الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محذور في مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب قال تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (1).
واختلف في الغرض الخاص من الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله تعالى: {إِيَّاكَ
نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
…
بعد الآيات الثلاث قبلها.
فقد قيل إنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى- فلهذا قال:: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.} (2)
وقيل: لما ذكر الحقيق بالحمد والثناء والعبادة والاستعانة، فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات، فقيل:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . أي: (إياك) يا من هذه صفاته يخص بالعبادة والاستقامة (3). والله أعلم.
{نَعْبُد} :
العبادة في الأصل: التذلل والخضوع، ومنه سمي العبد عبدًا لذلته وخضوعه وسكينته وخشوعه وانقياده لمولاه. ومنه قولهم: بعير معبّد أي مذلّل بالركوب في الحوائج. قال طرفة بن العبد: (4)
(1) سورة النمل، الآية: 65
(2)
انظر: «تفسير ابن كثير» 1:52
(3)
انظر «الكشاف» 1:10
(4)
انظر: شرح القصائد السبع الطوال لأبي بكر بن الأنباري ص191 تحقيق عبد السلام هارون، طبع بمصر سنة 1400 هـ
إلى أن تحتامني العشيرة كلها
…
وأفردت إفراد البعير المعبد
أي: المذلّل
ومنه قولهم: طريق معبّد: أي مذلل بكثرة وطئه بالأقدام (1).
وقال طرفة بن العبد (2):
تُبارى عِتاقا ناجيات وأتبعت
…
وظيفًا وظيفًا فوق مَور مُعَبَّد
وقال عامر بن الطفيل (3):
شحنا أرضهم بالخيل حتى
…
تركناهم أذلّ من الصراط
فمعنى {إِيَّاكَ نَعْبُد} أي نخصك دون غيرك بأقصى غاية التذلل والخضوع لك محبة وتعظيمًا وخوفًا.
والعبادة تطلق ويراد بها فعل العبادة: أي التعبد وهو التذلل والخضوع لله محبة وتعظيمًا، وتطلق ويراد بها نفس العبادات، وهي بهذا الإطلاق: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال
(1) انظر: «معالم التنزيل» 1:41، «الكشاف» 1:10، «الجامع لأحكام القرآن» 1:145، «البحر المحيط» 1:23، «تفسير ابن كثير» 1:52
(2)
«ديوانه» ص11، البيت الثالث عشر من معلقته، تصحيح مكس سلفسون شالون 1900م. وأنظر «تفسير الطبري» 1:161، «المحرر الوجيز» 1:76.
ومعنى تباري: تجاري وتسابق، والعتاق: جمع عتيق، وهو كريم الأصل، وناجيات: مسرعات. والوظيف: من رسغ البعير إلى ركبتيه في يديه، وأما في رجليه فمن رسغيه إلى عرقوبية. والمراد بالوظيف هنا: الخف. والمور: الطريق.
(3)
انظر: «الجامع لأحكام القرآن» 1: 147
والأعمال الباطنة والظاهرة (1).
وعلى هذا فكل ما أمر الله به، بل كل ما تعبد له به - سبحانه
(1) انظر: «مجموع الفتاوى» 10:149.
(2)
في «مدارج السالكين» 1:126. وانظر: «التفسير القيم» ص 91، وانظر أيضًا: 1:99 من «مدارج السالكين»
وتعالى - فهو عبادة سواء كان ذلك مما يجب فعله كالصلاة والزكاة والحج والصيام ونحو ذلك، أو مما يجب تركه من المحرمات كالربا والزنا والسرقة ونحو ذلك أو مما يستحب فعله كالصدقة والإحسان وإماطة الأذى عن الطريق، أو مما يستحب تركه كتدخل الإنسان فيما لا يعنيه، كما يدخل في ذلك الأمور المباحة كالأكل والشرب والنوم ونحو ذلك، فهذه المباحات مما يفعله الإنسان جبلة، وهي مصلحة صرفة للنفس إلا أن فعلها تقربًا إلى الله - تعالى -، وامتثالًا لأمره، وصيانة للنفس، وبهدف التقوى على طاعة الله تعالى، وإظهارًا لنعمته - تعالى على العبد، كل ذلك عبادة لله تعالى.
عن عوف بن مالك بن نضلة الجشمي، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب دون، فقال:«ألك مال؟ قال: نعم. قال: من أي المال؟ قال: آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق. قال: فإذا آتاك الله مالا فليُرَ أثر نعمه الله عليك وكرامته» (1).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده (2)» .
وبهذه النية والقصد الحسن تكون جميع أعمال العبد المباحة من عادات ونحوها عبادات بينما قد تصبح عبادات كثيرين أشبه شيء
(1) أخرجه أبو داود في اللباس- باب في غسل الثوب وفي الخلقان- الحديث 4063 وصححه الألباني.
(2)
أخرجه الترمذي في الأدب- ما جاء أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، الحديث 2819، وقال:«حديث حسن»