الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الاعتراضات الواردة على أدلة كل قول، وإجابة أصحابه عنها:
أ- الاعتراضات الواردة على أدلة القول الأول بأن المأموم يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية
. والإجابة عنها:
أولًا: اعترض على استدلالهم بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ} (1).
وبقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» بأن «ما» في الآية والحديث تفيد العموم فما الدليل على تخصيص الفاتحة في القراءة دون غيرها.
وهذا الاعتراض له وجه. لكن أصحاب هذا القول أجابوا عنه بأن الأحاديث الموجبة لقراءة الفاتحة، ومداومة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه على قراءتها كل ذلك مبين ومفسر لقوله:«ما تيسر» في الآية والحديث.
ثانيًا: اعترض على استدلالهم بحديث عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وما في معناه من الأحاديث.
قالوا (2) هذا الحديث مطلق عام، قيد، وخص منه حال جهر الإمام
(1) سورة المزمل، الآية:20.
(2)
انظر: «مجموع الفتاوى» 23: 312 - 313 وانظر «المغني» 2: 263.
بالقراءة، فيجب الإنصات في هذه الحال لأمره تعالى بالإنصات بالآية، ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، كما في حديث أبي موسى وأبي هريرة. فهذا الأمر بالإنصات هو المخصص للأحاديث التي فيها وجوب قراءة الفاتحة كحديث عبادة هذا، وحديث أبي هريرة «من صلى صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج» عند مسلم وغيره.
وغيرها من الأحاديث وردوا القول بأن هذه الأدلة التي فيها الأمر بالإنصات مخصوصة في غير حالة قراءة الفاتحة، لما ذكره الإمام أحمد من الإجماع على أن الآية:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} نزلت في الصلاة.
وقد أجاب عن هذا الاعتراض أصحاب القول الأول بأننا نسلم بأن الآية المذكورة نزلت في الصلاة، لكنها هي وحديث أبي موسى وأبي هريرة مخصصة والمخصص لها أحاديث الأمر بقراءة الفاتحة، كما سبق ذكرها والدليل لنا على هذا التخصيص حديث عبادة «لا تفعلوا إلا بأم القرآن» .
ثالثًا: اعترض على استدلالهم بحديث أبي هريرة عند مسلم وغيره، والذي فيه «اقرأ بها في نفسك» بأن هذا لفظ مجمل، قد يحمل على ما ذهبوا إليه من الاستدلال به على القراءة مطلقًا، حتى في حال الجهر بالقراءة. وقد يحمل على القراءة حال المخافتة، أو سكوت الإمام كما روى ابن المنذر (1) عن أبي هريرة: «اقرأ خلف الإمام فيما
(1) في «الأوسط» الأثر 1313.
يخافت به».
قال ابن تيمية (1): «ويؤيد هذا أن أبا هريرة ممن روى قوله: «وإذا قرأ فأنصتوا» وروى قوله «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فما زاد» ، وقال «تجزئ فاتحة الكتاب، وإذا زاد فهو خير» . ومعلوم أن هذا لم يتناول المأموم المستمع لقراءة الإمام، فإن هذا لا تكون الزيادة على الفاتحة خيرا له. فلا يجزم حينئذ بأنه أمره أن يقرأ حال استماعه لقراءة الإمام بلفظ مجمل».
وقد أجاب أصحاب القول الأول عن هذا الاعتراض بقولهم: يتبادر من قول السائل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام أنه يسأل عن قراءة الفاتحة حال جهر الإمام لأن قراءة المأموم في هذه الحال قد تستشكل، وقد أجابه أبو هريرة بقوله:«اقرأ بها في نفسك» وهذا مشتهر عن أبي هريرة أنه يرى القراءة خلف الإمام في الحالين، وأيضًا على احتمال أن أبا هريرة أراد قراءة الفاتحة في صلاة السر فقط فالحديث دليل لنا على القراءة في هذه الحال، خلافًا لمن زعم أنه لا قراءة خلف الإمام مطلقًا.
رابعًا: اعترض على استدلالهم بحديث عبادة بن الصامت، الذي فيه:«أتقرؤون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» وما في معناه من الأحاديث من وجهين (2):
(1) انظر: «مجموع الفتاوى» 23: 300 - 301.
(2)
انظر: «مجموع الفتاوى» 23: 313 - 316.
الوجه الأول: أن بعض أهل العلم قد طعن في إسناد هذا الحديث منهم الإمام أحمد وغيره.
الوجه الثاني: على القول بصحة هذا الحديث قالوا: إنه محمول على الإمام الذي له سكتات، كما كان صلى الله عليه وسلم له سكتتان. قالوا: فليس في الحديث دليل على أنه يقرأ الفاتحة خلف إمامه حال الجهر، وإنما فيه أن له أن يقرأها حال سكتات إمامه، لأنه نهاهم عن القراءة خلفه إذا جهر، واستثنى من النهي قراءة فاتحة الكتاب إذ يمكن أن يقرأها في سكتات الإمام.
قالوا: وقوله: «أتقرؤون خلف إمامكم؟» بصيغة الاستفهام يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم أنهم يقرؤون، ولو كانت القراءة واجبة حال الجهر لكان أمرهم بذلك، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولو بين ذلك لهم وأمرهم به لعلمه عامتهم وفعلوه.
وقد أجاب أصحاب القول الأول عن الوجه الأول وهو طعن بعض أهل العلم في إسناد حديث عبادة المذكور بأن الحديث صحيح وقد صححه أكثر أهل العلم، كما سبق بيانه.
وأجابوا عن الوجه الثاني بأنه لا دليل على أن الحديث محمول على الإمام الذي له سكتات، فيقرأ المأموم في سكتاته بل الحديث عام. وقوله لهم:«أتقرؤون خلف إمامكم؟ أو لعلكم تقرؤون خلف إمامكم» يمكن حمله على أنه صلى الله عليه وسلم أراد به تنبيههم، أو أن المراد به السؤال عن قراءة ما زاد على الفاتحة.