المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌معنى (مالك يوم الدين): - اللباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب

[سليمان اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولالاستعاذة والبسملة، معناهما، وأحكامهما

- ‌الفصل الأولالاستعاذة، معناها، وأحكامها

- ‌المبحث الأولصيغ الاستعاذة الصحيحة

- ‌الصيغة الأولى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

- ‌الصيغة الثانية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

- ‌الصيغة الثالثة: أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه

- ‌الصيغة الرابعة: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه ونفخه ونفثه

- ‌الصيغة الخامسة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم

- ‌الصيغة السادسة: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم

- ‌المبحث الثانيأركان الاستعاذة

- ‌المبحث الثالثالاستعاذة ليست بآية من القرآن الكريم

- ‌المبحث الرابعإعراب الاستعاذة، ومعناها

- ‌أ - إعرابها:

- ‌ب - معناها:

- ‌المبحث الخامسأحكام الاستعاذة

- ‌أ - مكان الاستعاذة من القراءة:

- ‌ب - حكمها عند قراءة القرآن، في الصلاة أو خارجها:

- ‌ج - هل يتعوذ في الصلاة في كل ركعة، أو في الركعة الأولى فقط:

- ‌د - حكم الحهر بها، أو الإسرار:

- ‌هـ - وأما حكم الجهر بها في الصلاة:

- ‌المبحث السادسالمواضع التي تشرع فيها الاستعاذة

- ‌المبحث السابعبيان أن شيطان الجن أعظم ضررًا من شيطان الإنس ومن النفس «المذمومة»

- ‌المبحث الثامنالسبيل للخلاص من شر الشيطان ومكايده

- ‌الفصل الثانيالبسملة: معناها، وأحكامها

- ‌المبحث الأوللفظ البسملة، وإعرابها

- ‌أ - لفظها:

- ‌ب - إعرابها:

- ‌المبحث الثانيمعنى البسملة

- ‌المبحث الثالثهل البسملة آية مستقلة من القرآن الكريم

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌ القول الرابع

- ‌المبحث الرابعالسبب في عدم كتابة البسملة في مطلع سورة براءة

- ‌المبحث الخامسحكم قراءة البسملة في غير الصلاة

- ‌المبحث السادسحكم قراءة البسملة في الصلاة

- ‌المبحث السابعحكم البسملة من حيث الجهر بها والإسرار، في الصلاة، أو خارجها

- ‌المبحث الثامنالمواضع التي تشرع فيها البسملة

- ‌المبحث التاسعفوائد البسملة، والأحكام التي تضمنتها

- ‌الباب الثانيتفسير سورة الفاتحة

- ‌الفصل الأولتفسير سورة الفاتحة

- ‌المبحث الأولمكان نزول الفاتحة

- ‌المبحث الثانيأسماء الفاتحة

- ‌المبحث الثالثعدد آيات الفاتحة، وهل البسملة آية منها

- ‌المبحث الرابعفضل سورة الفاتحة

- ‌فائدة:

- ‌المبحث الخامسالمعاني التي اشتملن عليها سورة الفاتحة

- ‌المبحث السادسبيان معنى السورة والآية

- ‌أ- بيان معنى السورة:

- ‌ب- بيان معنى الآية:

- ‌المبحث السابعتفسير مفردات الفاتحة، وبيان معاني آياتها

- ‌{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

- ‌الفرق بين الحمد والشكر:

- ‌«لله»

- ‌معنى (الحمد لله):

- ‌معنى (مالك يوم الدين):

- ‌ نَعْبُدُ

- ‌لا بد لصحة العبادة من توفر شرطين:

- ‌{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}:

- ‌{الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}

- ‌{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عليهِمْ}

- ‌{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهِمْ وَلَا الضَّالينَ}:

- ‌{وَلَا الضَّالِّينَ}:

- ‌المبحث الثامنما يؤخذ من سورة الفاتحة من فوائد وأحكام

- ‌1 - مشروعية الابتداء في بالبسملة في الكتب والرسائل والخطب والمواعظ ونحوها تأسيًا بكتاب الله تعالى

- ‌2 - مشروعية حمد الله تبارك وتعالى في افتتاح الكتب والرسائل والخطب والمواعظ

- ‌3 - حمد لله -تعالى- لنفسه

- ‌4 - أمر الله -تعالى- عباده أن يحمدوه ويثنوا عليه ويمجدوه

- ‌5 - أن الوصف الكامل مستحق لله على الدوام

- ‌6 - في قوله تعالى: (الحمد لله) رد على الجبرية، الذين يقولون إن الله جبر العبد على أفعاله

- ‌7 - أن الحمد لا ينبغي أن يكون إلا لمن هو أهل له

- ‌8 - يؤخذ من قوله -تعالى-: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الإقرار والاعتراف من العبد لله جل وعلا بالكمال من جميع الوجوه وبالفضل والإنعام والإحسان

- ‌9 - إثبات توحيد الأسماء والصفات

- ‌10 - إثبات توحيد الإلوهية

- ‌11 - إثبات توحيد الربوبية بقسميه العام لجميع الخلق

- ‌12 - إثبات علم الله تعالى الشامل

- ‌13 - إثبات أنه تعالى الأول بلا بداية

- ‌14 - أن الأحق بالاستعانة والمسألة هو اسم «الرب»

- ‌15 - في قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} إشارة إلي تساوي الخلق في الربوبية العامة التي بمعني الخلق والملك والتدبير

- ‌16 - في إثبات حمده وروبيته للعالمين وتوحيد رد على من قال بقدم العالم فإن في إثبات حمده ما يقتضي ثبوت أفعاله الاختيارية

- ‌17 - في إثبات رحمته -تعالى- ورحمانيته رد على الجبرية في أن الله يعاقب العبد على ما لا قدرة له عليه

- ‌18 - إثبات يوم القيامة

- ‌19 - يؤخذ من قوله -تعالى-: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} الدلالة على أن الملك الحقيقي لله جل وعلا

- ‌20 - إثبات محاسبة الله للعباد ومجازاته لهم على أعمالهم بالعدل

- ‌21 - إثبات كتابة الأعمال وتدوينها وإحصائها

- ‌22 - الحث على الاستعداد ليوم الدين

- ‌23 - في تقديم قوله تعالى: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} على قوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} إشارة إلى أن رحمته تعالى سبقت غضبه

- ‌24 - الجميع بين الترغيب والترهيب

- ‌25 - في قول {إِيَّاكَ} رد على الملاحدة والدهرية المنكرين لوجود الله

- ‌26 - في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} بعد الآيات قبله انتقال من الغيبة إلى الخطاب لأجل تنبيه القارئ والمستمع

- ‌27 - دل قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على إثبات نوع من أنواع العبودية

- ‌28 - وجوب إخلاص العبادة لله تعالى بجميع أنواعها اعتقاداً وقولًا وعملًا

- ‌29 - دل قوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على أن العبد لا ينفك عن العبودية حتى الموت

- ‌30 - حاجة جميع الخلق إلى عون الله -تعالى

- ‌31 - تقديم حقه تعالى حق العبد

- ‌32 - لما كانت عبادة الله تعالى هي أشرف مقام يصل إليه العبد

- ‌33 - دل قوله -تعالى-: {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على إثبات القدر

- ‌34 - في نسبة العبادة والاستعانة إلى العباد في قوله (نعبد)…(ونستعين) دليل على أن ذلك من فعلهم

- ‌35 - في تقديم قوله -تعالى- {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

- ‌36 - وجوب دعاء الله والتضرع إليه وسؤاله الهداية

- ‌37 - في قوله تعالى {اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم} رد على القدرية المجوسية

- ‌38 - إن الهدى الحقيقي الصحيح هو ما جاء عن الله -تعالى

- ‌39 - مشروعية دعاء المسلم لإخوانه المسلمين

- ‌40 - ربط الأعمال ونجاحها بأسبابها

- ‌41 - أن صراط الله والطريق الموصل إليه عدل مستقيم لا اعوجاج فيه

- ‌42 - يؤخذ من قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ

- ‌43 - إن الصراط المستقيم الذي يسأل العبد ربه الهداية إليه هو صراط الذين أنعم عليهم بطاعته وتعالى

- ‌44 - أن الهداية للطريق المستقيم بالإيمان بالله والعمل الصالح

- ‌45 - في قوله تعالى

- ‌46 - التنويه بعلو شأن المنعم عليهم وفضلهم ورفعة قدرهم

- ‌47 - الترغيب بسلوك الطريق المستقيم

- ‌48 - أن الطريق الحق واحد

- ‌49 - أن الصراط تارة يضاف إلى سالكيه

- ‌50 - وجوب الاعتراف بالنعمة لموليها ومسديها

- ‌51 - في إثبات حمده بصفات الكمال وإثبات ربوبيته وملكه

- ‌53 - إثبات كمال الصراط المستقيم

- ‌54 - ينبغي للعبد بعد أن يسأل الله تعالى أن يهديه الصراط المستقيم

- ‌55 - إثبات صفة الغضب - لله - كما يليق بجلاله وعظمته

- ‌56 - ينبغي للعبد أن يسلك من الطرق أحسنها وأصلحها وأقومها

- ‌57 - أن من أخص صفات اليهود الغضب

- ‌58 - أن كل من سلك مسلك أحد الطائفتين شمله وصف تلك الطائفة

- ‌59 - دل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وما بعده على أن الناس ينقسمون بحسب معرفة الحق والعمل به

- ‌60 - في إسناد النعمة إلى الله تعالى

- ‌61 - بلوغ القرآن غاية الإيجاز مع الفصاحة والبيان

- ‌62 - الترغيب في سلوك سبيل المنعم عليهم والمؤمنين

- ‌63 - دلت السورة على إثبات النبوات ووجوب الإيمان بالكتب والرسل

- ‌64 - تضمنت السورة الدلالة على سعة علم الله عز وجل وخبرته وتعلق علمه بالجزئيات

- ‌65 - اشتمل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وما بعده إلى آخر السورة على الرد على جميع طوائف الكفر والضلال

- ‌66 - تضمنت السورة شفاء القلوب، كما تضمنت شفاء الأبدان

- ‌الفصل الثانيالأحكام التي تتعلق بسورة الفاتحة

- ‌المبحث الأولحكم قراءة الفاتحة في الصلاة

- ‌أولًا: حكم قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد:

- ‌ثانيًا: حكم قراءة الفاتحة في حق المأموم:

- ‌اختلف أهل العلم رحمهم الله قديمًا وحديثًا في هذه المسألة

- ‌أ- السبب الأول:

- ‌ب- السبب الثاني:

- ‌ إجمال الخلاف في هذه المسألة

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌أ- الاعتراضات الواردة على أدلة القول الأول بأن المأموم يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية

- ‌ب- الاعتراضات الواردة على أدلة القول الثاني أن المأموم يقرأ في الصلاة السرية دون الجهرية

- ‌ج- الاعتراضات الواردة على أدلة أصحاب القول الثالث: أن المأموم لا يقرأ لا في السرية، ولا في الجهرية

- ‌الترجيح بين الأقوال:

- ‌ بيان المشروع من السكتات في الصلاة

- ‌ ما الذي يشرع قوله في سكتات الإمام

- ‌المبحث الثانيوفيه مسائل:

- ‌أ- حكم من لم يستطيع قراءة الفاتحة في الصلاة:

- ‌ب- حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة:

- ‌ج- حكم قراءة الفاتحة على المريض:

- ‌د- حكم قول «آمين» بعد قراءة الفاتحة:

- ‌هـ - حكم قراءة ما زاد على الفاتحة في الصلاة:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌معنى (مالك يوم الدين):

وقال الشاعر:

تعيرني بالدين قومي، وإنما

تدينت في أشياء تكسبهم حمدًا (1)

و‌

‌معنى (مالك يوم الدين):

أي أنه عز وجل مالك ذلك اليوم، ومليكه، لا ملك في ذلك اليوم، ولا مالك سواه تبارك وتعالى فهو تعالى المالك لجميع الأعيان، المتصرف فيها، لا ينازعه أحد في مملوكاته.

وهو الملك الذي أمره ونهيه نافذ في جميع مملكته جل وعلا. كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} (2)، وقال تعالى:{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} (3)، وقال تعالى:{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} (4)، وقال تعالى:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (5)، وقال تعالى:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (6)، وقال تعالى:{وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} (7)، وقال تعالى:{يَوْمَ يَاتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} (8)، وقال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ

(1) انظر: «لسان العرب» مادة: (دين).

(2)

سورة الأنعام، الآية:73.

(3)

سورة الحج، الآية:56.

(4)

سورة الفرقان، الآية:26.

(5)

سورة غافر، الآية:16.

(6)

سورة يس، الآية:82.

(7)

سورة طه، الآية:108.

(8)

سورة هود، الآية:105.

ص: 243

وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} (1).

وإنما أضاف «الملك» ليوم الدين، وخصه به، دون ملك أيام الدنيا، مع أنه تعالى مالك الدنيا والآخرة، ومليكهما كما قال تعالى:{وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى} (2)، وقال تعالى:{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} (3)، وقال تعالى:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} (4)، لعظمة ذلك اليوم (5)، وتفرده - تعالى - بنفوذ الأمر فيه حيث يظهر للخلائق تمام الظهور تفرده بالملك حقيقة، وتمام ملكه وعدله تعالى - وحكمته، وانقطاع أملاك الخلائق الدنيوية (6).

تلك الأملاك التي خولها الله تعالى - من شاء كما قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} (7) وقال

(1) سورة النبأ، الآية:38.

(2)

سورة الليل، الآية:13.

(3)

سورة طه، الآية: 114، وسورة المؤمنون، الآية:116.

(4)

سورة الإسراء، الآية: 111، وسورة الفرقان، الآية:2.

(5)

أخرج مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها - الحديث 2858 - عن المستورد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في أليم فلينظر بم يرجع» وأخرج الترمذي في الزهد - الحديث 2320 عن سهل بن سعد قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء» .

(6)

انظر «معالم التنزيل» 1: 40، «زاد المسير» 1: 13، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 143، «مجموع الفتاوى» 6: 266، «البحر المحيط» 1: 22، «تفسير ابن كثير» 1: 51، «أنوار التنزيل» 1: 8، «تفسير الكريم الرحمن» 1:35.

(7)

سورة آل عمران، الآية:26.

ص: 244

تعالى: {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ} (1).

وكما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا} (2)، وقال تعالى:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} (3).

وهذه الأملاك الدنيوية، ملوكها وما ملكوا ملك له - جل وعلا -. ولهذا حرم أن يتسمى بملك الأملاك، لأن الله عز وجل هو مالك الأملاك كلها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة:«أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى بملك الأملاك» (4).

وكثير من هؤلاء الملوك خارجون عن طاعته - جل وعلا - مبارزون له في المعصية كما قال تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَاخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} (5) أي ملك عاص لله ظالم للعباد. بل كثير منهم يحكمون ممالكهم بغير حكم الله، ويظلمون عباد الله، ويتخوضون في مال الله بغير ما يرضي الله.

وقد حكم الله تبارك وتعالى وقضى بزوال هذه الأملاك، ورجوع الملك له وحده في ذلك اليوم، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ

(1) سورة البقرة، الآية:247.

(2)

سورة البقرة، الآية:247.

(3)

سورة المائدة، الآية:20.

(4)

أخرجه البخاري في الأدب - باب أبغض الأسماء إلى الله - الحديثان 6205، 6206، ومسلم في الآداب - تحريم التسمي بملك الأملاك، الحديث 2143.

(5)

سورة الكهف، الآية:79.

ص: 245

عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} (1)، وقال تعالى:{وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} (2)، وذلك هو الملك الحقيقي، كما قال تعالى:{وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} (3)، وقال تعالى:{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} (4) وقال تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} (5)، وقال تعالى:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (6)، وقال تعالى:{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} (7).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض» (8).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟، أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين

(1) سورة مريم، الآية:40.

(2)

سورة الحجر، الآية:23.

(3)

سورة الأنعام، الآية:73.

(4)

سورة الحج، الآية:56.

(5)

سورة الفرقان، الآية:26.

(6)

سورة غافر، الآية:16.

(7)

سورة الانفطار، الآية:19.

(8)

أخرجه البخاري في التفسير - باب {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الحديث 4812، ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم - كتاب صفة الجنة - الحديث 2787.

ص: 246

المتكبرون؟» (1).

بل إن ذلك اليوم هو اليوم الحقيقي، قال تعالى:{ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا} (2).

فمجيئه حق، وفيه يظهر الحق تمام الظهور، وهو اليوم الذي يستحق أن يعمل له، وأن يحسب له كل حساب لا أيام الدنيا بل ولا الدنيا كلها.

ولهذا نجد القرآن الكريم كثيرًا ما يقرن بين الإيمان بالله تعالى، والإيمان بهذا اليوم «اليوم الآخر» لأنه أكبر حافز على الاستعداد بالأعمال الصالحة (3).

وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «لولا الإيمان باليوم الآخر لرأيت من الناس غير ما ترى» : أي إن ذلك اليوم أعظم مانع للناس من التهالك في الشر والمعاصي.

وتلك الدار هي الدار الحقة، وتلك الحياة هي الحياة الحقيقة، قال الله - تعالى-:{وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (4).

لهذا كله أضاف الله تبارك وتعالى الملك إلى يوم الدين، إضافة

(1) أخرجه مسلم في الموضع السابق الحديث 2788.

(2)

سورة النبأ، الآية:39.

(3)

انظر: «تيسير الكريم الرحمن» 1:44.

(4)

سورة العنكبوت، الآية:64.

ص: 247

إلى أن في قوله قبل هذا: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} ما يدل على أنه مالك الدنيا (1).

قال ابن كثير (2): «وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه، لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين، وذلك عام في الدنيا والآخرة

».

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} هذه الآية هي الآية الرابعة من الفاتحة، نصفها للرب - جل وعلا -، ونصفها للعبد كما قال الله عز وجل في حديث أبي هريرة: «فإذا قال العبد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل

» فقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} للرب تبارك وتعالى مع ثلاث آيات قبلها، وقوله {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} للعبد، مع ثلاث آيات بعدها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (3) في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} : فهذا تفصيل لقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فهذا يدل على أنه لا معبود إلا الله، وأنه لا يستحق أن يعبد أحد سواه، فقوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إشارة إلى عبادته بما اقتضته إلهيته من المحبة والخوف والرجاء والأمر والنهي. {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}

(1) انظر: «زاد المسير» 1: 13.

(2)

في «تفسيره» 1: 51.

(3)

في «مجموع الفتاوى» 1: 89.

ص: 248

إشارة إلى ما اقتضته الربوبية، من التوكل والتفويض والتسليم».

و {إِيَّاكَ} في الموضعين ضمير بارز منفصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به مقدم للفعل بعده أو «إيا» ضمير مبني في محل نصب مفعول به والكاف حرف خطاب، لا محل له من الإعراب. وهذا مذهب الأخفش، واختاره الزمخشري، وقال: «وعليه

المحققون» (1).

وقُدم المفعول «إياك» على الفعل فى الموضعين للاهتمام (2)، ولئلا يتقدم ذكر العبد والعبادة على المعبود (3)، كقوله تعالى:{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا} (4)، وقوله:{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَامُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)} (5)، ولئلا يتقدم ذكر الاستعانة والمستعين على المستعان به- جل وعلا كقوله -تعالى:{فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)} (6).

وقُدم أيضًا لإفادة الحصر والاختصاص، لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر (7) والاختصاص (8)، لأن في قوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} تحقيق لمعنى «لا إله إلا الله» ، ففي تقديم المعمول

(1) في «الكشاف» 1: 9، وانظر «معالم التنزيل» 1: 41، «البحر المحيط» 1: 23، «أنوار التنزيل» 1: 9، «الجدول في إعراب القرآن» 1:19.

(2)

انظر: «المحور الوجيز» 1: 75، «الجامع لأحكام القرآن» 1: 145، «مدارج السالكين» 1: 102 - 103، «البحر المحيط» 1: 24، «تفسير ابن كثير» 1:52.

(3)

انظر: «الجامع لأحكام القرآن» 1: 145، «مدارج السالكين» 1:102.

(4)

سورة الأنعام، الآية:164.

(5)

سورة الزمر، الآية:64.

(6)

سورة التوبة، الآية:51.

(7)

الحصر هو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه.

(8)

انظر: «الكشاف» 1: 9.

ص: 249

إياك» في الموضعين نفي للعبادة عن الغير الله، ونفي للاستعانة بغيره.

وفي قوله: «نعبد» و «نستعين» إثبات العبادة والاستعانة له سبحانه.

قال ابن القيم رحمه الله في «مدارج السالكين» (1): «فهو في قوة لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك. . مع أن في ضمير «إياك» الإشارة إلى نفس الذات والحقيقة ما ليس في الضمير المتصل، ففي «إياك» قصدت وأحببت من» الدلالة على معنى حقيقتك وذاتك قصدي ما ليس في قولك:«قصدتك وأحببتك. .»

وكرر الضمير «إياك» مرة أخرى للاهتمام (2)، ولأن ذلك أفصح (3).

قال ابن القيم (4): وفي إعادة «إياك» مرة أخرى دلالة على تعلق هذه الأمور بكل من الفعلان، ففي إعادة الضمير من قوة الاقتضاء لذلك ما ليس في حذفه فإذا قلت لملك مثلا:«إياك احب، وإياك أخاف وإياك أخاف» كان فيه من اختصاص الحب والخوف بذاته والاهتمام بذكره ما ليس في قوله: «إياك أحب وأخاف» .

وفي قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} بعد الآيات الثلاث التفات من الغيبة إلى الخطاب كقوله - تعالى -

(1) 1: 102.

(2)

انظر: «المحرر الوجيز» 1: 75، «الجامع لأحكام القرآن» 1:145.

(3)

انظر: «تفسير الطبري» 1: 164.

(4)

في «مدارج السالكين» 1: 103، وانظر:«التفسير القيم» ص68، «البحر المحيط» 1:25.

ص: 250

{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا *إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} (1)

وعكسه قوله - تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} (2).

والغرض العام من الالتفات في جميع المواضع التي ورد فيها هو تنبيه القارئ والمستمع لأن انتقال الكلام من الغيبة إلى الخطاب أو التكلم أو العكس ونحو ذلك مما بنيه القارئ والمستمع، وأدعى للصفاء، وأبعث على النشاط (3)، بخلاف ما إذا جاء الكلام على وتيرة واحدة، فإن القارئ أو المستمع قد يغفل أو يمل.

وهناك غرض خاص في كل التفات بكل موضع بحسبه، وقد يكون هذا الغرض ظاهرًا كما في قوله -تعالى:{عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} (4). ثم قال: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} (5) فقوله: {وَمَا يُدْرِيكَ} التفات للخطاب بعد الغيبة في قوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} .

والغرض من مجيء الكلام أولا بضمير الغيبة كراهية مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فلم يقل: «عبست وتوليت أن جاءك الأعمى» . بينما خاطبه مواجهة بقوله: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} إذ لا غضاضة، ولا

(1) سورة الإنسان، الآيتان: 21 - 22، انظر:«الجامع لأحكام القرآن» 1: 145، «البحر المحيط» 1:24.

(2)

سورة يونس، الآية:22.

(3)

انظر: «الكشاف» 1: 10.

(4)

سورة عبس، الآية: 1 - 2.

(5)

سورةة عبس، الآية:3.

ص: 251