الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس
حكم قراءة البسملة في الصلاة
اختلف العلماء في حكم قراءة البسملة في الصلاة على أقوال:
القول الأول:
أنها تجب قراءتها في الصلاة، وجوب الفاتحة، لأنها آية منها.
وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر، والزهري، ومجاهد، ويحيى ابن جعدة (1) وإسحاق (2)، وأبي ثور، وأبي عبيد (3)، وهو المشهور من مذهب الشافعي (4)، ورواية عن الإمام أحمد (5). وهذا على أن البسملة آية من الفاتحة (6)، فتجب قراءتها عندهم كما تجب قراءة بقية آيات الفاتحة، كما يشرع الجهر بها عندهم، كما يجهر ببقية آيات الفاتحة. وسيأتي ذكر أدلتهم ومناقشتها عند ذكر قول من قال بالجهر بالبسملة في المبحث السابع إن شاء الله تعالى.
القول الثاني:
أن قراءتها في الصلاة مستحبة مع الفاتحة، ومع كل سورة، سوى
(1) انظر «الاستذكار» 2: 181.
(2)
أخرجه عن إسحاق ابن عبد البر في «الاستذكار» 2: 176.
(3)
انظر «الجامع لأحكام القرآن» 1: 96.
(4)
انظر «الأم» 1: 107، 108، «المهذب» 1: 79، «المجموع» 3: 332 - 333.
(5)
انظر «مجموع الفتاوى» 22: 353، 435، 439.
(6)
انظر «المصدر السابق» 22: 353، 434، 440.
سورة براءة، كما في المصحف، وهو قول جمهور أهل العلم (1)، منهم: أبو حنيفة (2)، وأحمد في المشهور عنه (3)، وأكثر أهل الحديث (4)، لأنها آية مستقلة من القرآن، وليست آية من السورة، لا من سورة الفاتحة، ولا من غيرها من السور، فلا تجب قراءتها، لا مع الفاتحة، ولا مع غيرها، لكن تستحب قراءتها معها، ومع كل سورة سوى براءة، لإثباتها في المصحف معها، ومع بقية السور، سوى براءة. وأيضًا فقد ثبت في حديث أنس وعائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم أن الرسول
…
صلى الله عليه وسلم وخلفاءه، لا يجهرون بها (5)، فلو كانت قراءتها واجبة، وجوب الفاتحة لجهروا بها، كما يجهرون ببقية آيات الفاتحة.
القول الثالث:
أنه لا تشرع قراءتها في المكتوبة، لا سرًا ولا جهرًا.
وهذا هو المشهور من مذهب الإمام مالك، إلا أنه قال بقراءة البسملة في النقل وقيام الليل، ولمن يعرض القرآن عرضا (6).
(1) انظر «المغني» 2: 147، «مجموع الفتاوى» 22: 276، 436.
(2)
انظر «المبسوط» 1: 15، «أحكام القرآن» للجصاص 1: 13 - 14، «فتتح القدير» لابن الهمام 1: 291، 293.
(3)
انظر «مسائل الإمام أحمد» رواية النيسابوري 1: 52، 53، «المسائل الفقهية» 1: 118، «الإفصاح» 1: 125 - 126، «المغني» 2: 147، 151، «مجموع الفتاوى» 22:436.
(4)
انظر «مجموع الفتاوى» 22: 436.
(5)
سيأتي تخريجها في المبحث السادس من هذا الفصل ضمن أدلة القول الثاني.
(6)
انظر «المدونة» 1: 64، «الكافي» لابن عبد البر 1: 170، «الاستذكار» 2: 154، 175، 182، «أحكام القرآن» لابن العربي 1: 3، «بداية المجتهد» 1: 89، «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي 1: 95 - 96.
ونقل القول بعدم مشروعية قراءتها أيضا عن الأوزاعي (1).
وهذا القول مبني على أن البسملة ليست آية من القرآن، لا في أول الفاتحة ولا في أوائل السور، وليست آية مستقلة من القرآن - وقد تقدم بيان ضعف هذا القول (2).
وقد استدل من ذهب إلى هذا القول بأحاديث أنس وعائشة، وعبد الله بن مغفل رضي الله عنهم والتي فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا يستفتحون القراءة والصلاة بالحمد لله رب العالمين (3). وحديث أبي هريرة الذي فيه قوله تعالى: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين
…
» (4).
لكن هذه الأحاديث ليس فيها نفي قراءتها مطلقًا، وإنما فيها نفي قراءتها جهرًا - كما جاء في بعض روايات حديث أنس قوله:«فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» . وفي عض الروايات «فكانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم» . وسيأتي ذكر رواياته وتخريجها، هو وحديث عائشة، وعبد الله بن مغفل، في الكلام على حكم الجهر
(1) انظر «الاستذكار» 2: 177، «الاعتبار» للحازمي ص 81، «المغني» 2: 147، «مجموع الفتاوى» 22:407.
(2)
راجع ص 104.
(3)
انظر «أحكام القرآن» لابن العربي 1: 3، «المغني» 2: 147، «مجموع الفتاوى» 22: 413، «تفسير ابن كثير» 1:36.
(4)
انظر «الاستذكار» لابن عبد البر 2: 154.
بالبسملة والإسرار بها (1).
قال أبو بكر بن خزيمة - بعد أن أخرج روايات حديث أنس، والتي في بعضها التصريح بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم، ولا يجهزون لها.
قال ابن خزيمة: «هذا الخبر يصرح بخلاف ما توهم من لم يتبحر العلم، وادعى أن أنس بن مالك أراد بقوله: «كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، وبقوله: «لم أسمع أحدًا منهم يقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أنهم لم يكونوا يقرؤون
…
جهرا، ولا خفيا. وهذا الخبر يصرح أنه أراد أنهم كانوا يسرون به ولا يجهزون به عند أنس» (2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (3)، بعد أن نفي دلالة حديث أنس على ترك قراءة البسملة، وبين أنه إنما يدل على ترك الجهر بها قال: «وأما كون الإمام لم يقرأها، فهذا لا يمكن إدراكه، إلا إذا لم يكن له بين التكبير والقراءة سكتة، يمكن فيها القراءة سرًا، ولهذا استدل بحديث أنس على عدم القراءة، من لم ير هناك سكوتا كمالك وغيره، لكن ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله. «أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ قال: أقول: كذا وكذا
(1) ص 134 - 140.
(2)
في «صحيحه» 1: 250، وانظر «المغني» 2: 149 - 151.
(3)
في «مجموع الفتاوى» 22: 413 - 415.
إلى آخره». وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عمران وأبي وغيرهما أنه كان يسكت قبل القراءة، وفيها أنه كان يستعيذ، وإذا كان له سكوت، لم يمكن أنسا أن ينفي قراءتها في ذلك السكوت، فيكون نفيه للذكر، وإخباره بافتتاح القراءة بها، إنما هو في الجهر، وكما أن الإمساك عن الجهر مع الذكر يسمى سكوتا، كما في حديث أبي هريرة فيصلح أن يقال: لم يقرأها، ولم يذكرها، أي جهرا، فإن لفظ السكوت، ولفظ نفي الذكر والقراءة مدلولهما هنا واحد».
وقد اختلف العلماء فيما إذا جهر الإمام ولم يسكت هل يبسمل المأموم أو لا: على قولين منهم: من قال: لا يبسمل ولا يقرأ بل يجب عليه الإنصات، وقال بعض أهل العلم: بأنه يستعيذ ثم يبسمل ويقرأ الفاتحة وذلك لأن قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة الاستعاذة والبسملة تشرع قراءتها تبعًا لها.
وهذه المسألة مبنية على اختلافهم في حكم قراءة الفاتحة في حق المأموم (1).
****
(1) راجع ما سبق ص 62 وانظر «حكم قراءة الفاتحة في حق المأموم» ص 354 وما بعدها.