الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدليل ما جاء في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله: حمدني عبدي، وإذ قال العبد {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال الله: أثنى علي عبدي. فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال الله: مجدني عبدي
…
» الحديث رواه مسلم (1).
فقوله (الحمد لله) حمد مطلق. و «الحمد» اسم جنس والجنس له كمية وكيفية. فالثناء كمية الحمد وتكثيره والتمجيد كيفيته وتعظيمه.
وهذا يدل على خلاف ما درج عليه كثير من المفسرين وأهل اللغة من تفسير الحمد مطلقًا بالثناء (2).
الفرق بين الحمد والشكر:
فسر بعض أهل العلم الحمد بمعنى الشكر، منهم المبرد (3) والطبري (4). قال الطبري:«العرب تقول الحمد لله شكرًا» .
والصحيح أن الحمد غير الشكر فالحمد كالمدح نقيضه الذم،
(1) سبق تخريجه في ذكر أسماء الفاتحة في المبحث الثاني.
(2)
انظر «مجموع الفتاوى» 6: 266. وانظر: «تفسير الطبري» 1: 139، «الكشاف» 1: 7، «المحرر الوجيز» 1: 63، «زاد المسير» 1: 11، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 133، 134، «أنوار التنزيل» 1: 7، «لسان العرب» مادة (حمد) «البحر المحيط» 1: 18، «أضواء البيان» 1: 39.
(3)
انظر: «الجامع لأحكام القرآن» 1: 133.
(4)
في «تفسيره» 1: 135 - 138.
والشكر نقيضه الكفران (1) وبين الحمد والشكر عموم وخصوص (2).
فالحمد أعم من حيث ما يقع عليه، فهو يقع على الصفات اللازمة والمتعدية تقول: حمدته لفروسيته وشجاعته، وحمدته لكرمه.
وهو أخص من حيث الأداة التي يقع بها، فهو يقع على الصفات اللازمة والمتعدية تقول: حمدته لفروسيته وشجاعته، وحمدته لكرمه.
وهو أخص من حيث الأداة التي يقع بها، فهو يقع باللسان فقط، قال تعالى:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} (3).
قال الزمخشري (4):
«وهو إحدى شعب الشكر «.
قلت: وليس معنى كونه يقع باللسان فقط أن يكون ذلك بدون مواطأة القلب وموافقته، لأن الحمد كما تقدم وصف المحمود بصفات الكمال مع المحبة والتعظيم في القلب، ومعلوم أن مدار الأعمال كلها صلاحًا أو فسادًا على القلب قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى «(5) وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي
(1) انظر: «الكشاف» 1: 8، «الجامع لأحكام القرآن» 1:133.
(2)
انظر: «المفردات» مادة «شكر» ، «معالم التنزيل» 1: 39، «الكشاف» 1: 7، 8، «المحرر الوجيز» 1: 63، «زاد المسير» 1: 11، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 134، «تفسير النسفي» 1: 3، «مجموع الفتاوى» 11: 133 - 134 - 135، 146 «تفسير ابن كثير» 1:45.
(3)
سورة الإسراء، الآية:111.
(4)
في «تفسيره» 1: 7، وانظر:«الجامع لأحكام القرآن» 1: 133 - 134.
(5)
أخرجه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه البخاري في بدء الوحي- الحديث (1)، ومسلم في الإمارة- الحديث 7091.
القلب «(1).
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية (2) رحمه الله: (والحمد إنما يكون بالقلب واللسان
…
).
والشكر أخص من حيث ما يقع عليه فهو لا يقع إلا على الصفات المتعدية. تقول: شكرته لكرمه، ولا تقول: شكرته لفروسيته وشجاعته، فهو لا يكون إلا جزاء على نعمة بينما الحمد يكون جزاء كالشكر، ويكون ابتداء.
وهو: أي الشكر أعم من حيث الأداة التي يقع بها، فهو يقع في القلب واللسان والجوارح كما قال الشاعر:
ولكنني حاولت في الجهد مذهبًا
وما كان شكري وافيًا بِنَوَالِكُم
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
يدي ولساني والضمير المحجبا (3)
فالشكر بالقلب بالاعتراف بالنعمة باطنًا ونسبتها إلى المُنعم بها ومسديها.
والشكر باللسان بالاعتراف بالنعمة ظاهرًا والتحدث بها باللسان. قال الله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (4).
(1) أخرجه من حديث النعمان بن بشير - البخاري- في الإيمان- الحديث 52، ومسلم في المساقاة- الحديث 1599.
(2)
في «مجموع الفتاوى» 11: 134.
(3)
انظر «الكشاف» 1: 7، «مجموع الفتاوى» 11: 133 - 134، «تفسير ابن كثير» 1:45.
(4)
سورة الضحى، الآية:11.
وهذا على القول بأنه يدخل تحت معنى الآية التحدث بنعم الله عامة والآية تحتمله بلا شك، لأنه لا ينافي القول بأن المراد بالنعمة هنا نعمة النبوة.
والشكر بالجوارح بالاستعانة بالنعمة على طاعة المُنعم قولًا وعملًا كما قال تعالى {اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا} (1). وقام صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، وقال:«أفلا أكون عبدًا شكورًا» (2). ويكون بظهور أثر النعمة على المنعم عليه. كما في الحديث «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده «(3). وفي حديث أبي مالك الجشمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا آتاك الله مالًا فلْيُرَ أثر نعمة الله عليك وكرامته» (4).
والمدح أعم منهما جميعًا: من حيث ما يقع عليه (5)، فإنه يقال مما يقع من الإنسان بالتسخير، ومما يقع منه باختياره متعديًا أو لازمًا، فقد يُمدح الإنسان بطول قامته، كما يُمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه،
(1) سورة سبأ، آية:13.
(2)
أخرجه البخاري في التفسير - الحديث 4836 عن المغيرة قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال:«أفلا أكون عبدًا شكورًا» .
وأخرجه أيضًا بنحوه من حديث عائشة رضي الله عنها الحديث رقم 4837. وانظر «تيسير الكريم الرحمن» 6: 267.
(3)
أخرجه الترمذي في الأدب- الحديث 2819 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وقال «حديث حسن» . وأخرجه أحمد 2: 311 من حديث أبي هريرة، 4: 438 من حديث عمران بن حصين.
(4)
أخرجه أبو داود - في اللباس- الحديث 40634، والنسائي في الزينة الحديث 4819 - وصححه الألباني.
(5)
انظر: «الصحاح» و «المفردات» مادة: «مدح» ، «تفسير ابن كثير» 1:46.