الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
السبب في عدم كتابة البسملة في مطلع سورة براءة
أجمع المسلمون على ترك الفصل بالبسملة بين سورة الأنفال وسورة براءة لإجماع المصاحف على ترك التسمية بينهما (1).
وإذا ابتدأ القارئ بسورة براءة، فإنه يتعوذ فقط، كما لو قرأ من وسطها (2).
وقد اختلف في السبب الذي من أجله تركت البسملة في مطلع سورة براءة.
فذهب قوم إلى أن السبب هو كما جاء في حديث ابن عباس (3) عن عثمان، رضي الله عنهم من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين لهم في شأنها شيئًا، وكانت قصتها تشبه قصة الأنفال، فقرنوا بينهما، ولم يكتبوا:
(1) انظر «التبصرة» لمكي ص 248، «العنوان في القراءات السبع» ص 65، «الإقناع في القراءات السبع» 1: 157، «النشر» 1:264.
(2)
في حال الوصل: الأولى الوقف بين الأنفال وبراءة، لأن أواخر السور من أتم التمام، ويجوز الوصل بينهما، ويجوز السكت. وكذا لو وصل براءة بالفاتحة، أو بالأعراف أو بغيرهما من السور، انظر «النشر» 1: 269 - 270.
(3)
حديث ابن عباس أخرجه - أبو داود- في الصلاة- باب من جهر بالبسملة حديث 786 - 787، والترمذي- في تفسير سورة التوبة حديث 3086، وقال:«حديث حسن صحيح» ، وأحمد 1: 57، والحاكم 2: 331 - 330، وقال:«صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ززافقه الذهبي، وقد ضعف أحمد شاكر هذا الحديث في شرحه للمسند حديث 399، كما ضعفه الألباني في «ضعيف سنن أبي داود» حديث 168 - 169، وفي «ضعيف سنن الترمذي» حديث 599.
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وقد اختار هذا الطحاوي (1)، وصححه ابن العربي (2).
وقيل: إن ذلك من شأن العرب إذا كان بينهم وبين قوم عهد، فإذا أرادوا نقضه كتبوا لهم كتابا، فلم يكتبوا فيه:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فلما نزلت براءة بنقض العهد الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين - بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقرأها عليهم في الموسم، ولم يبسمل على ما جرت به عادتهم.
وقيل: لأن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أمان، وبراءة نزلت بالسيف، ليس فيها أمان، روي هذا عن علي بن أبي طالب (3) وروي عن المبرد نحوه.
وقيل: لأن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} رحمة، وبراءة سخط.
وقيل: تركت التسمية، إعظاما لبسم الله الرحمن الرحيم، من خطاب المشركين (4).
وقيل: لأنهم اختلفوا هل هما سورتان، أو سورة واحدة، فتركت بينهما فرجة لقول من قال: إنهما سورتان، وتركت {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} لقول من قال: إنهما سورة واحدة، فرضي الفريقان، وثبتت
(1) في «مشكل الآثار» : 2: 155.
(2)
في «أحكام القرآن» 2: 891 - 892.
(3)
أخرجه الحاكم 2: 330.
(4)
هذا فيه نظر لأنه ورد في القرآن سور فيها خطاب المشركين ومع هذا بدئت بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) منها سورة النبأ وسورة الكافرون وسورة المسد وغير ذلك.
حجتاهما في المصحف (1).
قال القرطبي (2): «والصحيح أن التسمية لم تكتب لأن جبريل عليه السلام لم ينزل بها في هذه السورة، قاله القشيري» .
قلت: وما ذكره القرطبي عن القشيري، هو الذي تطمئن إليه النفس، بل يجب الجزم به، وهو أن جبريل لم ينزل بالبسملة مع هذه السورة، ولو نزلت مع هذه السورة لحفظت مع ما حفظ، ونقلت إلينا، تحقيقًا لوعد الله - تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (3) ولما لم تنقل، علمنا يقينا، لا يخالجه شك، أنها لم تنزل مع هذه السورة، لأن الله تكفل بحفظ القرآن، وقد وصل إلينا بحمد الله كاملا محفوظًا بحفظ الله، وهذا الذي يجب أن يعتقده كل مسلم.
أما ما روي عن ابن عباس عن عثمان رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين لهم في شأن البسملة مع سورة براءة شيئًا، وكانت قصتها تشبه قصة الأنفال، فقرنوا بينهما، ولم يكتبوا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} - فالحديث في هذا ضعيف - كما تقدم بيان ذلك.
أما القول بأن الصحابة اختلفوا، هل الأنفال وبراءة سورة واحدة، أو سورتان
…
الخ فإن الصحابة - رضوان الله عليهم - إنما أشكل
(1) انظر «معاني القرآن وإعرابه» للزجاج 2: 472، «مشكل الآثار» 2: 155، «أحكام القرآن» لابن العربي 2: 891 - 892، «زاد المسير» 1: 389، «الجامع لأحكام القرآن» 8: 61 - 63، «البرهان» للزركشي 1: 262 - 263.
(2)
في «تفسيره» 8: 63.
(3)
سورة الحجر، الآية:9.
عليهم فيما روي عنهم، هل براءة سورة مستقلة أو هي من سورة الأنفال، ولهذا فصلوا بينهما. أما أن هناك شكًا في نزول البسملة مع هذه السورة أم لا فلا شك بل يجب القطع بأن ما وصل إلينا بين دفتي المصحف، هو القرآن بكامله، من غير زيادة أو نقصان.
أما بقية الأقوال، التي قيلت في عدم ذكر البسملة، والتي سبق ذكر جملة منها، فكلها يمكن حملها على البحث عن العلة، والسبب في عدم نزول البسملة مع هذه السورة، فهي مجرد تعليلات، تقبل حينا وترد أحيانا، وهي مجرد التماس للحكمة، وللعلة في عدم نزولها، مع هذه السورة، والتعليل قد يكون عليلا، فالأولى - والله أعلم - التوقف في هذا.