المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المقدمة الحمد لله الذي أمر بالاستعاذة عند قراءة - اللباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب

[سليمان اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولالاستعاذة والبسملة، معناهما، وأحكامهما

- ‌الفصل الأولالاستعاذة، معناها، وأحكامها

- ‌المبحث الأولصيغ الاستعاذة الصحيحة

- ‌الصيغة الأولى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

- ‌الصيغة الثانية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

- ‌الصيغة الثالثة: أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه

- ‌الصيغة الرابعة: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه ونفخه ونفثه

- ‌الصيغة الخامسة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم

- ‌الصيغة السادسة: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم

- ‌المبحث الثانيأركان الاستعاذة

- ‌المبحث الثالثالاستعاذة ليست بآية من القرآن الكريم

- ‌المبحث الرابعإعراب الاستعاذة، ومعناها

- ‌أ - إعرابها:

- ‌ب - معناها:

- ‌المبحث الخامسأحكام الاستعاذة

- ‌أ - مكان الاستعاذة من القراءة:

- ‌ب - حكمها عند قراءة القرآن، في الصلاة أو خارجها:

- ‌ج - هل يتعوذ في الصلاة في كل ركعة، أو في الركعة الأولى فقط:

- ‌د - حكم الحهر بها، أو الإسرار:

- ‌هـ - وأما حكم الجهر بها في الصلاة:

- ‌المبحث السادسالمواضع التي تشرع فيها الاستعاذة

- ‌المبحث السابعبيان أن شيطان الجن أعظم ضررًا من شيطان الإنس ومن النفس «المذمومة»

- ‌المبحث الثامنالسبيل للخلاص من شر الشيطان ومكايده

- ‌الفصل الثانيالبسملة: معناها، وأحكامها

- ‌المبحث الأوللفظ البسملة، وإعرابها

- ‌أ - لفظها:

- ‌ب - إعرابها:

- ‌المبحث الثانيمعنى البسملة

- ‌المبحث الثالثهل البسملة آية مستقلة من القرآن الكريم

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌ القول الرابع

- ‌المبحث الرابعالسبب في عدم كتابة البسملة في مطلع سورة براءة

- ‌المبحث الخامسحكم قراءة البسملة في غير الصلاة

- ‌المبحث السادسحكم قراءة البسملة في الصلاة

- ‌المبحث السابعحكم البسملة من حيث الجهر بها والإسرار، في الصلاة، أو خارجها

- ‌المبحث الثامنالمواضع التي تشرع فيها البسملة

- ‌المبحث التاسعفوائد البسملة، والأحكام التي تضمنتها

- ‌الباب الثانيتفسير سورة الفاتحة

- ‌الفصل الأولتفسير سورة الفاتحة

- ‌المبحث الأولمكان نزول الفاتحة

- ‌المبحث الثانيأسماء الفاتحة

- ‌المبحث الثالثعدد آيات الفاتحة، وهل البسملة آية منها

- ‌المبحث الرابعفضل سورة الفاتحة

- ‌فائدة:

- ‌المبحث الخامسالمعاني التي اشتملن عليها سورة الفاتحة

- ‌المبحث السادسبيان معنى السورة والآية

- ‌أ- بيان معنى السورة:

- ‌ب- بيان معنى الآية:

- ‌المبحث السابعتفسير مفردات الفاتحة، وبيان معاني آياتها

- ‌{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

- ‌الفرق بين الحمد والشكر:

- ‌«لله»

- ‌معنى (الحمد لله):

- ‌معنى (مالك يوم الدين):

- ‌ نَعْبُدُ

- ‌لا بد لصحة العبادة من توفر شرطين:

- ‌{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}:

- ‌{الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}

- ‌{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عليهِمْ}

- ‌{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهِمْ وَلَا الضَّالينَ}:

- ‌{وَلَا الضَّالِّينَ}:

- ‌المبحث الثامنما يؤخذ من سورة الفاتحة من فوائد وأحكام

- ‌1 - مشروعية الابتداء في بالبسملة في الكتب والرسائل والخطب والمواعظ ونحوها تأسيًا بكتاب الله تعالى

- ‌2 - مشروعية حمد الله تبارك وتعالى في افتتاح الكتب والرسائل والخطب والمواعظ

- ‌3 - حمد لله -تعالى- لنفسه

- ‌4 - أمر الله -تعالى- عباده أن يحمدوه ويثنوا عليه ويمجدوه

- ‌5 - أن الوصف الكامل مستحق لله على الدوام

- ‌6 - في قوله تعالى: (الحمد لله) رد على الجبرية، الذين يقولون إن الله جبر العبد على أفعاله

- ‌7 - أن الحمد لا ينبغي أن يكون إلا لمن هو أهل له

- ‌8 - يؤخذ من قوله -تعالى-: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الإقرار والاعتراف من العبد لله جل وعلا بالكمال من جميع الوجوه وبالفضل والإنعام والإحسان

- ‌9 - إثبات توحيد الأسماء والصفات

- ‌10 - إثبات توحيد الإلوهية

- ‌11 - إثبات توحيد الربوبية بقسميه العام لجميع الخلق

- ‌12 - إثبات علم الله تعالى الشامل

- ‌13 - إثبات أنه تعالى الأول بلا بداية

- ‌14 - أن الأحق بالاستعانة والمسألة هو اسم «الرب»

- ‌15 - في قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} إشارة إلي تساوي الخلق في الربوبية العامة التي بمعني الخلق والملك والتدبير

- ‌16 - في إثبات حمده وروبيته للعالمين وتوحيد رد على من قال بقدم العالم فإن في إثبات حمده ما يقتضي ثبوت أفعاله الاختيارية

- ‌17 - في إثبات رحمته -تعالى- ورحمانيته رد على الجبرية في أن الله يعاقب العبد على ما لا قدرة له عليه

- ‌18 - إثبات يوم القيامة

- ‌19 - يؤخذ من قوله -تعالى-: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} الدلالة على أن الملك الحقيقي لله جل وعلا

- ‌20 - إثبات محاسبة الله للعباد ومجازاته لهم على أعمالهم بالعدل

- ‌21 - إثبات كتابة الأعمال وتدوينها وإحصائها

- ‌22 - الحث على الاستعداد ليوم الدين

- ‌23 - في تقديم قوله تعالى: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} على قوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} إشارة إلى أن رحمته تعالى سبقت غضبه

- ‌24 - الجميع بين الترغيب والترهيب

- ‌25 - في قول {إِيَّاكَ} رد على الملاحدة والدهرية المنكرين لوجود الله

- ‌26 - في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} بعد الآيات قبله انتقال من الغيبة إلى الخطاب لأجل تنبيه القارئ والمستمع

- ‌27 - دل قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على إثبات نوع من أنواع العبودية

- ‌28 - وجوب إخلاص العبادة لله تعالى بجميع أنواعها اعتقاداً وقولًا وعملًا

- ‌29 - دل قوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على أن العبد لا ينفك عن العبودية حتى الموت

- ‌30 - حاجة جميع الخلق إلى عون الله -تعالى

- ‌31 - تقديم حقه تعالى حق العبد

- ‌32 - لما كانت عبادة الله تعالى هي أشرف مقام يصل إليه العبد

- ‌33 - دل قوله -تعالى-: {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على إثبات القدر

- ‌34 - في نسبة العبادة والاستعانة إلى العباد في قوله (نعبد)…(ونستعين) دليل على أن ذلك من فعلهم

- ‌35 - في تقديم قوله -تعالى- {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

- ‌36 - وجوب دعاء الله والتضرع إليه وسؤاله الهداية

- ‌37 - في قوله تعالى {اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم} رد على القدرية المجوسية

- ‌38 - إن الهدى الحقيقي الصحيح هو ما جاء عن الله -تعالى

- ‌39 - مشروعية دعاء المسلم لإخوانه المسلمين

- ‌40 - ربط الأعمال ونجاحها بأسبابها

- ‌41 - أن صراط الله والطريق الموصل إليه عدل مستقيم لا اعوجاج فيه

- ‌42 - يؤخذ من قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ

- ‌43 - إن الصراط المستقيم الذي يسأل العبد ربه الهداية إليه هو صراط الذين أنعم عليهم بطاعته وتعالى

- ‌44 - أن الهداية للطريق المستقيم بالإيمان بالله والعمل الصالح

- ‌45 - في قوله تعالى

- ‌46 - التنويه بعلو شأن المنعم عليهم وفضلهم ورفعة قدرهم

- ‌47 - الترغيب بسلوك الطريق المستقيم

- ‌48 - أن الطريق الحق واحد

- ‌49 - أن الصراط تارة يضاف إلى سالكيه

- ‌50 - وجوب الاعتراف بالنعمة لموليها ومسديها

- ‌51 - في إثبات حمده بصفات الكمال وإثبات ربوبيته وملكه

- ‌53 - إثبات كمال الصراط المستقيم

- ‌54 - ينبغي للعبد بعد أن يسأل الله تعالى أن يهديه الصراط المستقيم

- ‌55 - إثبات صفة الغضب - لله - كما يليق بجلاله وعظمته

- ‌56 - ينبغي للعبد أن يسلك من الطرق أحسنها وأصلحها وأقومها

- ‌57 - أن من أخص صفات اليهود الغضب

- ‌58 - أن كل من سلك مسلك أحد الطائفتين شمله وصف تلك الطائفة

- ‌59 - دل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وما بعده على أن الناس ينقسمون بحسب معرفة الحق والعمل به

- ‌60 - في إسناد النعمة إلى الله تعالى

- ‌61 - بلوغ القرآن غاية الإيجاز مع الفصاحة والبيان

- ‌62 - الترغيب في سلوك سبيل المنعم عليهم والمؤمنين

- ‌63 - دلت السورة على إثبات النبوات ووجوب الإيمان بالكتب والرسل

- ‌64 - تضمنت السورة الدلالة على سعة علم الله عز وجل وخبرته وتعلق علمه بالجزئيات

- ‌65 - اشتمل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وما بعده إلى آخر السورة على الرد على جميع طوائف الكفر والضلال

- ‌66 - تضمنت السورة شفاء القلوب، كما تضمنت شفاء الأبدان

- ‌الفصل الثانيالأحكام التي تتعلق بسورة الفاتحة

- ‌المبحث الأولحكم قراءة الفاتحة في الصلاة

- ‌أولًا: حكم قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد:

- ‌ثانيًا: حكم قراءة الفاتحة في حق المأموم:

- ‌اختلف أهل العلم رحمهم الله قديمًا وحديثًا في هذه المسألة

- ‌أ- السبب الأول:

- ‌ب- السبب الثاني:

- ‌ إجمال الخلاف في هذه المسألة

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌أ- الاعتراضات الواردة على أدلة القول الأول بأن المأموم يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية

- ‌ب- الاعتراضات الواردة على أدلة القول الثاني أن المأموم يقرأ في الصلاة السرية دون الجهرية

- ‌ج- الاعتراضات الواردة على أدلة أصحاب القول الثالث: أن المأموم لا يقرأ لا في السرية، ولا في الجهرية

- ‌الترجيح بين الأقوال:

- ‌ بيان المشروع من السكتات في الصلاة

- ‌ ما الذي يشرع قوله في سكتات الإمام

- ‌المبحث الثانيوفيه مسائل:

- ‌أ- حكم من لم يستطيع قراءة الفاتحة في الصلاة:

- ‌ب- حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة:

- ‌ج- حكم قراءة الفاتحة على المريض:

- ‌د- حكم قول «آمين» بعد قراءة الفاتحة:

- ‌هـ - حكم قراءة ما زاد على الفاتحة في الصلاة:

- ‌الخاتمة

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المقدمة الحمد لله الذي أمر بالاستعاذة عند قراءة

بسم الله الرحمن الرحيم

‌المقدمة

الحمد لله الذي أمر بالاستعاذة عند قراءة القرآن، فقال- عز وجل {فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (1). والحمد لله الذي افتتح كتابه بالحمد فقال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . وحمد نفسه على إنزاله، فقال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} (2). وافتتح سوره سورة سورة بقوله- تعالى- {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} سوى سورة براءة، لما له في ذلك من الحكمة {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} (3).

أحمده-تعالى - على أن هدانا للإسلام، وخصنا بالقرآن، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس.

فلك الحمد ربي بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم خير الأنام، ولك الحمد على نعمك التي لا تحصى على الدوام.

ولك الحمد على أن وفقت خلاصة من العباد، نذروا أنفسهم وأوقاتهم لخدمة هذا القرآن حفظًا وتجويدًا، وتعلمًا وتعليمًا، ودراسة

(1) سورة النحل، الآية:98.

(2)

سورة الكهف: الآية: 1.

(3)

سورة الزخرف، الآية:84.

ص: 3

وتفسيرًا، واستخراجًا لما فيه من الهداية، وبيان العقائد والأحكام، والحلال والحرام، ولما اشتمل عليه من الأخلاق والآداب والمواعظ الجسام. ينفون عنه انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

كل ذلك تحقيقًا لوعدك، حيث قلت، وقولك الحق:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1).

وصلى الله وسلم، وبارك على المعلم الأول أفضل الحامدين، وخيرة الشاكرين، وسيد الخلق أجمعين، نبينا محمد الذي أنزل الله عليه هذا الكتاب ليخرج الناس به من الظلمات إلى النور. قال تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (2).

فقام به صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه (3)، وأقرأه أمته وبلبغهم إياه، وعلمهم ما فيه من الهداية والأحكام، وأوصاهم قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بقوله: «إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا

(1) سورة الحجر، الآية:(9).

(2)

سورة إبراهيم، الآية:1.

(3)

أخرج مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم _ حديث (2820) عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه. قالت عائشة: يا رسول الله أتصنع هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال:«يا عائشة أفلا أكون عبدًا شكورا» ، وأخرج البخاري معلقًا _في التهجد قول عائشة فقط بلفظ «كان يقوم حتى تفطر قدماه» وأخرجا نحوه من حديث المغيرة بن شعبة عند البخاري حديث 1130، وعند مسلم حديث 2819.

ص: 4

به. . . ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. . .» الحديث (1). فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزى نبيًا عن أمته، فقد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، فعليه من الله أزكى الصلاة، وأتم التسليم.

ورضي الله عن صحابته الكرام، الذين كانوا إذا تعلموا عشر آيات من القرآن لم يتجاوزها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعًا (2)، تعلموه، وعملوا بما فيه، وعلموه من بعدهم، ونقلوه بحروفه ومعانيه وأحكامه إلى أقطار الدنيا كلها، فرضي الله عنهم، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرًا.

ورحم الله من جاء بعدهم، من سلف هذه الأمة من التابعين وتابعيهم، ومن تبعهم، الذين قاموا بخدمة هذا الكتاب، بما دونوا من مؤلفات فيها بيان معانيه وأحكامه، وحلاله وحرامه، وناسخه

ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وأسباب نزوله، ومكيه ومدنيه وسائر علومه فرحمهم الله، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرًا.

وعم بالرحمة كل من رفع بهذا الكتاب رأسا، أو قدم له خدمة، مبتغيًا بذلك وجه الله والدار الآخرة وبعد:

(1) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة _ فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه حديث (2408)

(2)

أخرج هذا الطبري من حديث ابن مسعود، وأبي عبد الرحمن السلمي بإسنادين صحيحين _الأثرين (81)، (82).

ص: 5

فإن الاشتغال بعلم كتاب الله- تعالى- هو أجل عمل وأشرفه، وأرفعه مترلة، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه:«خيركم من تعلم القرآن وعلمه» رواه البخاري (1).

ولا شك أن الهمم قد قصرت، والموانع من اللحاق بأهل العزم قد كثرت. حتى أصبح ما نقرأه في سير علمائنا السابقين وما قاموا به من جهود في التعليم والتأليف أشبه شيء بالخيال رحمهم الله رحمة واسعة وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرًا، ونظمنا في سلكهم، ولو بالتشبه بأولئك الأماجد الأخيار، وكما قيل:

فتشبهوا إ ن لم تكونوا مثلهم

إن التشبه بالكرام فلاح

«وما لا يدرك جله لا يترك كله» .

ولقد كان من أهم الأسباب التي دعتني إلى الكتابة في هذا الموضوع ما يلي:

أولًا: أن الاستعاذة عند والبسملة هما المدخل لكتاب الله - تعالى- فقد أمر - تعالى - بالاستعاذة عند قراءة القرآن، وافتتح سوره كلها سوى براءة بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)، فيشرع للمسلم أن يفتتح قراءته بهما، في الصلاة أو خارجها، وأن يعرف معناهما وأحكامهما.

(1) أخرجه البخاري في فضائل القرآن _ باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه. الحديث 5027.

ص: 6

ثانيًا: أنني رأيت كلام أهل العلم رحمهم الله على الاستعاذة والبسملة والفاتحة مفرقًا في كتب التفسير والقراءات، وكتب الحديث والفقه والأحكام، لا يجمعه كتاب على وجه تتم به الفائدة، لا من كتب التفسير، ولا من غيرها.

ثالثًا: أن سورة الفاتحة: افتتح الله بها كتابه العزيز، وهي أعظم وأفضل سورة في القرآن الكريم.

رابعًا: أن هذه السورة تحوي من المعاني والفوائد والأحكام الشيء الكثير، وقد جاء في الأثر أنها تتضمن جميع معاني القرآن الكريم، وبهذا قال بعض أهل العلم كما سيأتي بيانه. ولهذا أفردها بعض أهل العلم بالتأليف كابن القيم في كتابه القيم «مدارج السالكين بيين منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}» وناهيك به من كتاب، كما خصصها جمع من المفسرين بجزء كبير من تفسيره كالرازي مثلا فقد تكلم عليها في مجلد كبير من تفسيره، وكذا أطال الكلام في تفسيرها إمام المفسرين الطبري والحافظ ابن كثير وشيخنا عبد الرحمن الدوسري-رحمهم الله جميعًا-.

خامسًا: أن هذه السورة مما يجب على كل مسلم تعلمها وفهم معانيها إذ عليها مدار صحة الصلاة وبطلانها.

فأردت بهذا العمل أن أجمع شتات كلام أهل العلم - على الاستعاذة والبسملة والفاتحة، وذلك حسب الإمكان راجيًا أن يكون هذا البحث بمثابة مدخل لتفسير كتاب الله -تعالى.

ص: 7

وقد سميت هذا الكتاب: اللباب في تفسير الاستعاذة، والبسملة، وفاتحة الكتاب وبيان ما اشتمل عليه كل منها من المعاني والفوائد والأحكام.

وقد قسمت الكلام إلى بابين:

الباب الأول: الاستعاذة والبسملة - معناهما، وأحكامها- وفيه فصلان:

أ- الفصل الأول الاستعاذة - معناها - وأحكامها - وفيه ثمانية مباحث.

ب- الفصل الثاني: البسملة معناها - وأحكامها- وفيه تسعة مباحث.

الباب الثاني: تفسير سورة الفاتحة، معناها، وأحكامها وفيه فصلان:

الفصل الأول: تفسير سورة الفاتحة وبيان ما فيها من المعاني والفوائد والأحكام.

الفصل الثاني: الأحكام التي تتعلق بسورة الفاتحة وفيه مبحثان.

وقد حرصت على أن أقدم للقارئ خلاصة لأصح ما جاء عن أهل العلم والتحقيق في تفسير الاستعاذة والبسملة (1) وهذه السورة العظيمة،

(1) ذكر ابن عبد البر في «الاستذكار» 153:2، أنه صنف كتابًا سماه «كتاب الأنصاف فيما بين المختلفين في بسم الله الرحمن الرحيم من الخلاف». وممن أفرد البسملة بالتأليف ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والخطيب وابن طاهر وابن عبد الهادي وأبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي والرازي والقرطبي وابن كثير وغيرهم. انظر:«صحيح ابن خزيمة» 1: 249 - 250 «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي 1: 95 «نصب الراية» 1: 335.

«تفسير ابن كثير» 3: 319 طبعة دار الشعب.

ص: 8

سورة الفاتحة. وبذلت في ذلك جهدي وطاقتي، مع قلة البضاعة وكثرة المشاغل والعوائق.

وقد اعتمدت اعتمادًا كبيرًا على كتب المحققين من علمائنا رحمهم الله سواء في التفسير أو غيره، وخاصة كتاب «مدارج السالكين» للإمام العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى - فقد اعتمدت عليه اعتمادًا كبيرًا - خاصة في الكلام على سورة الفاتحة، ونقلت عنه في كثير من المواضع، لأنني لم أجد من تكلم عن هذه السورة بمثل كلامه- رحمه الله تعالى-، وقد أشفقت أن أختصر كلامه أحيانًا فتجيء عبارتي قاصرة عن الوفاء بمضمون كلامه الذي هو في غاية الدقة والتحقيق وحسبي أني أحلت إليه.

والله أسأل أن يرزقني وجميع إخواني المسلمين الإخلاص في القول والعمل إنه جواد كريم بر رؤوف رحيم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 9