الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووضّح المراد بالحديث الشاذ بقوله: "الشاذ اصطلاحا: (ما يخالف) الراوي (الثقة فيه) بالزيادة أو النقص في السند أو في المتن (الملا) - بالهمز وسهل تخفيفا- أي: الجماعة الثقات من الناس; بحيث لا يمكن الجمع بينهما"(1).
المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:
ابتدأ ابن الصلاح - في نوع الحديث الشاذ- بتعريف الشافعي للشاذ، وأتبعه بتعريف الخليلي ثم الحاكم، وأعقب ذلك بتصويب ما ذكره الشافعي، واستشكل ما جاء عن غيره بأفراد العدول الضابطين المخرجة في الصحيح، وقال:
"فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم، بل الأمر في ذلك على تفصيل نبيِّنه، فنقول:
إذا انفرد الراوي بشيء نُظِر فيه، فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك، وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا (2). وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المنفرد، فإن كان
عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قُبِل ما انفرد به (3)، ولم يقدح الانفراد فيه، كما فيما
(1) السخاوي، المرجع السابق، 1/ 244.
(2)
وقد ذكر ابن الملقن في كتابه المقنع مثالاً لكل نوع: فقال:
"مثال الحديث الفرد المخالف: ما رواه أبيض بن أبان الثقفي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا: ((من كان مصليا فليصل قبلها أربعا وبعدها أربعا.
- والحديث أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار 10/ 298 ح (4108).
قال محقق كتاب المقنع في الهامش: تفرد أبيض بذكر الأربع قبل الجمعة
…
حيث رواه الثقات عن سهيل، ومنهم سفيان الثوري، بدون الأربع قبل الجمعة، - أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجمعة 2/ 600 ح (881) - فخالف أبيض بن إبان الثقات في ذلك. ومثله لا يحتمل ذلك، فإنه لين الحديث ليس بالقوي. ينظر: ابن الملقن، المقنع، 1/ 169.
(3)
"ومثال ما تفرد به الحافظ الضابط المقبول: كحديث مالك عن الزهري عن أنس ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر)) ابن الملقن، المرجع السابق، 1/ 176.
والحديث أخرجه البخاري في صحيحه كتاب جزاء الصيد، باب دخول الحرم 3/ 17 ح (1846)، ومسلم في صحيحه كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام 2/ 989 ح (1357).
سبق من الأمثلة، وإن لم يكن ممن يُوثَق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارماً له، مُزحزحاً له عن حيز الصحيح (1).
ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه، فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفردُه استحسنا حديثه ذلك (2)، ولم نحطَّهُ إلى قبيل الحديث الضعيف، وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به (3)، وكان من قبيل الشاذ المنكر." (4)
وقد فصّل وذكر أنواع التفرد الحاصلة من الرواة في روايتهم، وأثر مرتبة الراوي من الضبط والإتقان في قبول روايته أو ردّها، ثم خلص رحمه الله إلى أن جعل الشاذ على قسمين، فقال: "الشاذ المردود قسمان: أحدهما: الحديث الفرد المخالف.
(1)"ومثال ما رواه غير الموثوق بحفظه وإتقانه منفردا به: حديث ابن عباس في التقاء الخضر وإلياس كل عام. قال الدارقطني: "لم يحدث به غير الحسن ابن رزين عن ابن جريج عن عطاء عنه". قلت: وهو صاحب مناكير." ابن الملقن، المرجع السابق، 1/ 170 - 171. والقصة أخرجها ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 195 -
(2)
"ومثال المتفرد الذي هو غير بعيد من درجة الحافظ الضابط، وتفرده حسن: حديث واثلة مرفوعا: ((المرأة تحوز ثلاثة مواريث)) رواه ابن ماجة -في سننه كتاب الفرائض، باب تحوز المرأة على ثلاث مواريث 2/ 916 ح (2742)، والترمذي في سننه كتاب الفرائض، باب ما جاء في ما يرث النساء من الولاء 3/ 500 ح (2115) - وقال: "حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن حرب على هذا الوجه". ابن الملقن، المرجع السابق، 1/ 176 - 177.
(3)
مثال البعد من درجة الحافظ الضابط المقبول: حديث أبي سعيد الخدري في الدعاء بعد الوضوء بـ ((سبحانك اللهم وبحمدك)) - أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب فضائل القرآن 1/ 752 ح (2072)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه- قال الدارقطني: "تفرد به عيسى بن شعيب". ابن الملقن، المرجع السابق، 1/ 171 - 176.
(4)
ابن الصلاح، علوم الحديث، 78 - 79.
قال البقاعي: "ليس في هذا التفصيل من الشاذ إلا ما قاله أولا، وهو الذي عرف به الشافعي، وأما الثاني: فهو صحيح غريب، وأما الثالث: فهو حسن لذاته غريب، وأما الرابع: فإنه ضعيف إذا أتى ما يجبره صار حسنا لغيره، وتسميته له شاذا نظرا إلى محض التفرد، فهو نظر لغوي." البقاعي، النكت، 1/ 465.