناهيًا متحكمًا في أحد من المسلمين، لأنهم جميعًا كانوا يشعرون بأن حياته هبة من محمد صلى الله عليه وسلم وكان قومه كثيرًا ما يشعرونه بهذه المكرمة التي تفضل بها محمد صلى الله عليه وسلم عليه.
وقد تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم مع عمر بن الخطاب في شأن عبد الله بن أُبي فقال له: "كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له أنوف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته". فقال عمر: لقد -والله- علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 انظر المراجع السابقة التي أوردناها أول الغزوة.