الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسًا: اعترض على استدلالهم بما نقل من الآثار عن الصحابة من القراءة خلف الإمام بأن ذلك في الصلاة السرية، أو حال سكتات الإمام، أو إذا لم يسمع المأموم قراءة إمامه لبعده أو صممه، ونحو ذلك (1).
وقد أجاب أصحاب القول الأول عن هذا الاعتراض بأن ما نقل عن الصحابة منه ما يمكن حمله على الصلاة السرية، لأنه محتمل، لكن منه آثار صريحة في القراءة في الصلاة الجهرية، وهذه الآثار لم تقيد قراءة الفاتحة فيها في سكتات الإمام أو إذا لم يسمع المأموم. ونحن نقول الأولى أن يقرأ في سكتات الإمام إذا كان له سكتات، وإن لم يكن له سكتات قرأ حال قراءته.
ب- الاعتراضات الواردة على أدلة القول الثاني أن المأموم يقرأ في الصلاة السرية دون الجهرية
.
أولًا: اعترض على استدلالهم بقوله - تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (2).
وبحديث أبي موسى وأبي هريرة اللذين فيهما: «وإذا قرأ فأنصتوا» بأن هذه الأدلة الثلاثة ليست مخصصة لعموم الأحاديث في وجوب قراءة الفاتحة كحديث عبادة بن الصامت «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وغيره. كما تقولون، وإنما الحق أن نصوص الأمر بالإنصات
(1) انظر: «مجموع الفتاوى» 23: 306 - 307.
(2)
سورة الآعراف، الآية:204.
هذه عامة، خص منها قراءة الفاتحة بالنسبة للمأموم، فيقرأها ولو كان إمامه يقرأ، إذا لم يكن له سكتات والمخصص لذلك هو حديث عبادة المذكور، وحديث أبي هريرة «كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج» ونحوهما من الأحاديث.
والدليل على هذا التخصيص حديث عبادة الآخر الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟، قالوا: نعم. قال لا تفعلوا إلا بأم القرآن» .
وأجاب أصحاب القول الثاني بقولهم: بأن الآية وحديث أبي موسى وأبي هريرة هي المخصصة لعموم أحاديث الأمر بقراءة الفاتحة، وليس العكس كما تقولون. وحديث «لا تفعلوا إلا بأم القرآن» طعن فيه بعض أهل العلم، وعلى القول بصحته يمكن حمله على الإمام الذي له سكتات.
ثانيًا: اعترض على استدلالهم بحديث أبي هريرة، الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم:«مالي أنازع القرآن» من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أن هذا الحديث خارج من محل النزاع، لأن الكلام في قراءة المؤتم خلف إمامه سرًا والمنازعة إنما تكون مع جهر المؤتم، لا مع إسراره.
الوجه الثاني: لو سلم أن المراد بالمنازعة القراءة خلف الإمام سرًا لكان الإنكار الذي في الحديث عاما في جميع القرآن أو مطلقًا في
جميعه خصص في حديث عبادة ونحوه، أو قيد به» (1).
الوجه الثالث: ما ذكر الترمذي (2) بعد أن أخرج حديث أبي هريرة «مالي أنازع القرآن» قال: «وليس في هذا الحديث ما يدخل على من رأى القراءة خلف الإمام، لأن أبا هريرة هو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث. وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، غير تمام» فقال له حامل الحديث إني أكون وراء الإمام. قال: أقرأ بها في نفسك. وروي أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أن لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب» .
وقد أجاب أصحاب القول الثاني عن الوجه الأول بأنه لا يلزم أن تكون المنازعة مع جهر المؤتم حال قراءة الإمام، بل حتى مع إسرار المؤتم بالقراءة لكن جهره أشد منازعة حتى في حال إسرار الإمام.
وأجابوا عن الوجه الثاني بأننا لا نسلم بدعوى التخصيص بحديث عبادة، فقد طعن فيه بعض أهل العلم، وذكرنا توجيهه فيما سبق على القول بصحته (3).
وأجابوا عن الوجه الثالث بأن قول أبي هريرة «اقرأ بها في نفسك» محمول على القراءة خلف الإمام في الصلاة السرية. وقد سبق ذكر
(1) انظر «نيل الأوطار» 2: 243.
(2)
في «سننه» 2: 121 - 122.
(3)
راجع الاعتراض الرابع على أدلة أصحاب القول الأول.
جواب أصحاب القول الأول عن هذين الوجهين (1).
ثالثًا: اعترض على استدلالهم بحديث: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» من وجوه عدة:
الوجه الأول: أن هذا الحديث ضعيف لا يحتج به، فالأصح أنه مرسل من حديث عبد الله بن شداد، والعمل بالمرسل مختلف فيه بين أهل العلم، وكثير منهم لا يرى العمل به.
وقد أجاب أصحاب القول الثاني بأن الحديث مسند ضعيف لكنه ثبت وصح مرسلا من حديث عبد الله بن شداد وهو من أكبر التابعين، ومثل هذا المرسل يحتج به الأئمة الأربعة وغيرهم (2).
الوجه الثاني: أن أبا هريرة وابن عمر - ممن روي عنهم حديث «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» وقد ثبت عن أبي هريرة جواز القراءة خلف الإمام مطلقًا، أو في السرية فقط، كما ثبت عن ابن عمر القراءة خلف الإمام في الصلاة السرية.
وهذا يدل على ضعف هذا الحديث «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» لأن ظاهره لو صح يدل على أن قراءة الإمام له قراءة في حال السر والجهر.
وقد أجاب أصحاب القول الثاني بأن الحديث معناه فقراءة الإمام له قراءة: أي في الجهرية، وهذا يوافق ما ثبت عن أبي هريرة وابن عمر
(1) راجع الإجابة على الاعتراضين الثالث والرابع على أدلة أصحاب القول الأول.
(2)
انظر: «مجموع الفتاوى» 23: 271 - 272.
من القراءة في الصلاة السرية ولا يخالفه.
من القراءة في الصلاة السرية ولا يخالفه.
الوجه الثالث: على القول بالعمل بمثل هذا المرسل، أو أن هذا الحديث قد يرتفع برواياته وطرقه وشواهده إلى درجة الحسن فإنه مخالف للأدلة الصريحة الصحيحة الموجبة لقراءة الفاتحة مطلقًا كقوله تعالى:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ} (1) وحديث عبادة في الصحيحين: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ، ونحوه كحديث أبي هريرة عند مسلم «كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج» . وكذا حديث عبادة، الذي فيه:«هل تقرؤون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بأم القرآن» .
وقد أجاب أصحاب القول الثاني عن هذا الوجه بأن الأدلة التي ذكرتموها خاصة بالمنفرد والإمام، وكذلك تشمل المأموم أيضًا في حال عدم جهر الإمام. أما حديث عبادة:«لا تفعلوا إلا بأم القرآن» فقد ذكرنا أنه طعن فيه، وذكرنا توجيهه - على القول بصحته - فيما سبق (2).
الوجه الرابع: على القول بصحة الاحتجاج بهذا الحديث فإنه دليل لمن منع من القراءة خلف الإمام مطلقًا في السرية والجهرية فما المخصص له في أنه في المنع من القراءة في الجهرية فقط.
أجاب أصحاب القول الثاني عن هذا الوجه بأن معنى الحديث «فقراءة الإمام له قراءة": أي القراءة التي يسمعها تكفيه عن القراءة،
(1) سورة المزمل، الآية:20.
(2)
راجع الاعتراض الرابع على أدلة أصحاب القول الأول.