الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما يمدح بفروسيته وشجاعته. وهو تقع على الحي والميت، وعلى الحيوان والنبات والجماد والزمان والمكان وغير ذلك، وهو كالحمد من حيث إنه يقع بالقول باللسان لا غير.
قال الراغب (1): «فكل شكر حمد، وليس كل حمد شكرًا، وكل حمد مدح، وليس كل مدح حمدًا» .
«لله»
اللام حرف جر، وهي تفيد معنى الاختصاص والاستحقاق (2)، ولفظ الجلالة مجرور بها والجار والمجرور متعلقان بمحذوف هو خبر (الحمد) تقديره: مستحق، أو واجب أو ثابت لله. وقد تقدم في بحث البسملة الكلام مستوفي على معنى لفظ الجلالة (الله) واشتقاقه (3).
و
معنى (الحمد لله):
أي أن الحمد المطلق لله وحده فهو المستحق له المختص به دون سواه وحمده - تعالى هو وصفه عز وجل بصفات الكمال اللازمة والمتعدية، كمال العظمة وكمال الإحسان والنعمة مع المحبة والتعظيم له والرضا عنه والخضوع له، لأنه المنعم بأكبر النعم وأعظمها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (4) رحمه الله: «والحمد نوعان حمد على إحسانه إلى عباده وهو من الشكر، وحمد لما يستحقه هو بنفسه من نعوت كماله، وهذا الحمد لا يكون إلا على ما هو في نفسه مستحق»
(1) المفردات مادة «حمد» .
(2)
انظر: «معالم التنزيل» 1: 39، «لباب التأويل في معاني التنزيل» 1:16.
(3)
راجع المبحث الثاني من الفصل الثاني، من الباب الأول: معنى البسملة.
(4)
في «مجموع الفتاوى» 6: 84.
للحمد، وإنما يستحق ذلك من هو متصف بصفات الكمال، وهي أمور وجودية،، فإن الأمور العدمية المحضة لا حمد فيها، ولا خير ولا كمال.
ومعلوم أن كل ما يحمد فإنما يحمد على ماله من صفات الكمال، فكل ما يحمده به الخلق فهو من الخالق، والذي منه ما يحمد عليه هو أحق بالحمد، فثبت أنه المستحق للمحامد الكاملة، وهو أحق من كل محمود بالحمد، والكمال من كل كامل، وهو المطلوب».
وقال ابن القيم (1) - رحمه الله تعالى-: «الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله، ونعوت جلاله، مع محبته والرضا عنه والخضوع له، فلا يكون حامدًا من جحد صفات المحمود، ولا من أعرض عن محبته والخضوع له. وكلما كانت صفات كمال المحمود أكثر كان حمده أكمل، وكلما نقص من صفات كماله نقص من حمده بحبسها. ولهذا كان الحمد لله، حمدًا لا يحصيه سواه، لكمال صفاته وكثرتها، ولأجل هذا لا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه (2)، لما له من صفات الكمال، ونعوت الجلال التي لا يحصيها سواه
…
».
والذين قالوا معنى الحمد الثناء، معناه عندهم: الثناء عليه - تبارك
(1) في «مدارج السالكين» 1: 48، وانظر:«التفسير القيم» ص 25. وانظر - أيضًا-: «تفسير الطبري» 1: 137، «الكشاف» 1: 7، «تفسير النسفي» 1: 3.
(2)
كما قال صلى الله عليه وسلم في الدعاء «اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» . أخرجه مسلم في الصلاة - باب ما يقال في الركوع والسجود الحديث 486 - من حديث عائشة رضي الله عنها.
وتعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
قال القرطبي (1) - رحمه الله تعالى- «الحمد قي كلام العرب معناه الثناء الكامل
…
فهو سبحانه يستحق الحمد بأجمعه إذ له الأسماء الحسنى والصفات العليا».
وقال - أيضًا - «الحمد ثناء على الممدوح بصفاته .... وذكر عن جعفر الصادق في قوله (الحمد لله) قال: من حمده بصفاته كما وصف نفسه فقد حمد ....» .
وقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} جملة خبرية فيها معنى الأمر، فهو - جل وعلا - يخبر عن اتصافه بالحمد، ويأمر عباده أن يحمدوه (2). كما قال تعالى:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّه} (3).
وإنما جاءت جملة اسمية للدلالة على الاستمرار والدوام، فله سبحانه وتعالى الحمد في جميع الأوقات والأزمان، وهو المحمود بكل حال، على ماله - سبحانه - من المحاسن والإحسان، وعلى ماله من الأسماء الحسنى والمثل الأعلى، وما خلقه في الآخرة والأولى (4).
افتتح كتابه بالحمد فقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
(1) في «تفسيره» 1: 133 - 134.
(2)
انظر: «تفسير الطبري» 1: 139، «معالم التنزيل» 1: 39، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 135 - 136، «لباب التأويل في معاني التنزيل» 1: 16، «البحر المحيط» 1: 31، «تفسير ابن كثير» 1: 52، «أضواء البيان» 1:39.
(3)
سورة النمل، الآية:59.
(4)
انظر «مجموع الفتاوى» 11: 133.
وله الحمد على إنزاله، كما قال تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} (1).
وله الحمد على خلق السموات والأرض وسائر المخلوقات. قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (2). وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (3).
وله الحمد على ملك ما في السموات والأرض قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (4).
وله الحمد في السموات والأرض، وفي جميع الأوقات. قال تعالى:{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} (5).
وله الحمد في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآَخِرَةِ} (6).
وقال تعالى: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (7).
وحمده تعالى آخر دعوى أهل الجنة، كما قال تعالى: {وَآَخِرُ
(1) سورة الكهف، الآية:1.
(2)
سورة الأنعام، الآية:1.
(3)
سورة فاطر، الآية:1.
(4)
سورة سبأ، الآية:1.
(5)
سورة الروم، الآية:18.
(6)
سورة القصص، الآية:70.
(7)
سورة سبأ، الآية:1.
دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1).
وشق لنبيه صلى الله عليه وسلم اسمًا من الحمد، فسماه: محمدًا.
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه (2) -:
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه
…
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه (3) ليجله
…
فذو العرش محمد وهذا محمد
فهو تعالى المحمود على الدوام في جميع الأحوال، ولهذا أمر عباده أن يحمدوه في آيات كثيرة. وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحب قال:«الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا رأى ما يكره قال: الحمد لله على كل حال» (4).
كما رغب صلى الله عليه وسلم بحمد الله تعالى في أحاديث كثيرة منها:
ما رواه أبو مسلم الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك، أو عليك، كل
(1) سورة يونس، الآية:10.
(2)
انظر: «ديوانه» ص 338 تحقيق د. سيد حسنين، د. حسن الصيرفي القاهرة 1974.
(3)
لم يرد أن من أسمائه تعالى «المحمود» لا في الكتاب ولا في السنة. فمعنى «المحمود» في البيت الموصوف بالحمد.
(4)
أخرجه ابن ماجه في الأدب - باب فضل الحامدين - الحديث 3803. وقال في «الزوائد»: «إسناده صحيح ورجاله ثقات». وصححه الألباني.
الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها» رواه مسلم (1).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكله الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها» رواه مسلم (2).
وبما أن كل نعمة على العباد فهي من الله تعالى كما قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (3)، وبما أن نعم الله على العباد كثيرة لا تحصى، كما قال تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} (4).
فإن العبد ليس بمقدوره أن يشكر الله حق شكره على هذه النعم التي منها النعم الدينية من الإيمان والعلم والتقوى، والنعم الدنيوية كالصحة والمال والنعم أخروية وهي الجزاء الكثير على العمل القليل في العمر القصير، ومضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.
إذ كيف يمكن العبد أن يشكر الله حق شكره والشكر نفسه نعمة من الله على العبد تستوجب الشكر. فما على العبد إلا أن يقوم بما يستطيع من الشكر ويقول «سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (5).
(1) في الطهارة - فضل الوضوء - الحديث 223.
(2)
في الذكر - استحباب حمد الله - تعالى - بعد الأكل الحديث 2734.
(3)
سورة النحل، الآية:53.
(4)
سورة إبراهيم، الآية: 34 وسورة النحل، الآية:18.
(5)
أخرجه مسلم في الصلاة - باب ما يقال في الركوع والسجود - الحديث 486 عن عائشة قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدمه وهو في المسجد، وهما منصوبتان وهو يقول:«اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» ، وأبو داود في الصلاة - باب الدعاء في الركوع والسجود - الحديث 879.
وكما قيل:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة
…
علي بها لله يستوجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله
…
وإن طالت الأيام واتصل العمر
{رَبِّ الْعَالَمِينَ} : رب صفة أولى للفظ الجلالة «الله» ، أو بدل منه. ورب مضاف والعالمين مضاف إليه، مجرور وعلامة جره الياء، لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.
و «رب العالمين» بمعنى خالقهم ومالكهم والمتصرف فيهم.
و «رب» في الأصل مأخوذ من التربية للشيء وتنميته، وتبليغه إلى كماله، كما قال تعالى:{نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} (1) أي اللاتي تربونهن في حجوركم.
وهو بمعنى المالك والسيد، كما قال تعالى:{أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} (2) أي مالكه وسيده. وفي الحديث: «أن تلد الأمة ربتها» (3)
(1) سورة النساء، الآية:23.
(2)
سورة يوسف، الآية:41.
(3)
أخرجه من حديث طويل من رواية أبي هريرة - البخاري في الإيمان - الحديث 50، ومسلم في الإيمان - الحديث 9، وأخرجه أيضًا مسلم مطولًا من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحديث 8.
أي مالكتها وسيدتها.
وبمعنى: المعبود حتى لو كان بغير حق، كما قال تعالى:{أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (1).
وقال أحد المشركين وقد وجد الثعلب قد بال على صنمه:
أرب يبول الثعلبان برأسه
…
لقد هان من بالت عليه الثعالب (2)
وبمعنى القائم على الشيء ومدبره ومصلحه ومتوليه.
ومنه قول في الحديث: «هل لك عليه من نعمة تربها (3)» : أي تقوم بها وتصلحها.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: «لأن يربني بنو عمي أحب إلي من أن يربني غيرهم» (4): أي يكون على ربا، أي أميرًا يقوم بأمره ويملك تدبيره ويدخل تحت طاعته.
ومنه قولهم: «أديم مربوب» (5) وقول النابغة الذبياني (6):
تخب إلى النعمان حتى تناله
…
فدى لك من رب طريفي وتالدي
(1) سورة يوسف، الآية:39.
(2)
ذكر صاحب «شرح مغني اللبيب» للبغدادي 2: 304 - 309: أنهيروى لراشد بن عبد ربه، ولغاوي بن ظالم السلمي، ولأبي ذر الغفاري، وللعباس بن مرداس، وانظر:«المحرر الوجيز» 1: 65، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 137، «البحر المحيط» 1:18.
(3)
أخرجه مسلم في البر والصلة - الحديث 2567 من حديث أبي هريرة، وكذا أحمد 2: 262، 408، 462، 482، 508.
(4)
أخرجه البخاري في التفسير - الحديث 4666.
(5)
انظر: «المحرر الوجيز» 1: 65.
(6)
انظر: «ديوانه» ص92، «تفسير الطبري» 1:149.
وبمعنى صاحب الشي، كما قال تعالى:{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} (1) أي صاحب العزة.
وكل هذه المعاني حق بالنسبة له - تعالى - فهو تعالى مربي الخلق وخالقهم ومالكهم وسيدهم، وهو معبودهم بحق، وهو القيوم على كل شيء ومدبره ومصلحه. وهو صاحب العزة سبحانه وتعالى (2). قال شيخ الإسلام ابن تيمية (3) «الرب: هو المربي الخالق الرازق الناصر الهادي».
واسمه تعالى «الرب» يفيد أن الربوبية صفة ذاتية له تبارك وتعالى وصفة فعلية (4).
وربوبية الله لخلقه نوعان: ربوبية خاصة، وربوبية عامة:
فالربوبية العامة: هي خلقه للمخلوقين وملكه لهم، وتدبيره الكوني لهم، ورزقه لهم، وهدايتهم لمصالح دنياهم ونحو ذلك.
وهذه شاملة لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، ناطقهم وبهيمهم، جيهم وجمادهم كما في قوله - تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
(1) سورة الصافات، الآية:180.
(2)
انظر: «تفسير الطبري» 1: 141 - 143، «معالم التنزيل» 1: 39، «الكشاف» 1: 8، «المحرر الوجيز» 1: 64 - 66، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 136 - 137، «لباب التأويل» 1: 16، «البحر المحيط» 1: 18، «تفسير ابن كثير» 1: 48، «أنوار التنزيل» 1: 8، وانظر:«الصحاح» ، «اللسان» مادة «رب» .
(3)
في «مجموع الفتاوى» 14: 13.
(4)
انظر: «الجامع لأحكام القرآن» 1: 137.
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} (1).
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (2).
والربوبية الخاصة: هي ربوبية الله - تعالى - لأوليائه بهدايتهم إلى الصراط المستقيم بالإيمان والعلم الناف، والعمل الصالح، وفعل الخيرات، وترك المنكرات، وذلك ملاك الأمر مع توفيقهم وحفظهم.
كما قال إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا} (3).
وقال موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (4).
وكما في قول المؤمنين: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (5) وغير ذلك.
ولما كان من أخص معاني الرب المالك والمدبر والقائم بما يصلح الخلق كان كثير من دعاء الأنبياء والمؤمنين باسمه تعالى «الرب» لأنه أحق باسم الاستعانة والمسألة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (6): «فعامة المسألة والاستعانة
(1) سورة البقرة، الآية:21.
(2)
سورة النساء، الآية:1.
(3)
سورة البقرة، الآية:126.
(4)
سورة المائدة، الآية:25.
(5)
سورة البقرة، الآية:285.
(6)
في «مجموع الفتاوى» 14: 13، وانظر «دقائق التفسير» 1: 176 - 177، وانظر ما يأتي في الفائدة الرابعة عشرة من فوائد الفاتحة ص307 - 309.
المشروعة باسم الرب».
و «الرب» بالتعريف لا يطلق إلا على الله تعالى. ورب كذا بالإضافة يطلق عليه وعلى غيره فلزم إذا أريد به غير الله أن يقيد بالإضافة فيقال: رب الدار، ورب الإبل (1)، كما قال تعالى:{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا} (2).
وقال يوسف عليه السلام: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} (3).
وقال أيضًا: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} (4).
وفي الحديث: «أن تلد الأمة ربتها» (5).
ويظهر جليًا من تعريف اسمه تعالى «الله» ، و «رب العالمين» دخول اسم «الرب» في اسمه تعالى «الله» .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (6) عن هذين الاسمين: «فالاسم الأول - يعني - «الله» يتضمن غاية العبد ومصيره ومنتهاه، وما خلق له، وما فيه صلاحه وكماله وهو عبادة الله. والاسم الثاني - يعني - «رب العالمين» يتضمن خلق العبد ومبتداه، وهو أنه يربه ويتولاه، مع أن
(1) انظر: «الصحاح» مادة: «رب» ، «معالم التنزيل» 1: 40، «الكشاف» 1: 8، «زاد المسير» 1: 11، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 137، «تفسير ابن كثير» 1:48.
(2)
سورة يوسف، الآية:41.
(3)
سورة يوسف، الآية:42.
(4)
سورة يوسف، الآية:50.
(5)
سبق تخريجه قريبًا.
(6)
في «مجموع الفتاوى» 14: 13، وانظر «دقائق التفسير» 1:177.
الثاني يدخل في الأول دخول الربوبية في الإلهية، والربوبية تستلزم الألوهية أيضًا».
والعالمين: جمع عالم بفتح اللام، اسم جمع لا واحد له من لفظه، كرهط وقوم.
والعالمين: كل موجود سوى الله - تعالى - وقد جمع ليشمل كل جنس ممن سُمي به، فيعم جميع المخلوقات في السموات والأرض، وما بينهما من الملائكة والإنس والجن والشياطين، والحيوانات والجمادات وغير ذلك من سائر المخلوقات (1) كما خلت عليه «أل» الدالة على الاستغراق ليشمل كل فرد من أفراد تلك الأجناس (2).
وهو مشتق من العلامة (3)، لأن كل ما في الوجودمن المخلوقات علامة على وجود الله، وكماله بذاته وصفاته.
كما قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)} (4).
وقال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ
(1) انظر «تفسير الطبري» 1: 143 - 146، «معالم التنزيل» 1: 40، «الكشاف» 1: 8 - 9، «المحرر الوجيز» 1: 66، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 138، «البحر المحيط» 1: 19، «تفسير ابن كثير» 1: 48 - 49، وانظر «لسان العرب» مادة «علم» .
(2)
انظر: «الجامع لأحكام القرآن» 1: 133.
(3)
انظر: «زاد المسير» 1: 12، «تفسير ابن كثير» 1: 49، «أضواء البيان» 1:39.
(4)
سورة آل عمران، الآية:190.
وَأَلْوَانِكُمْ} (1). إلى غير ذلك من الآيات (2).
قال ابن المعتز:
فواعجبا كيف يعصى الإله
…
أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية
…
تدل على أنه واحد
ويقال إنه مشتق من «العلم» بكسر العين (3).
والقول بأنه مشتق من «العلم» إن أريد به أنه تعالى خلق «العالمين» عن علم منه جل وعلا بهم، كما خلقهم - أيضًا - عن قدرة تامة «فصحيح» ، كما قال تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (4).
وإن أريد به أن هذه المخلوقات سميت عوالم، لأن عندها شيئًا من العلم المحدود الناقص القليل، أو عندها ما يخصها من العلم.
كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (5) فهذا محتمل.
والقول بأنه مشتق من العلامة هو الأظهر، ويحتمل أنه مشتق منها
(1) سورة الروم، الآية:22.
(2)
راجع ما تقدم في المبحث السادس في بيان معنى الآية من هذا الفصل.
(3)
انظر: «الكشاف» 1: 8 - 9، «زاد المسير» 1: 12، «البحر المحيط» 1: 18، «تفسير ابن كثير» 1:49.
(4)
سورة الطلاق، الآية:12.
(5)
سورة الإسراء، الآية:44.
ومن العلم (1) والله أعلم.
وجميع «العالمين» جمع من يعقل، علمًا أنه يتناول العقلاء وغيرهم من باب تغليب العقلاء على من سواهم، لأن العقلاء هم المعنيون بالخطاب والتكليف، لما ميزهم الله به عن الحيوان والجماد من العقل والإدراك، الذي هو مناط التكليف.
وهذا كقوله - تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (2).
وكقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} (3).
فقد غلب العقلاء على غيرهم في الآية الأولى بقوله {عَرَضَهُمْ} ، {هَؤُلَاءِ} ، وفي الآية الثانية بقوله:{فَمِنْهُمْ} .
أما قوله تعالى: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (4) ونحوه.
فالمراد به الإنس والجن فقط فاستخدم لفظ «العالمين» لبعض مدلوله.
وإنما حمل على أنه خاص بهم، لأنهم هم المعنيون بالنذارة دون غيرهم من سائر المخلوقات.
(1) انظر: «معالم التنزيل» 1: 40.
(2)
سورة البقرة، الآية:31.
(3)
سورة النور، الآية:45.
(4)
سورة الفرقان، الآية:1.
وهكذا فإن السياق نفسه يحدد المراد بلفظه: «العالمين» أهو العموم لجميع المخلوقات كما في أكثر المواضع الواردة في القرآن أم الخصوص لبعضعها كما في آية الفرقان.
وكما في قوله: {أَتَاتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} (1). فالمراد بهذا الذكران من عالمي زمانهم من الإنس، وهكذا.
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} : الرحمن صفة ثانية للفظ الجلالة «الله» والرحيم صفة ثالثة له، وكل منهما مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره أو هما بدلان من لفظ الجلالة.
وهذا بعد قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} ثناء على الله تبارك وتعالى لقوله عز وجل في حديث أبي هريرة: «فإذا قال العبد (الرحمن الرحيم) قال الله: أثنى علي عبدي» رواه مسلم (2).
و «الرحمن الرحيم» : اسمان من أسماء الله - تعالى يدل كل منهما على إثبات صفة الرحمة وأثرها، وقد تقدم الكلام عليهما مستوفى في الكلام على البسملة (3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (4) بعدما بين أن اسم «الله» أحق بالعبادة، وأن اسم «الرب» أحق بالاستعانة - قال:«والاسم «الرحمن»
(1) سورة الشعراء، الآية:165.
(2)
سبق تخريجه في ذكر أسماء الفاتحة في المبحث الثاني من هذا الباب.
(3)
في المبحث الثاني من الفصل الثاني من الباب الأول.
(4)
في «مجموع الفتاوى» 14: 13، وانظر «دقائق التفسير» 1:177.
يتضمن كمال المتعلقين، وبوصف (1) الحالين فيه تتم سعادته - يعني العبد - في دنياه وأخراه، ولهذا قال - تعالى:{وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} . فذكر ههنا الأسماء الثلاثة: «الرحمن» ، و «ربي» ، و «الإله» ، وقال:{عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} (2) كما ذكر الأسماء الثلاثة في أم القرآن
…
».
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} مالك صفة رابعة للفظ الجلالة «الله» أو بدل منه مجرور مثله وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، وهو مضاف و «يوم» مضاف إليه مجرور، ويوم مضاف و «الدين» مضاف إليه مجرور وعلامة جره كل منهما الكسرة الظاهرة على آخره.
وهذا بعد قوله - تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} تمجيد الله - تعالى. لقوله - تعالى - في حديث أبي هريرة: [«فإذا قال العبد: {مَالِكِ} قال الله: «مجدني عبدي» .
قرأ عاصم والكسائي: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} بالالف اسم فاعل من «الملك» بكسر الميم وسكون اللام كقوله - تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} (3).
ومعنى «المالك» : المتصرف في الأعيان المملوكة كيف يشاء.
وقرأ باقي السبعة (ملك) والملك هو الحي الذي يتصرف فيأمر وينهي ويطاع، مأخوذ من «الملك» بضم الميم كقوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ
(1) في بعض النسخ: «ووصف» انظر «دقائق التفسير» 1: 177.
(2)
سورة الرعد، الآية:30.
(3)
سورة آل عمران، الآية:26.
أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (1)، وقوله:{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (2)، وقوله:{لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} (3)، وقوله:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ} (4)، وقوله:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} (5)، وقوله تعالى {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} (6)، وقوله:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ} (7).
و «ملك» على وزن «فعل» صفة مشبهة تدل على ثبوت ملكه ودوامه، وأن له التصرف التام في الأمر والنهي.
وقراءة «ملك» أعم وأشمل من قراءة «مالك» إذ إن كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكًا (8).
وقال بعضهم بل قراءة (مالك) أعم وأشمل. قال في «لسان العرب» (9): «روى المنذر عن أبي العباس أنه اختار «مالك يوم الدين» وقال: كل من يملك فهو مالك، لأن بتأويل الفعل مالك يوم الدين أي
(1) سورة البقرة، الآية: 107، وسورة المائدة، الآية:40.
(2)
سورة المائدة، الآية:18.
(3)
سورة فاطر، الآية: 13، وسورة الزمر، الآية:6.
(4)
سورة التغابن، الآية:1.
(5)
سورة الملك، الآية:1.
(6)
سورة الحشر، الآية: 23، وسورة الجمعة، الآية:1.
(7)
سورة الناس، الآية: 1 - 2.
(8)
انظر: «معالم التنزيل» 1: 40، «الكشاف» 1: 9، «زاد المسير» 1: 13، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 140 - 141.
(9)
مادة: ملك.
يملك إقامته، ومنه قوله تعالى:{مَالِكَ الْمُلْكِ} » (1).
وكل من القراءتين سبعية وصحيحة ثابتة، نزل بها جبريل من عند الله على النبي صلى الله عليه وسلم وإذا صح في الآية أكثر من قراءة فكل قراءة بمثابة آية. ولا تجوز المقارنة بين ألفاظ تلك القراءات من حيث الجودة والحسن إذ ليس في كلام الله جيد وأجود، وحسن أحسن، بل كل كلامه - تعالى في غاية الجودة والحسن، وفي أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة، قال تعالى:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (2).
{يَوْمِ الدِّينِ} «اليوم» في الأصل هو القطعة من الزمن قليلة كانت أو كثيرة: أي مطلق الوقت.
فمن إطلاقه على الزمن وإن كان قليلًا قوله - تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} (3): أي ساعة التي الجمعان.
وقوله تعالى: {رَبِّكَ يَوْمَ يَاتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} (4). وقوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} (5)، ويقال:«شاهدتك يومًا، أو سمعتك يوم كذا» : أي لحظة من يوم (6).
(1) سورة آل عمران: الآية: 26.
(2)
سورة النساء، الآية:82.
(3)
سورة آل عمران: الآية: 155.
(4)
سورة الأنعام، الآية:158.
(5)
سورة مريم، الآية:15.
(6)
انظر «البحر المحيط» 1: 21.
كما يطلق على الزمن الطويل قال تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (1).
وقال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (2)، وهو اليوم الآخر، ويوم القيامة، كما ذكره الله تعالى في آيات عديدة من كتابه العزيز.
واليوم في الشرع: ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس (3).
ومنه قوله - تعالى -: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} (4)، وقوله:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (5).
وقوله: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} (6)، وقوله:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} (7)، وقوله تعالى:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} (8).
ومنه قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} (9).
(1) سورة الحج، الآية:47.
(2)
سورة المعارج، الآية:4.
(3)
انظر «الجامع لأحكام القرآن» 1: 143، «البحر المحيط» 1:21.
(4)
سورة البقرة، الآية:184.
(5)
سورة البقرة، الآية:184.
(6)
سورة البقرة، الآية:196.
(7)
سورة البقرة، الآية:203.
(8)
سورة المائدة، الآية:89.
(9)
سورة يونس، الآية:3.
لأن الصحيح من أقوال أهل العلم أن هذه الأيام الستة كأيام الدنيا، لأن الله خاطب العرب بما يعرفون.
وأيام الله تعالى هي نعمه تعالى، وثوابه للمطيعين، ووقائعه في العاصين كما قال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (1).
وقال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (2).
و (الدين) هو الحساب والجزاء على الأعمال خيرها وشرها (3).
كما قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)} (4) أي جزاء أعمالهم.
وقال تعالى: {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)} (5): أي غير مجزيين بأعمالكم ومحاسبين عليها.
وذكر الله عن الكفار قولهم: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا
(1) سورة إبراهيم، الآية:5.
(2)
سورة الجاثية، الآية:14. انظر: «تفسير الكريم الرحمن» 4: 124، 7: 23.
(3)
انظر: «مجاز القرآن» 1: 23، «تفسير الطبري» 1: 155 - 160، «صحيح البخاري» مع الفتح 8: 106، «معالم التنزيل» 1: 40، «الكشاف» 1: 9، «المحرر الوجيز» 1: 73، «تفسير ابن كثير» 1: 51، وانظر: مادة «دين» في «المفردات في غريب القرآن» و «لسان العرب» .
(4)
سورة النور، الآية:25.
(5)
سورة الواقعة، الآيتان: 86، 87.
لَمَدِينُونَ} (1): أي لمجزيون، وقال تعالى:{وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} (2): أي إن الجزاء على الأعمال لواقع حقيقة.
وقال تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} (3): أي تكذبون بالحساب والجزاء على الأعمال.
وقال تعالى: {يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ} (4). وقال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} (5). وقال تعالى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} (6): أي فما يكذبك بالبعث والحساب والجزاء على الأعمال.
وتفسير الدين بالمحاسبة والمجازاة معروف مشهور في كلام العرب.
قال شهل بن شيبان من قصيدة له في حرب البسوس (7).
ولم يبق سوى العدوا
…
ن دناهم كما دانوا
واعلم يقينًا أن ملكك زائل
…
واعلم بأن كما تدين تدان (8)
(1) سورة الصافات، الآية:53.
(2)
سورة الذاريات، الآية:6.
(3)
سورة الانفطار، الآية:9.
(4)
سورة الانفطار، الآية:15.
(5)
سورة الانفطار، الآية: 17 - 19.
(6)
سورة التين، الآية:7.
(7)
«شرح ديوان الحماسة» للمرزوقي 1: 35 - نشره أحمد أمين وعبد السلام هارون - القاهرة 1387 هـ - 1967م، «الكشاف» 1: 9، «المحرر الوجيز» 1:73.
(8)
انظر «تفسير الطبري» 1: 155. وقد نسب البيت ليزيد الكلابي في «الكامل» 1: 191، «جمهرة الأمثال» للعسكري 169، «المخصص» 17: 155، ونسب في «اللسان» مادة «دان» لخويلد بن نوفل الكلابي يخاطب الحارث بن أبي شمر الغسائي، وكان اغتصبه ابنته. ونسب في «مجاز القرآن» 1: 23 - إلى ابن نفيل يزيد بن الصعق واسم الصعق: عمرو بن خويلد بن نفيل.
وقال آخر:
حصادك يومًا ما زرعت وإنما
…
يدان الفتى يومًا كما هو دائن (1)
وفي المثل والأثر: «كما تدين تدان» (2).
والمراد بـ {يَوْمَ الدِّينِ} يوم القيامة، يوم قيام الناس من قبورهم، وقيام الأشهاد من الرسل والأنبياء والصالحين والملائكة، ويوم قيام العدل الحقيقي، يوم إدانة الخلائق ومحاسبتهم ومجازاتهم بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر. كما قال تعالى:{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (3)، وقال تعالى:{الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (4).
قال عمر رضي الله عنه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} (5).
ويطلق الدين على الملة والشريعة، كما قال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ
(1) نسبه القرطبي في «تفسيره» 1: 143 - 144 - للبيد، وليس في ديوانه.
(2)
انظر: «مجاز القرآن» 1: 23، «لسان العرب»:«مادة» دين»، «فتح الباري» 8: 458
…
.
(3)
سورة غافر، الآية:17.
(4)
سورة الجاثية، الآية:28.
(5)
سورة الحاقة، الآية:18. انظر: «تفسير ابن كثير» 1: 51.
مُسْلِمُونَ} (1). وقال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (2)، وقال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (3)، وقال تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (4)، وقال تعالى:{وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (5)، وقال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} (6)، وقال تعالى:{ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (7)، وقال تعالى:{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (8).
ويطلق على الحكم والقضاء الشرعي قال تعالى: {وَلَا تَاخُذْكُمْ بِهِمَا رَافَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} (9): أي في حكمه وقضائه الشرعي (10).
وقال تعالى: {مَا كَانَ لِيَاخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} (11): أي في قضاء الملك
ويطلق على العادة والشأن والحال والخلق (12).
(1) سورة البقرة، الآية:132.
(2)
سورة البقرة، الآية: 256، انظر:«المحرر الوجيز» 1: 72، «أنوار التنزيل» 1: 8، «البحر المحيط» 1:21.
(3)
سورة آل عمران، الآية:19.
(4)
سورة آل عمران، الآية:85.
(5)
سورة المائدة، الآية:3.
(6)
سورة التوبة، الآية: 33، وسورة الفتح، الآية: 28، وسرة الصف، الآية:9.
(7)
سورة التوبة، الآية: 36، وسورة يوسف، الآية: 40، وسورة الروم، الآية:30.
(8)
سورة التوبة، الآية: 33، وسورة الفتح، الآية: 28، وسورة الصف، الآية:9.
(9)
سورة النور، الآية:2.
(10)
انظر: «البحر المحيط» 1: 21.
(11)
سورة يوسف، الآية:76.
(12)
انظر: «المحرر الوجيز» 1: 72، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 144، «البحر المحيط» 1:21.
قال امرؤ القيس (1):
كدينك من أم الحويرث قبلها
…
وجارتها أم الرباب بمأسل
وقال المثقب العبدي (2):
تقول إذا درأت لها وضيني
…
أهذا دينه أبدًا وديني
ويطلق على الطاعة (3). قال زهير (4):
لئن حللت بجو في بني أسد
…
في دين عمرو وحالت بيننا فدك
أي: في طاعة عمرو.
وفي السير أنه صلى الله عليه وسلم قال لقريش: «كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم» (5): أي تطيعكم وتخضع لكم.
ويطلق على القهر ومنه: المدين للعبد، والمدينة للأمة (6)، ومنه
(1)«ديوانه» ص9. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - القاهرة، «شرح القصائد العشر» للتبريزي ص30، «وهو البيت السابع في معلقته» تحقيق فخر الدين قباوة - حلب 1393 هـ.
(2)
انظر: «المحرر الوجيز» 1: 73، وانظر:«اللسان» مادة: «وضن» . والوضين: بطان منسوج بعضه على بعض يشد به الرحل على البعير.
(3)
انظر: «معالم التنزيل» 1: 40، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 145، «البحر المحيط» 1: 21، «أنواع التنزيل» 1: 8
(4)
انظر: «المحرر الوجيز» 1: 73.
(5)
انظر: «سيرة ابن هشام» 2: 59، «اللسان» مادة «دين» .
(6)
انظر: «البحر المحيط» 1: 21، وانظر:«اللسان» مادة: «دين» .
قول عمرو بن كلثوم (1):
وأيام لنا غر طوال
…
عصينا الملك فيها أن ندينا
أي: أن نقهر.
وقال ذو الاصبع العدواني (2):
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب
…
عني ولا أنت دياني فتخزوني
والدين: بالفتح ما تعلق بذمة العبد من حقوق الله، كصيام نذر، أو من حقوق العباد كثمن مبيع، أورد قرض ونحو ذلك.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (3)، وقال تعالى:{بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (4).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: «لو كان على أمك دين، أكنت قاضيه عنها؟. قال: نعم. قال: «فدين الله أحق أن يقضى» متفق عليه (5).
(1)«شرح القصائد السبع الطوال» لأبي بكر بن الأنباري ص 388، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة 1400 هـ - 1980م ضمن معلقة عمرو بن كلثوم.
(2)
انظر: «البحر المحيط» 1: 21، وفي «اللسان» مادة:«دين» .
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب
…
فينا، ولا أنت دياني فتخزوني
(3)
سورة البقرة، الآية:282.
(4)
سورة النساء، الآية:11.
(5)
أخرجه البخاري في الصوم - باب من مات وعليه صوم - الحديث 1953، ومسلم في الصيام - باب قضاء الصيام عن الميت - الحديث 1148.