المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌{غير المغضوب عليهم ولا الضالين}: - اللباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب

[سليمان اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولالاستعاذة والبسملة، معناهما، وأحكامهما

- ‌الفصل الأولالاستعاذة، معناها، وأحكامها

- ‌المبحث الأولصيغ الاستعاذة الصحيحة

- ‌الصيغة الأولى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

- ‌الصيغة الثانية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

- ‌الصيغة الثالثة: أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه

- ‌الصيغة الرابعة: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه ونفخه ونفثه

- ‌الصيغة الخامسة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم

- ‌الصيغة السادسة: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم

- ‌المبحث الثانيأركان الاستعاذة

- ‌المبحث الثالثالاستعاذة ليست بآية من القرآن الكريم

- ‌المبحث الرابعإعراب الاستعاذة، ومعناها

- ‌أ - إعرابها:

- ‌ب - معناها:

- ‌المبحث الخامسأحكام الاستعاذة

- ‌أ - مكان الاستعاذة من القراءة:

- ‌ب - حكمها عند قراءة القرآن، في الصلاة أو خارجها:

- ‌ج - هل يتعوذ في الصلاة في كل ركعة، أو في الركعة الأولى فقط:

- ‌د - حكم الحهر بها، أو الإسرار:

- ‌هـ - وأما حكم الجهر بها في الصلاة:

- ‌المبحث السادسالمواضع التي تشرع فيها الاستعاذة

- ‌المبحث السابعبيان أن شيطان الجن أعظم ضررًا من شيطان الإنس ومن النفس «المذمومة»

- ‌المبحث الثامنالسبيل للخلاص من شر الشيطان ومكايده

- ‌الفصل الثانيالبسملة: معناها، وأحكامها

- ‌المبحث الأوللفظ البسملة، وإعرابها

- ‌أ - لفظها:

- ‌ب - إعرابها:

- ‌المبحث الثانيمعنى البسملة

- ‌المبحث الثالثهل البسملة آية مستقلة من القرآن الكريم

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌ القول الرابع

- ‌المبحث الرابعالسبب في عدم كتابة البسملة في مطلع سورة براءة

- ‌المبحث الخامسحكم قراءة البسملة في غير الصلاة

- ‌المبحث السادسحكم قراءة البسملة في الصلاة

- ‌المبحث السابعحكم البسملة من حيث الجهر بها والإسرار، في الصلاة، أو خارجها

- ‌المبحث الثامنالمواضع التي تشرع فيها البسملة

- ‌المبحث التاسعفوائد البسملة، والأحكام التي تضمنتها

- ‌الباب الثانيتفسير سورة الفاتحة

- ‌الفصل الأولتفسير سورة الفاتحة

- ‌المبحث الأولمكان نزول الفاتحة

- ‌المبحث الثانيأسماء الفاتحة

- ‌المبحث الثالثعدد آيات الفاتحة، وهل البسملة آية منها

- ‌المبحث الرابعفضل سورة الفاتحة

- ‌فائدة:

- ‌المبحث الخامسالمعاني التي اشتملن عليها سورة الفاتحة

- ‌المبحث السادسبيان معنى السورة والآية

- ‌أ- بيان معنى السورة:

- ‌ب- بيان معنى الآية:

- ‌المبحث السابعتفسير مفردات الفاتحة، وبيان معاني آياتها

- ‌{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

- ‌الفرق بين الحمد والشكر:

- ‌«لله»

- ‌معنى (الحمد لله):

- ‌معنى (مالك يوم الدين):

- ‌ نَعْبُدُ

- ‌لا بد لصحة العبادة من توفر شرطين:

- ‌{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}:

- ‌{الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}

- ‌{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عليهِمْ}

- ‌{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهِمْ وَلَا الضَّالينَ}:

- ‌{وَلَا الضَّالِّينَ}:

- ‌المبحث الثامنما يؤخذ من سورة الفاتحة من فوائد وأحكام

- ‌1 - مشروعية الابتداء في بالبسملة في الكتب والرسائل والخطب والمواعظ ونحوها تأسيًا بكتاب الله تعالى

- ‌2 - مشروعية حمد الله تبارك وتعالى في افتتاح الكتب والرسائل والخطب والمواعظ

- ‌3 - حمد لله -تعالى- لنفسه

- ‌4 - أمر الله -تعالى- عباده أن يحمدوه ويثنوا عليه ويمجدوه

- ‌5 - أن الوصف الكامل مستحق لله على الدوام

- ‌6 - في قوله تعالى: (الحمد لله) رد على الجبرية، الذين يقولون إن الله جبر العبد على أفعاله

- ‌7 - أن الحمد لا ينبغي أن يكون إلا لمن هو أهل له

- ‌8 - يؤخذ من قوله -تعالى-: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الإقرار والاعتراف من العبد لله جل وعلا بالكمال من جميع الوجوه وبالفضل والإنعام والإحسان

- ‌9 - إثبات توحيد الأسماء والصفات

- ‌10 - إثبات توحيد الإلوهية

- ‌11 - إثبات توحيد الربوبية بقسميه العام لجميع الخلق

- ‌12 - إثبات علم الله تعالى الشامل

- ‌13 - إثبات أنه تعالى الأول بلا بداية

- ‌14 - أن الأحق بالاستعانة والمسألة هو اسم «الرب»

- ‌15 - في قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} إشارة إلي تساوي الخلق في الربوبية العامة التي بمعني الخلق والملك والتدبير

- ‌16 - في إثبات حمده وروبيته للعالمين وتوحيد رد على من قال بقدم العالم فإن في إثبات حمده ما يقتضي ثبوت أفعاله الاختيارية

- ‌17 - في إثبات رحمته -تعالى- ورحمانيته رد على الجبرية في أن الله يعاقب العبد على ما لا قدرة له عليه

- ‌18 - إثبات يوم القيامة

- ‌19 - يؤخذ من قوله -تعالى-: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} الدلالة على أن الملك الحقيقي لله جل وعلا

- ‌20 - إثبات محاسبة الله للعباد ومجازاته لهم على أعمالهم بالعدل

- ‌21 - إثبات كتابة الأعمال وتدوينها وإحصائها

- ‌22 - الحث على الاستعداد ليوم الدين

- ‌23 - في تقديم قوله تعالى: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} على قوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} إشارة إلى أن رحمته تعالى سبقت غضبه

- ‌24 - الجميع بين الترغيب والترهيب

- ‌25 - في قول {إِيَّاكَ} رد على الملاحدة والدهرية المنكرين لوجود الله

- ‌26 - في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} بعد الآيات قبله انتقال من الغيبة إلى الخطاب لأجل تنبيه القارئ والمستمع

- ‌27 - دل قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على إثبات نوع من أنواع العبودية

- ‌28 - وجوب إخلاص العبادة لله تعالى بجميع أنواعها اعتقاداً وقولًا وعملًا

- ‌29 - دل قوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على أن العبد لا ينفك عن العبودية حتى الموت

- ‌30 - حاجة جميع الخلق إلى عون الله -تعالى

- ‌31 - تقديم حقه تعالى حق العبد

- ‌32 - لما كانت عبادة الله تعالى هي أشرف مقام يصل إليه العبد

- ‌33 - دل قوله -تعالى-: {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على إثبات القدر

- ‌34 - في نسبة العبادة والاستعانة إلى العباد في قوله (نعبد)…(ونستعين) دليل على أن ذلك من فعلهم

- ‌35 - في تقديم قوله -تعالى- {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

- ‌36 - وجوب دعاء الله والتضرع إليه وسؤاله الهداية

- ‌37 - في قوله تعالى {اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم} رد على القدرية المجوسية

- ‌38 - إن الهدى الحقيقي الصحيح هو ما جاء عن الله -تعالى

- ‌39 - مشروعية دعاء المسلم لإخوانه المسلمين

- ‌40 - ربط الأعمال ونجاحها بأسبابها

- ‌41 - أن صراط الله والطريق الموصل إليه عدل مستقيم لا اعوجاج فيه

- ‌42 - يؤخذ من قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ

- ‌43 - إن الصراط المستقيم الذي يسأل العبد ربه الهداية إليه هو صراط الذين أنعم عليهم بطاعته وتعالى

- ‌44 - أن الهداية للطريق المستقيم بالإيمان بالله والعمل الصالح

- ‌45 - في قوله تعالى

- ‌46 - التنويه بعلو شأن المنعم عليهم وفضلهم ورفعة قدرهم

- ‌47 - الترغيب بسلوك الطريق المستقيم

- ‌48 - أن الطريق الحق واحد

- ‌49 - أن الصراط تارة يضاف إلى سالكيه

- ‌50 - وجوب الاعتراف بالنعمة لموليها ومسديها

- ‌51 - في إثبات حمده بصفات الكمال وإثبات ربوبيته وملكه

- ‌53 - إثبات كمال الصراط المستقيم

- ‌54 - ينبغي للعبد بعد أن يسأل الله تعالى أن يهديه الصراط المستقيم

- ‌55 - إثبات صفة الغضب - لله - كما يليق بجلاله وعظمته

- ‌56 - ينبغي للعبد أن يسلك من الطرق أحسنها وأصلحها وأقومها

- ‌57 - أن من أخص صفات اليهود الغضب

- ‌58 - أن كل من سلك مسلك أحد الطائفتين شمله وصف تلك الطائفة

- ‌59 - دل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وما بعده على أن الناس ينقسمون بحسب معرفة الحق والعمل به

- ‌60 - في إسناد النعمة إلى الله تعالى

- ‌61 - بلوغ القرآن غاية الإيجاز مع الفصاحة والبيان

- ‌62 - الترغيب في سلوك سبيل المنعم عليهم والمؤمنين

- ‌63 - دلت السورة على إثبات النبوات ووجوب الإيمان بالكتب والرسل

- ‌64 - تضمنت السورة الدلالة على سعة علم الله عز وجل وخبرته وتعلق علمه بالجزئيات

- ‌65 - اشتمل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وما بعده إلى آخر السورة على الرد على جميع طوائف الكفر والضلال

- ‌66 - تضمنت السورة شفاء القلوب، كما تضمنت شفاء الأبدان

- ‌الفصل الثانيالأحكام التي تتعلق بسورة الفاتحة

- ‌المبحث الأولحكم قراءة الفاتحة في الصلاة

- ‌أولًا: حكم قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد:

- ‌ثانيًا: حكم قراءة الفاتحة في حق المأموم:

- ‌اختلف أهل العلم رحمهم الله قديمًا وحديثًا في هذه المسألة

- ‌أ- السبب الأول:

- ‌ب- السبب الثاني:

- ‌ إجمال الخلاف في هذه المسألة

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌أ- الاعتراضات الواردة على أدلة القول الأول بأن المأموم يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية

- ‌ب- الاعتراضات الواردة على أدلة القول الثاني أن المأموم يقرأ في الصلاة السرية دون الجهرية

- ‌ج- الاعتراضات الواردة على أدلة أصحاب القول الثالث: أن المأموم لا يقرأ لا في السرية، ولا في الجهرية

- ‌الترجيح بين الأقوال:

- ‌ بيان المشروع من السكتات في الصلاة

- ‌ ما الذي يشرع قوله في سكتات الإمام

- ‌المبحث الثانيوفيه مسائل:

- ‌أ- حكم من لم يستطيع قراءة الفاتحة في الصلاة:

- ‌ب- حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة:

- ‌ج- حكم قراءة الفاتحة على المريض:

- ‌د- حكم قول «آمين» بعد قراءة الفاتحة:

- ‌هـ - حكم قراءة ما زاد على الفاتحة في الصلاة:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌{غير المغضوب عليهم ولا الضالين}:

حتى مروا على رجل ، فقالوا: فلان شهيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كلا إني رأيته في النار غلها أو عباءة» رواه مسلم (1).

وروى أبو العجفاء أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب ، فقال:«تقولون في مغازيكم: فلان شهيد ، ومات فلان شهيدا ، ولعله يكون قد أوقر راحلته ، إلا لا تقولوا ذلكم ، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات في سبيل الله أو قتل فهو في الجنة» (2).

{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهِمْ وَلَا الضَّالينَ} :

«غير» صفة للاسم الموصول «الذين» مبينة أو مقيدة على معني إنهم جمعوا بين النعمة المطلقة ، وهي نعمة الأيمان ، وبين السلامة من الغضب والضلال ، وقيل هي بدل من الاسم الموصول على معني أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلال والتقدير: غير صراط المغضوب عليهم (3).

والصحيح إنها صفة ، وإنما صح مجيء «غير» صفة لمعرفة وهو الاسم الموصول مع أن «غيرًا» لا تتعرف لشدة إبهامها - لما في من

(1) أخرجه مسلم في الأيمان - باب غلط تحريم الغلول ، وانه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ، الحديث 114.

(2)

أخرجه النسائي في النكاح - الحديث 3141 ، واحمد 1: 41 ، 48 ، وقال الحافظ ابن حجر:«وهو حديث حسن» . وصححه الألباني.

(3)

انظر «معاني القرآن» للفراء 1: 7 ، «معاني القارن» للاخفش 1: 164 - 165 ، «تفسير الطبري» 1: 180 - 181 ، 184 ، «المدخل لعلم تفسير كتاب الله» ص 89 «الكشاف» 1: 11 ، «أنوار التنزيل» 1:11.

ص: 286

الإبهام ورائحة النكرة، ولان «غيرًا» أضيفت إلى «المغضوب» وهي معرفة ، ووقعت بين ضدين منعم عليهم ومغضوب عليهم فضعف إبهامها كما قال ابن هشام (1). أو زال إبهامها وتعرفت كما قال ابن السراج (2). واختاره ابن القيم (3).

و «غير» ملازمة للأفراد والتذكير ، وللإضافة لفظًا أو تقديرًا ، وهي لا تعرف وان أضيفت إلى معرفة عند أكثر من اللغة ، ولا تدخل عليها الألف واللام (4).

وقد روي عن ابن كثير انه قراها بالنصب «غير» على الحال ، وثبت عنه وعن بقية القراء السبعة قراءتها بالكسر «غير» (5).

«غير» مضاف و «المغضوب» مضاف إليه مجرور. و «عليهم» متعلق ب «المغضوب» ، قراها حمزة بالضم «عليهم» وقرأها بقية السبعة بالكسر «عليهم» كقراءة «عليهم» في قوله:{أَنْعَمْتَ عليهِمْ} (6).

وإنما وصف الله تبارك وتعالى صراط المنعم عليهم بقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهِمْ وَلَا الضَّالينَ} لتأكيد كمال صراط المنعم عليهم ، لأن الصفات السلبية يؤتي بها لإثبات كمال ضدها، كما في قوله - تعالى:

(1) انظر: «مغني اللبيب» 1: 158.

(2)

انظر: «بدائع المحيط» 2: 23 - 28.

(3)

انظر: «البحر المحيط» 1: 28.

(4)

انظر: «الكشاف» 1: 11 ، «المحرر الوجيز» 1: 58 ، «تفسير ابن كثير» 1:57.

(5)

راجع ما سبق في الكلام علي قوله {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}

(6)

سورة الفرقان ، الآية:58.

ص: 287

{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} (1).

فقوله: {الَّذِي لَا يَمُوتُ} صفة سلبية جئ بها لإثبات كمال ضدها ، وهي الحياة.

وكقوله - تعالى: {لَا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} (2). فهو لإثبات كمال قيوميته تبارك وتعالى.

والغضب: ضد الرضا (3).

وفي الحديث: «ألا وإن الغضب جمرة توقد في ابن ادم ، ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه (4)» ).

والغضب صفة من صفات الله - تعالى - يجب إثباتها لله ، كما يليق بجلاله وعظمته ، ولا تشبه صفات المخلوقين.

قال تعالى: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عليكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عليهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} (5).

وفي حديث أبي هريرة في الشفاعة: «إنَّ ربي قد غضب اليوم غضبًا لم

(1) سورة البقرة ، الآية:255.

(2)

انظر: «لسان العرب» مادة: غضب.

(3)

أخرجه من حديث أبي سعيد الخدري - الترمذي في الفتن باب ما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة الحديث 2191. وقال: «حديث حسن صحيح» ، واحمد 3: 19 ، 61.

(4)

سورة طه ، الآية:81.

(5)

أخرجه البخاري عن أبي هريرة مطولاً في الانتبياء الحديث 3340 ، ومسلم في الأيمان الحديث 194.

ص: 288

يغضب قبله مثله». متفق عليه (1).

والمراد بالمغضوب عليهم من استوجبوا غضب الله ، ووصفوا به ، ممن فسدت إرادتهم فعدلوا عن الحق بعد أن عرفوه وعلموه.

وفي مقدمتهم اليهود ، قال عدي بن حاتم: سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهِمْ} قال: هم اليهود ، {وَلَا الضَّالينَ} قال: هم النصارى» (2).

وقد وصف الله الاهود بالغضب وحكم به في مواضع من كتابه. قال تعالى: {وَضُرِبَتْ عليهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (3)، وقال تعالى:{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} . وقال تعالى: {ضُرِبَتْ عليهِمُ الذِّلَّةُ أينَ مَا

(1) إسناده صحيح. والحديث أخرجه الترمذي في تفسير سورة الفاتحة - الحديثان 2953 ، 2954 ، واحمد 4: 378 - 379 ، والطبري في «تفسيره» الأحاديث 193 - 195 ، 207 - 209 ، والطيالسي - الحديث 1040 ، والطبراني في الكبير 7: 98 - 100. وقد اخرج الطبري - الأحاديث 196 - 199 ، 210 - 213 عن عبد الله بن شفيق انه اخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول نحو حديث عدي قال ابن حجر في «الفتح» 8: 159: «ورواه احمد» وأخرجه ابن مردويه فيما ذكر ابن كثير 1: 59 من رواية عبد الله بن شفيق عن أبي ذر - موصولا - وقد أشار إلى رواية ذر الحافظ ابن حجر في الموضع السابق وقال: «اسنادة حسن».

(2)

سورة البقرة ، الآية:61.

(3)

سورة البقرة ، الآية:90.

ص: 289

ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (1) وقال تعالى: «قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عليهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ» (2)،وقال تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» (3)، وقال تعالى:{لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عليهِمْ} (4)،وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عليهِمْ} (5).

وإنما وصفوا بالغضب ووصموا به، واستوجبوه، لأنهم عرفوا الحق وتركوه كفرًا وحسدًا، كما قال تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (6). وقال تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (7).

وعن زيد بن عمرو بن نفيل أنه خرج إلي الشام، يسأل عن الدين، ويتبعه، فلقي عالمًا من اليهود، فسأله عن دينهم، فقال: إني لعلي أن أدين دينكم فأخبرني. فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله قال زيد: ما أفر إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئًا أبدًا،

(1) سورة آل عمران، الآية:112.

(2)

سورة المائدة، الآية:60.

(3)

سورة الاعراف، الآية 152.

(4)

سورة المجادلة، الآية:14.

(5)

سورة الممتحنة، الآية:13.

(6)

سورة البقرة، الآية:109.

(7)

سورة البقرة، الآية: 146، وسورة الأنعام، الآية:20.

ص: 290