الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «وإذا قرأ فأنصتوا» يخصص بما رواه أبو داود عن عبادة بن الصامت المتقدم فإنه نص في قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة الجهرية. والقاعدة أن الخاص إذا عارضه العام حمل العام على الخاص وخصص به جمعا بين الدليلين وإعمالا لهما بدلًا من إلغاء أحدهما.
وروى مسلم وأبو داود - أيضًا - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج، غير تمام» .
قال له السائب مولى هشام بن زهرة: يا أبا هريرة إني أكون أحيانًا وراء الإمام فغمز ذراعه وقال: اقرأ بها يافارسي في نفسك. فدل جواب أبي هريرة للسائب راوي الحديث عنه على أنه فهم من الحديث قراءة المأموم لها في الصلاة لكنه رأى أن يكون ذلك سرًا».
فائدة: في
بيان المشروع من السكتات في الصلاة
، وما يشرع قوله فيها:
وحيث شرع للمأموم قراءة الفاتحة في سكتات الإمام، فإن من المناسب ذكر المشروع من السكتات، وما يشرع قوله في هذه السكتات.
أولًا: بيان المشروع من السكتات في الصلاة.
اختلف أهل العلم في المشروع من السكتات في الصلاة على أقوال
عدة:
أ- جمهور أهل العلم على أن المشروع من السكتات في الصلاة سكتتان، منهم الشافعي (1)، وأحمد (2)، وإسحاق (3)، والحسن وقتادة (4) والأوزاعي (5)، وأبو ثور (6).
واستدلوا على هاتين السكتتين بما يلي:
1 -
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال أقول: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد» متفق عليه (7).
(1) انظر «المجموع» 3: 395، «التبيان» ص 104.
(2)
انظر «مسائل الإمام أحمد» رواية ابنه عبد الله ص 75 فقرة 270، 271، «المغني» 2: 163 - 164، «مجموع الفتاوى» 23:278.
(3)
انظر: «سنن الترمذي» 2: 31.
(4)
انظر: «الاستذكار» 2: 191.
(5)
أخرجه عن الأوزاعي البيهقي في «القراءة خلف الإمام» الأثر 247 قال: «يحق على الإمام أن يسكت سكتة بعد التكبيرة الأولى واستفتاح الصلاة، وسكتة بعد قراءة فاتحة الكتاب ليقرأ من خلفه بفاتحة الكتاب» ، وانظر:«الاستذكار» 2: 191، «التمهيد» 11:42.
(6)
انظر: «الاستذكار» 2: 191، «التمهيد» 11:42.
(7)
أخرجه البخارص في الأذان- ما يقول بعد التكبير- الحديث 744، ومسلم في المساجد- ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة والحديث 598، وأبو داود في الصلاة- الحديث 781، والنسائي في الافتتاح، الحديث 860.
2 -
ما رواه سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال: «سكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكر ذلك عمران بن حصين، وقال حفظنا سكتة. فكتبنا إلى أبي بن كعب بالمدينة فكتب أبي أن حفظ سمرة» .
قال سعيد: فقلنا لقتادة: «ما هاتان السكتتان؟ قال: إذا دخل في صلاته، وإذا فرغ من القراءة، ثم قال بعد ذلك: وإذا قرأ {وَلَا الضَّالِّينَ} قال: وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يتراد إليه نفسه (1).
وفي رواية (2) عن الحسن عن سمرة بن جندب «أنه تذاكر وعمران بن حصين، فحدث سمرة بن جندب أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين، سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فحفظ ذلك سمرة، وأنكر عليه عمران بن حصين، فكتبنا في ذلك إلى أبي بن كعب، فكان في كتابه إليهما أو في رده عليهما أن سمرة قد حفظ» .
وفي رواية (3) عن الحسن عن سمرة بن جندب: «أن رسول الله
(1) أخرجه أبو داود في الصلاة- باب السكتة عند الافتتاح- الحديث 779، والترمذي في الصلاة- ما جاء في السكتتين في الصلاة، الحديث 251، وقال:«حديث حسن» ، وابن ماجه في الصلاة- باب في سكتتي الإمام- الحديث 844. وليس عند أبي داود قوله:«وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يتراد إليه نفسه» .
(2)
أخرجها أبو داود- الحديث 779، والدارقطني 1:336.
(3)
أخرجها الإمام أحمد 5: 15، والبخاري في جزء القراءة - الحديث 278، 279 وابن المنذر في «الأوسط» الحديث 1340، والدارقطني 1:309.
قال ابن المنذر: «في إسناده مقال، يقال: إن الحسن لم يسمعه من سمرة» وقال ابن القيم في «زاد المعاد» 1: 208: «وقد صحح حديث السكتتين من رواية سمرة وأبي بن كعب وعمران بن حصين أبو حاتم في صحيحه» .
- صلى الله عليه وسلم كانت له سكتتان، سكتة حين يفتتح الصلاة، وسكتة إذا فرغ من السورة الثانية قبل أن يركع
…
».
واتفقوا على أن السكتة الأولى بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة للتنصيص على مكانها في الحديثين.
واختلفوا في محل السكتة الثانية بناء على اختلاف روايات حديث سمرة، فقال بعضهم: هي بعد انتهاء القراءة، وقبل التكبير للركوع، ورجح هذا الإمام أحمد (1) وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمهما الله تعالى (2) -.
وقيل: إنها بعد قراءة الفاتحة.
وإلى هذا القول يميل ابن القيم - رحمه الله تعالى - فيما يظهر من كلامه في «زاد المعاد» (3).
حيث قال بعد أن ذكر تصحيح أبي حاتم لحديث السكتتين من رواية سمرة، وأبي بن كعب، وعمران بن حصين قال: «وقد تبين بذلك أن أحد من روى حديث السكتتين سمرة بن جندب، وقال: حفظت من
(1) انظر: «مجموع الفتاوى» 23: 278، 22:339.
(2)
في «مجموع الفتاوى» 22: 338، وانظر:«زاد المعاد» 1: 208، 216.
(3)
1: 208 - 209.
رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين، سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراة {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} وفي بعض طرق الحديث فإذا فرغ من القراءة سكت، وهذا كالمجمل واللفظ الأول مفسر مبين، ولهذا قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: للإمام سكتتان فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب، إذا افتتح الصلاة، وإذا قال:{وَلَا الضَّالِّينَ} على أن تعيين محل السكتتين إنما هو من تفسير قتادة».
وهل هذه السكتات واجبة على الإمام، أو مستحبة؟ ذهب بعض أهل العلم إلى أنها واجبة على الإمام، منهم الأوزاعي وأبو ثور وذهب أكثر أهل العلم إلى أن ذلك مستحب فقط.
ب- وذهب بعض العلماء إلى أن المشروع للإمام سكتة واحدة للاستفتاح منهم: عمران بن حصين (1)، وبه قال الإمام أبو حنيفة (2)، مستدلين بحديث أبي هريرة المتقدم كان النبي صلى الله عليه وسلم «إذا كبر سكت هنية» ، أما حديث السكتتين فلم يصح عندهم.
ج- وذهب بعض أهل العلم إلى أن المشروع للإمام ثلاث سكتات منهم طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد قالوا: يستحب للإمام ثلاث سكتات، والثانية: منها بعد قراءة الإمام الفاتحة ليقرأ المأموم الفاتحة، والثالثة: بعد الانتهاء من القراءة وقبل الركوع. (3)
(1) كما في حديث سمرة السابق.
(2)
انظر «فتح القدير» 1: 288 - 289، «إعلان السنن» للتهانوي 2: 214، وانظر:«مجموع الفتاوى» 23: 278.
(3)
انظر: «المجموع» 3: 395، «الكافي» لابن قدامة 1:134.
مستدلين بحديث أبي هريرة وحديث سمرة برواياته.
د- وذهب الإمام مالك إلى أنه لا سكوت في الصلاة بحال من الأحوال (1).
والذي عليه جمهور أهل العلم، وصححه بعض المحققين من أهل العلم أن السكتات الثابتة اثنتان فقط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (2): «والصحيح أنه لا يستحب إلا سكتتان فليس في الحديث إلا ذلك، وإحدى الروايتين غلط، وإلا كانت ثلاثا وهذا هو المنصوص عن أحمد، وأنه لا يستحب إلا سكتتان، والثانية عند الفراغ من القراءة، للاستراحة والفصل بينها وبين الركوع، وأما السكوت عقيب الفاتحة فلا يستحبه أحمد» (3).
وقال أيضًا (4): «ولم يقل أحد إنه كان له ثلاث سكتات، ولا أربع سكتات فمن نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سكتات أو أربع فقد قال قولا لم ينقله عن أحد من المسلمين» .
وقال ابن القيم (5): «وكان له سكتتان، سكتة بين التكبير والقراءة، وعنها سأله أبو هريرة. واختلف في الثانية، فروي أنها بعد الفاتحة، وقيل: إنها بعد القراءة وقبل الركوع، وقيل: هي سكتتان غير الأولى
(1) انظر: «المدونة» 1: 62، «الاستذكار» 2: 1912، «التمهيد» 11:43.
(2)
في «مجموع الفتاوى» 22: 338 - 339.
(3)
انظر: «مسائل الإمام احمد» رواية ابنه عبد الله ص 76.
(4)
23: 277.
(5)
في «زاد المعاد» 1: 207، وانظر:216.