الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثالث:
أن المأموم لا يقرأ الفاتحة ولا غيرها.
لا في الصلاة السرية، ولا في الصلاة الجهرية.
وممن قال بهذا القول زيد بن ثابت (1).
وجابر بن عبد الله (2).
(1) أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة- الحديث 577، وعبد الرزاق- الحديث 2815، وابن أبي شيبة 1: 376، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» 1: 219، والبيهقي في «القراءة خلف الإمام» الحديث 147 - 148 - عن زيد بن ثابت قال:«لا قراءة مبصع الإمام في شيء» . هذا لفظ مسلم والبيهقي، ولفظ الطحاوي:«لا قراءة مع الإمام في شيء من الصلوات» وصحح هذا القول عن زيد- البيهقي، وابن حجر في «الدارية في تخريج أحاديث الهداية» 1: 164، وقد حمل ابن تيمية هذا على القراءة معه حال الجهر. انظر «مجموع الفتاوى» 23:323. لكن أخرجه ابن أبي شيبة عن زيد بلفظ «لا يقرؤ خلف الإمام إن جهر ولا إن خافت».
وأما ما روي عن زيد أنه قال: «من قرأ مع الإمام فلا صلاة له» كما أخرجه عبد الرزاق - الأثر 2802، وابن أبي شيبة 1: 376 وبعضهم يرفعه فهذا ضعيف من وجهين:
الوجه الأول: أن العلماء اتفقوا على صحة صلاة من قرأ مع الإمام، وشذ من قال ببطلانها بذلك. قال ابن عبد البر في «الاستذكار» 2: 193 «أجمع العلماء على أن من قرا خلف الإمام فصلاته تامة، ولا إعادة عليه» .
وهو وإن ارتكب أمرًا منهيًا محرما أو مكروها عند بعضهم إلا أن صلاته صحيحة غير باطلة.
الوجه الثاني: ضعف هذا المروي عن زيد فقد قال البخاري في جزء القراءة ص 32، فقرة: 45 «لا يعرف لهذا الإسناد سماع بعضهم من بعض، ولا يصح مثله» وقال ابن حبان في «الضعفاء والمتروكين» 1: 163 «لا أصل له» وقال ابن عبد البر في الموضع السابق: «منكر لا يصح» . وأخرجه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» 1: 133، 433. وقال ابن حجر في «الدراية» 1: 165: «اتهم به أحمد بن علي بن سليمان» . وضعفه الألباني في «الأحاديث الضعيفة» 2: 420.
(2)
أخرجه عن جابر - الترمذي في الصلاة- ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة، الأثر 313، ومالك في «الموطأ» الأثر 184، وعبد الرزاق الأثر 2745، والبخاري في جزء القراءة - الأثر 285، والبيهقي في «القراءة خلف الإمام» الآثار- 353 - 285، وابن عبد البر في «التمهيد» 11: 49 عن جابر «من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء إمام» ، وقال الترمذي:«حديث حسن صحيح» . وقال البيهقي «صحيح» وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، وأخرج عبد الرزاق - الأثر 2819 - عن عبيد الله بن مقسم قال: سألت جابر بن عبد الله أتقرأ في الظهر والعصر شيئًا؟ فقال: «لا» وفي إسناده: شيخ عبد الرزاق: داود بن قيس «مقبول» كما في «التقريب» 1: 234.
وأخرجه ابن أبي شيبة 1: 376 - عن جابر قال: «لا يقرأ خلف الإمام وفي إسناده الضحاك بن عثمان بن عبد الله «صدوق يهم» كما في «التقريب» 1: 373.
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» 1: 219، بلفظ «لا يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات» .
وقد روي مرفوعًا قال الدارقطني 1: 327 «والصواب موقوف» . وقال ابن عبد البر في «الاستذكار» 2: 192 «هو حديث لا يصح إلا موقوفا على جابر كما في الموطأ» .
وقد صححه موقوفًا على جابر ابن حجر في «الدراية في تخريج أحاديث الهداية» 1: 164.
وقد أخرج البيهقي في «القراءة خلف الإمام» الآثار 225 - 228، 259 - عن جابر قال:«يقرأ الإمام ومن خلفه في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب» وفي رواية: «كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام .... إلى آخره» .
ويروى عن عمران بن حصين (1)، الأسود بن يزيد (2)، وسعد بن
(1) أخرجه البخاري في جزء القراءة - الأثر 59 - عن عمران قال: «لا تزكو صلاة المسلم إلا بطهور وركوع وسجود وراء الإمام، وإن كان وحده بفاتحة الكتاب وآيتين وثلاث» . وقد أخرجه البيهقي في «القراءة خلف الإمام» الأثر 233 - بلفظ: «لا تزكو صلاة مسلم إلا بطهور وركوع وسجود وفاتحة الكتاب وراء الإمام، وغير الإمام» . وفي إسناد كل منهما زياد الجصاص، وهو ضعيف كما في «التقريب» 1:267.
(2)
أخرجه عبد الرزاق - الأثر 2807، وابن أبي شيبة 1: 376 - 377 عن الأسود بن يزيد قال: «وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه ترابًا» وإسناد كل منهما صحيح. وقد صحح هذا عن الأسود ابن عبد البر في «التمهيد» 11: 51، وقال يحتمل أن يكون أراد الجهر دون السر، قلت: ويدل على هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن الأسود قال: «لأن أعظ على جمرة أحب إلي من أن أقرأ خلف الإمام أعلم أنه يقرأ» .
أبي وقاص (1)، وروي عن أبي الدرداء على اختلاف عنه (2)،
وعلقمة ابن قيس (3)، وابن أبي ليلى (4)، وإبراهيم النخعي (5)، وسويد بن غفلة، وعمرو بن ميمون، والضحاك وأبي وائل (6) وسفيان الثوري وسفيان ابن
(1) أخرجه مالك في «الموطأ» رواية محمد بن الحسن ص 62، وابن أبي شيبة 1: 376 - عن سعد قال: «وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة» .
قال البخاري في جزء القراءة، فقرة 39:«مرسل» .
وقال ابن عبد البر في «الاستذكار» 2: 193: «حديث منقطع لا يصح، ولا نقله ثقة
…
وما أعلم في هذا الباب من الصحابة من صح عنه ما ذهب إليه الكوفيون فيه من غير اختلاف عنه إلا جابر بن عبد الله».
(2)
أخرجه النسائي في الافتتاح- باب اكتفاء المأموم بقراءة الإمام- الحديث 923، والدارقطني 1: 333، والبيهقي في القراءة خلف الإمام- الأحاديث 379 - 382 عن أبي الدرداء قال:«أرى الإمام إذا أم القوم كفاهم» . وقد روي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصوب الدارقطني وقفه على أبي الدرداء، وصححه الألباني موقوفًا على أبي الدرداء.
قلت: ويحتمل أنه أراد الجهر دون السر، بل إنه روي عنه القراءة في الحالين. فقد أخرج البيهقي - الأثر 229، 230 عن أبي الدرداء قال:«لا تترك قراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام جهر أو لم يجهر» وفي لفظ «لو أدركت الإمام وهو راكع لأحببت أن أقرأ بفاتحة الكتاب» .
(3)
أخرجه عبد الرزاق - الأثر 2808 - عن علقمة بن قيس قال: «وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه، قال: أحسبه قال ترابًا أو رضفًا» .
وصححه ابن عبد البر في «التمهيد» 11: 51، وقال بعدما صحح قول الأسود السابق، وقول علقمة هذا:«يحتمل أن يكونا أرادا في الجهر دون السر، فإن صح عنهما أنهما أرادا السر والجهر فقط خالفهما في ذلك من هو فوقهما ومثلهما، وعند الاختلاف يجب الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله» .
(4)
ذكره البخاري عنه في جزء القراءة فقرة 38، وابن عبد البر في «الاستذكار» 2: 191، و «التمهيد» 11: 47، وقال البخاري:«لا يصح» .
(5)
أخرجه عن إبراهيم- عبد الرزاق الأثر 2775، وابن أبي شيبة 1:377.
(6)
أخرجه عن سويد، وعمرو، والضحاك وأبي وائل- ابن أبي شيبة 1:377.
عيينة (1)، والحسن بن حي (2)، وابن شبرمة (3).
وبه قال أبو حنيفة وأصحابه (4) وبعض المالكية (5).
الأدلة التي استدل بها أصحاب هذا القول:
1 -
قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (6).
وحديث أبي موسى وأبي هريرة «وإذا قرأ فأنصتوا» (7).
قالوا: فالأمر للمأموم بالإنصات يدل على أنه لا قراءة على المأموم، وأن قراءة الإمام له قراءة.
2 -
حديث أبي هريرة الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم «مالي أنازع القرآن» (8). قالوا: ففي هذا الحديث إنكار على من يقرأ خلف الإمام.
(1) أخرجه عن سفيان بن عيينة أبو داود- في الصلاة- الحديث 822، وذكره عن السفيانين- ابن المنذر في «الأوسط» 3: 103، وابن عبد البر في «الاستذكار» 2: 191، والحازمي في «الاعتبار» ص 100.
(2)
ذكره عن الحسن بن حي ابن عبد البر في «التمهيد» 11: 47، وفي «الاستذكار» 2:191.
(3)
ذكره عن ابن شبرمة ابن عبد البر في التهيد 11: 47.
(4)
انظر: «الآثار» لمحمد بن الحسن ص 16 - 17، «موطأ الإمام مالك» رواية محمد بن الحسن ص 60 - 61، «شرح معاني الآثار» 1: 218، «تبيين الحقائق» 1: 131، «فتح القدير» 1: 338 - 341، «إمام الكلام في القراءة خلف الإمام» للكنوي ص 75 - 93.
(5)
انظر «أحكام القرآن» لابن العربي 1: 5، «عارضة الإحوذي» 2: 108 - 111، «الجامع لأحكام القرآن» 1:119.
(6)
سورة الأعراف، الآية:204.
(7)
سبق تخريجه ضمن أدلة القول الثاني.
(8)
سبق تخريجه ضمن أدلة القول الثاني.
3 -
ما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» (1).
قالوا: فهذا الحديث يدل على أن الإمام يتحمل القراءة عن المأموم مطلقًا سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية. وما روي من الأحاديث في قراءة الفاتحة في الصلاة كحديث عبادة «لا صلاة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب» ونحوه فمحمول على المنفرد والإمام، أما المأموم فإن قراءة الإمام له قراءة (2).
4 -
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نقرأ خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «خلطتم عليَّ القرآن» (3).
5 -
حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «صلى صلاة الظهر، فلما قضى صلاته، قال أيكم قرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}؟ فقال بعضهم: أنا. فقال: قد عرفت أن بعضكم خالجنيها» (4).
قالوا: فيفهم من هذين الحديثين ضرورة النهي عن القراءة خلف الإمام مطلقًا (5).
(1) سبق تخريجه ضمن أدلة القول الثاني، وبيان أن الصحيح أنه مرسل منحديث عبد الله بن شداد.
(2)
انظر: «الأوسط» 3: 103، «التمهيد» 11:47.
(3)
سبق تخريجه ضمن أدلة القول الثاني.
(4)
سبق تخريجه ضمن أدلة القول الثاني.
(5)
انظر: «أحكام القرآن» للجصاص 4: 216 - 218.
6 -
واحتجوا بما روي عن زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وأبي الدرداء (1) وعبد الله بن عمر (2)، وغيرهم من الآثار التي فيها أنهم لا يقرؤون خلف الإمام أو ينهون عن ذلك. كما سبق (3).
كما استدلوا بأحاديث وآثار واهية ضعيفة لم أر ما يدعو إلى ذكرها، كحديث أنس. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ خلف الإمام ملئ فوه ناراً» ، وكحديث زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له» (4).
كما استدلوا بتعليلات عقلية كلها ضعيفة مردودة (5).
(1) سبق تخريج المروي عنهم ضمن القائلين بهذا القول.
(2)
سبق تخريج هذا عن ابن عمر ضمن القائلين بالقول الثاني.
(3)
سبق تخريج أكثر المروي عن السلف في هذا في ذكر القائلين بهذا القول.
(4)
انظر في ذكر بعض هذه الأحاديث والآثار والكلام عليها وبيان ضعفها «القراءة خلف الإمام» للبيهقي، «الدراية في تخريج أحاديث الهداية» 1: 165، «اللآلئ المصنوعة» للسيوطي 1" 39.
(5)
انظر «الاستذكار» 2: 192، «إمام الكلام في القراءة خلف الإمام» ص 242 - 245.
قلت: العجيب أن بعض الأحناف حكى الإجماع على قولهم هذا كما في «الهداية» مع «فتح القدير» 1: 338 - 339، قال اللكنوي من علمائهم ردا على هذا:«وبالجملة فالمسألة ليست بمحل إجماع، لا الإجماع السكوتي، ولا الإجماع الصريحي، ولا الإجماع الأكثري» ، «إمام الكلام في القراءة خلف الإمام» ص 239 - 241، وانظر ص 245.