الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي أمر بالاستعاذة عند قراءة القرآن، فقال- عز وجل {فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (1). والحمد لله الذي افتتح كتابه بالحمد فقال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . وحمد نفسه على إنزاله، فقال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} (2). وافتتح سوره سورة سورة بقوله- تعالى- {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} سوى سورة براءة، لما له في ذلك من الحكمة {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} (3).
أحمده-تعالى - على أن هدانا للإسلام، وخصنا بالقرآن، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس.
فلك الحمد ربي بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم خير الأنام، ولك الحمد على نعمك التي لا تحصى على الدوام.
ولك الحمد على أن وفقت خلاصة من العباد، نذروا أنفسهم وأوقاتهم لخدمة هذا القرآن حفظًا وتجويدًا، وتعلمًا وتعليمًا، ودراسة
(1) سورة النحل، الآية:98.
(2)
سورة الكهف: الآية: 1.
(3)
سورة الزخرف، الآية:84.
وتفسيرًا، واستخراجًا لما فيه من الهداية، وبيان العقائد والأحكام، والحلال والحرام، ولما اشتمل عليه من الأخلاق والآداب والمواعظ الجسام. ينفون عنه انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
كل ذلك تحقيقًا لوعدك، حيث قلت، وقولك الحق:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1).
وصلى الله وسلم، وبارك على المعلم الأول أفضل الحامدين، وخيرة الشاكرين، وسيد الخلق أجمعين، نبينا محمد الذي أنزل الله عليه هذا الكتاب ليخرج الناس به من الظلمات إلى النور. قال تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (2).
فقام به صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه (3)، وأقرأه أمته وبلبغهم إياه، وعلمهم ما فيه من الهداية والأحكام، وأوصاهم قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بقوله: «إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا
(1) سورة الحجر، الآية:(9).
(2)
سورة إبراهيم، الآية:1.
(3)
أخرج مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم _ حديث (2820) عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه. قالت عائشة: يا رسول الله أتصنع هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال:«يا عائشة أفلا أكون عبدًا شكورا» ، وأخرج البخاري معلقًا _في التهجد قول عائشة فقط بلفظ «كان يقوم حتى تفطر قدماه» وأخرجا نحوه من حديث المغيرة بن شعبة عند البخاري حديث 1130، وعند مسلم حديث 2819.
به. . . ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. . .» الحديث (1). فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزى نبيًا عن أمته، فقد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، فعليه من الله أزكى الصلاة، وأتم التسليم.
ورضي الله عن صحابته الكرام، الذين كانوا إذا تعلموا عشر آيات من القرآن لم يتجاوزها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعًا (2)، تعلموه، وعملوا بما فيه، وعلموه من بعدهم، ونقلوه بحروفه ومعانيه وأحكامه إلى أقطار الدنيا كلها، فرضي الله عنهم، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
ورحم الله من جاء بعدهم، من سلف هذه الأمة من التابعين وتابعيهم، ومن تبعهم، الذين قاموا بخدمة هذا الكتاب، بما دونوا من مؤلفات فيها بيان معانيه وأحكامه، وحلاله وحرامه، وناسخه
ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وأسباب نزوله، ومكيه ومدنيه وسائر علومه فرحمهم الله، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
وعم بالرحمة كل من رفع بهذا الكتاب رأسا، أو قدم له خدمة، مبتغيًا بذلك وجه الله والدار الآخرة وبعد:
(1) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة _ فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه حديث (2408)
(2)
أخرج هذا الطبري من حديث ابن مسعود، وأبي عبد الرحمن السلمي بإسنادين صحيحين _الأثرين (81)، (82).
فإن الاشتغال بعلم كتاب الله- تعالى- هو أجل عمل وأشرفه، وأرفعه مترلة، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه:«خيركم من تعلم القرآن وعلمه» رواه البخاري (1).
ولا شك أن الهمم قد قصرت، والموانع من اللحاق بأهل العزم قد كثرت. حتى أصبح ما نقرأه في سير علمائنا السابقين وما قاموا به من جهود في التعليم والتأليف أشبه شيء بالخيال رحمهم الله رحمة واسعة وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرًا، ونظمنا في سلكهم، ولو بالتشبه بأولئك الأماجد الأخيار، وكما قيل:
فتشبهوا إ ن لم تكونوا مثلهم
…
إن التشبه بالكرام فلاح
«وما لا يدرك جله لا يترك كله» .
ولقد كان من أهم الأسباب التي دعتني إلى الكتابة في هذا الموضوع ما يلي:
أولًا: أن الاستعاذة عند والبسملة هما المدخل لكتاب الله - تعالى- فقد أمر - تعالى - بالاستعاذة عند قراءة القرآن، وافتتح سوره كلها سوى براءة بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، فيشرع للمسلم أن يفتتح قراءته بهما، في الصلاة أو خارجها، وأن يعرف معناهما وأحكامهما.
(1) أخرجه البخاري في فضائل القرآن _ باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه. الحديث 5027.
ثانيًا: أنني رأيت كلام أهل العلم رحمهم الله على الاستعاذة والبسملة والفاتحة مفرقًا في كتب التفسير والقراءات، وكتب الحديث والفقه والأحكام، لا يجمعه كتاب على وجه تتم به الفائدة، لا من كتب التفسير، ولا من غيرها.
ثالثًا: أن سورة الفاتحة: افتتح الله بها كتابه العزيز، وهي أعظم وأفضل سورة في القرآن الكريم.
رابعًا: أن هذه السورة تحوي من المعاني والفوائد والأحكام الشيء الكثير، وقد جاء في الأثر أنها تتضمن جميع معاني القرآن الكريم، وبهذا قال بعض أهل العلم كما سيأتي بيانه. ولهذا أفردها بعض أهل العلم بالتأليف كابن القيم في كتابه القيم «مدارج السالكين بيين منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}» وناهيك به من كتاب، كما خصصها جمع من المفسرين بجزء كبير من تفسيره كالرازي مثلا فقد تكلم عليها في مجلد كبير من تفسيره، وكذا أطال الكلام في تفسيرها إمام المفسرين الطبري والحافظ ابن كثير وشيخنا عبد الرحمن الدوسري-رحمهم الله جميعًا-.
خامسًا: أن هذه السورة مما يجب على كل مسلم تعلمها وفهم معانيها إذ عليها مدار صحة الصلاة وبطلانها.
فأردت بهذا العمل أن أجمع شتات كلام أهل العلم - على الاستعاذة والبسملة والفاتحة، وذلك حسب الإمكان راجيًا أن يكون هذا البحث بمثابة مدخل لتفسير كتاب الله -تعالى.
وقد سميت هذا الكتاب: اللباب في تفسير الاستعاذة، والبسملة، وفاتحة الكتاب وبيان ما اشتمل عليه كل منها من المعاني والفوائد والأحكام.
وقد قسمت الكلام إلى بابين:
الباب الأول: الاستعاذة والبسملة - معناهما، وأحكامها- وفيه فصلان:
أ- الفصل الأول الاستعاذة - معناها - وأحكامها - وفيه ثمانية مباحث.
ب- الفصل الثاني: البسملة معناها - وأحكامها- وفيه تسعة مباحث.
الباب الثاني: تفسير سورة الفاتحة، معناها، وأحكامها وفيه فصلان:
الفصل الأول: تفسير سورة الفاتحة وبيان ما فيها من المعاني والفوائد والأحكام.
الفصل الثاني: الأحكام التي تتعلق بسورة الفاتحة وفيه مبحثان.
وقد حرصت على أن أقدم للقارئ خلاصة لأصح ما جاء عن أهل العلم والتحقيق في تفسير الاستعاذة والبسملة (1) وهذه السورة العظيمة،
(1) ذكر ابن عبد البر في «الاستذكار» 153:2، أنه صنف كتابًا سماه «كتاب الأنصاف فيما بين المختلفين في بسم الله الرحمن الرحيم من الخلاف». وممن أفرد البسملة بالتأليف ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والخطيب وابن طاهر وابن عبد الهادي وأبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي والرازي والقرطبي وابن كثير وغيرهم. انظر:«صحيح ابن خزيمة» 1: 249 - 250 «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي 1: 95 «نصب الراية» 1: 335.
«تفسير ابن كثير» 3: 319 طبعة دار الشعب.
سورة الفاتحة. وبذلت في ذلك جهدي وطاقتي، مع قلة البضاعة وكثرة المشاغل والعوائق.
وقد اعتمدت اعتمادًا كبيرًا على كتب المحققين من علمائنا رحمهم الله سواء في التفسير أو غيره، وخاصة كتاب «مدارج السالكين» للإمام العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى - فقد اعتمدت عليه اعتمادًا كبيرًا - خاصة في الكلام على سورة الفاتحة، ونقلت عنه في كثير من المواضع، لأنني لم أجد من تكلم عن هذه السورة بمثل كلامه- رحمه الله تعالى-، وقد أشفقت أن أختصر كلامه أحيانًا فتجيء عبارتي قاصرة عن الوفاء بمضمون كلامه الذي هو في غاية الدقة والتحقيق وحسبي أني أحلت إليه.
والله أسأل أن يرزقني وجميع إخواني المسلمين الإخلاص في القول والعمل إنه جواد كريم بر رؤوف رحيم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.