الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- وجدير بالذكر الإشارة إلى أن: ما انتخبه ابن حجر في تعريفه للحديث المضطرب، يتقارب مع ما ذهب إليه الخطيب في تعريفه لاضطراب السند؛ من حيث كون تدليس أسماء الرواة يدخل في معناه إبدال اسم الراوي أو تسميته بما لا يُعرف.
وهناك مسألة أخرى تتعلّق أيضاً بتعريف الخطيب البغدادي، وهي:
مسألة: العلاقة بين التدليس (خاصة تدليس الشيوخ) والحديث المضطرب، أو وصف الراوي بالاضطراب:
- فقد عرَّف الخطيب اضطراب السند بقوله: "أن يذكر راويه رجالاً فيُلبَّس أسماءهم وأنسابهم ونعوتهم تدليساً للرواية عنهم"(1)، وهذا التعريف قريب من تعريفه لتدليس
الشيوخ، والذي قال فيه:"هو أن يروي المحدث عن شيخ سمع منه حديثاً فغيّر اسمه أو كنيته أو نسبه أو حاله المشهور من أمره لئلا يُعرَف"(2)، والفرق بين التعريفين:
(1) الخطيب البغدادي، الكفاية، 435.
(2)
ذكر الدافع لذلك عند الرواة فقال: "والعلة في فعله ذلك كون شيخه غير ثقة في اعتقاده أو في أمانته أو يكون متأخر الوفاة قد شارك الراوي عنه جماعة دونه في السماع منه أو يكون أصغر من الراوي عنه سنا أو تكون أحاديثه التي عنده عنه كثيرة فلا يحب تكرار الرواية عنه فيغير حاله لبعض هذه الأمور." الخطيب البغدادي، الكفاية، 365.
ينظر تصريحه بتسمية هذا النوع من التدليس، بتدليس الشيوخ: المرجع السابق، 22.
- أنه في تدليس الشيوخ خصّ التغيير والتبديل في اسم شيخ الراوي، وذكر لذلك دوافع متعددة، بينما في تعريفه للاضطراب قد يطرأ التغيير على اسم أي راوٍ من رواة السند، والدافع لتبديل أسمائهم في الغالب لكونهم رواة ضعفاء. (1)
ولعل لذلك علاقة بصنيع الحاكم حين ذكر تحت النوع السادس والعشرين من علوم الحديث (نوع معرفة المدلسين) ثم ذكر أجناسهم، وخصّ: الجنس الرابع من المدلسين
بأنهم: "قوم دلسوا أحاديث رووها عن المجروحين فغيروا أساميهم وكناهم، كي لا يعرفوا"(2)، ومثّل له بمثال موصوف بالاضطراب (3).
(1) ملاحظة: يجدر بالذكر أن ابن الصلاح ومن بعده ذكروا اشتهار الخطيب بتدليس الشيوخ في مروياته ابن الصلاح، علوم الحديث، 76.
وقد ذكر أمثلة لذلك فقال: "والخطيب الحافظ يروي في كتبه، عن أبي القاسم الأزهري، وعن عبيدالله ابن أبي الفتح الفارسي، وعن عبيدالله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، والجميع شخص واحد من مشايخه.
وكذلك يروي عن الحسن بن محمد الخلال، وعن الحسن بن أبي طالب، وعن أبي محمد الخلال، والجميع عبارة عن واحد.
ويروي أيضا عن أبي القاسم التنوخي، وعن علي بن المحسن، وعن القاضي أبي القاسم علي ابن المحسن التنوخي، وعن علي بن أبي علي المعدل، والجميع شخص واحد، وله من ذلك الكثير، والله أعلم." المرجع السابق، 324.
قال العراقي في شرح التبصرة "وقد يكون الحامل على ذلك إيهام كثرة الشيوخ بأن يروي عن الشيخ الواحد في مواضع، يعرفه في موضع بصفة، وفي موضع آخر بصفة أخرى يوهم أنه غيره. وممن يفعل ذلك كثيرا الخطيب، فقد كان لهجا به في تصانيفه
…
"، وقد نقل البقاعي في النكت الوفية استدراك ابن حجر على شيخه العراقي فيما ذهب إليه، فقال: "ولم يكن الخطيب يفعله إيهاما للكثرة، فإنه مكثر من الشيوخ والمرويات، والناس بعده عيال عليه، وإنما يفعل ذلك تفننا في العبارة، وربما أدت ضرورة التصنيف إلى تكرار الشيخ الواحد عن قرب، فينوع أوصافه لئلا يصير مبتذلا ينفر السمع منه؛ للتكرار المحض، والله أعلم."
قال نور الدين عتر في منهج النقد: "وكثيرا ما يقصد المحدث من ذلك امتحان أذهان الطلاب واختبار المشتغلين بالعلم، ولفت نظرهم إلى حسن التأمل في الرواة وأحوالهم وأنسابهم، وغير ذلك. وذلك فيما يبدو لنا من مقصد الخطيب في تدليسه، فإنه كثير الشيوخ جدا، وتدليسه كان لهذا الغرض، والأمثلة التي أوردناها من كلامه قد أمكن كشف الراوي فيها بالتأمل والنظر.". ينظر المراجع: العراقي، شرح التبصرة، 1/ 241، البقاعي، النكت، 1/ 449، السخاوي، فتح المغيث، 1/ 238، السيوطي، التدريب، 1/ 265، عتر، منهج النقد، 386. (1/ 241)
(2)
الحاكم، علوم الحديث، 103.
(3)
مثال ذلك: "قال علي بن المديني: حدثنا يعلى بن عبيد، عن محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل)). قال ابن المديني: فكنت أرى أن هذا من صحيح حديث ابن إسحاق، فإذا هو قد دلسه حدثنا يعقوب ابن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني من لا أتهم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، فإذا الحديث مضطرب." المرجع السابق، 107، ينظر: الدارقطني، العلل، 3/ 271 ح (400).
فالحاكم في هذا النوع من التدليس صرّح بتدليس أسماء الرواة المجروحين، والخطيب حين عرّف اضطراب السند أعقبه بذكر السبب في تغيير وتدليس أسماء الرواة، فقال:"وإنما يفعل ذلك غالباً في الرواية عن الضعفاء."(1)
- والناظر في الاقتراح لابن دقيق العيد يجد نوع المضطرب بعد المُدلَّس، وكذلك عند الطيبي في الخلاصة؛ فبالرغم من أنه اختصر كتابه من كتاب ابن الصلاح، والنووي، وابن جماعة، إلا أنه عقّب بقوله:"فهذبته تهذيباً، ونقحته تنقيحاً، ورصفته ترصيفاً أنيقاً. فوضعت كل شيء في مصبَّه ومقره"(2)، ونجده قد خالفهم في ترتيب الأنواع، وذكر المضطرب بعد المُدلَس.
- فلعل ابن دقيق العيد والطيّبي بانتهاجهم هذا الترتيب بين الأنواع في كتبهم رأوا شبهاّ بين التدليس، وبين الاضطراب في الإسناد مما حذا ببعض المعاصرين إلى أن أشاروا لتلك العلاقة سواء من قريب أو من بعيد، فذهب أحدهم إلى أن: "التدليس - بشكل عام-: هو أحد الأسباب الرئيسة التي تُدخِل الاختلاف في المتون والأسانيد؛ لأن التدليس يكشف
عن سقوط راو أحياناً فيكون لهذا الساقط دور في اختلاف الأسانيد والمتون" (3)، وصرّح الآخر بأن: التدليس سبب من أسباب اضطراب الرواة؛ فمن كثرة ما يُدلِّس، تضطرب عليه الرواية، فلا يحفظ على هذا الوجه سماعه، أو على الآخر. (4)
(1) الخطيب البغدادي، الكفاية، 435.
(2)
الطيبي، الخلاصة، 26.
(3)
الفحل، اختلاف الأسانيد، 31.
(4)
ينظر: بازمول، المقترب، 198.