الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
أركان الاستعاذة
تتكون الاستعاذة - كما يقول بعض أهل العلم (1) - من خمسة أركان هي:
أ- صيغة الاستعاذة ولفظها، وقد تقدم.
ب- المستعيذ، وهي المؤمن الذي رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا، ونطق بالاستعاذة، وواطأ عنده القلب اللسان، فأيقن أن هذه الاستعاذة تحميه، بإذن الله بن الشيطان الرجيم.
ج - المستعاذ به وهو الله - جل وعلا - الذي من استعاذ به أعاذه، وأجاره وعصمه، وحفظه وحماه، كما أعاذ مريم ابنة عمران وذريتها وعصمها بسبب دعاء والدتها امرأة عمران وإعاذتها إياها بالله من الشيطان الرجيم، كما ذكر الله عنها أنها قالت:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما
(1) انظر «التفسير الكبير» 71:1، «غرائب القرآن» 16:1.
(2)
سورة آل عمران، الآية: 36 - 37.
من مولود يولد إلا نخسه الشيطان، فيستهل صارخا إلا ابن مريم وأمه» (1).
فالاستعاذة إنما تكون بالله - جل وعلا -، وأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وكلماته التامة، التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر.
وأكثر ما ورد في القرآن الاستعاذة باسمه - تعالى. «الله» .
قال الله - تعالى-: {فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (2)
وقال - تعالى-: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمُ} (3).
وقال - تعالى-: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (4)
وقال- تعالى-: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} (5)
وقال موسى عليه السلام فيما ذكر الله عنه: {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ
(1) أخرجه- مسلم- في الضائل- باب فضائل عيسى عليه السلام حديث 2366، وأحمد 233:2.
(2)
سورة النحل، الآية:98.
(3)
سورة الأعراف، الآية:200.
(4)
سورة فصلت، الآية:36.
(5)
سورة غافر، الآية:56.
مِنَ الْجَاهِلِينَ} (1)
وقال يوسف عليه السلام {مَعَاذَ اللَّهِ} (2). أي عياذًا بالله.
كما وردت الاستعاذة كثيرًا باسمه- تعالى-: «الرب» .
قال الله -تعالى-: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} .
وقال موسى عليه السلام: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} (3).
وقال عليه السلام: {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ} (4).
أو بمضمر يعود على الرب:
قال -تعالى-: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} (5).
وقال نوح عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} (6)
وقالت امرأة عمران: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ
(1) سورة البقرة، الآية:67.
(2)
سورة يوسف، الآية: 23، 79.
(3)
سورة غافر، الآية:27.
(4)
سورة الدخان، الآية:20.
(5)
سورة المؤمنون، الآية: 97 - 98.
(6)
سورة هود، الآية:47.
الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (1)
ووردت الاستعاذة باسمه الرحمن مرة واحدة. قال الله- تعالى- عن مريم عليها السلام: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} (2).
وفي الحديث «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق» (3).
«أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وبرأ وذرأ» الحديث (4).
ولا تصح الاستعاذه بغير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله، لأن الاستعاذة بالمخلوق في أمر لا يقدر عليه إلا الله لا تدفع شرًا، ولا تجلب خيرًا، بل مما يزيد المستعيد خوفًا ورهقًا. قال -تعالى- في سورة الجن:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (5).
د- الركن الرابع من أركان الاستعاذة: المستعاذ منه، وهو الشيطان الرجيم، أعاذنا الله منه.
(1) سورة آل عمران، الآية:36.
(2)
سورة مريم، الآية:(18).
(3)
سيأتي تخريجه في المواضع التي تشرع فيها الاستعاذة في المبحث السادس من هذا الفصل.
(4)
أخرجه الإمام أحمد 419:3.
(5)
سورة الجن، الآية:(6)، انظر «التفسير القيم» ص (542).
هـ - الركن الخامس من أركانها: المطلب الذي من أجله يستعيذ المسلم، وهو السلامة في دينه وديناه، من الشيطان ووسوسته ومكايده وجميع شروره.
قال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} (1).
وقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} (2)
وقال صلى الله عليه وسلم «اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءًا، أو أجره إلى مسلم» (3)
قال ابن القيم في «إغاثة اللهفان» (4) بعد أ، ذكر هذا الحديث:«فتضمن هذا الحديث الشريف، الاستعاذة من الشر وأسبابه، وغايته، فإن الشر كله، إما أ، يصدر من النفس، أو من الشيطان، وغايته: إما أن يعود على العامل أو على أخيه المسلم ..»
(1) سورة الناس، الآية:41.
(2)
سورة المؤمنون، الآية: 97 - 98
(3)
سيأتي تخريجه بتمامه في المواضع التي تشرع فيها الاستعاذة في المبحث السادس، من هدا الفصل.
(4)
146:1
وقال الطبري (1) رحمه الله في كلامه على معنى الاستعاذة:
«أستجير بالله - دون غيره، من سائر خلقه - من الشيطان، أن يضرني في ديني، أو يصدني عن حق يلزمني لربي» .
وقال ابن كثير (2) رحمه الله «أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم، أن يضرني في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه» .
…
(1) في «تفسيره» 11:1.
(2)
في «تفسيره» 33:1.