الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى مروا على رجل ، فقالوا: فلان شهيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كلا إني رأيته في النار غلها أو عباءة» رواه مسلم (1).
وروى أبو العجفاء أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب ، فقال:«تقولون في مغازيكم: فلان شهيد ، ومات فلان شهيدا ، ولعله يكون قد أوقر راحلته ، إلا لا تقولوا ذلكم ، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات في سبيل الله أو قتل فهو في الجنة» (2).
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهِمْ وَلَا الضَّالينَ} :
«غير» صفة للاسم الموصول «الذين» مبينة أو مقيدة على معني إنهم جمعوا بين النعمة المطلقة ، وهي نعمة الأيمان ، وبين السلامة من الغضب والضلال ، وقيل هي بدل من الاسم الموصول على معني أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلال والتقدير: غير صراط المغضوب عليهم (3).
والصحيح إنها صفة ، وإنما صح مجيء «غير» صفة لمعرفة وهو الاسم الموصول مع أن «غيرًا» لا تتعرف لشدة إبهامها - لما في من
(1) أخرجه مسلم في الأيمان - باب غلط تحريم الغلول ، وانه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ، الحديث 114.
(2)
أخرجه النسائي في النكاح - الحديث 3141 ، واحمد 1: 41 ، 48 ، وقال الحافظ ابن حجر:«وهو حديث حسن» . وصححه الألباني.
(3)
انظر «معاني القرآن» للفراء 1: 7 ، «معاني القارن» للاخفش 1: 164 - 165 ، «تفسير الطبري» 1: 180 - 181 ، 184 ، «المدخل لعلم تفسير كتاب الله» ص 89 «الكشاف» 1: 11 ، «أنوار التنزيل» 1:11.
الإبهام ورائحة النكرة، ولان «غيرًا» أضيفت إلى «المغضوب» وهي معرفة ، ووقعت بين ضدين منعم عليهم ومغضوب عليهم فضعف إبهامها كما قال ابن هشام (1). أو زال إبهامها وتعرفت كما قال ابن السراج (2). واختاره ابن القيم (3).
و «غير» ملازمة للأفراد والتذكير ، وللإضافة لفظًا أو تقديرًا ، وهي لا تعرف وان أضيفت إلى معرفة عند أكثر من اللغة ، ولا تدخل عليها الألف واللام (4).
وقد روي عن ابن كثير انه قراها بالنصب «غير» على الحال ، وثبت عنه وعن بقية القراء السبعة قراءتها بالكسر «غير» (5).
«غير» مضاف و «المغضوب» مضاف إليه مجرور. و «عليهم» متعلق ب «المغضوب» ، قراها حمزة بالضم «عليهم» وقرأها بقية السبعة بالكسر «عليهم» كقراءة «عليهم» في قوله:{أَنْعَمْتَ عليهِمْ} (6).
وإنما وصف الله تبارك وتعالى صراط المنعم عليهم بقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهِمْ وَلَا الضَّالينَ} لتأكيد كمال صراط المنعم عليهم ، لأن الصفات السلبية يؤتي بها لإثبات كمال ضدها، كما في قوله - تعالى:
(1) انظر: «مغني اللبيب» 1: 158.
(2)
انظر: «بدائع المحيط» 2: 23 - 28.
(3)
انظر: «البحر المحيط» 1: 28.
(4)
انظر: «الكشاف» 1: 11 ، «المحرر الوجيز» 1: 58 ، «تفسير ابن كثير» 1:57.
(5)
راجع ما سبق في الكلام علي قوله {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}
(6)
سورة الفرقان ، الآية:58.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} (1).
فقوله: {الَّذِي لَا يَمُوتُ} صفة سلبية جئ بها لإثبات كمال ضدها ، وهي الحياة.
وكقوله - تعالى: {لَا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} (2). فهو لإثبات كمال قيوميته تبارك وتعالى.
والغضب: ضد الرضا (3).
وفي الحديث: «ألا وإن الغضب جمرة توقد في ابن ادم ، ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه (4)» ).
والغضب صفة من صفات الله - تعالى - يجب إثباتها لله ، كما يليق بجلاله وعظمته ، ولا تشبه صفات المخلوقين.
قال تعالى: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عليكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عليهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} (5).
وفي حديث أبي هريرة في الشفاعة: «إنَّ ربي قد غضب اليوم غضبًا لم
(1) سورة البقرة ، الآية:255.
(2)
انظر: «لسان العرب» مادة: غضب.
(3)
أخرجه من حديث أبي سعيد الخدري - الترمذي في الفتن باب ما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة الحديث 2191. وقال: «حديث حسن صحيح» ، واحمد 3: 19 ، 61.
(4)
سورة طه ، الآية:81.
(5)
أخرجه البخاري عن أبي هريرة مطولاً في الانتبياء الحديث 3340 ، ومسلم في الأيمان الحديث 194.
يغضب قبله مثله». متفق عليه (1).
والمراد بالمغضوب عليهم من استوجبوا غضب الله ، ووصفوا به ، ممن فسدت إرادتهم فعدلوا عن الحق بعد أن عرفوه وعلموه.
وفي مقدمتهم اليهود ، قال عدي بن حاتم: سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهِمْ} قال: هم اليهود ، {وَلَا الضَّالينَ} قال: هم النصارى» (2).
وقد وصف الله الاهود بالغضب وحكم به في مواضع من كتابه. قال تعالى: {وَضُرِبَتْ عليهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (3)، وقال تعالى:{بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} . وقال تعالى: {ضُرِبَتْ عليهِمُ الذِّلَّةُ أينَ مَا
(1) إسناده صحيح. والحديث أخرجه الترمذي في تفسير سورة الفاتحة - الحديثان 2953 ، 2954 ، واحمد 4: 378 - 379 ، والطبري في «تفسيره» الأحاديث 193 - 195 ، 207 - 209 ، والطيالسي - الحديث 1040 ، والطبراني في الكبير 7: 98 - 100. وقد اخرج الطبري - الأحاديث 196 - 199 ، 210 - 213 عن عبد الله بن شفيق انه اخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول نحو حديث عدي قال ابن حجر في «الفتح» 8: 159: «ورواه احمد» وأخرجه ابن مردويه فيما ذكر ابن كثير 1: 59 من رواية عبد الله بن شفيق عن أبي ذر - موصولا - وقد أشار إلى رواية ذر الحافظ ابن حجر في الموضع السابق وقال: «اسنادة حسن».
(2)
سورة البقرة ، الآية:61.
(3)
سورة البقرة ، الآية:90.
ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (1) وقال تعالى: «قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عليهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ» (2)،وقال تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» (3)، وقال تعالى:{لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عليهِمْ} (4)،وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عليهِمْ} (5).
وإنما وصفوا بالغضب ووصموا به، واستوجبوه، لأنهم عرفوا الحق وتركوه كفرًا وحسدًا، كما قال تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (6). وقال تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (7).
وعن زيد بن عمرو بن نفيل أنه خرج إلي الشام، يسأل عن الدين، ويتبعه، فلقي عالمًا من اليهود، فسأله عن دينهم، فقال: إني لعلي أن أدين دينكم فأخبرني. فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله قال زيد: ما أفر إلا من غضب الله، ولا أحمل من غضب الله شيئًا أبدًا،
(1) سورة آل عمران، الآية:112.
(2)
سورة المائدة، الآية:60.
(3)
سورة الاعراف، الآية 152.
(4)
سورة المجادلة، الآية:14.
(5)
سورة الممتحنة، الآية:13.
(6)
سورة البقرة، الآية:109.
(7)
سورة البقرة، الآية: 146، وسورة الأنعام، الآية:20.