الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع
حكم البسملة من حيث الجهر بها والإسرار، في الصلاة، أو خارجها
أما في غير الصلاة:
فأكثر القراء على الجهر بها (1)، وروي عن بعضهم إخفاؤها، منهم حمزة، ونافع (2)، وروي عنهما الجهر بها (3).
وأخذ بعض أهل الأداء بالتسمية جهرًا لجميع القراء وأخذ بعض أهل الأداء لهم إخفاءها (4).
وأما في الصلاة فاختلف أهل العلم في ذلك على أقوال:
القول الأول:
أنه يسن الجهر بها في الصلاة الجهرية، والإسرار بها في الصلاة السرية.
وهو مروي عن عمر، وعلي وعبد الله بن الزبير (5) وابن عباس وابن
(1) انظر «الكشف عن وجوه القراءات السبع» 1: 11 - 12، «النشر» 1:265.
(2)
انظر «الكشف عن وجوه القراءات السبع» 1: 11 - 12.
(3)
انظر «التبصرة» لمكي ص 245، «الكشف عن وجوه القراءات» 1: 11 - 12، «النشر» 1:271.
(4)
انظر «الإقناع في القراءات السبع «1: 162.
(5)
أخرجه عن عمر، وابن الزبير ابن أبي شيبة في «المصنف» 1: 412، وأخرجه عنهما وعن علي البيهقي- في الصلاة- باب قراءة {بسم الله الرحمن الرحيم} 2: 48 - 49.
عمر، وأبي هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان (1)، وشداد بن أوس (2) رضي الله عنهم.
ومن التابعين: سعيد بن جبير (3)، ومحمد بن شهاب الزهري (4)، ومجاهد وعطاء وطاوس (5).
وحكاه ابن كثير - أيضًا (6) - عن عكرمة، وأبي قلابة، وعلي بن الحسين وابنه محمد، وسعيد بن المسيب، وسالم، ومحمد بن كعب القرظي، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وأبي وائل، وابن سيرين، ومحمد بن المنكدر ونافع مولى ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، والأزرق بن قيس، وحبيب بن أبي ثابت، وأبي الشعثاء، وعبد الله بن معقل بن مقرن، وعبد الله بن صفوان، ومحمد بن الحنفية وعمرو بن دينار.
(1) أخرجه عن ابن عمر وأبي هريرة ابن أبي شيبة 1: 412، وأخرجه عن ابن عمر وابن عباس- النحاس في «القطع والائتناف» 1: 104 - 105، وأخرجه عنهم وعن معاوية- البيهقي 2: 46 - 50.
(2)
أخرجه عن شداد النحاس في «القطع والائتناف» 1: 4.
(3)
أخرجه عن سعيد بن جبير - عبد الرزاق- في الصلاة- باب قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) - الأثر 2614، وابن أبي شيبة 1: 412، والنحاس في «القطع والائتناف» 1:106.
(4)
أخرجه عن الزهري - البيهقي 2: 50.
(5)
أخرجه عن مجاهد وعطاء وطاوس ابن أبي شيبة 1: 412، وأخرجه النحاس عن مجاهد وعطاء في «القطع والائتناف» 1:106.
(6)
في «تفسيره» 1: 35 - 36.
وهو المشهور من مذهب الشافعي (1). ونسب لأحمد في رواية له (2). ولكن قال ابن قدامة (3): «ولا تختلف الرواية عن أحمد أن الجهر بها غير مسنون» .
وقال ابن تيمية (4): «وقد حكي القول بالجهر عن أحمد وغيره، بناء على إحدى الروايتين عنه، من أنها من الفاتحة فيجهر بها كما يجهر بسائر الفاتحة، وليس هذا مذهبه، بل يخافت بها عنده» ، وروي عن الليث بن سعد (5)، وأبي عبيد (6)، وداود الظاهري (7).
وقد سبقت الإشارة - في المبحث السادس - إلى أن أدلة القائلين بوجوب قراءة البسملة في الصلاة هي نفسا أدلة القائلين بالجهر بها ومنها ما يلي:
1 -
أن الصحابة كتبوها في المصحف، مع أنهم جردوه عما ليس من القرآن (8)، مما يدل على وجوب قراءتها والجهر بها.
والجواب عن هذا: أنه إنما تجب قراءتها لو كانت من السورة،
(1) انظر «الأم» 1: 107، «المهذب» 1: 79، «الاعتبار» للحازمي ص 82، «تفسير ابن كثير» 1:35.
(2)
انظر «الاعتبار» ص 82.
(3)
في «المغني» 2: 149.
(4)
في «مجموع الفتاوى» 22: 442.
(5)
انظر «الاستذكار» 2: 176.
(6)
انظر «الاعتبار» ص 81.
(7)
انظر «الاستذكار» 2: 177.
(8)
انظر «مجموع الفتاوى» 22: 432.
وبخاصة مع الفاتحة، والصحيح أنها آية مستقلة من القرآن - كما تقدم بيان ذلك في المبحث الثالث.
2 -
قالوا: فهذا الحديث يدل على مشروعية الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، لأن قوله «فقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يؤخذ منه أنه قرأها جهرًا، وإلا فكيف يعلم أن أبا هريرة قرأها، وحيث قال أبو هريرة في نهاية الحديث: «والذي نفسي بيده، إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم» . فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم يجهر بها.
وقد أجاب أهل العلم من القائلين بعدم الجهر عن هذا الحديث بجوابين:
الأول: من حيث صحة سنده، فقد ضعفه جمع من أهل العلم.
(1) أخرجه النسائي - في الصلاة- في الافتتاح- قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) - حديث 905 وقال الألباني: «ضعيف الإسناد» .
وأخرجه ابن خزيمة- في الصلاة- باب ذكر الدليل على أن الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والمخافتة به جميعا مباح- حديث 499، والدارقطني - في الصلاة- باب وجوب قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) حديث 14، وقال:«صحيح، رواته كلهم ثقات» ، والحاكم- في الصلاة- 1: 232، وقال «صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه» والبيهقي 2: 46، وقال «إسناده صحيح وله شواهد «.
وقد أطال الزيلعي في «نصب الراية» (1) في ذكر كلام الأئمة في تضعيفه، وأجاب عنه، وأعله من وجوه عدة، وكذا أعله وأجاب عنه من وجوه عدة الزبيدي (2)، كما ضعف إسناده الألباني (3).
الجواب الثاني أن دلالته على الجهر ليست صريحة - على فرض صحته، فيحتمل أن أبا هريرة أسر بها، ويحتمل أنه قصد تعليمهم، أو غير ذلك.
قال الجصاص (4): حديث نعيم بن المجمر لا دلالة فيه على الجهر بها، لأنه إنما ذكر أنه قرأها، ولم ينقل عنه أنه جهر بها.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (5) «فإن العارفين بالحديث يقولون: إنه عمدتهم في هذه المسألة، ولا حجة فيه
…
فقد يكون أبو هريرة قصد تعريفهم أنها تقرأ في الجملة، وإن لم يجهر بها، وحينئذ فلا يكون هذا مخالفًا لحديث أنس الذي في الصحيح وحديث عائشة الذي في الصحيح، هذا إذا كان الحديث دالًا على أنه جهر بها، فإن لفظه ليس صريحًا بذلك من وجهين، أحدهما: أنه قال قرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فيحتمل أنه قرأها سرًا
…
الثاني: أنه لم يخبر أن
(1) 1: 335 - 341.
(2)
انظر «الرد على من أبى الحق، وادعى أن الجهر بالبسملة من سنة سيد الخلق» 1: 19 وما بعدها.
(3)
راجع تخريج الحديث.
(4)
في «أحكام القرآن» 1: 16.
(5)
في «مجموع الفتاوى» 22: 422، 425، وانظر أيضًا:«نصب الراية» 1: 335 - 341، «الرد على من أبى الحق» 1: 21 - وما بعدها.
النبي صلى الله عليه وسلم قرأها، وإنما قال في آخر الصلاة:«إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم» .
وفي الحديث: أنه أمن، وكبر في الخفض والرفع، وهذا نحوه مما كان يتركه الأئمة، فيكون أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الوجوه التي فيها ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم وتركوه هم، ولعل قراءتها مع الجهر أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من تركها».
3 -
ما رواه أنس بن مالك: أن معاوية لما قدم المدينة - صلى بهم، فلم يجهر بالبسملة، فأنكر عليه المهاجرون والأنصار، فأعاد بهم الصلاة وجهر بها» (1).
قالوا: فإنكار المهاجرين والأنصار على معاوية ترك الجهر بالبسملة، وإعادته الصلاة بهم، والجهر بها، يدل على أن السنة الجهر.
وهذا الحديث ضعفه من حيث سنده ومتنه عدد من المحققين، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية (2)، فقد ضعفه من وجوه ستة، ثم قال
(1) أخرجه -ي الصلاة- وجوب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم والجهر بها، حديث 33، وقال عن رجاله «كلهم ثقات» ، والشافعي في «الأم» 1: 93 - 94. والحاكم 1: 232. وقال «صحيح على شرط مسلم» . قال الخطيب فيما نقله الزيلعي في «نصب الراية» 1: 353: هو أجود ما يعتمد عليه في هذا الباب». وانظر «سنن البيهقي» 2: 49، «الاستذكار» 2/ 180.
وقد ضعف هذا الحديث جمع من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، والزيلعي، والزبيدي، وغيرهم- كما هو مذكور بعاليه.
(2)
في «مجموع الفتاوى» 22: 430 - 432.
كما ضعفه الزيلعي (1) والزبيدي (2) من حيث سنده ومتنه من وجوه عدة، وذكرا كلام الأئمة في تضعيفه.
4 -
ما رواه أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كانت مدا يمد (بسم الله)، ويمد بـ (الرحمن)، ويمد بـ (الرحيم)» . رواه البخاري (3).
5 -
ما روته أم سملة، قالت:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته تقطيعًا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الحديث» رواه أبو داود وغيره (4).
(1) في «نصب الراية» 1: 353 - 355.
(2)
انظر «الرد على من أبى الحق» ص 43.
(3)
سبق تخريج هذا الحديث في ذكر أدلة من قال: البسملة آية من الفاتحة في المبحث الثالث، من هذا الفصل.
(4)
سبق تخريج هذا الحديث في ذكر أدلة من قال: البسملة آية من الفاتحة في المبحث الثالث، من هذا الفصل.
قالوا: فهذان الحديثان يدلان على أنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالبسملة. والصحيح أنه لا حجة في هذين الحديثين، لأنه ليس فيهما ما يدل صراحة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك في الصلاة (1).
6 -
ما رواه المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة ببسم الله الرحمن الرحيم» (2).
وهذا الحديث - وإن صححه الحاكم - ففيه نظر، لأنه يعارض ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أنس وغيره، من عدم جهر الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفائه بها - كما سيأتي في أدلة القول التالي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (3): «يعلم أولاً أن تصحيح الحاكم وحده وتوثيقه وحده لا يوثق به فيما دون هذا، فكيف في مثل هذا الموضع الذي يعارض فيه بتوثيق الحاكم، وقد اتفق أهل العلم بالصحيح على خلافه، ومن له أدنى خبرة في الحديث وأهله، لا يعارض بتوثيق الحاكم، ما قد ثبت في الصحيح خلافه ..» .
إلى غير ذلك من الأحاديث التي استدلوا بها (4) وهي بين ضعيف، أو موضوع، أو مما لا حجة لهم فيه، كما بين ذلك جمع من
(1) انظر «أحكام القرآن» للجصاص 1: 16.
(2)
أخرجه الدارقطني في الصلاة- وجوب قراءة «بسم الله الرحمن الرحيم» - حديث 26، والحاكم 1: 234، وقال:«رواة هذا الحديث كلهم عن آخرهم ثقات» ووافقه الذهبي.
(3)
في «مجموع الفتاوى» 22: 426 - 430، وانظر «الفتاوى الكبرى» «لابن تيمية أيضًا» 1: 97 - 100. «الرد على من أبى الحق» 1: 39 - 41.
(4)
انظر «الاستذكار» 2: 177.
المحققين.
قال الدارقطني (1): «كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهر فليس بصحيح، وأما عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف» .
وقال ابن الجوزي في «التحقيق» (2) بعد أن ذكر الأحاديث التي استدل بها الشافعية على الجهر وبين ضعفها: «وهذه الأحاديث في الجملة لا يحسن بمن له علم بالنقل أن يعارض بها الأحاديث الصحاح. . ويكفي في هجرانها إعراض المصنفين للمسانيد والسنن عن جمهورها» - وبعد أن ذكر قول الدارقطني السابق قال: «ثم إنا بعد ذلك نحمل أحاديثهم على أحد أمرين: إما أن يكون جهر بها للتعليم، كما روي أنه كان يصلي بهم الظهر فيسمعهم الآية والآيتين، بعد الفاتحة أحيانًا
…
».
وقال ابن قدامة (3): «وسائر أخبار الجهر ضعيفة فإن رواتها هم رواة الإخفاء، وإسناد الإخفاء صحيح ثابت بغير خلاف فيه، فدل على ضعف رواية الجهر» .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (4): «وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أنه ليس في الجهر بها حديث صريح، ولم يرو أهل السنن
(1) انظر «التحقيق» لابن الجوزي 1: 313.
(2)
1: 312، وانظر 301 - 314، وانظر «التنقيح» 2: 798 - 831، «الرد على من أبى الحق» ص 67 - 72.
(3)
في «المغني» 2: 151.
(4)
في «الفتاوى» 22: 415.
المشهورة: كأبي داود والترمذي والنسائي شيئا من ذلك، وإنما يوجد الجهر بها صريحًا في أحاديث موضوعة يرويها الثعلبي والماوردي وأمثالهما في التفسير، أو في بعض كتب الفقهاء، الذين لا يميزون بين الموضوع وغيره، بل يحتجون بمثل حديث الحميراء».
وقال - أيضًا (1) - بعدما ذكر مذهب القائلين بالجهر بالبسملة: «واعتمدوا على آثار منقولة بعضها عن الصحابة، وبعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأما المأثور عن الصحابة كابن الزبير ونحوه، ففيه صحيح، وفيه ضعيف، وأما المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو ضعيف، أو موضوع، كما ذكر ذلك حفاظ الحديث، كالدارقطني وغيره
…
».
(1) في «الفتاوى» 22: 441.
(2)
في «الفتاوى» 22: 423.
وقال ابن القيم (1) مشيرا إلى أحاديث الجهر: «فصحيح تلك الأحاديث غير صريح وصريحها غير صحيح» .
وقد أطال الزيلعي في «نصب الراية» (2) في ذكر كلاهم أهل العلم في تضعيف الأحاديث والآثار الواردة في الجهر بالبسملة، ثم قال (3):
«وبالجملة هذه الأحاديث ليس فيها صريح، ولا صحيح، بل فيها عدمهما، أو عدم أحدهما. وكيف تكون صحيحة، وليست مخرجة في شيء من الصحيح، ولا المسانيد، ولا السنن المشهورة، وفي روايتها الكذابون والضعفاء والمجاهيل
…
».
كما ضعف أحاديث الجهر الزبيدي (4).
القول الثاني:
أنه يسن الإسرار بالبسملة في الصلاة مطلقا، وهو قول جمهور أهل العلم من المحدثين والفقهاء وغيرهم (5).
وهو الثابت من الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان (6)، وعلي (7)،
(1) في «زاد المعاد» 1: 206.
(2)
1: 325 - 363.
(3)
1: 355 - 356.
(4)
انظر «الرد على من أبى الحق» ص 18 - 52.
(5)
انظر «سنن الترمذي» 2: 14، «الاعتبار» للحازمي ص 81، «المغني» 2:149.
(6)
بدليل حديث أنس الآتي قريبا. وانظر «سنن الترمذي» 2: 14، «أحكام القرآن» للجصاص 1: 17، «الاستذكار» 2: 177، «الاعتبار» للحازمي ص 81، «زاد المسير» 1: 7، «المغني» 2:149.
(7)
أخرجه عن علي بن أبي طالب- عبد الرازق- في الصلاة- الأثر 2601، وابن أبي شيبة 1: 411، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» 1: 204، وابن عبد البر في «الاستذكار» 2:178.
وعن أنس (1)، وعائشة (2) وروي عن ابن عباس (3)، وبه قال ابن مسعود، وعبد الله بن الزبير، وعمار بن ياسر وعروة بن الزبير، وأبو وائل، ومحمد بن سيرين، والحكم بن عتيبة، وإبراهيم النخعي (4)، والحسن وقتادة وعمر بن عبد العزيز (5)، وعكرمة (6)، والأوزاعي، وسفيان الثوري (7)، وسعيد بن جبير والأعمش والشعبي (8)، وأبو حنيفة وأصحابه (9)،
وأحمد بن حنبل (10) وعبد الله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه (11)، وأبو عبيد (12)، وجماعة من أصحاب
(1) أخرجه عن أنس ابن أبي شيبة 1: 401، وسيأتي ص 149 ذكر روايته ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه.
(2)
سيأتي ذكر حديثها ضمن أدلة هذا القول الدليل رقم 2.
(3)
أخرجه ابن عباس- عبد الرزاق الأثر 2605، وابن أبي شيبة 1: 411، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» 1:402.
(4)
أخرجه عنهم جميعا ابن أبي شيبة 1: 410 - 411، وانظر «الاستذكار» 2:179.
(5)
أخرجه عن الحسن وقتادة وعمر بن عبد العزيز- عبد الرزاق الأثر 2604.
(6)
انظر «أحكام القرآن» للجصاص 1: 15.
(7)
انظر «الاستذكار» 1: 154، 176 - 177، «المغني» 2: 149، «الجامع لأحكام القرآن» 1:96.
(8)
انظر «زاد المسير» 1: 8.
(9)
انظر «المبسوط» 1: 15، «أحكام القرآن» للجصاص 1: 8، 9، 15، «فتح القدير» لابن الهمام 1: 291، «نصب الراية» 1: 328 ..
(10)
انظر «مسائل الإمام أحمد» رواية النيسابوري 1: 52، 53، 55، «مسائل الإمام أحمد» رواية ابنه عبد الله ص 76 «زاد المسير» 1: 7، «المغني» 2: 149، «مجموع فتاوى ابن تيمية» 22: 353، 424، 442.
(11)
انظر «سنن الترمذي» 1: 14، «المغني» 2:149.
(12)
انظر «أحكام القرآن» للقرطبي 1: 96.
الشافعي (1) وغيرهم كثير (2).
واستدل أصحاب هذا القول بأحاديث صحيحة صريحة منها:
1 -
ما رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أنهم كانوا لا يجهرون بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» .
وقد أخرجه الأئمة عن أنس، منهم البخاري ومسلم، وأصحاب السنن، وغيرهم بروايات وألفاظ متعددة فأخرجه البخاري (3) عن أنس ابن مالك - بلفظ:«أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين» .
وأخرجه مسلم عن أنس بلفظ: «صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول قراءة، ولا في آخرها» .
وفي لفظ آخر عند مسلم - أيضًا (4) - «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم، يقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}» .
(1) انظر «مجموع الفتاوى» 22: 442.
(2)
انظر «الاستذكار» 1: 154، «الرد على من أبى الحق» ص 64 - 66.
(3)
حديث 782، والنسائي حديث 867، والترمذي حديث 246، وابن ماجه حديث 491 - كلهم بنحوه إلا عندهم «يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين» .
(4)
في الصلاة- حجة من قال: لا يجهر بالبسملة- حديث 399.
وأخرجه النسائي (1) عن أنس بلفظ: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعنا قراءة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وصلى بنا أبو بكر وعمر، فلم نسمعها منهما» .
وفي لفظ آخر للنسائي (2) عن أنس قال: «صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم فلم أسمع أحدا منهم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وأخرجه بهذا اللفظ الدارقطني (3)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4)، وابن خزيمة (5) أيضا بهذا اللفظ، إلا أنه قال: «فلم أسمع أحدا منهم يقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
أخرجه الإمام أحمد (6) بلفظ: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر فلم يجهروا بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وأخرجه بلفظه ابن خزيمة (7)، وفي رواية له (8) وللدارقطني (9) بهذا اللفظ، وزادا
(1) حديث 870.
(2)
حديث 871.
(3)
في «سننه كتاب الصلاة- اختلاف الروايات في الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حديث (1).
(4)
1: 202.
(5)
حديث 494.
(6)
المسند 3: 264.
(7)
حديث 497.
(8)
حديث 495.
(9)
في الباب السابق حديث 3، 4، 5.
«وعثمان» . وفي لفظ لابن خزيمة (1): «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان» وفي لفظ له - أيضًا (2) -: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في الصلاة وأبو بكر وعمر» . وفي لفظ للطحاوي (3): «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر رضي الله عنهما يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}» .
فحديث أنس هذا برواياته كلها، يدل على أن الثابت من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الاسرار بالبسملة، وعدم الجهر بها (4).
قال الدارمي في «سننه» (5) مبوبًا: «باب كراهية الجهر بـ .. ثم أخرج حديث أنس بلفظ «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان، كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين» . قال الدرامي: وبهذا نقول ولا أرى الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
وقال ابن خزيمة في «صحيحه» (6) مبوبًا: باب ذكر الدليل على أن أنسا إنما أراد بقوله: «لم أسمع أحدًا منهم يقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} : أي لم أسمع أحدًا منهم يقرأ جهرًا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
(1) حديث 496.
(2)
حديث 498.
(3)
في «شرح معاني الآثار» 1: 230، وانظر «نصب الراية» 1: 326 - 327.
(4)
انظر «التحقيق» 1: 298، «المغني» 2:150.
(5)
1: 283.
(6)
1: 249.
الرَّحِيمِ}، وأنهم كانوا يسرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في الصلاة».
وقال الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1) بعد أن ذكر روايات حديث أنس: «ففي ذلك دليل على أنهم يقولونها من غير طريق الجهر، ولولا ذلك لما كان لذكرهم نفي الجهر معنى، فثبت بتصحيح هذه الآثار ترك الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}» .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (2): «أما حديث أنس في نفي الجهر، فهو حديث صريح لا يحتمل هذا التأويل (3)، فإنه قد رواه مسلم في صحيحه، فقال فيه: «صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول قراءة، ولا في آخرها» وهذا النفي لا يجوز إلا مع العلم بذلك، لا يجوز بمجرد كونه لم يسمع مع إمكان الجهر بلا سماع.
واللفظ الآخر في صحيح مسلم «صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدًا منهم يجهر، أو قال يصلي بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فهذا نفى فيه السماع، ولو لم يرو إلا هذا اللفظ
(1) 1: 203، 204.
(2)
في «مجموع الفتاوى» 22: 410: 413.
(3)
وهو حمل قول أنس «فلم أسمع أحدًا منهم يذكر بسم الله الرحمن الرحيم» على عدم السماع لا أنهم لا يجهرون بها».
لم يجز تأويله بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ جهرًا، ولا يسمع أنس، لوجوه
…
- وبعد أن ذكر ابن تيمية هذه الوجوه - قال: فتبين أن هذا تحريف لا تأويل، ولو لم يرو إلا هذا اللفظ، فكيف والآخر صريح في نفي الذكر بها، وهو يفضل هذه الرواية الأخرى، وكلا الروايتين ينفي تأويل من تأول قوله:«يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين» أنه أراد السورة، فإن قوله:«يفتتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون «بسم الله الرحمن الرحيم» في أول قراءة، ولا في آخرها «صريح أنه في قصد الافتتاح بالآية، لا بسورة الفاتحة، التي أولها {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إذ لو كان مقصوده ذلك لتناقض حديثاه» .
وقال - أيضًا (1) -: «وأما اللفظ الآخر» لا يذكرون» فهو إنما ينفي ما يمكن العلم بانتفائه، وذلك موجود في الجهر، فإنه إذا لم يسمع مع القرب، علم أنهم لم يجهروا
…
يؤيد هذا حديث عبد الله بن مغفل (2).
(1) 22: 414، 415، وانظر «الفتاوى الكبرى» 1:88.
(2)
حديث عبد الله بن مغفل رواه عنه ابنه يزيد، قال:«سمعني أبي وأنا في الصلاة أقول:» بسم الله الرحمن الرحيم «فقال: أي بني، محدث، إياك والحدث- قال: ولم أر أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبغض إليه الحدث في الإسلام، يعني منه- قال: وقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر، ومع عثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقولها، فلا تقلها، إذا أنت صليت فقل: «الحمد لله رب العالمين» .
وهذا الحديث أخرجه- النسائي- في الافتتاح- باب ترك الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حديث 908، والترمذي- في الصلاة- ترك الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حديث 244، وابن ماجه في الصلاة- افتتاح القراءة- حديث 815، وأحمد 4: 85، وهذا الحديث ضعيف عند أكثر أهل العلم، فقد ضعفه ابن عبد البر في «الاستذكار» 2: 175، فقال:«حديث ضعيف، لأنه لم يعرف ابن عبد الله بن مغفل» . وقال الزيلعي في «نصب الراية» 1: 332 - 333: «قال النووي في الخلاصة: وقد ضعف الحفاظ هذا الحديث، وأنكروا على الترمذي تحسينه، كابن خزيمة، وابن عبد البر والخطيب، وقالوا: إن مداره على ابن عبد الله بن مغفل، وهو مجهول» . وضعفه الألباني في «ضعيف سنن النسائي» و «ضعيف سنن الترمذي» ، و «ضعيف سنن ابن ماجه» في المواضع السابقة. ولو صح هذا الحديث فهم محمول- كما أشار ابن تيمية- على ما حمل عليه حديث أنس وهو ترك الجهر. وانظر «الرد على من أبى الحق» ص 59 - 63.
ويؤيد قول ابن تيمية ما أخرجه الدارقطني (1) عن أبي مسلمة سعيد ابن يزيد قال: سألت أنس بن مالك، أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين، أو بـ (بسم الله الرحمن الرحيم)؟ فقال: إنك تسألني عن شيء ما أحفظه، وما سألني عنه أحد قبلك. قلت: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين؟ قال: نعم».
وقال ابن حجر في «بلوغ المرام» (2) بعد أن ذكر حديث أنس، من رواية البخاري ومسلم، وبعد أن أشار إلى أن في رواية أحمد والنسائي وابن خزيمة «لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» ، وإلى الرواية الأخرى لابن خزيمة:«كانوا يسرون» قال: «وعلى هذا يحمل النفي في رواية مسلم» . يعني قوله «لا يذكرون اسم الله في أول قراءة، ولا في آخرها» .
2 -
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) في الصلاة- اختلاف الروايات في الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} - حديث (10) وإسناده صحيح.
(2)
ص 56، حديث 297 - 300.
يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ..» رواه مسلم (1).
3 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض إلى الركعة الثانية استفتح القراءة ولم يسكت» . رواه مسلم (2).
ووجه الدلالة من هذين الحديثين - كما تقدم في حديث أنس - هو أنهم يسرون بقراءتها، ولا يجهرون بها، لا أنهم يتركونها.
4 -
حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله تعالى: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد «الحمد لله رب العالمين» قال الله: حمدني عبدي الحديث». رواه مسلم (3).
قال ابن قدامة (4): «وهذا يدل على أنه لم يذكر {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ولم يجهر بها»
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (5) - بعد أن أشار إلى حديث أبي
(1) في الصلاة- باب ما يجمع صفة الصلاة- حديث 498، وأبو داود- في الصلاة- باب من لم ير الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حديث 783.
(2)
في المساجد ومواضع الصلاة- حديث 599.
(3)
سبق تخريجه في ذكر قول من قال: إن البسملة آية مستقلة من القرآن، لا آية من الفاتحة، ولا من كل سورة في المبحث الثالث، من هذا الفصل.
(4)
في «المغني» 2: 150.
(5)
في «مجموع الفتاوى» 22: 422 - 423.
هريرة هذا: «فيه دليل على أنها ليست من القراءة الواجبة، ولا من القراءة المقسومة» ، فهذا يدل على أن البسملة ليست من السورة، فلا يجهر بها».
إلى غير ذلك من الأدلة الصحيحة الصريحة على أن السنة الإسرار بالبسملة وقد اختار هذا أكثر المحققين:
وقال القرطبي (2): «وهذا قول حسن، وعليه تتفق الآثار عن أنس، ولا تتضاد ويخرج به من الخلاف في قراءة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}» .
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية (3): «لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجهر بها، وليس في الصحاح، ولا السنن حديث صحيح صريح بالجهر، والأحاديث الصريحة بالجهر كلها ضعيفة، بل موضوعة،
(1) في «أحكام القرآن» 1: 17
(2)
في «الجامع لأحكام القرآن» 1: 96.
(3)
في «مجموع الفتاوى» 22: 275 - 276.
ولهذا لما صنف الدارقطني في ذلك مصنفًا قيل له: هل في ذلك شيء صحيح؟ فقال: أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا، وأما عن الصحابة فمنه صحيح، ومنه ضعيف. ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بها دائمًا، لكان الصحابة ينقلون ذلك، ولكان الخلفاء يعلمون ذلك، ولما كان الناس يحتاجون أن يسألوا أنس بن مالك، بعد انقضاء عصر الخلفاء، ولما كان الخلفاء الراشدون، ثم خلفاء بني أمية، وبني العباس كلهم متفقين على ترك الجهر، ولما كان أهل المدينة- وهم أعلم أهل المدائن بسنته- ينكرون قراءتها بالكلية سرًا وجهرًا.
القول الثالث:
التخيير بين الجهر والإسرار، وهذا القول يروى عن الحكم بن عتيبة، وإسحاق بن راهويه (2)، وابن أبي ليلى (3)، وهو اختيار ابن حزم (4).
(1) في «مجموع الفتاوى» 22: 415، وانظر: 408، 417 - 420.
(2)
انظر «القطع الائتناف» 1: 106.
(3)
انظر «أحكام القرآن» للجصاص 1: 15، «الاستذكار» 1:154.
(4)
انظر «المحلى» 1: 251، «مجموع الفتاوى» 22:436.
والذين روي عنهم هذا القول، كأنهم أرادوا الجمع بين أدلة الجهر، وأدلة الإسرار علمًا أن أدلة الجهر لا تكافئ أدلة الإسرار، بل وليس فيها دليل واحد صحيح النقل صريح الدلالة على الجهر- كما تقدم ذكر كلام الأئمة في ذلك.
فالقول بالتخيير للمصلي بين الجهر والإسرار بالبسملة ليس بصحيح، وفرق بين هذا، وبين أن يقال: يجوز الجهر بها لحاجة كتعليم ونحوه، فهذا لا بأس به، أو أن يقال: تصح صلاة من أسر بها ومن جهر، فهذا- أيضًا- صحيح. قال شيخ الإسلام ابن تيمية (1):«فإن الجهر بها والمخافتة سنة، فلو جهر بها المخافت صحت صلاته بلا ريب» .
وقال الحافظ ابن كثير (2): «أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة، ومن أسر بها، ولله الحمد والمنة» .
أما أن يكون المصلي مخيرًا بين هذا وهذا على حد سواء فليس بصحيح فالجهر إنما يجوز أحيانًا لعارض، كتعليم المأمومين ونحو ذلك.
كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (3) أنه يستحب الجهر بها لمصلحة
(1) في «مجموع الفتاوى» 22: 422، وانظر «صحيح ابن خزيمة» 1: 251، «القطع والائتناف» 1:106.
(2)
في «تفسيره» 1: 36.
(3)
في «مجموع الفتاوى» 22: 407، وانظر 424.
راجحة، وذكر عن أحمد أنه يستحب الجهر بها في المدينة، لأنهم ينكرون على من لم يجهر بها. ثم ذكر ابن تيمية- أيضًا- أنه يجوز الجهر بها لبيان أن قراءتها سنة، ثم قال: «ولهذا نقل عن أكثر من روي عنه الجهر بها المخافتة
…
».
وقال- أيضًا (1) -: «وكون الجهر بها لا يشرع بحال- مع أنه قد ثبت عن غيره واحد من الصحابة- نسبة للصحابة إلى فعل المكروه، وإقراره مع أن الجهر في صلاة المخافتة يشرع لعارض» .
وقال- أيضًا (2) -: «ومع هذا فالصواب أن ما لا يجهر به، قد يشرع الجهر به لمصلحة أحيانًا، لمثل تعليم المأمومين، ويسوغ للمصلين أن يجهروا بالكلمات اليسيرة أحيانًا (3)، ويسوغ- أيضًا- أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب، واجتماع الكلمة خوفًا من التنفير عما يصلح، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم، لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية، وخشي تنفيرهم بذلك (4)، ورأى أن مصلحة
(1) في «المصدر السابق» 22: 408.
(2)
في «المصدر السابق» 22: 436 وانظر 274،275.
(3)
روى النيسابوري في «مسائل الإمام أحمد» 1: 53: «وسئل عن الرجل يصلي بالقوم، فيجهر ب {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، أيصلى خلفه؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس، إذا لم يكن يجهر به شديدًا، قد فعله الصالحون، لا يجهر به شديدًا» .
(4)
أخرج البخاري - في كتاب الأنبياء- حديث 3368، وفي التفسير- باب (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت) حديث 4484، ومسلم في الحج- باب نقض الكعبة وبنائها- حديث 1333 - عن عائشة- رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة، اقتصروا على قواعد إبراهيم، فقلت، يارسول الله، ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت» .
الاجتماع والائتلاف مقدمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم».
****
(1) 1: 206.