الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأني أستطيعه، فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفًا. قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم لم يكن يهوديًا ولا نصرانيًا ولا يعبد إلا الله، فخرج فلقي عالمًا من النصارى، فذكر مثله. فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من لعنة الله. قال ما أفر إلا من لعنة الله ..» الحديث رواه البخاري (1).
{وَلَا الضَّالِّينَ} :
أي ولا صراط الضالين.
فـ الواو: عاطفة و «لا» زائدة إعرابًا عند البصريين مؤكدة لمعني النفي المفهوم من «غير» (2) لئلا يتوهم عطف الضالين على {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عليهِمْ} (3) وليدل على أن ثم مسلكين فاسدين، وهما: طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين (4) ولرفع توهم أن الضالين وصف للمغضوب عليهم وأن ذلك من عطف الصفات بعضها على بعض (5).
وقال الكوفيون هي بمعني «غير» مؤكدة أيضًا (6). ويؤيده قراءة عمر {غير المغضوب عليهم وغير الضالين} (7).
(1) في مناقب الأنصار - باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل - الحديث 3827.
(2)
انظر «تفسير الطبري» 189:1، «مشكل إعراب القرآن» 72:1، «الكشاف» 12:1، «المحرر الوجيز» 87:1، «الجامع لأحكام القرآن» 151:1، «البحر المحيط» 28:1، 29، «أنوار التنزيل» 11:1، «فتح الباري» 159:8.
(3)
انظر «المحرر الوجيز» 87:1، «الجامع لأحكام القرآن» 151:1، «البحر المحيط» 29:1، «تفسير ابن كثير» 58:1.
(4)
انظر «تفسير ابن كثير» 58:1.
(5)
انظر «بدائع الفوائد» 34:2 - 35.
(6)
انظر «فتح الباري» 159:8.
(7)
أخرجها أبو عبيد في «فضائل القرآن» ، وسعيد بن منصور في سننه فيما نقل ابن كثير.
58:1. قال ابن كثير «هذا إسناد صحيح» قال وكذلك حكي عن أبي بن كعب أنه قرأ كذلك، وهو محمول علي أنه صدر منهما علي وجه التفسير». وانظر: «مشكل إعراب القرآن» 72:1، «معالم التنزيل» 42:1، «الكشاف» 12:1، «المحرر الوجيز» 87:1.
قال الحافظ بن كثير (1): «والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء، لقرب مخرجيهما .. لمن لا يميز ذلك»
والضالين: جمع ضال. والضلال هو التيه والجهل والبعد عن الحق (2) والعدول عن طريق المستقيم، والانحراف عن المنهج القويم.
يقال: ضل الطريق: أي تاه وانحرف، كما يقال ضال، بدون إضافة قرينة، وإذا أطلق فالمراد به العدول عن طريق المستقيم، طريق الحق.
ويطلق الضلال على النسيان، كما قال تعالى:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (3) أي أن تنسي إحداهما.
ويطلق على الاختفاء وغياب الشيء كما قال تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} (4) أي غيبنا فيها، وصرنا ترابًا.
ومنه قول الشاعر:
ألم تسأل فتخبرك الديار
…
عن الركب المضلل أين ساروا (5)
(1) في «تفسيره» 59:1.
(2)
انظر «لسان العرب» مادة: «ضل» ، «الجامع لأحكام القرآن» 1:130، «البحر المحيط» 29،28:1.
(3)
سورة البقرة، الآية: 282
(4)
سورة السجدة، الآية:10.
(5)
انظر: «الجامع لأحكام القرآن» 150:1.
والمراد بالضالين: من فقدوا العلم، فتركوا الحق عن جهل، وعبدوا الله على غير هدي، وعلى غير بصيرة (1). قال تعالى:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} (2).
ويأتي في مقدمة الضالين النصارى (3) كما في حديث عدي بن حاتم- المتقدم قريبًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله: (ولا الضالين) هم «النصارى» .
وهكذا وصف الله النصارى بالضلال في غير هذا الموضع. قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (4).
قال ابن كثير (5) بعد أن ذكر تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى: «وقال ابن أبي حاتم لا أعلم بين المفسرين في تأويل ذلك اختلافًا» .
وإذا كان سبب ضلال النصارى في الأصل هو الجهل، فلا يمنع أن يكون طرأ عليهم في هذا الزمن مع الجهل العناد والإصرار. وإتباع الهوى،
(1) انظر: «تفسير الطبري» 192:1 - 195، «المحرر الوجيز» 86:1، «الجامع لأحكام القرآن» 86:1، «تفسير ابن كثير» 58،57:1
(2)
سورة يونس، الآية:32.
(3)
درج كثير من الكتاب المسلمين متأثرين بغيرهم من كتاب غير المسلمين علي تسمية النصارى بالمسيحيين، وهذا خطأ لأن القرآن سماهم النصارى، ولم يسمهم المسيحيين، لأن المسيح منهم برئ.
(4)
سورة المائدة، الآية:77.
(5)
في «تفسيره» 59:1، وانظر:«فتح الباري» 159:8.
كما هو واقع الآن.
وكل من اليهود والنصارى مغضوب عليهم وضالون، وكذا كل من حاد عن منهج الله عن علم، أو عن جهل إلا أن أخص أوصاف اليهود الغضب، ومثلهم من ترك الحق بعد معرفته، وأخص أوصاف النصارى الضلال (1) ومثلهم من عبد الله على جهل.
ولا يلزم من هذا أن لا يوجد من بين اليهود من هو جاهل ضال، ومن بين النصارى من هو عالم، ولا يمنع من هذا أن يكفر نصراني، وهو يعرف الإسلام كما يعرف ابنه وزوجته.
ولما كان اليهود تركوا الحق بعد معرفته، وكانوا أجرأ على محارم الله- تعالى-، واقسي قلوبًا كانوا أحق بوصف الغضب، وأولي بأن يقدم وصفهم على وصف النصارى الضالين مصداق ذلك قوله تعالى:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (2).
قال ابن القيم (3): «والمغضوب عليه ضال عن هداية العمل، والضال مغضوب عليه لضلاله عن العلم الموجب للعمل، فكل منهما ضال مغضوب عليه، ولكن تارك الحق بعد معرفته أولي بوصف الغضب وأحق
(1) انظر: «تفسير الطبري» 195:1، «تفسير ابن كثير» 57:1 - 58
(2)
سورة المائدة، الآية:82.
(3)
في «مدارج السالكين» 33:1 - 34، وانظر «التفسير القيم» ص11، «بدائع الفوائد» 29:2 - 32، «تفسير ابن كثير» 58:1.
به، ومن هنا كان اليهود أحق به، وهو متغلظ في حقهم. ،والجاهل بالحق أحق باسم الضلال، ومن هنا وصف النصارى به
…
».
وقد ذكر ابن القيم (1) من الوجوه في تقديم المغضوب عليهم على الضالين أن اليهود متقدمون على النصارى من حيث الزمان، وأنهم كانوا هم الذين يلون النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتابين لأنهم كانوا في المدينة أما النصارى فكانت ديارهم نائية، ولأنه تقدم ذكر المنعم عليهم والغضب ضد الإنعام والسورة هي السبع المثاني يذكر فيها الشيء وضده.
وكل من كان عنده علم فلم يعمل به، بل اتبع هواه، وجانب شرع الله عن علم وبصيرة ومعرفته ففيه شبه من اليهود، ومتوعد بالغضب بقدر معصيته، وله منه نصيب بقدر شبهه فيهم.
وكل من عبد الله على جهل وضلال- معذور بجهله- به شبه من النصارى وموصوف بالضلال على قدر معصيته، وله نصيب منه بقدر شبهه فيهم. ولهذا كان السلف- رضي الله عنهم يقولون «من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى» (2).
وما أكثر من تشبه باليهود وبالنصارى من هذه الأمة. وصدق المصطفي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لا تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود
(1) انظر «بدائع الفوائد» 33:2.
(2)
المصدر السابق 32:2.
والنصارى؟ قال: فمن» متفق عليه (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: «افترقت اليهود على أحدي وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، وستفرق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قلنا من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي» (2).
ومما يدل على شمول الغضب لليهود وغيرهم، وشمول الضلال للنصارى وغيرهم أن الله توعد بالغضب في القرآن الكريم مرتكبي بعض الكبائر والكفرة والمنافقين والمشركين من هذه الأمة، ووصف كثيرا منهم بالضلال، كما وصفهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (4).
وقال تعالى: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعليهِمْ غَضَبٌ مِنَ
(1) أخرجه من حديث أبي سعيد ألخدري: البخاري في الأنبياء- باب ما ذكر عن بني إسرائيل الحديث 3456، ومسلم في العلم باب إتباع سنن اليهود والنصارى - حديث 2669.
(2)
أخرجه أبو داود في السنة- باب شرح السنة- الحديث 3842 - 4596، والترمذي في الإيمان- ما جاء في افتراق هذه الأمة الحديث 2640 وقال:«حديث صحيح» ، وابن ماجه في الفتن وافتراق الأمم الحديث 3225 - 3991. قال الألباني:«حسن صحيح» .
(3)
سورة النساء، الآية:93.
(4)
سورة الأنفال، الآية:16.
اللَّهِ} (1)، وقال تعالى:{وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عليهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (2).
وقال صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان» متفق عليه (4).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها بات الذي في السماء ساخطا عليها» (5).
وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} (6)، وقال تعالى:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (7)، وقال تعالى:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عليكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} (8)، وقال تعالى:
(1) سورة النحل، الآية:106.
(2)
سورة النور، الآية:9.
(3)
سورة الفتح، الآية 6.
(4)
أخرجه البخاري في الشهادات من حيث عبد الله بن مسعود الحديثان 2666،2667 ومسلم في الإيمان- الحديث 138.
(5)
أخرجه مسلم في النكاح- تحريم امتناعها من فراش زوجها- الحديث 1436.
(6)
سورة البقرة، الآية:108.
(7)
سورة النساء، الآية:116.
(8)
سورة النساء، الآية:113.
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (1)، وقال تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (2).
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة: «ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض» متفق عليه (3).
(1) سورة الكهف، الآيتان: 103، 104.
(2)
سورة الأحقاف، الآية:5.
(3)
أخرجه البخاري في حديث طويل في خطبته ص في حجة الوداع- في الأضاحي- الحديث 5550، ومسلم في القسامة- باب تغليظ تحريم الدماء والإعراض والأموال- الحديث 1679.
(4)
«مدراج السالكين» 79:1 - 80 بتصرف.