المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القيد الأول: التفرد: - المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

[راوية بنت عبد الله بن علي جابر]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع:

- ‌أسباب اختياره:

- ‌مصطلحات البحث:

- ‌أهداف البحث:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌حدود البحث:

- ‌مخطط البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌إجراءات البحث:

- ‌تمهيد

- ‌نشأة علم مصطلح الحديث، وأبرز المصنفات فيه:

- ‌الفصل الأول: الحديث الصحيح

- ‌المبحث الأول: تعريف الصحيح لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف الصحيح لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الصحيح اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌ قيود الصحيح عند ابن الصلاح

- ‌القيد الأول: اتصال السند:

- ‌القيد الثاني: العدالة:

- ‌القيد الثالث: الضبط:

- ‌القيد الرابع: السلامة من الشذوذ

- ‌القيد الخامس: السلامة من العلّة

- ‌القيد السادس: اشتراط كونه مُسنداً

- ‌الشروط أو القيود الزائدة على تعريف ابن الصلاح:

- ‌قيد نفي التدليس:

- ‌قيد الشهرة في الطلب:

- ‌قيد اشتراط العدد:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف:

- ‌الفصل الثاني: الحديث الحسن

- ‌المبحث الأول: تعريف الحسن لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف الحسن لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الحسن اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌القيد الأول: قيد الشهرة للراوي بالصدق والأمانة

- ‌القيد الثاني: قيد الستر للراوي:

- ‌القيد الثالث: قيد المتابعة والمعاضدة

- ‌القيد الرابع: قيد السلامة من الشذوذ والنكارة

- ‌القيد الخامس: قيد السلامة من العلّة:

- ‌من القيود الزائدة على تعريف ابن الصلاح:

- ‌قيد اتصال السند في تعريف الحديث الحسن

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف:

- ‌الفصل الثالث: الحديث الضعيف

- ‌المبحث الأول: تعريف الضعيف لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف الضعيف لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الضعيف اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌أسباب ضعف الحديث:

- ‌السبب الأول: السقط في السند أو نفي اتصال

- ‌السبب الخامس: الشذوذ المردود

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الفصل الرابع: الحديث الشاذ

- ‌المبحث الأول: تعريف الشاذ لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف الشاذ لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الشاذ اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌قيود الشاذ عند ابن الصلاح:

- ‌القيد الأول: المخالفة:

- ‌القيد الثاني: التفرد:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريفات

- ‌الفصل الخامس: الحديث المنكر

- ‌المبحث الأول: تعريف المنكر لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف المنكر لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف المنكر اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌قيود المنكر عند ابن الصلاح:

- ‌القيد الأول: التفرد:

- ‌القيد الثاني: المخالفة:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريفات

- ‌الفصل السادس: الأفراد

- ‌المبحث الأول: تعريف الأفراد لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف الأفراد لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الأفراد اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌المحور الأول: تقسيم الأفراد إلى نوعين مطلق، ونسبي:

- ‌المحور الثاني: العلاقة بين مصطلحي الأفراد والغريب:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الفصل السابع: زيادة الثقة

- ‌المبحث الأول: تعريف زيادة الثقة لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف زيادة الثقة لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف زيادة الثقة اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌ القيد الأول: أن يكون الراوي صاحب الزيادة في الحديث ثقةً:

- ‌ القيد الثاني: اتحاد سند الحديث أو مخرجه:

- ‌ القيد الثالث: تقييد عدد رواة الزيادة بواحد أو أكثر:

- ‌الزيادة ومحل ورودها في المتن أو السند:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الفصل الثامن: الحديث المعلل

- ‌المبحث الأول: تعريف المعلل لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف المعلل لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريفه اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌قيود الحديث المعلل عند ابن الصلاح:

- ‌القيد الأول: أن تكون العلة غامضة خفيّة

- ‌القيد الثاني: أن تكون قادحة في صحة الحديث

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الفصل التاسع: الحديث المضطرب

- ‌المبحث الأول: تعريف المضطرب لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف المضطرب لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريفه اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌قيود الحديث المضطرب عند ابن الصلاح:

- ‌القيد الأول: الاختلاف في روايات الحديث الواحد:

- ‌القيد الثاني: التساوي بين وجوه الاختلاف:

- ‌مسألة: العلاقة بين تدليس الراوي لأسماء الرواة واضطراب السند:

- ‌مسألة: العلاقة بين التدليس (خاصة تدليس الشيوخ) والحديث المضطرب، أو وصف الراوي بالاضطراب:

- ‌حكم الحديث المضطرب:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الفصل العاشر: الحديث المدرج

- ‌المبحث الأول: تعريف المدرج لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف المدرج لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريفه اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌قيود الحديث المدرج:

- ‌القيد الأول: أن يُدخَل في الخبر ما ليس منه

- ‌القيد الثاني: ألا يُفصَل بين أصل الخبر وما أُدخل فيه بفاصل يميّزه

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الفصل الحادي عشر: الحديث المقلوب

- ‌المبحث الأول: تعريف المقلوب لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف المقلوب لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريفه اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌قيود الحديث المقلوب:

- ‌قيد: الإبدال في إسناد الحديث المقلوب، أو متنه:

- ‌أقسام الحديث المقلوب:

- ‌أسباب القلب في الحديث سنداً أو متناً

- ‌سبب يخص وقوع القلب في المتن:

- ‌حكم الحديث المقلوب:

- ‌طرق معرفة الحديث المقلوب:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الفصل الثاني عشر: الموضوع

- ‌المبحث الأول: تعريف الموضوع لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف الموضوع لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريفه اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌قيود الموضوع عند ابن الصلاح:

- ‌ قيد الاختلاق والصُنْع

- ‌طرق معرفة الموضوع:

- ‌أسباب الوضع في الحديث:

- ‌حكم الموضوع، وروايته:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الخاتمة

- ‌النتائج العامة لهذا البحث:

- ‌النتائج التفصيلية:

- ‌توصيات البحث:

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: ‌القيد الأول: التفرد:

‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

قسّم ابن الصلاح المنكر- تبعاً لتقسيمه الشاذ؛ فهما عنده بمعنى واحد- إلى قسمين، ومُحصِّلَتهما: استنكار حديث المُخالِف - سواء كان ثقة أو غير ثقة- لمن هو أولى منه، بينما يُستنكر التفرّد - الخالي من المخالفة- إذا كان المُتفرِّد بالرواية ليس لديه من الثقة والإتقان ما يُحتمل معه هذا التفرد.

‌قيود المنكر عند ابن الصلاح:

هي قيود الحديث الشاذ، وقد سبق بيانها في الفصل السابق ضمن حدود تعريفات الحديث الشاذ، ويُعاد ذكرها في هذا الفصل لبيان علاقتها بتعريفات الحديث المنكر، وهما قيدان:

- مخالفة الراوي لمن هو أولى منه.

- وتفرّد الضعيف أو (من لا يُحتمل تفرّده).

‌القيد الأول: التفرد:

أبدأ بقيد التفرد لكونه الأشمل؛ ولتعلّق أغلب تعريفات المنكر به. (1)

ومعنى التفرد في اللغة: هو: ما كان وحده، وكذلك يُطلق على الذي لا نظير له. (2)

واصطلاحا: "هو أن يأتي الراوي برواية لا يشاركه فيها أحد سنداً أو متناً"(3).

(1) فالتفرّد أعم حيث يشمل انفراد الراوي بالرواية دون متابعة وكذلك تدخل المخالفة إذ هي نوع تفرد (انفراد برواية مخالفة). قال الدكتور عبدالجواد حمام: "وجود المخالفة في التفرّد أو عدم وجودها: هذا جانب مهم في قضية التفرد، وهو من أدق مباحثه وأعسرها؛ لكثرة الآراء، واختلاف وجهات النظر،

وسبب الإشكال هو تحديد حقيقة المخالفة وماهيتها وزاوية النظر إليها

" حمام، التفرد، 121 باختصار.

(2)

سبق بيانه في فصل الحديث الشاذ، ويُعاد هنا بشيء من الاختصار. ينظر: الفراهيدي، العين، 8/ 24، ابن فارس، المقاييس، 4/ 500، ابن سيده، المحكم، 9/ 306، الرازي، مختار الصحاح، 236.

(3)

زهار، المرجع السابق، 124، وينظر كذلك: حمام، المرجع السابق، 90.

ص: 342

ويُستنكر التفرد في بعض الروايات؛ لكونه قد يكون مؤشراً لوجود علة فيها (1)، وألمح ابن الوزير كذلك إلى سبب استنكار بعض تفرّدات الرواة فقال: "قلت: أما من تفرد عن العالم الحريص على نشر ما عنده من الحديث وتدوينه، ولذلك العالم كتب معروفة وقد قُيَّد حديثه فيها، وتلاميذه حُفَّاظ حِراص على ضبط حديثه وكتبه حفظا وكتابة، فكلام المحدثين

معقول؛ لأن في شذوذه (2) ريبة توجب زوال الظن (3) على حسب القرائن، وهو موضع اجتهاد، وأمّا من شذَّ بحديث عمن ليس كذلك فلا يلزم ردُّه" (4).

وقد مثّل ابن الصلاح لقيد التفرّد بقوله:

"ومثال الثاني - وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده-: ما رويناه من حديث أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كلوا البلح بالتمر؛ فإن الشيطان إذا رأى ذلك غاظه، ويقول: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخَلِق (5))) تفرد به أبو زكير وهو شيخ صالح أخرج عنه مسلم في كتابه (6)، غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده. والله أعلم"(7).

(1) سبق الإشارة إلى هذا في فصل الحديث الشاذ.

(2)

أي: انفراده.

(3)

" (توجب زوال الظن) بحفظه (على حسب القرائن وهو موضع اجتهاد) رداً وقبولاً". الصنعاني، توضيح الأفكار، 1/ 384.

(4)

ابن الوزير، التنقيح، 152 - 153.

(5)

الخَلِق: البالي والقديم. ينظر مادة (خ ل ق): ابن الأثير، النهاية، 2/ 71، ابن منظور، اللسان، 10/ 88.

(6)

قال ابن الملقن: "إنما أخرج له مسلم في المتابعات لا في الأصول" ابن الملقن، المقنع، 1/ 186، ينظر: العراقي، التقييد، 109، السخاوي، فتح المغيث، 1/ 252.

(7)

ابن الصلاح، علوم الحديث، 82.

ص: 343

قال ابن حجر: "وأما حديث أبي زكير في أكل البلح بالتمر، فقد أورده الحاكم في (المستدرك) (1) لكنه لم يحكم له بالصحة ولا غيرها. وأما ابن الجوزي أبو الفرج، فذكرهفي (الموضوعات) (2). والصواب فيه ما قال النسائي- وتبعه ابن الصلاح-: "إنه

منكر" باعتبار تفرد الضعيف به على إحدى الروايتين. وقد جزم ابن عدي (3) بأنه تفرد به (4).

وقول الخليلي: إنه شيخ صالح (5) أراد به في دينه لا في حديثه؛ لأن من عادتهم إذا أرادوا وصف الراوي بالصلاحية في الحديث قيدوا ذلك، فقالوا: صالح الحديث. فإذا أطلقوا الصلاح، فإنما يريدون به في الديانة. - والله أعلم" (6).

وفي تعليقه على حديث أبي زكير قال البقاعي:

"فيه من النكارة وجهان:

الأول: تفرد أبي زكير، وهو غير ضابط، فإنه صدوق يخطئ كثيرا، وهو وإن كان في عداد من ينجبر، لكنه لما أتى بهذا المتن الركيك الألفاظ، البعيد من القواعد، كان كأنه خالف من هو أقوى منه

الوجه الثاني من نكارته: ركاكة معناه، وعدم انطباقه على محاسن الشريعة؛ لأن الشيطان لا يغضب من مطلق حياة ابن آدم، بل من حياته مسلما مطيعا

" (7)

(1) كتاب الأطعمة 4/ 135 ح (7138).

(2)

ابن الجوزي، الموضوعات، 3/ 26.

(3)

عبدالله بن عدي بن عبدالله بن محمد بن المبارك، أبو حمد الجرجاني، الحافظ، ويُعرف بابن القطان، واُشتهر بين علماء الحديث بابن عديّ، أحد أئمة أصحاب الحديث والمكثرين له والجامعين له والرحالين فيه، ومن أشهر كتبه (الكامل في ضعفاء الرجال). مات سنة: 365 هـ. ينظر: ابن عساكر، تاريخ دمشق، 31/ 5 (3403)، الذهبي، تاريخ الإسلام، 8/ 240.

(4)

ينظر: ابن عدي، الضعفاء، 9/ 105 (2141).

(5)

ينظر: الخليلي، الإرشاد، 1/ 172.

(6)

ابن حجر، النكت، 2/ 680.

(7)

"بل ولا يغضب من حياته كذلك لطمعه في إغوائه، بل ولا نظر له في غضبه إلى الحياة أصلا، إنما نظره إلى بقائه على الطاعة، ولو مات عليها لأغضبه ذلك، ولو كان الأمر إليه في حياته لسره أن يمد في عمره رجاء استدراجه أيضا، وأيضا فإنه علل غضبه بجمع الجديد والعتيق، ومجرد دخول زمان هذا على الآخر كاف من غير احتياج إلى أكله له، أو رؤيته، والله أعلم." البقاعي، النكت، 1/ 468 - 470 ينظر كذلك: السخاوي، فتح المغيث، 1/ 251 - 252. الأنصاري، فتح الباقي، 1/ 239.

ص: 344

يشير البقاعي بذلك إلى قسميّ المنكر عند ابن حجر حيث قال: "والمنكر: اسم لما خالف فيه الضعيف، أي الذي ينجبر إذا توبع، أو تفرد به الأضعف، أي: الذي لا ينجبر وهيه

بمتابعة مثله" (1)، ويظهر من هذا الفرق بين رواية الضعيف القابل للانجبار، والضعيف شديد الضعف عند ابن حجر، فليس كل تفرد من الضعيف يُعدّ عنده منكراً، بل بحسب مرتبته من الضعف، فإن كان ضعفه قابلاً للانجبار لا يُعدّ تفرده منكراً إلا إذا خالف من هو أولى منه، بينما يُستنكر مجرد التفرد من الضعيف الشديد الضعف (2).

وممن قال بالتفرد في الحديث المنكر: - الحافظ البرديجي كما نُقل عنه (3). قال ابن الصلاح: "أطلق البرديجي ذلك ولم يُفصّل، وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ، موجود في كلام كثير من أهل الحديث"(4).

(1) البقاعي، النكت، 1/ 467، ينظر كذلك: الأنصاري، فتح الباقي، 1/ 238.

(2)

ونظراً لأن الشذوذ والنكارة يُعدّان من الضعف الشديد غير القابل للانجبار، فقد استشكل بعضهم إطلاق الوصف بالشذوذ والنكارة على تفرّد الضعيف المراجع: البقاعي، النكت، 1/ 465، السخاوي، فتح المغيث، 1/ 249، السليماني، الجواهر، 303.

(3)

ينظر: ابن الصلاح، علوم الحديث، 80، ابن رجب، العلل، 1/ 450.

(4)

ثم قال: "والصواب فيه التفصيل الذي بينّاه آنفاً في شرح الشاذ." ابن الصلاح، المرجع السابق.

ص: 345

قال ابن حجر: "مذهب البرديجي أن المنكر هو الفرد سواء تفرد به ثقة أو غير ثقة"(1)، وقد استدرك موضّحاً ذلك - في تنكيته على ابن الصلاح- بقوله: "وهذا ينبغي التيقظ له،

فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد، لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده" (2).

وبعبارة مشابهة نقل البقاعي عن شيخه ابن حجر قوله:

"ما أطلقه البرديجي موجود في كلام أحمد، فإنه يصف بعض ما تفرد به بعض الثقات بالمنكر، ويحكم على بعض رجال الصحيحين أن لهم مناكير، لكن يعلم من استقراء كلامه أنه لابد مع التفرد من أن ينقدح في النفس أن له علة، (3) ولا يقوم عليها دليل على نحو ما تقدم عن الحاكم في الشاذ (4)، ويؤيده قول مسلم (5): إن المنكر أن يعمد الرجل إلى مثل الزهري في كثرة الأصحاب، فينفرد من بينهم عنه برواية حرف لا يوجد عند أحد منهم، فمثل هذا يقوم في النفس فيه ريبة لمجرد التفرد، وقد لا يقدر على التعبير عنها"(6)

(1) ابن حجر، هدي الساري، 455.

(2)

ابن حجر، النكت، 2/ 674، ينظر: البقاعي، النكت، 1/ 467.

"فتأمل قول ابن حجر رحمه الله حيث قال: "حيث لا يكون المتفرد في وزن من يُحكم لحديثه بالصحة"؛ ولذلك لا يلتفت حذاق المحدثين إلى زيادات وأفراد من ليس في وزن من يُحكم بصحة حديثه" العثمان، المحرر، 234.

(3)

"هناك من يُطلق القول بأن المتقدمين يطلقون النكارة على مجرد التفرد فقط، كاللكنوي، والتهانوي، وغيرهما، وهناك من الأئمة من قد يُفهم من كلامه أن القطان، وأحمد، والنسائي، والبرديجي، يريدون بإطلاق النكارة التفرد. والواقع أن من نظر في كلام هؤلاء وغيرهم من المتقدمين وجدهم يطلقون ذلك على الجرح الشديد، وعلى الخطأ والوهم، ويطلقون ذلك أيضاً على التفرد، والأصل في إطلاق الأئمة هؤلاء وغيرهم النكارة على الجرح لا مجرد التفرد، فلابد من التأني في الأمر، والله أعلم." السليماني، الجواهر، 368 - 369.

(4)

ينظر ما سبق ذكره من مذهب الحاكم في معنى الحديث الشاذ، وذلك في الفصل السابق.

(5)

ينظر: مسلم، الصحيح، 1/ 7. وقد نقل البقاعي ما ذكره مسلم بتصرّف.

(6)

البقاعي، النكت، 1/ 467.

ص: 346

أما ابن رجب فبعد نقله لتعريف البرديجي أوضح السياق الذي ورد فيه التعريف، وذكر أمثلة على ذلك فقال:

ذكر هذا الكلام في سياق ما إذا انفرد شعبة (1) أو سعيد بن أبي عروبة (2) أو هشام الدستوائي (3) بحديث عن قتادة (4)، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كالتصريح بأن كل ما ينفرد به ثقة عن ثقة ولا يعرف المتن من غير ذلك الطريق فهو منكر

قال البرديجي بعد ذلك: فأما أحاديث قتادة التي يرويها الشيوخ مثل حماد بن سلمة، وهمام (5)، وأبان (6)، والأوزاعي (7)، يُنظر في الحديث، فإن كان الحديث يُحفظ من غير طريقهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أنس بن مالك من وجه آخر لم يُدفع، وإن كان لا يُعرف عن أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا من طريق عن أنس إلا من رواية هذا الذي ذكرت لك، كان منكراً.

(1) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم، أبو بسطام الواسطي ثم البصري، قال عنه الذهبي:"أمير المؤمنين في الحديث، ثبت حجة ويخطئ في الأسماء قليلا"، وقال ابن حجر: ثقة حافظ متقن، وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة وكان عابدا". مات سنة 160 هـ. ينظر: الذهبي، الكاشف، 1/ 485 (2278)، ابن حجر، التقريب، 266 (2790).

(2)

سعيد بن أبى عروبة مهران العدوي، أبو النضر اليشكري مولاهم، البصري، قال عنه الذهبي:"أحد الأعلام، قال أحمد: كان يحفظ لم يكن له كتاب، وقال ابن معين: هو من أثبتهم في قتادة، وقال أبو حاتم: هو قبل أن يختلط ثقة" وقال ابن حجر: "ثقة حافظ، له تصانيف، كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة"، مات سنة: 156 هـ وقيل 157 هـ. ينظر: الذهبي، الكاشف، 1/ 441 (1933)، ابن حجر، التقريب، 239 (2365).

(3)

هشام بن أبى عبدالله سنبر الدستوائي، أبو بكر البصري، قال الذهبي:"الحافظ، وكان يطلب العلم لله، قال الطيالسي: هشام أمير المؤمنين في الحديث"، وقال ابن حجر:"ثقة ثبت، وقد رُمِي بالقدر"، مات سنة: 154 هـ ينظر: الذهبي، الكاشف، 2/ 337 (5969)، ابن حجر، التقريب، 573 (7299).

(4)

قتادة بن دعامة السدوسي، أبو الخطاب البصري، الحافظ المفسّر، قال عنه ابن حجر: ثقة ثبت، مات سنة 117 هـ، وقيل: 118 هـ. ينظر: الذهبي، الكاشف، 2/ 134 (4551)، ابن حجر، التقريب، 453 (5518)

(5)

همام بن يحيى بن دينار العوذي المحلمي مولاهم، أبو عبدالله، ويقال أبو بكر البصري، قال الذهبي:"الحافظ، قال أحمد: هو ثبت في كل المشايخ"، وقال ان حجر:"ثقة ربما وهم"، مات سنة: 163، وقيل: 164 أو 165 هـ. ينظر: الذهبي، الكاشف، 2/ 339 (5986)، ابن حجر، التقريب، 574 (7319).

(6)

أبان بن يزيد العطار البصري، أبو يزيد، قال الذهبي:"قال أحمد: ثبت في كل المشايخ"، وقال ابن حجر: ثقة له أفراد، مات سنة: 160 هـ تقريبا. ينظر: الذهبي، الكاشف، 1/ 207 (111)، ابن حجر، التقريب، 87 (143).

(7)

عبدالرحمن بن عمرو، الفقيه أبو عمرو الأوزاعي، شيخ الإسلام، ثقة حافظ فقيه زاهد، مات سنة 157 هـ. ينظر: الذهبي، الكاشف، 1/ 638 (3278)، ابن حجر، التقريب، 347 (3967).

ص: 347

وقال أيضاً: إذا روى الثقة من طريق صحيح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً لا يُصاب إلا عند الرجل الواحد لم يضره أن لا يرويه غيره إذا كان متن الحديث معروفاً، ولا يكون منكراً ولا معلولاً.

وقال في حديث رواه عمرو بن عاصم (1) عن همام عن إسحاق بن أبي طلحة (2) عن أنس أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم ((إني أصبت حداً فأقمه عليَّ

)) (3) الحديث: هذا عندي حديث منكر، وهو عندي وهم من عمرو بن عاصم.

ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال: هذا حديث باطل بهذا الإسناد. (4)

وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من هذا الوجه. وخرج مسلم (5) معناه أيضاً من حديث أبي أمامة (6) عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا شاهد لحديث أنس. (7)

(1) عمرو بن عاصم بن عبيدالله بن الوازع الكلابي القيسي، أبو عثمان البصري، الحافظ، قال: كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألفاً، وقال ابن حجر:"صدوق في حفظه شيء"، مات سنة: 213 هـ. ينظر: الذهبي، الكاشف، 2/ 80 (4177)، ابن حجر، التقريب، 423 (5055).

(2)

إسحاق بن عبدالله بن أبى طلحة الأنصاري النجاري، أبو يحيى المدني، قال عنه الذهبي: حُجّة، وقال ابن حجر: ثقة حُجّة، مات سنة: 132 هـ وقيل: 134 هـ. ينظر: الذهبي، الكاشف، 1/ 237 (307)، ابن حجر، التقريب، 101 (367).

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك كتاب الحدود، باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه، 8/ 166 ح (6823)، وأخرجه مسلم في صحيحه كتاب التوبة، باب قوله تعالى:(إن الحسنات يذهبن السيئات)، 4/ 2117 ح (2764).

(4)

ابن أبي حاتم، العلل، 4/ 201 - 202 ح (1364).

"فكلام أبي حاتم يدل على أن وهم عمرو بن عاصم كان بسبب مخالفة من روى الحديث بغير هذا الإسناد، والله أعلم." السليماني، الجواهر، 364.

(5)

وأخرجه مسلم من حديث أبي أمامة في صحيحه كتاب التوبة، باب قوله تعالى:(إن الحسنات يذهبن السيئات)، 4/ 2117 ح (2765).

(6)

صُديّ بن عجلان بن وهب، أبو أمامة الباهلي، صحابي جليل مشهور بكنيته، مات سنة 86 هـ. ينظر: ابن عبدالبر، الاستيعاب، 348 (1227)، ابن الأثير، أُسد الغابة، 3/ 15 (2497)، ابن حجر، الإصابة، 5/ 241 (4081).

(7)

ولأن الحديث مخرّج في الصحيحين، وله شاهد كذلك من حديث أبي أمامة الذي أخرجه مسلم في صحيحه، استدرك ابن حجر على البرديجي وصفه الحديث بالمنكر فقال:"لم يبين وجه الوهم، وأما إطلاقه كونه منكرا فعلى طريقته في تسمية ما ينفرد به الراوي منكرا إذا لم يكن له متابع؛ لكن يجاب بأنه وإن لم يوجد لهمام ولا لعمرو بن عاصم فيه متابع فشاهده حديث أبي أمامة الذي أشرت إليه ومن ثم أخرجه مسلم عقبه، والله أعلم". ابن حجر، الفتح، 12/ 134.

من استدراكات فضيلة المناقش: بل الحديث مخرّج في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وهو الأصل، ولذلك صدّر به مسلم هذا الباب، ثم أتبعه بحديث أنس الذي تفرّد به عمرو بن عاصم، وهو أقوى من حديث أبي أمامة الذي هو آخر هذه الأحاديث.

ص: 348

ولعل أبا حاتم والبرديجي إنما أنكرا الحديث؛ لأن عمرو بن عاصم ليس هو عندهما في محل من يحتمل تفرده بمثل هذا الإسناد، والله أعلم. (1)

إن ما نُقِل عن البرديجي في تعريفه المنكر ليس فيه تقييد الراوي المتفرّد بكونه ثقة أو غير ثقة؛ إلا أن السياق الذي ذكر ابن رجب ورود التعريف ضمنه، وهو سياق تفرّد الراوي عن شيخٍ - مشهور يكثر تلاميذه ويُجمع حديثه- فيتفرّد هذا الراوي برواية حديث عن هذا الشيخ دون بقية التلاميذ، ولا يتابعه أحد في روايته، ولا يكون هذا المتن معروفاً من غير ذلك الطريق، مما يُشير إلى وهم الراوي أو خطئه، فتفرد الثقة بحديث - متن- لا يضره إلا إذا كان فيه أمر لا يعرفه من لا يفوتهم معرفته أو جاء بأمر يُستنكر

يدل على ذلك حديث عمرو بن عاصم السابق ذكره، والذي قال عنه:"هذا عندي حديث منكر، وهو عندي وهم من عمرو بن عاصم"

، ولما كان هذا الحديث عنده معلولاً كان لا بد أن يكون له علة، وقد أعله بأخف رواة السند ضبطاً "عمرو بن عاصم الكلابي"، فقال: وهو عندي وهم من عمرو بن عاصم. (2)

"إذن فالمنكر عند البرديجي لا يعني مجرد التفرد بل الخطأ الذي يقع في الحديث". (3)

وممن قيّد وصف المنكر بالتفرّد كذلك:

ـ ابن أبي حاتم، حيث تُعرف نكارة الحديث عنده بتفرّد من لم تصح عدالته بالرواية (4)،

(1) ينظر: ابن رجب، المرجع السابق، 1/ 450 - 453 باختصار.

(2)

ينظر: المحمدي، الشاذ والمنكر وزيادة الثقة، 51 - 52. باختصار.

(3)

المرجع السابق، 52.

لخّص الدكتور عبدالجواد حمام معنى المنكر عند البرديجي فقال: خلاصة هذا:

1 -

استعمل البرديجي وصف المنكر على ما تفرد به راوٍ عن إمام حافظ لا يُتصوَّر التفرد عن مثله؛ لكثرة أصحابه الثقات الذين ضبطوا حديثه، ولم يَفُتْهُم منه شيء.

2 -

استعمل مصطلح المنكر لوصف التفرد بمتن لا يُعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه آخر، مع التفرد بالسند على الصورة السابقة.

3 -

المنكر عنده من الحديث المردود المرادف للمعلل. ينظر: حمام، التفرد، 429 باختصار.

(4)

حيث قال - في مقدمة كتابه الجرح والتعديل- في بيان ما يميّز صحيح الحديث من سقيمه ومنكره: "ويقاس صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون من كلام النبوة، ويعلم سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته بروايته، والله أعلم." ابن أبي حاتم، الجرح، 1/ 351.

ص: 349

وكذلك ابن جماعة اقتصر في تعريفه للمنكر على الشق الخاص بتفرّد الضعيف (1)، والذهبي اقتصر في تعريفه للمنكر على الشِقِّ الخاص بتفرد الضعيف، وأضاف إليه بعض تفردات الصدوق، فقال:"المنكر: وهو ما انفرد الراوي الضعيف به. وقد يُعدُّ مُفرَد الصدوق منكرا"(2)، بينما كان تعريفه للشاذ بأنه:"هو ما خالف راويه الثقات، أو ما انفرد به من لا يحتمل حاله قبول تفرده".

وما ذهب إليه الذهبي يُلمح إلى نوع تداخل بين الشاذ والمنكر، وأن أحدهما قد يغلب عليه جانب دون آخر مع وجود حيّز كبير يشتركان فيه، فنجدهما يجتمعان - حسب تعريفه- في تفرد من لا يُحتمل تفرّده، بينما يغلب إطلاق المنكر على تفرّد الضعيف، وقليل من تفردات الصدوق، وينفرد الشاذ بمخالفة الثقة لمن هو أولى منه، وأما ما يخص تفرد الثقة، فهو صحيحٌ عنده حيث قال: "وإن تفرد الثقة المتقن يعد صحيحا غريبا، وإن

تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكراً" (3)، بل نجده يُصرّح بأن التفرّد من الثقة الحافظ دليل

(1) ابن جماعة، المنهل، 136. "وكأن ابن جماعة يحصر المنكر بأحد صورتيه عند ابن الصلاح، وهو تفرّد الضعيف غير المحتمل" حمام، التفرد، 437.

(2)

الذهبي، الموقظة، 42.

"فكلامه عام يشمل كل ما ينفرد به الضعيف، سواء كان تفرداً نسبياً مخالفاً لغيره، أو كان تفرداً مطلقاً ممن لا يحتمله حاله؛ بل حتى بعض روايات الصدوق الأفراد تدخل في المنكر بحسب كلام الذهبي". حمام، التفرد، 438.

(3)

الذهبي، الميزان، 3/ 140 - 141.

وقد بيّن في كتابه الموقظة أقسام الرواة من حيث تفرّدهم. ينظر: الذهبي، الموقظة، 77 - 78.

"والذي يظهر من كلامه رحمه الله أنه بناه على الاستقراء، وقد أشار في عبارته السابقة إلى مجموعة من القرائن التي تؤثر على التفرد فتكسبه صفة القبول، أو الرد. وجملة القرائن التي أشار إليها:(قوة الحفظ والوثاقة- الفقه والمعرفة- كثرة الطلب والملازمة- علو الطبقة). ولب قوله رحمه الله أن التفرد يُقبل من الثقات إذا ما احتفت قرائن تؤكد أن الثقة ضبط روايته هذه، ولم يدخلها الوهم والخطأ

وإذا غلَّبت القرائن جانب وهم الثقة أو خطئه كان حديثه منكراً

". السلمي، المنكر، 1/ 52.

ص: 350

علو مرتبته في الحفظ - مالم تكن هناك قرينة تدل على خطئه- فقال: "الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له، وأكمل لرُتْبَته، وأدل على اعتنائه بعلم الأثر، وضَبْطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها، اللهم إلا أن يتبيّن غلَطُه ووهمُه [في] الشيء فيُعرف ذلك". (1)

ويُفهم من كلامه أن التفرّد مقبول من الثقات الحفاظ - ما لم يتبيّن خطؤه- فيُميّز النقاد ذلك، وإنما يُستنكر التفرد عادةً ممن هو دون الثقة المُتقِن، أي: في روايات الصدوق ومن دونه من الضعفاء، وإن كان الوصف بالنكارة أقل في تفردات الصدوق كما يُشير قوله:"وقد يُعدُّ مُفرَد الصدوق منكرا."(2)

وكذلك نجد ابن الملقن قد اقتصر في تعريفه للمنكر - في كتابه (التذكرة) - على تفرّد الضعيف، فقال:"هو ما تفرد به واحد غير متقن ولا مشهور بالحفظ."(3) واقتصاره هذا يوحي بتفريقه بين الشذوذ والنكارة، حيث خصّ معنى الشذوذ بمخالفة الثقة لغيره من الثقات (4)، والنكارة بتفرّد الضعيف. (5)

(1) الذهبي، الميزان، 3/ 140.

(2)

الذهبي، الموقظة، 42. "قوله (وقد): يفيد التقليل أو التردد. أي: إن تفرّد الصدوق في بعض الأحيان قد يكون منكراً." العوني، شرح الموقظة، 93.

(3)

ابن الملقن، التذكرة، 17.

(4)

ينظر: المرجع السابق، 16.

(5)

ولعل تلميذه ابن حجر (ت 852 هـ) تبعه في ذلك حين صرّح بالتفريق بين الشاذ والمنكر. ينظر: ابن حجر، النزهة، 87، ابن حجر، النكت، 2/ 675، السخاوي، فتح المغيث، 1/ 250.

ص: 351