المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأني أستطيعه، فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا - اللباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب

[سليمان اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأولالاستعاذة والبسملة، معناهما، وأحكامهما

- ‌الفصل الأولالاستعاذة، معناها، وأحكامها

- ‌المبحث الأولصيغ الاستعاذة الصحيحة

- ‌الصيغة الأولى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

- ‌الصيغة الثانية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

- ‌الصيغة الثالثة: أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه

- ‌الصيغة الرابعة: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه ونفخه ونفثه

- ‌الصيغة الخامسة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم

- ‌الصيغة السادسة: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم

- ‌المبحث الثانيأركان الاستعاذة

- ‌المبحث الثالثالاستعاذة ليست بآية من القرآن الكريم

- ‌المبحث الرابعإعراب الاستعاذة، ومعناها

- ‌أ - إعرابها:

- ‌ب - معناها:

- ‌المبحث الخامسأحكام الاستعاذة

- ‌أ - مكان الاستعاذة من القراءة:

- ‌ب - حكمها عند قراءة القرآن، في الصلاة أو خارجها:

- ‌ج - هل يتعوذ في الصلاة في كل ركعة، أو في الركعة الأولى فقط:

- ‌د - حكم الحهر بها، أو الإسرار:

- ‌هـ - وأما حكم الجهر بها في الصلاة:

- ‌المبحث السادسالمواضع التي تشرع فيها الاستعاذة

- ‌المبحث السابعبيان أن شيطان الجن أعظم ضررًا من شيطان الإنس ومن النفس «المذمومة»

- ‌المبحث الثامنالسبيل للخلاص من شر الشيطان ومكايده

- ‌الفصل الثانيالبسملة: معناها، وأحكامها

- ‌المبحث الأوللفظ البسملة، وإعرابها

- ‌أ - لفظها:

- ‌ب - إعرابها:

- ‌المبحث الثانيمعنى البسملة

- ‌المبحث الثالثهل البسملة آية مستقلة من القرآن الكريم

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌ القول الرابع

- ‌المبحث الرابعالسبب في عدم كتابة البسملة في مطلع سورة براءة

- ‌المبحث الخامسحكم قراءة البسملة في غير الصلاة

- ‌المبحث السادسحكم قراءة البسملة في الصلاة

- ‌المبحث السابعحكم البسملة من حيث الجهر بها والإسرار، في الصلاة، أو خارجها

- ‌المبحث الثامنالمواضع التي تشرع فيها البسملة

- ‌المبحث التاسعفوائد البسملة، والأحكام التي تضمنتها

- ‌الباب الثانيتفسير سورة الفاتحة

- ‌الفصل الأولتفسير سورة الفاتحة

- ‌المبحث الأولمكان نزول الفاتحة

- ‌المبحث الثانيأسماء الفاتحة

- ‌المبحث الثالثعدد آيات الفاتحة، وهل البسملة آية منها

- ‌المبحث الرابعفضل سورة الفاتحة

- ‌فائدة:

- ‌المبحث الخامسالمعاني التي اشتملن عليها سورة الفاتحة

- ‌المبحث السادسبيان معنى السورة والآية

- ‌أ- بيان معنى السورة:

- ‌ب- بيان معنى الآية:

- ‌المبحث السابعتفسير مفردات الفاتحة، وبيان معاني آياتها

- ‌{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

- ‌الفرق بين الحمد والشكر:

- ‌«لله»

- ‌معنى (الحمد لله):

- ‌معنى (مالك يوم الدين):

- ‌ نَعْبُدُ

- ‌لا بد لصحة العبادة من توفر شرطين:

- ‌{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}:

- ‌{الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}

- ‌{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عليهِمْ}

- ‌{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهِمْ وَلَا الضَّالينَ}:

- ‌{وَلَا الضَّالِّينَ}:

- ‌المبحث الثامنما يؤخذ من سورة الفاتحة من فوائد وأحكام

- ‌1 - مشروعية الابتداء في بالبسملة في الكتب والرسائل والخطب والمواعظ ونحوها تأسيًا بكتاب الله تعالى

- ‌2 - مشروعية حمد الله تبارك وتعالى في افتتاح الكتب والرسائل والخطب والمواعظ

- ‌3 - حمد لله -تعالى- لنفسه

- ‌4 - أمر الله -تعالى- عباده أن يحمدوه ويثنوا عليه ويمجدوه

- ‌5 - أن الوصف الكامل مستحق لله على الدوام

- ‌6 - في قوله تعالى: (الحمد لله) رد على الجبرية، الذين يقولون إن الله جبر العبد على أفعاله

- ‌7 - أن الحمد لا ينبغي أن يكون إلا لمن هو أهل له

- ‌8 - يؤخذ من قوله -تعالى-: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الإقرار والاعتراف من العبد لله جل وعلا بالكمال من جميع الوجوه وبالفضل والإنعام والإحسان

- ‌9 - إثبات توحيد الأسماء والصفات

- ‌10 - إثبات توحيد الإلوهية

- ‌11 - إثبات توحيد الربوبية بقسميه العام لجميع الخلق

- ‌12 - إثبات علم الله تعالى الشامل

- ‌13 - إثبات أنه تعالى الأول بلا بداية

- ‌14 - أن الأحق بالاستعانة والمسألة هو اسم «الرب»

- ‌15 - في قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} إشارة إلي تساوي الخلق في الربوبية العامة التي بمعني الخلق والملك والتدبير

- ‌16 - في إثبات حمده وروبيته للعالمين وتوحيد رد على من قال بقدم العالم فإن في إثبات حمده ما يقتضي ثبوت أفعاله الاختيارية

- ‌17 - في إثبات رحمته -تعالى- ورحمانيته رد على الجبرية في أن الله يعاقب العبد على ما لا قدرة له عليه

- ‌18 - إثبات يوم القيامة

- ‌19 - يؤخذ من قوله -تعالى-: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} الدلالة على أن الملك الحقيقي لله جل وعلا

- ‌20 - إثبات محاسبة الله للعباد ومجازاته لهم على أعمالهم بالعدل

- ‌21 - إثبات كتابة الأعمال وتدوينها وإحصائها

- ‌22 - الحث على الاستعداد ليوم الدين

- ‌23 - في تقديم قوله تعالى: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} على قوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} إشارة إلى أن رحمته تعالى سبقت غضبه

- ‌24 - الجميع بين الترغيب والترهيب

- ‌25 - في قول {إِيَّاكَ} رد على الملاحدة والدهرية المنكرين لوجود الله

- ‌26 - في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} بعد الآيات قبله انتقال من الغيبة إلى الخطاب لأجل تنبيه القارئ والمستمع

- ‌27 - دل قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على إثبات نوع من أنواع العبودية

- ‌28 - وجوب إخلاص العبادة لله تعالى بجميع أنواعها اعتقاداً وقولًا وعملًا

- ‌29 - دل قوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على أن العبد لا ينفك عن العبودية حتى الموت

- ‌30 - حاجة جميع الخلق إلى عون الله -تعالى

- ‌31 - تقديم حقه تعالى حق العبد

- ‌32 - لما كانت عبادة الله تعالى هي أشرف مقام يصل إليه العبد

- ‌33 - دل قوله -تعالى-: {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} على إثبات القدر

- ‌34 - في نسبة العبادة والاستعانة إلى العباد في قوله (نعبد)…(ونستعين) دليل على أن ذلك من فعلهم

- ‌35 - في تقديم قوله -تعالى- {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

- ‌36 - وجوب دعاء الله والتضرع إليه وسؤاله الهداية

- ‌37 - في قوله تعالى {اِهْدِنَا الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم} رد على القدرية المجوسية

- ‌38 - إن الهدى الحقيقي الصحيح هو ما جاء عن الله -تعالى

- ‌39 - مشروعية دعاء المسلم لإخوانه المسلمين

- ‌40 - ربط الأعمال ونجاحها بأسبابها

- ‌41 - أن صراط الله والطريق الموصل إليه عدل مستقيم لا اعوجاج فيه

- ‌42 - يؤخذ من قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ

- ‌43 - إن الصراط المستقيم الذي يسأل العبد ربه الهداية إليه هو صراط الذين أنعم عليهم بطاعته وتعالى

- ‌44 - أن الهداية للطريق المستقيم بالإيمان بالله والعمل الصالح

- ‌45 - في قوله تعالى

- ‌46 - التنويه بعلو شأن المنعم عليهم وفضلهم ورفعة قدرهم

- ‌47 - الترغيب بسلوك الطريق المستقيم

- ‌48 - أن الطريق الحق واحد

- ‌49 - أن الصراط تارة يضاف إلى سالكيه

- ‌50 - وجوب الاعتراف بالنعمة لموليها ومسديها

- ‌51 - في إثبات حمده بصفات الكمال وإثبات ربوبيته وملكه

- ‌53 - إثبات كمال الصراط المستقيم

- ‌54 - ينبغي للعبد بعد أن يسأل الله تعالى أن يهديه الصراط المستقيم

- ‌55 - إثبات صفة الغضب - لله - كما يليق بجلاله وعظمته

- ‌56 - ينبغي للعبد أن يسلك من الطرق أحسنها وأصلحها وأقومها

- ‌57 - أن من أخص صفات اليهود الغضب

- ‌58 - أن كل من سلك مسلك أحد الطائفتين شمله وصف تلك الطائفة

- ‌59 - دل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وما بعده على أن الناس ينقسمون بحسب معرفة الحق والعمل به

- ‌60 - في إسناد النعمة إلى الله تعالى

- ‌61 - بلوغ القرآن غاية الإيجاز مع الفصاحة والبيان

- ‌62 - الترغيب في سلوك سبيل المنعم عليهم والمؤمنين

- ‌63 - دلت السورة على إثبات النبوات ووجوب الإيمان بالكتب والرسل

- ‌64 - تضمنت السورة الدلالة على سعة علم الله عز وجل وخبرته وتعلق علمه بالجزئيات

- ‌65 - اشتمل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وما بعده إلى آخر السورة على الرد على جميع طوائف الكفر والضلال

- ‌66 - تضمنت السورة شفاء القلوب، كما تضمنت شفاء الأبدان

- ‌الفصل الثانيالأحكام التي تتعلق بسورة الفاتحة

- ‌المبحث الأولحكم قراءة الفاتحة في الصلاة

- ‌أولًا: حكم قراءة الفاتحة في حق الإمام والمنفرد:

- ‌ثانيًا: حكم قراءة الفاتحة في حق المأموم:

- ‌اختلف أهل العلم رحمهم الله قديمًا وحديثًا في هذه المسألة

- ‌أ- السبب الأول:

- ‌ب- السبب الثاني:

- ‌ إجمال الخلاف في هذه المسألة

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌أ- الاعتراضات الواردة على أدلة القول الأول بأن المأموم يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية

- ‌ب- الاعتراضات الواردة على أدلة القول الثاني أن المأموم يقرأ في الصلاة السرية دون الجهرية

- ‌ج- الاعتراضات الواردة على أدلة أصحاب القول الثالث: أن المأموم لا يقرأ لا في السرية، ولا في الجهرية

- ‌الترجيح بين الأقوال:

- ‌ بيان المشروع من السكتات في الصلاة

- ‌ ما الذي يشرع قوله في سكتات الإمام

- ‌المبحث الثانيوفيه مسائل:

- ‌أ- حكم من لم يستطيع قراءة الفاتحة في الصلاة:

- ‌ب- حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة:

- ‌ج- حكم قراءة الفاتحة على المريض:

- ‌د- حكم قول «آمين» بعد قراءة الفاتحة:

- ‌هـ - حكم قراءة ما زاد على الفاتحة في الصلاة:

- ‌الخاتمة

الفصل: وأني أستطيعه، فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا

وأني أستطيعه، فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفًا. قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم لم يكن يهوديًا ولا نصرانيًا ولا يعبد إلا الله، فخرج فلقي عالمًا من النصارى، فذكر مثله. فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من لعنة الله. قال ما أفر إلا من لعنة الله ..» الحديث رواه البخاري (1).

{وَلَا الضَّالِّينَ} :

أي ولا صراط الضالين.

فـ الواو: عاطفة و «لا» زائدة إعرابًا عند البصريين مؤكدة لمعني النفي المفهوم من «غير» (2) لئلا يتوهم عطف الضالين على {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عليهِمْ} (3) وليدل على أن ثم مسلكين فاسدين، وهما: طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين (4) ولرفع توهم أن الضالين وصف للمغضوب عليهم وأن ذلك من عطف الصفات بعضها على بعض (5).

وقال الكوفيون هي بمعني «غير» مؤكدة أيضًا (6). ويؤيده قراءة عمر {غير المغضوب عليهم وغير الضالين} (7).

(1) في مناقب الأنصار - باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل - الحديث 3827.

(2)

انظر «تفسير الطبري» 189:1، «مشكل إعراب القرآن» 72:1، «الكشاف» 12:1، «المحرر الوجيز» 87:1، «الجامع لأحكام القرآن» 151:1، «البحر المحيط» 28:1، 29، «أنوار التنزيل» 11:1، «فتح الباري» 159:8.

(3)

انظر «المحرر الوجيز» 87:1، «الجامع لأحكام القرآن» 151:1، «البحر المحيط» 29:1، «تفسير ابن كثير» 58:1.

(4)

انظر «تفسير ابن كثير» 58:1.

(5)

انظر «بدائع الفوائد» 34:2 - 35.

(6)

انظر «فتح الباري» 159:8.

(7)

أخرجها أبو عبيد في «فضائل القرآن» ، وسعيد بن منصور في سننه فيما نقل ابن كثير.

58:1. قال ابن كثير «هذا إسناد صحيح» قال وكذلك حكي عن أبي بن كعب أنه قرأ كذلك، وهو محمول علي أنه صدر منهما علي وجه التفسير». وانظر: «مشكل إعراب القرآن» 72:1، «معالم التنزيل» 42:1، «الكشاف» 12:1، «المحرر الوجيز» 87:1.

ص: 291

قال الحافظ بن كثير (1): «والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء، لقرب مخرجيهما .. لمن لا يميز ذلك»

والضالين: جمع ضال. والضلال هو التيه والجهل والبعد عن الحق (2) والعدول عن طريق المستقيم، والانحراف عن المنهج القويم.

يقال: ضل الطريق: أي تاه وانحرف، كما يقال ضال، بدون إضافة قرينة، وإذا أطلق فالمراد به العدول عن طريق المستقيم، طريق الحق.

ويطلق الضلال على النسيان، كما قال تعالى:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (3) أي أن تنسي إحداهما.

ويطلق على الاختفاء وغياب الشيء كما قال تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} (4) أي غيبنا فيها، وصرنا ترابًا.

ومنه قول الشاعر:

ألم تسأل فتخبرك الديار

عن الركب المضلل أين ساروا (5)

(1) في «تفسيره» 59:1.

(2)

انظر «لسان العرب» مادة: «ضل» ، «الجامع لأحكام القرآن» 1:130، «البحر المحيط» 29،28:1.

(3)

سورة البقرة، الآية: 282

(4)

سورة السجدة، الآية:10.

(5)

انظر: «الجامع لأحكام القرآن» 150:1.

ص: 292

والمراد بالضالين: من فقدوا العلم، فتركوا الحق عن جهل، وعبدوا الله على غير هدي، وعلى غير بصيرة (1). قال تعالى:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} (2).

ويأتي في مقدمة الضالين النصارى (3) كما في حديث عدي بن حاتم- المتقدم قريبًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله: (ولا الضالين) هم «النصارى» .

وهكذا وصف الله النصارى بالضلال في غير هذا الموضع. قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (4).

قال ابن كثير (5) بعد أن ذكر تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى: «وقال ابن أبي حاتم لا أعلم بين المفسرين في تأويل ذلك اختلافًا» .

وإذا كان سبب ضلال النصارى في الأصل هو الجهل، فلا يمنع أن يكون طرأ عليهم في هذا الزمن مع الجهل العناد والإصرار. وإتباع الهوى،

(1) انظر: «تفسير الطبري» 192:1 - 195، «المحرر الوجيز» 86:1، «الجامع لأحكام القرآن» 86:«تفسير ابن كثير» 58،57:1

(2)

سورة يونس، الآية:32.

(3)

درج كثير من الكتاب المسلمين متأثرين بغيرهم من كتاب غير المسلمين علي تسمية النصارى بالمسيحيين، وهذا خطأ لأن القرآن سماهم النصارى، ولم يسمهم المسيحيين، لأن المسيح منهم برئ.

(4)

سورة المائدة، الآية:77.

(5)

في «تفسيره» 59:1، وانظر:«فتح الباري» 159:8.

ص: 293

كما هو واقع الآن.

وكل من اليهود والنصارى مغضوب عليهم وضالون، وكذا كل من حاد عن منهج الله عن علم، أو عن جهل إلا أن أخص أوصاف اليهود الغضب، ومثلهم من ترك الحق بعد معرفته، وأخص أوصاف النصارى الضلال (1) ومثلهم من عبد الله على جهل.

ولا يلزم من هذا أن لا يوجد من بين اليهود من هو جاهل ضال، ومن بين النصارى من هو عالم، ولا يمنع من هذا أن يكفر نصراني، وهو يعرف الإسلام كما يعرف ابنه وزوجته.

ولما كان اليهود تركوا الحق بعد معرفته، وكانوا أجرأ على محارم الله- تعالى-، واقسي قلوبًا كانوا أحق بوصف الغضب، وأولي بأن يقدم وصفهم على وصف النصارى الضالين مصداق ذلك قوله تعالى:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (2).

قال ابن القيم (3): «والمغضوب عليه ضال عن هداية العمل، والضال مغضوب عليه لضلاله عن العلم الموجب للعمل، فكل منهما ضال مغضوب عليه، ولكن تارك الحق بعد معرفته أولي بوصف الغضب وأحق

(1) انظر: «تفسير الطبري» 195:1، «تفسير ابن كثير» 57:1 - 58

(2)

سورة المائدة، الآية:82.

(3)

في «مدارج السالكين» 33:1 - 34، وانظر «التفسير القيم» ص11، «بدائع الفوائد» 29:2 - 32، «تفسير ابن كثير» 58:1.

ص: 294

به، ومن هنا كان اليهود أحق به، وهو متغلظ في حقهم. ،والجاهل بالحق أحق باسم الضلال، ومن هنا وصف النصارى به

».

وقد ذكر ابن القيم (1) من الوجوه في تقديم المغضوب عليهم على الضالين أن اليهود متقدمون على النصارى من حيث الزمان، وأنهم كانوا هم الذين يلون النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتابين لأنهم كانوا في المدينة أما النصارى فكانت ديارهم نائية، ولأنه تقدم ذكر المنعم عليهم والغضب ضد الإنعام والسورة هي السبع المثاني يذكر فيها الشيء وضده.

وكل من كان عنده علم فلم يعمل به، بل اتبع هواه، وجانب شرع الله عن علم وبصيرة ومعرفته ففيه شبه من اليهود، ومتوعد بالغضب بقدر معصيته، وله منه نصيب بقدر شبهه فيهم.

وكل من عبد الله على جهل وضلال- معذور بجهله- به شبه من النصارى وموصوف بالضلال على قدر معصيته، وله نصيب منه بقدر شبهه فيهم. ولهذا كان السلف- رضي الله عنهم يقولون «من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى» (2).

وما أكثر من تشبه باليهود وبالنصارى من هذه الأمة. وصدق المصطفي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لتتبعنَّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لا تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود

(1) انظر «بدائع الفوائد» 33:2.

(2)

المصدر السابق 32:2.

ص: 295

والنصارى؟ قال: فمن» متفق عليه (1).

وقال صلى الله عليه وسلم: «افترقت اليهود على أحدي وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، وستفرق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قلنا من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي» (2).

ومما يدل على شمول الغضب لليهود وغيرهم، وشمول الضلال للنصارى وغيرهم أن الله توعد بالغضب في القرآن الكريم مرتكبي بعض الكبائر والكفرة والمنافقين والمشركين من هذه الأمة، ووصف كثيرا منهم بالضلال، كما وصفهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عليهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (3).

وقال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (4).

وقال تعالى: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعليهِمْ غَضَبٌ مِنَ

(1) أخرجه من حديث أبي سعيد ألخدري: البخاري في الأنبياء- باب ما ذكر عن بني إسرائيل الحديث 3456، ومسلم في العلم باب إتباع سنن اليهود والنصارى - حديث 2669.

(2)

أخرجه أبو داود في السنة- باب شرح السنة- الحديث 3842 - 4596، والترمذي في الإيمان- ما جاء في افتراق هذه الأمة الحديث 2640 وقال:«حديث صحيح» ، وابن ماجه في الفتن وافتراق الأمم الحديث 3225 - 3991. قال الألباني:«حسن صحيح» .

(3)

سورة النساء، الآية:93.

(4)

سورة الأنفال، الآية:16.

ص: 296

اللَّهِ} (1)، وقال تعالى:{وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عليهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (2).

وقال تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عليهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عليهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (3).

وقال صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان» متفق عليه (4).

وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها بات الذي في السماء ساخطا عليها» (5).

وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} (6)، وقال تعالى:{وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (7)، وقال تعالى:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عليكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} (8)، وقال تعالى:

(1) سورة النحل، الآية:106.

(2)

سورة النور، الآية:9.

(3)

سورة الفتح، الآية 6.

(4)

أخرجه البخاري في الشهادات من حيث عبد الله بن مسعود الحديثان 2666،2667 ومسلم في الإيمان- الحديث 138.

(5)

أخرجه مسلم في النكاح- تحريم امتناعها من فراش زوجها- الحديث 1436.

(6)

سورة البقرة، الآية:108.

(7)

سورة النساء، الآية:116.

(8)

سورة النساء، الآية:113.

ص: 297

{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (1)، وقال تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (2).

وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة: «ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض» متفق عليه (3).

قال ابن القيم (4): «والغضب نتيجة فساد القصد، والضلال نتيجة فساد العلم، فاعتلال القلوب ومرضها نتيجة لأحد هذين الفاسدين، وبالهداية للصراط المستقيم الشفاء من مرض الضلال، وبالتحقق بـ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} علمًا ومعرفة وعملًا وحالًا الشفاء من مرض فساد القصد» .

(1) سورة الكهف، الآيتان: 103، 104.

(2)

سورة الأحقاف، الآية:5.

(3)

أخرجه البخاري في حديث طويل في خطبته ص في حجة الوداع- في الأضاحي- الحديث 5550، ومسلم في القسامة- باب تغليظ تحريم الدماء والإعراض والأموال- الحديث 1679.

(4)

«مدراج السالكين» 79:1 - 80 بتصرف.

ص: 298