المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثانيمعنى البسملة - اللباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب

[سليمان اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولالاستعاذة والبسملة، معناهما، وأحكامهما

- ‌الفصل الأولالاستعاذة، معناها، وأحكامها

- ‌المبحث الأولصيغ الاستعاذة الصحيحة

- ‌الصيغة الأولى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

- ‌الصيغة الثانية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

- ‌الصيغة الثالثة: أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه

- ‌الصيغة الرابعة: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه ونفخه ونفثه

- ‌الصيغة الخامسة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم

- ‌الصيغة السادسة: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم

- ‌المبحث الثانيأركان الاستعاذة

- ‌المبحث الثالثالاستعاذة ليست بآية من القرآن الكريم

- ‌المبحث الرابعإعراب الاستعاذة، ومعناها

- ‌أ - إعرابها:

- ‌ب - معناها:

- ‌المبحث الخامسأحكام الاستعاذة

- ‌أ - مكان الاستعاذة من القراءة:

- ‌ب - حكمها عند قراءة القرآن، في الصلاة أو خارجها:

- ‌ج - هل يتعوذ في الصلاة في كل ركعة، أو في الركعة الأولى فقط:

- ‌د - حكم الحهر بها، أو الإسرار:

- ‌هـ - وأما حكم الجهر بها في الصلاة:

- ‌المبحث السادسالمواضع التي تشرع فيها الاستعاذة

- ‌المبحث السابعبيان أن شيطان الجن أعظم ضررًا من شيطان الإنس ومن النفس «المذمومة»

- ‌المبحث الثامنالسبيل للخلاص من شر الشيطان ومكايده

- ‌الفصل الثانيالبسملة: معناها، وأحكامها

- ‌المبحث الأوللفظ البسملة، وإعرابها

- ‌أ - لفظها:

- ‌ب - إعرابها:

- ‌المبحث الثانيمعنى البسملة

- ‌المبحث الثالثهل البسملة آية مستقلة من القرآن الكريم

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌ القول الرابع

- ‌المبحث الرابعالسبب في عدم كتابة البسملة في مطلع سورة براءة

- ‌المبحث الخامسحكم قراءة البسملة في غير الصلاة

- ‌المبحث السادسحكم قراءة البسملة في الصلاة

- ‌المبحث السابعحكم البسملة من حيث الجهر بها والإسرار، في الصلاة، أو خارجها

- ‌المبحث الثامنالمواضع التي تشرع فيها البسملة

- ‌المبحث التاسعفوائد البسملة، والأحكام التي تضمنتها

- ‌الباب الثانيتفسير سورة الفاتحة

- ‌الفصل الأولتفسير سورة الفاتحة

- ‌المبحث الأولمكان نزول الفاتحة

- ‌المبحث الثانيأسماء الفاتحة

- ‌المبحث الثالثعدد آيات الفاتحة، وهل البسملة آية منها

- ‌المبحث الرابعفضل سورة الفاتحة

- ‌فائدة:

- ‌المبحث الخامسالمعاني التي اشتملن عليها سورة الفاتحة

- ‌المبحث السادسبيان معنى السورة والآية

- ‌أ- بيان معنى السورة:

- ‌ب- بيان معنى الآية:

- ‌المبحث السابعتفسير مفردات الفاتحة، وبيان معاني آياتها

- ‌{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

- ‌الفرق بين الحمد والشكر:

- ‌«لله»

- ‌معنى (الحمد لله):

- ‌معنى (مالك يوم الدين):

- ‌ نَعْبُدُ

- ‌لا بد لصحة العبادة من توفر شرطين:

- ‌{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}:

- ‌{الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}

- ‌{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عليهِمْ}

- ‌{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهِمْ وَلَا الضَّالينَ}:

- ‌{وَلَا الضَّالِّينَ}:

- ‌المبحث الثامنما يؤخذ من سورة الفاتحة من فوائد وأحكام

- ‌1 - مشروعية الابتداء في بالبسملة في الكتب والرسائل والخطب والمواعظ ونحوها تأسيًا بكتاب الله تعالى

- ‌2 - مشروعية حمد الله تبارك وتعالى في افتتاح الكتب والرسائل والخطب والمواعظ

- ‌3 - حمد لله -تعالى- لنفسه

- ‌4 - أمر الله -تعالى- عباده أن يحمدوه ويثنوا عليه ويمجدوه

- ‌5 - أن الوصف الكامل مستحق لله على الدوام

- ‌6 - في قوله تعالى: (الحمد لله) رد على الجبرية، الذين يقولون إن الله جبر العبد على أفعاله

- ‌7 - أن الحمد لا ينبغي أن يكون إلا لمن هو أهل له

- ‌8 - يؤخذ من قوله -تعالى-: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الإقرار والاعتراف من العبد لله جل وعلا بالكمال من جميع الوجوه وبالفضل والإنعام والإحسان

- ‌9 - إثبات توحيد الأسماء والصفات

- ‌10 - إثبات توحيد الإلوهية

- ‌11 - إثبات توحيد الربوبية بقسميه العام لجميع الخلق

- ‌12 - إثبات علم الله تعالى الشامل

- ‌13 - إثبات أنه تعالى الأول بلا بداية

- ‌14 - أن الأحق بالاستعانة والمسألة هو اسم «الرب»

- ‌15 - في قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} إشارة إلي تساوي الخلق في الربوبية العامة التي بمعني الخلق والملك والتدبير

- ‌16 - في إثبات حمده وروبيته للعالمين وتوحيد رد على من قال بقدم العالم فإن في إثبات حمده ما يقتضي ثبوت أفعاله الاختيارية

- ‌17 - في إثبات رحمته -تعالى- ورحمانيته رد على الجبرية في أن الله يعاقب العبد على ما لا قدرة له عليه

- ‌18 - إثبات يوم القيامة

- ‌19 - يؤخذ من قوله -تعالى-: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} الدلالة على أن الملك الحقيقي لله جل وعلا

- ‌20 - إثبات محاسبة الله للعباد ومجازاته لهم على أعمالهم بالعدل

- ‌21 - إثبات كتابة الأعمال وتدوينها وإحصائها

- ‌22 - الحث على الاستعداد ليوم الدين

- ‌23 - في تقديم قوله تعالى: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} على قوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} إشارة إلى أن رحمته تعالى سبقت غضبه

- ‌24 - الجميع بين الترغيب والترهيب

- ‌25 - في قول {إِيَّاكَ} رد على الملاحدة والدهرية المنكرين لوجود الله

- ‌26 - في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} بعد الآيات قبله انتقال من الغيبة إلى الخطاب لأجل تنبيه القارئ والمستمع

- ‌27 - دل قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على إثبات نوع من أنواع العبودية

- ‌28 - وجوب إخلاص العبادة لله تعالى بجميع أنواعها اعتقاداً وقولًا وعملًا

- ‌29 - دل قوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على أن العبد لا ينفك عن العبودية حتى الموت

- ‌30 - حاجة جميع الخلق إلى عون الله -تعالى

- ‌31 - تقديم حقه تعالى حق العبد

- ‌32 - لما كانت عبادة الله تعالى هي أشرف مقام يصل إليه العبد

- ‌33 - دل قوله -تعالى-: {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على إثبات القدر

- ‌34 - في نسبة العبادة والاستعانة إلى العباد في قوله (نعبد)…(ونستعين) دليل على أن ذلك من فعلهم

- ‌35 - في تقديم قوله -تعالى- {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

- ‌36 - وجوب دعاء الله والتضرع إليه وسؤاله الهداية

- ‌37 - في قوله تعالى {اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم} رد على القدرية المجوسية

- ‌38 - إن الهدى الحقيقي الصحيح هو ما جاء عن الله -تعالى

- ‌39 - مشروعية دعاء المسلم لإخوانه المسلمين

- ‌40 - ربط الأعمال ونجاحها بأسبابها

- ‌41 - أن صراط الله والطريق الموصل إليه عدل مستقيم لا اعوجاج فيه

- ‌42 - يؤخذ من قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ

- ‌43 - إن الصراط المستقيم الذي يسأل العبد ربه الهداية إليه هو صراط الذين أنعم عليهم بطاعته وتعالى

- ‌44 - أن الهداية للطريق المستقيم بالإيمان بالله والعمل الصالح

- ‌45 - في قوله تعالى

- ‌46 - التنويه بعلو شأن المنعم عليهم وفضلهم ورفعة قدرهم

- ‌47 - الترغيب بسلوك الطريق المستقيم

- ‌48 - أن الطريق الحق واحد

- ‌49 - أن الصراط تارة يضاف إلى سالكيه

- ‌50 - وجوب الاعتراف بالنعمة لموليها ومسديها

- ‌51 - في إثبات حمده بصفات الكمال وإثبات ربوبيته وملكه

- ‌53 - إثبات كمال الصراط المستقيم

- ‌54 - ينبغي للعبد بعد أن يسأل الله تعالى أن يهديه الصراط المستقيم

- ‌55 - إثبات صفة الغضب - لله - كما يليق بجلاله وعظمته

- ‌56 - ينبغي للعبد أن يسلك من الطرق أحسنها وأصلحها وأقومها

- ‌57 - أن من أخص صفات اليهود الغضب

- ‌58 - أن كل من سلك مسلك أحد الطائفتين شمله وصف تلك الطائفة

- ‌59 - دل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وما بعده على أن الناس ينقسمون بحسب معرفة الحق والعمل به

- ‌60 - في إسناد النعمة إلى الله تعالى

- ‌61 - بلوغ القرآن غاية الإيجاز مع الفصاحة والبيان

- ‌62 - الترغيب في سلوك سبيل المنعم عليهم والمؤمنين

- ‌63 - دلت السورة على إثبات النبوات ووجوب الإيمان بالكتب والرسل

- ‌64 - تضمنت السورة الدلالة على سعة علم الله عز وجل وخبرته وتعلق علمه بالجزئيات

- ‌65 - اشتمل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وما بعده إلى آخر السورة على الرد على جميع طوائف الكفر والضلال

- ‌66 - تضمنت السورة شفاء القلوب، كما تضمنت شفاء الأبدان

- ‌الفصل الثانيالأحكام التي تتعلق بسورة الفاتحة

- ‌المبحث الأولحكم قراءة الفاتحة في الصلاة

- ‌أولًا: حكم قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد:

- ‌ثانيًا: حكم قراءة الفاتحة في حق المأموم:

- ‌اختلف أهل العلم رحمهم الله قديمًا وحديثًا في هذه المسألة

- ‌أ- السبب الأول:

- ‌ب- السبب الثاني:

- ‌ إجمال الخلاف في هذه المسألة

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌أ- الاعتراضات الواردة على أدلة القول الأول بأن المأموم يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية

- ‌ب- الاعتراضات الواردة على أدلة القول الثاني أن المأموم يقرأ في الصلاة السرية دون الجهرية

- ‌ج- الاعتراضات الواردة على أدلة أصحاب القول الثالث: أن المأموم لا يقرأ لا في السرية، ولا في الجهرية

- ‌الترجيح بين الأقوال:

- ‌ بيان المشروع من السكتات في الصلاة

- ‌ ما الذي يشرع قوله في سكتات الإمام

- ‌المبحث الثانيوفيه مسائل:

- ‌أ- حكم من لم يستطيع قراءة الفاتحة في الصلاة:

- ‌ب- حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة:

- ‌ج- حكم قراءة الفاتحة على المريض:

- ‌د- حكم قول «آمين» بعد قراءة الفاتحة:

- ‌هـ - حكم قراءة ما زاد على الفاتحة في الصلاة:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌المبحث الثانيمعنى البسملة

‌المبحث الثاني

معنى البسملة

بسم الله: الباء للاستعانة: أي بسم الله أقرأ، أو أتوضأ، مستعينًا به، ومتيمنًا، ومتبركًا (1).

واسم: الاسم مأخوذ من الوسم، وهو العلامة، لأن الاسم علامة على من وضع له، وهذا اختيار الكوفيين وطائفة من النحويين.

وذهب البصريون وأكثر النحويين إلى أنه مأخوذ من السمو، وهو العلو والارتفاع، لأن الاسم يسمو بالمسمى، فيرفعه عن غيره، وقيل لأن الاسم علا بقوته على الفعل والحرف، لأنه الأصل.

وقول الكوفيين أظهر من حيث المعنى، وهو أن الاسم علامة على من وضع له، لكن تصريف اسم وجمعه يقوي قول البصريين: إنه من السمو، وهو العلو والارتفاع فهو يجمع على أسماء وأسامي، ويصغر على سمي، ولو كان من السمة، لكان أصله «وسم» ، وجمع على «أوسام» ، وصغر على «وسيم» لأن الجمع والتصغير يردان الأشياء إلى أصولها (2).

(1) انظر «البحر المحيط» 1: 14، «تفسير ابن كثير» 1: 39، «أنوار التنزيل» 1:«شرح البسملة» لأبي زكريا الأنصاري 1/ أ، «شرح البسملة والحمدلة» لأحمد بن عبد الحق 6/ أ، «رسالة إسماعيل بن غنيم الجوهري في البسملة» 6/ أ، «رسالة الصبان الكبرى في البسملة» 6/ أ، «رسالة الصبان الكبرى في البسملة» 8/ ب.

(2)

انظر «مشكل إعراب القرآن» لمكي 1/ 66، «معالم التنزيل» 1: 38، «الكشاف» 1: 5، «المحرر الوجيز» 1: 55، «التفسير الكبير» 1: 108، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 101، «غرائب القرآن» للنيسابوري 1: 60، «لباب التأويل» للخازن 1: 13، «الدر المصون» 1: 19 - 21، «أنوار التنزيل» 1:6.

ص: 88

وقد لا يمتنع أن يكون الاسم مأخوذًا من المعنيين معًا، لأن الاسم يظهر المسمى، فيكون فيه معنى العلو والارتفاع، ويميزه عن غيره فيكون فيه معنى العلامة.

واسم: اسم مفرد أضيف إلى لفظ الجلالة - كما تقدم - وهو معرفة، فاستفاد العموم، فيعم جميع أسماء الله الحسنى، فالمعنى بكل اسم من أسماء الله (1).

و «الله» علم على «الرب» تبارك وتعالى خاص به سبحانه ولا يجوز أن يسمى به غيره. قال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} (2). قال سيبويه «وهو أعرف المعارف» وهو أصل أسمائه الحسنى، ودال عليها جميعًا، وعلى صفاته العليا (3). بل قيل إنه الاسم الأعظم (4).

وتأتي أسماء الله - تعالى - تابعة لهذا الاسم، وأوصافًا له، ومضافة إليه (5) قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ

(1) انظر «تفسير ابن كثير» 1: 40.

(2)

سورة مريم، الآية:65.

(3)

انظر «مدارج السالكين» 1: 56.

(4)

انظر «التفسير الكبير» 1: 115، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 102، «غرائب القرآن» 1: 62، «تفسير ابن كثير» 1: 40، «روح البيان» 1:2. وانظر الأحاديث الواردة في الاسم الأعظم ضمن الفائدة الرابعة والثلاثين من هذه السورة فيما يأتي.

(5)

انظر «مدارج السالكين» 1: 56.

ص: 89

الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} (1).

وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (2).

وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (3)، وقال تعالى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (4).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة» متفق عليه (5).

ولهذا يقال: الرحمن والرحيم والحكيم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، أو من أسماء الرحيم أو من أسماء الحكيم.

وقد يأتي لفظ الجلالة «الله» تابعًا لغيره من الأسماء، كما في قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي

(1) سورة الحشر، الآية: 22 - 24.

(2)

سورة الأعراف، الآية:180.

(3)

سورة الإسراء، الآية:110.

(4)

سورة طه، الآية:8.

(5)

أخرجه البخاري - في الدعوات - باب لله مائة اسم غير واحد - حديث 6410، ومسلم - في الذكر - باب في أسماء الله - تعالى، وفضل من أحصاها - حديث 2677، وانظر:«تفسير ابن كثير» 1: 40.

ص: 90

الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2)} (1). فلفظ الجلالة «الله» على قراءة الجر عطف بيان، تابع للاسم الذي قبله.

واختلف هل لفظ الجلالة (الله) مرتجل أو مشتق. فقيل إنه مرتجل غير مشتق، والألف واللام لازمه له، لا لتعريف، ولا لغيره، بدليل دخول حرف النداء عليه، وبدليل أنه لا يثنى، ولا يجمع. وهو اختيار الخليل وسيبويه والزجاج وأكثر الأصوليين والفقهاء (2).

والصحيح أنه مشتق من «أله» إذا عبد، فهو مصدر في موضع المفعول، من أله الرجل يأله إلهه إذا تعبد وتأله وتنسك (3). قال تعالى:{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ} (4)، وقال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} (5)، وقال تعالى:{أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ} (6).

قال رؤبة بن العجاج (7).

(1) سورة إبراهيم، الآيتان: 1 - 2.

(2)

انظر «تفسير أسماء الله الحسنى» للزجاجي ص 25، «معالم التنزيل» 1: 38، «المحرر الوجيز» 1: 57، «زاد المسير» 1: 9، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 102 - 103، «الباب التأويل» 1: 13، «تفسير ابن كثير» 1: 40 - 41.

(3)

انظر «تفسير الطبري» 1: 123، «معالج التنزيل» 1: 38، «المحرر الوجيز» 1: 57، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 103، «لسان العرب» مادة «أله» ، «لباب التأويل» 1: 13، «بدائع الفوائد» 1: 23022، «تفسير ابن كثير» 1: 40، «أنواع التنزيل» 1:6.

(4)

سورة الأنعام، الآية:3.

(5)

سورة الزخرف، الآية:84.

(6)

سورة النمل، آية: 60 - 64.

(7)

«ديوانه» ص 165.

ص: 91

لله در الغانيات المده

سبحان واسترجعن من تألهي

أي من تعبدي وطلبي لله بعملي (1).

وأصله «إله» حذفت منه الهمزة، وعوض منها حرف التعريف (2).

ونظيره «الناس» ، أصله «أناس». قال الشاعر:

إن المنايا يطلـ

ـن على الأناس الآمنينا (3)

واختار سيبويه أن أصله «لاه» ، فدخلت الألف واللازم للتعظيم (4).

وأنشدوا قول ذي الإصبع العدواني (5):

لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب

عني ولا أنت دياني فتخزوني

قال الزمخشري (6): «الإله من أسماء الأجناس، اسم يقع على كل معبود بحق أو باطل، ثم غلب على المعبود بحق، أما «الله» بحذف الهمزة، فيختص بالمعبود بالحق لم يطلق على غيره».

(1) انظر «تفسير الطبري» 1: 123، «المحرر الوجيز» 1: 57، «تفسير ابن كثير» 1:57.

(2)

انظر «اشتقاق أسماء الله الحسنى» للزجاجي ص26 - 42، «الناسخ والمنسوخ» لأبي جعفر النحاس 2: 433، «مشكل إعراب القرآن» 1: 66 - 67، «الكشاف» 1: 6، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 102، «الدر المصون» 1: 23 - 29، «أنوار التنزيل» 1: 6، «تفسير ابن كثير» 1: 40، «تيسير العزيز الحميد» ص28 - 29.

(3)

البيت لذي جرن الحميري، انظر «اشتقاق أسماء الله الحسنى» ص32، وانظر «الكشاف» 1:6.

(4)

انظر «الكتاب» 2: 185، 3:498.

(5)

انظر «اشتقاق أسماء الله الحسنى» ص34، «المفضليات» 160، «مجالس العلماء» 71، «أمالي القالي» 1: 255، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 102، «تفسير ابن كثير» 1:40.

(6)

في «تفسيره» 1: 6.

ص: 92

ومعنى «الله» :

أي المألوه المعبود الذي تعبده الخلائق، وتتأله له محبة وتعظيمًا وخضوعًا له، وفزعًا إليه في الحوائج والنوائب (1)، لما له من صفات الألوهية، وهي صفات الكمال (2). قال شيخ الإسلام ابن تيمية (3). «فإن الله سبحانه هو المستحق للعبادة لذاته لأنه المألوه المعبود الذي تألهه القلوب وترغب إليه، وتفزع إليه عند الشدائد» .

وقال رحمه الله (4): «الله وهو الإله المعبود، فهذا الاسم أحق بالعبادة يتضمن غاية العبد ومصيره ومنتهاه، وما خلق له، وما فيه صلاحه وكماله، وهو عبادة الله، ولهذا يقال: الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله، لا إله إلا الله» .

الرحمن الرحيم: اسمان من أسماء الله - تعالى - مشتقان من الرحمة،

وعن عبد الرحمن بن عوف، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله: أنا الرحمن، وهي الرحم، شققت لها اسمًا من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته» (5). فالرحمن والرحيم مشتقان من

(1) انظر «مدارج السالكين» 1: 56.

(2)

انظر «تيسير الكريم الرحمن» 1: 33.

(3)

في «مجموع الفتاوى» 1: 88.

(4)

في «مجموع الفتاوى» 14: 12.

(5)

أخرجه أبو داود - في الزكاة - باب صلة الرحم - حديث 1694، والترمذي في البر والصلة - ما جاء في قطيعة الرحم - حديث 1907 وقال «حديث حسن صحيح» ، وأحمد 1: 191، وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» وأخرجه أحمد 2: 498 من حديث أبي هريرة.

ص: 93

الرحمة، والرحم مشتقة من اسمه تعالى «الرحمن» .

و «الرحمن» على وزن «فعلان» ، و «الرحيم» على وزن «فعيل» كل منهما صفة مشبهة، ومن صيغ المبالغة. لكن «فعلان» أبلغ من «فعيل» ، لأن صيغة «فعلان» تدل على الامتلاء، يقال: رجل غضبان أي ممتلئ عضبًا. ولهذا قدم «الرحمن» على «الرحيم» (1).

والرحيم مشتقان من

وكل منهما دال على إثبات صفة الرحمة الواسعة الكثيرة المستمرة العظيمة لله - تعالى، كما قال تعالى:{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} (2). وقال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (3)، وقال تعالى:{كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (4)، وقال تعالى:{فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ (5) كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (6).

(1) انظر «المحر الوجيز» 1: 58، «زاد المسير» 1: 9، «البحر المحيط» 1: 16 - 17، «لسان العرب» مادة «رحم» ، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 104، 105، «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير 1: 43، «أضواء البيان» 1: 39 - 40.

(2)

سورة الأنعام، الآية:147.

(3)

سورة الأعراف، الآية:156.

(4)

سورة الأنعام، الآية:12.

(5)

قد يكون المراد بالرحمة في الآية التي هي صفة ذاتية من صفات الله - تعالى - غير مخلوقة، وقد يراد بها الرحمة التي هي المطر فهذه رحمة مخلوقة هي من آثار رحمة التي هي من صفاته كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم نحاجت الجنة والنار

وفيه قوله تعالى للجنة «أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي .... الحديث» أخرجه البخاري - في التفسير حديث 4850، ومسلم - في الجنة ونعيمها وأهلها - حديث 2846. فالجنة من الرحمة المخلوقة.

(6)

سورة الروم، الآية:50.

ص: 94

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها، خشية أن تصيبه» متفق عليه (1).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما قضى الله الخلق، كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي» متفق عليه (2).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد» رواه مسلم (3).

وإذا اجتمع «الرحمن» مع «الرحيم» في مثل البسملة، والفاتحة، وقوله تعالى:{هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (4) دل «الرحمن» على إثبات صفة الرحمة الذاتية القائمة به سبحانه، كما قال تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو

(1) أخرجه البخاري - في الأدب - باب جعل الله الرحمة في مائة جزء - حديث 6000، ومسلم - في التوبة - باب سعة رحمة الله - تعالى، وأنها سبقت غضبه - حديث 2752. وأخرجه أيضًا من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه حديث 2753.

(2)

أخرجه البخاري - في بدء الخلق - باب ما جاء في قوله - تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} حديث 3149، ومسلم - في التوبة - باب سعة رحمة الله - تعالى، وأنها سبقت غضبه حديث 2751.

(3)

في الباب السابق حديث 2755. وانظر «تيسير الكريم الرحمن» 1: 33.

(4)

سورة الحشر، الآية:22.

ص: 95

الرَّحْمَةِ} (1)، وقال تعالى:{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} (2)، وقال تعالى:{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} (3).

ودل «الرحيم» على إثبات صفة الرحمة الفعلية لله عز وجل المتعلقة بالمرحوم - فهو تعالى فاعل الرحمة وموصلها إلى من شاء من عباده، كما قال تعالى:{يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} (4) وقال تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَا يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَا يُعَذِّبْكُمْ} (5).

قال ابن القيم رحمه الله (6) بعد ما ذكر قول السهيلي: «فائدة الجمع بين الصفتين «الرحمن» و «الرحيم» الإنباء عن رحمة عاجلة وآجلة فى خاصة وعامة

قال وهو أن «الرحمن» دال على الصفة القائمة به سبحانه، و «الرحيم» دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف، والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ولم يجيء قط «رحمن بهم» فعلم أن «الرحمن» هو الموصوف بالرحمة، و «رحيم» هو الراحم برحمته ....» أهـ.

(1) سورة الأنعام، الآية:133.

(2)

سورة الكهف، الآية:58.

(3)

سورة الأنعام، آية:147.

(4)

سورة العنكبوت، آية:21.

(5)

سورة الإسراء، الآية:54.

(6)

في «بدائع الفوائد» 1: 24، وانظر «مدارج السالكين» 1:75.

ص: 96

أما إذا جاء كل منهما منفردًا عن الآخر، كما في قوله - تعالى:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (1) وكما في قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} (2)، فإن كلا منهما - بمفرده - يدل على إثبات الرحمة لله، باعتبارها صفة ذاتية لله، وباعتبارها صفة فعلية له - تعالى (3).

والفرق بين «الرحمن» و «الرحيم» من وجوه ثلاثة:

الوجه الأول: أن بينهما عمومًا وخصوصًا، من حيث اللفظ، فالرحمن اسم خاص با لله - تعالى - لا يسمى به غيره (4)، كاسم «الله» ، و «الرزاق» .

بل إن «الرحمن» يُعد عند طائفة من أهل العلم، ثاني اسم من أسماء الله - تعالى، لقوله - تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا

(1) سورة الإسراء، الآية:110.

(2)

سورة الأحزاب، الآية:43.

(3)

وقد أخطأ من فسر الرحمة بالإحسان، أو بإرادة الإحسان، لأن هذا كله من آثار الرحمة.

(4)

ذكر الطبري في «تفسيره» 1: 134: إجماع الأمة على منع التسمي بالرحمة وانظر «معالم التنزيل» للبغوي 1: 38، «أحكام القرآن» للقرطبي 1: 105 - 106. قال ابن القيم رحمه الله: «ولما كان هذا الاسم مختصًا به تعالى» حسن مجيئه مفرًا غير تابع كمجئ اسم الله كذلك - يعني في نحو قوله تعالى {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ} سورة الرحمن الآية 1، وقوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} سورة طه الآية: 5، وقوله: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ} سورة الملك الآية: 20 وغير ذلك. انظر «بدائع الفوائد» 1: 23 - 24.

ص: 97

تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (1) وقوله - تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ} (2). وإنما تسمى مسيلمة بذلك من باب التعنت والكفر (3)، فأذله الله.

قال ابن كثير (4) -رحمه الله تعالى-: «ولما تجهرم مسيلمة الكذاب، وتسمى برحمن اليمامة، كساه الله جلباب الكذب، وشهر به، فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب، فصار يضرب به المثل في الكذب، بين أهل الحضر من أهل المدر، وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب» .

و «الرحيم» اسم عام يجوز أن يوصف به غير الله، كاسم الرؤو ف، والسميع، والبصير، قال - تعالى - عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (5)، وقال تعالى:{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (6).

الوجه الثاني: أن بينهما عمومًا وخصومًا من حيث المعنى

(1) سورة الإسراء، الآية:110.

(2)

سورة الزخرف، الآية:45.

(3)

انظر «الكشاف» 1: 6.

(4)

في «تفسيره» 1: 43.

(5)

سورة التوبة، الآية:128.

(6)

سورة الإنسان، الآية:2.

ص: 98

(1)

، فالرحمن رحمة عامة لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، وناطقهم وبهيمهم، فى الدنيا والآخرة.

فرحمته للمؤمنين فى الدنيا، هدايتهم للحق، وإلى الطريق المستقيم، إلى غير ذلك من نعم الله عليهم، مما هو دون ذلك، ورحمته لهم فى الآخرة، وإدخالهم جنات النعيم، ووقايتهم عذاب الجحيم.

ورحمته لكافرين، والبهائم فى الدنيا، ما يتمتعون به من نعم الله، من الصحة والمآكل والمشارب ونحوها. ورحمته لهم فى الآخرة العدك فى حسابهم، كما قال تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (2)، وقال تعالى:{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (3) حتى إنه ليقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء» (4).

قال ابن كثير (5) - رحمه الله تعالى - بعد أن ذكر القول بأن «الرحمن» لجميع الخلق و «الرحيم» بالمؤمنين - قال: «ولهذا قال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} (6)، وقال:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (7). قال ابن

(1) انظر «تفسير الطبري» 1: 127 - 129، «تفسير أسماء الله الحسنى» للزجاج ص 28، «مقاييس اللغة» مادة «رحم» ، «معالم التنزيل» 1: 28، «المحرر الوجيز» 1: 58 - 59، «زاد المسير» 1: 9، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 105، «لباب التأويل» للخازن 1: 13، «أضواء البيان» 1:40.

(2)

سورة الأنعام، الآية: 164، وسورة الإسراء، الآية: 15، وسورة فاطر، الآية: 18، وسورة الزمر، الآية:7.

(3)

سورة الطور، آية:21.

(4)

أخرج مسلم - في البر والصلة والأدب - باب تحريم الظلم - حديث 2582 - عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء»

(5)

في «تفسيره» 1: 43.

(6)

سورة الفرقان، الآية:59.

(7)

سورة طه، الآية:5.

ص: 99

كثير: «فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته» .

وقال الشنقيطي (1) - رحمه الله تعالى - بعد أن ذكر كلام ابن كثير السابق قال: «ومثله قو له تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ} (2). قال أي ومن رحمانيته لطفه بالطير، وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء، ومن أظهر الأدلة في ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2)} إلى قوله: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)} (3)» .

والرحيم رحمة خاصة بالمؤمنين في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} (4)، وقال تعالى:{إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (5).

الوجه الثالث: أن «الرحمن» أبلغ من «الرحيم» (6)، ولهذا، ولكونه أي:«الرحمن» أخص من، «الرحيم» قدم عليه «في البسملة والفاتحة، وقدم عليهما لفظ الجلالة لأنه أخص منهما وأعرف، وهما وغيرهما من

(1) في «أضواء البيان» 1: 40.

(2)

سورة الملك، الآية:19.

(3)

سورة الرحمن، الآية: 1 - 13.

(4)

سورة الأحزاب، الآية:43. انظر «زاد المسير» 1: 9، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 105، «أنوار التنزيل» 1: 7، «تفسير ابن كثير» 1: 43، «أضواء البيان» 1: 40 - 41.

(5)

سورة التوبة، الآية:117. هكذا قدره كثير من أهل العلم وقد يشكل على هذا قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} سورة البقرة الآية: 143، وسورة الحج الآية: 65. انظر «تيسير العزيز الحميد» ص31.

(6)

انظر «تفسير الطبري» 1: 133، «الكشاف» 1: 6، «أنوار التنزيل» 1:«شرح البسملة والحمدلة» لابن عبد الحق 20/ ب، 21/ أ.

ص: 100

أسمائه تعالى تبع له.

قال ابن كثير (1) - رحمه الله تعالى -: «بدأ باسم الله، ووصفه بالرحمن، لأنه أخص وأعرف من الرحيم، لأن التسمية أولًا إنما تكون بأشرف الأسماء، فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص» .

وقد كان اسم «الرحمن» معروفًا - والله أعلم - عند العرب قبل الإسلام، وقد ورد ذلك في أشعارهم.

كقول سلامة الجعدري (2):

عجلتم علينا عجلتينا عليكم

وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق

وقول الآخر:-

ألا ضربت تلك الفتاه هجينها

ألا قبضب الرحمن ربي يمينها (3)

أما قوله - تعالى عن المشركين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَامُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (4).

وكذا قولهم في صلح الحديبية لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي:

(1) في «تفسيره» 1: 43.

(2)

انظر «ديوانه» ص19، وانظر «تفسير الطبري» 1:131.

(3)

انظر «تفسير الطبري» 1: 131، «تفسير ابن كثير» 1:44.

(4)

سورة الفرقان، الآية:60.

ص: 101

«اكتب بسم الله الرحمن الرحيم» قالوا: «ما ندري ما الرحمن اكتب باسمك اللهم» (1).

فذلك منهم محمول - والله أعلم - على الجحود والعناد، والتعنت في الكفر، كما قال كثير من المفسرين (2).

****

(1) أخرجه من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم - مطولًا - البخاري في الشروط - باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط - حديث 2731 - 2732.

(2)

انظر «تفسير الطبري» 1: 131، «الكشاف» 1: 6، «المحرر الوجيز» 1: 59، «تفسير ابن كثير» 1:44.

ص: 102