الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة
اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون الكعبة قبلة للمسلمين بعد أن حازوا شرف التوجه إلى بيت المقدس؛ ليكونوا من أهل القبلتين، وليتميزوا عن المشركين قبل الهجرة وعن اليهود بعدها، فتطلع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة بعد الهجرة واشتد شوقًا إلى نزول الوحي عليه بالتوجه إلى بيت الله الحرام. وقد كان يتوقع ذلك من ربه لأن الكعبة أقدم القبلتين، ولأنها قبلة إبراهيم عليه السلام، ومفخرة العرب حيث كانت مثابة للناس وأمنًا ومزارًا ومطافًا، وذلك أدعى إلى دخول العرب في الإسلام، فنزل قول الله تعالى:
ومعنى ذلك أن الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: قد شاهدنا وعلمنا تردد وجهك وتسريح نظرك إلى جهة السماء، تطلعًا منك إلى نزول الوحي عليك، وتوقعًا لما ألقى في روعك من تحويل القبلة إلى الكعبة، سعيًا منك وراء استمالة العرب إلى دخولهم في الإسلام، ومخالفة لليهود الذين كانوا يقولون: إنه يخالفنا في ديننا ثم إنه يتبع قبلتنا، حتى روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل:"وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها". فقال له جبريل: أنا عبد مثلك، وأنت كريم على ربك، فادع ربك وسله".
1 سورة البقرة، الآية 144.
ثم ارتفع جبريل وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء، رجاء أن يأتيه جبريل بالذي سأل ربه1، وقد أقسم الله ليكونن عند ما سأل محمد صلى الله عليه وسلم وليجيبنه إلى ما طلب، فوعده بقوله:{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} . أي لنعطينك ما تطلعت إليه نفسك، وأشرب حبه قلبك من استقبالك المسجد الحرام..
وما قصد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك وأحبه عن سخط في التولي إلى بيت المقدس ومجرد هوى في النفس وشهوة في التولي إلى الكعبة، وإنما كان ذلك منه -صلوات الله عليه- لمقاصد دينية وأغراض سامية وافقت مشيئة الله تعالى
…
ولذا فإن وعد الله للرسول صلى الله عليه وسلم رتب عليه الإنجاز السريع والتنفيذ العاجل.
حيث قال سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم:
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} 2.
وبذلك صدر الأمر الإلهي للرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين بالتحول من بيت المقدس إلى الكعبة، ثم يبين الله بعد ذلك أن الفريقين من اليهود والنصارى يعلمون أن أمر التحويل إلى الكعبة هو الحق، لأنه مسطور في كتبهم: أنه عليه الصلاة والسلام يصلي إلى القبلتين، وليس
ذلك ابتداعًا من تلقاء نفس محمد صلى الله عليه وسلم.
فيقول سبحانه: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} 3.
1 "روح البيان" 1/ 201.
والحديث المذكور رواه أبو داود في ناسخه، عن أبي العالية، كما في "الدر المنثور" 1/ 261، وهذا مرسل، والمرسل من أنواع الضعيف.
2 سورة البقرة، الآية 150.
3 سورة البقرة، الآية 144.
وقد أكد الله عز وجل الأمر بالتولية إلى الكعبة في آية ثانية، فقال:{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} 1.
وقد أفادت هذه الآية فائدة جديدة، وهي أن الله يؤكد لرسوله صلى الله عليه وسلم أن الأمر بالتوجه إلى المسجد الحرام هو الحق الذي أراده الله لحكمة وفائدة جرت بها مشيئته.
ثم كرر الأمر بالتوجه إلى المسجد الحرام في آية ثالثة وضحت فيها الحكمة التي أرادها الله من هذا الأمر، الذي تبلبلت فيه أفكار ضعفاء الإيمان والسفهاء من الناس، فقال سبحانه:{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَاّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 2.
فقد أفادت هذه الآية في وضوح وصراحة أن الحكمة التي أرادها الله من أمره المسلمين بالتوجه إلى الكعبة هي أن يقطع الحجة على هؤلاء الناس -وهم الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى- فلقد كان اليهود يقولون عن أوصاف الرسول المذكورة في التوراة: إنه يتحول إلى الكعبة
…
كانوا يقولون ذلك في الفترة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم فيها متجهًا إلى بيت المقدس
…
ولذا كان اتجاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة بعد ذلك مؤيدا لما كان مسطورا في كتابهم، وكان النصارى يقولون عن محمد صلى الله عليه وسلم أيام توجهه إلى بيت المقدس: ما باله يدَّعي ملَّة إبراهيم ويخالف قبلته؟
1 سورة البقرة، الآية 149.
2 سورة البقرة، الآية 150.