الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يؤيد هذا أنه مأمور بالإنصات حال قراءة الإمام. أما القراءة التي لا يسمعها فكيف تكون له قراءة وهو لا يسمعها.
الوجه الخامس: على القول بصحة الاحتجاج بهذا الحديث - أيضًا - فإنه عام خص بحديث عبادة «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وما في معناه، كما خص بهذا قوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (1)، وحديث أبي موسى وأبي هريرة «وإذا قرأ فأنصتوا» .
يدل على هذا التخصيص حديث عبادة «لا تفعلوا إلا بأم القرآن» . فيكون معنى الحديث «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة فيما عدا الفاتحة» .
وأجاب أصحاب القول الثاني بأن حديث «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» ليس مخصصًا بحديث عبادة وما في معناه كما ذكرتم، بل هو من ضمن المخصصات لحديث عبادة وعليه يكون المعنى: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إلا إن كان مأمومًا فتكيفه قراءة الإمام وخاصة في الصلاة الجهرية. وأما حديث «لا تفعلوا إلا بأم القرآن» فقد ذكرنا الطعن، وتوجيهه على القول بصحته.
ج- الاعتراضات الواردة على أدلة أصحاب القول الثالث: أن المأموم لا يقرأ لا في السرية، ولا في الجهرية
.
أولًا: اعترض على استدلالهم بالأدلة التي فيها الأمر بالإنصات
(1) سورة الأعراف، الآية:204.
لقراءة الإمام كآية الأعراف، وحديث أبي موسى وأبي هريرة من وجهين:
الوجه الأول: أن هذه الأدلة إن دلت على عدم القراءة حال جهر الإمام فليس فيها دلالة على عدم القراءة في حال إسرار الإمام، أو سكوته، لأن السكوت حال عدم جهر الإمام لا يسمى إنصاتًا، ولم يؤمر بترك قراءة الفاتحة ولا غيرها في هذه الحال (1).
الوجه الثاني: أن هذه الأدلة التي فيها الأمر بالإنصات مخصصة بالأحاديث التي فيها الأمر بقراءة الفاتحة في الصلاة. كما سبق.
وقد أجاب أصحاب القول الثالث عن الوجه الثاني بأن أدلة الأمر بالإنصات ليست مخصصة بأحاديث الأمر بقراءة الفاتحة في الصلاة، لأن هذه الأحاديث خاصة بالمنفرد والإمام دون المأموم.
ثانيًا: اعترض على استدلالهم بحديث أبي هريرة الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم «مالي أنازع القرآن» . بأن هذا محمود على الجهر خلف الإمام، وهذا لا يجوز بالاتفاق أو على القراءة سرًا حال جهر الإمام، وهذا لا يجوز عند كثير من أهل العلم، ولا يدل الحديث على النهي عن القراءة خلف الإمام مطلقًا، حتى ولو كانت سرًا في حال إسرار الإمام، كما تقولون. ثالثًا: اعترض على استدلالهم بالحديث: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» من وجوه عدة:
(1) انظر جزء القراءة للبخاري، فقرة 32.
منها: الوجه الأول والثالث والخامس من الوجوه المذكورة في الاعتراض على استدلال أصحاب القول الثاني بهذا الحديث.
ومنها: أن المراد بقوله «فقراءة الإمام له قراءة» أي: في الصلاة الجهرية. إذا لم يسكت الإمام، كما يقوله أصحاب القول الثاني - فيما تقدم (1) - وله وجه.
ومنها: أنهم يستدلون بالحديث على عدم جواز القراءة خلف الإمام مطلقًا والحديث ظاهرة أن قراءة الإمام تجزئ عن المأموم، لا أن القراءة لا تجوز من المأموم أو لا تستحب منه. قال ابن تيمية (2):«ليس في حديث «فقراءة الإمام له قراءة» دليل للكوفيين على أنه لا تستحب للمأموم القراءة، وإنما فيه الدلالة على أن له أن يجتزئ بذلك، وأن الواجب يسقط عنه بذلك، لا أنه ليس له أن يقرأ».
ومنها: أن جميع الأذكار التي يشرع للإمام أن يقولها مستحبة كانت أو واجبة يشرع للمأموم أن يقولها فكيف يتحمل الإمام عن المأموم القراءة، ولا يتحمل ما دونها من المستحبات.
رابعًا: اعترض على استدلالهم بحديث عمران بن حصين، الذي فيه:«ظننت أن بعضكم خالجنيها» وحديث ابن مسعود، الذي فيه «خلطتم عليَّ القرآن» .
بأن هذين الحديثين محمولان على الجهر بالقراءة خلف الإمام.
(1) راجع الدليل الخامس من أدلتهم ووجه استدلالهم به.
(2)
في «مجموع الفتاوى» 23: 325.
والجهر بالقراءة خلف الإمام سوار أسر الإمام أو جهر أمر لا يجوز بالاتفاق. وليس فيهما الإنكار على من قرأ سرًا خلف الإمام.
ويمكن حمل ما جاء في حديث عمران «ظننت أن بعضكم خالجنيها» على أنه ليس فيه نهي لهم أو إنكار عليهم، لأن القارئ خلفه قرأ سرًا في صلاة سرية ويؤيد هذا قول شعبة لقتادة - وهما من رواة الحديث:«كأنه كرهه فقال: لو كرهه لنهى عنه» (1).
خامسًا: اعترض على استدلالهم ببعض الآثار عن الصحابة في ترك القراءة خلف الإمام أو النهي عنها بأن أكثر المنقول عنهم في هذا مطلقا يحتمل ترك القراءة خلف الإمام أو النهي عنها في الصلاة الجهرية فقط، ويحتمل تركها والنهي عنها في الحالين، مع وجود الاحتمال لا يصح الجزم، وأيضًا جمهور الصحابة وعامتهم يرون القراءة خلف الإمام، لكن منهم من يرى القراءة في الصلاة السرية والجهرية معًا، ومنهم من يرى القراءة في حال الإسرار فقط. وقليل منهم من يرى ترك القراءة مطلقًا، وأيضًا الذين روي عنهم هذا القول من الصحابة روي عنهم أكثرهم خلافه، حتى قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (2)«ولا أعلم في هذا الباب صاحبًا صح عنه بلا اختلاف أنه قال مثل قول الكوفيين إلا جابر بن عبد الله» .
(1) انظر: «التمهيد» 11: 52، «الاستذكار» 2: 192، «القراءة خلف الإمام» للبيهقي ص 164 - 168، «شرح النووي على مسلم» 4:109.
(2)
2: 193.