الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القيد الثالث: الضبط:
الضبط في اللغة: لزوم الشيء وحبْسه وحفظه وعدم مفارقته.
ورجل ضابط: حازم قوي شديد. (1)
ويراد بالضبط: اتصاف الراوي باليقظة وعدم الغفلة، وبالحفظ إن حدّث من حفظه، والإتقان إن حدّث من كتابه، مع الدراية بالمعنى إن روى الحديث بغير لفظه. (2)
ومن طرق معرفة ضبط الراوي وحفظه ما ذكره الشافعي فقال: "ويعتبر على أهل الحديث بأن إذا اشتركوا في الحديث عن الرجل بأن يستدل على حفظ أحدهم بموافقة أهل الحفظ، وعلى خلاف حفظه بخلاف حفظ أهل الحفظ له."(3)
قال ابن الصلاح: "يُعرف كون الراوي ضابطاً، بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم أو
(1) يُنظر: الفراهيدي، العين، 7/ 23. ابن سِيده، المحكم، 8/ 175. الرازي، مختار الصحاح، 182.
(2)
ينظر: ابن الصلاح، علوم الحديث، 104 - 105، السيوطي، التدريب، 1/ 353، الغوري، الموسوعة، 2/ 375، وذكر الشيخ طاهر الجزائري تعريف الضابط بقوله:"الضابط من الرواة هو الذي يقل خطؤه في الرواية، وغير الضابط هو الذي يكثر غلطه ووهمه فيها، سواء كان ذلك لضعف استعداده، أو لتقصيره في اجتهاده". الجزائري، التوجيه، 1/ 105.
(3)
الشافعي، الرسالة، 380.
موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطا ثبتا، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه، والله أعلم" (1).
والضبط نوعان، ذكرهما الشافعي بقوله:" حافظاً إن حدث به من حفظه، حافظاً لكتابه إن حدث من كتابه"(2)، وشرحهما ابن حجر فقال:"والضبط: ضبط صدر: وهو أن يُثبِت ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، وضبط كتاب: وهو صيانته لديه منذ سمع فيه وصححه إلى أن يؤدي منه."(3)
وبالنظر في تعريفات الأئمة للحديث الصحيح، نجد منهم من نصّ على اشتراط الضبط وهم كل من جاء بعد ابن الصلاح.
وإن كان ابن الملقن لم يُصرّح بهذا الشرط في كتابه التذكرة (4) لكن ذكره في المُقنع (5)، ومنهم من ذكر صفات الضابط أو بعضها وهم بعض من جاء قبل ابن الصلاح، فقد ذكر
(1) ابن الصلاح، علوم الحديث، 106.
(2)
الشافعي، الرسالة، 371.
(3)
ابن حجر، نزهة النظر، 69، ينظر: البقاعي، النكت، 1/ 168، السخاوي، فتح المغيث، 1/ 28، الدهلوي، أصول الحديث، 62.
وقال ابن الأثير -في معنى الضبط، ونوعيه-: "الضبط: وهو عبارة عن احتياطٍ في باب العلم، له طرفان. طرف وقوع العلم عند السماع، وطرف الحفظ بعد العلم عند التكلم حتى إذا سمع ولم يعلم، لم يكن شيئاً معتبراً، كما لو سمع صياحاً لا معنى له، وإذا لم يفهم اللفظ بمعناه على الحقيقة، لم يكن ضبطاً، وإذا شك في حفظه بعد العلم والسماع، لم يكن ضبطاً.
ثم الضبط نوعان: ظاهر، وباطن.، فالظاهر: ضبط معناه من حيث اللغة. والباطن: ضبط معناه من حيث تعلق الحكم الشرعي به، وهو الفقه
…
" ابن الأثير، جامع الأصول 1/ 72، ينظر: السخاوي، فتح المغيث، 2/ 4.
(4)
اقتصر في تعريفه للصحيح على سلامته من الطعن في السند والمتن، وهذا التعريف مُتضمن لاشتراط الضبط على وجه العموم، أما على وجه الخصوص فيشهد لذلك تعريفه للحديث الحسن بقوله:"ما كان إسناده دون الأول في الحفظ والإتقان" فقد أشار للفرق بين الصحيح والحسن بأن راوي الحسن في درجة أدنى من الصحيح في الحفظ والإتقان، وهو ما يُطلق عليه مصطلح الضبط. ينظر: ابن الملقن، التذكرة، 14.
(5)
ابن الملقن، المقنع، 1/ 41.
الشافعي (1) والحميدي (2) ومسلم من الصفات ما يكون به الراوي ضابطاً لحديثه (3)، ومنهم من لم ينص عليها كالحاكم، حيث لم ينص على هذا القيد في تعريفه للصحيح في كتابه معرفة علوم الحديث؛ إلا أنه أشار إلى شرط الاتقان في رواة الصحيح حين ذكر أقسام الصحيح في كتابه المدخل إلى الإكليل (4).
وممن لم ينص على قيد الضبط -ممن سبق ابن الصلاح- الإمام الخطابي، وقد نقل السخاوي انتقاد العراقي لذلك، وتعقيب ابن حجر عليه فقال: "ولذلك تعقب المصنف الخطابي في اقتصاره على العدالة، وانتصر شيخنا (5) للخطابي ; حيث كاد أن يجعل الضبط من أوصافها، لكن قال في موضع آخر (مما ظاهره المخالفة (: إن تفسير الثقة بمن
(1) تضمن تعريف كل من الشافعي والحميدي وصف الراوي بالثقة، وهذا الوصف عند المتقدمين يشمل العدالة والضبط. يُنظر: الزركشي النكت، 1/ 100. والسيوطي، التدريب، 61. وتوسع الشافعي بذكر صفات الراوي من حيث العدالة والضبط، ينظر: الشافعي، الرسالة، 370 - 372.
(2)
نفى الحميدي قبوله لحديث الواهم، ويضاف إليه ما أخرجه ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل نقلاً عن الحميدي يذكر فيه معنى غفلة الراوي التي تّردّ بها روايته، وهذا متضمن لمفهوم ضبط الرواة، فقال: "
…
فما الغفلة التي ترد بها حديث الرجل الرضا الذي لا يعرف بكذب؟ قلت: هو أن يكون في كتابه غلط فيقال له في ذلك فيترك ما في كتابه ويحدث بما قالوا، أو يغيره في كتابه؟ قولهم لا يعقل فرق ما بين ذلك، أو يصف تصحيفاً فاحشاً فيقلب المعنى لا يعقل ذلك فيكف عنه، وكذلك من لقن فتلقن التلقين يرد حديثه الذي لقن فيه وأخذ عنه ما أتقن حفظه إذا علم أن ذلك التلقين حادث في حفظه لا يعرف به قديما فأما من عرف به قديما في جميع حديثه فلا يقبل حديثه ولا يؤمن ان يكون ما حفظ مما لقن." ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل، 2/ 33 - 34.
(3)
وصف مسلم الرواة بالإتقان وهو من معاني الضبط.
(4)
نص الحاكم على صفة الاتقان، فقال عن القسم الأول من الصحيح المتفق عليه:"ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور وله رواة ثقات من الطبقة الرابعة ثم يكون شيخ البخارى أو مسلم حافظا متقنا مشهورا بالعدالة". الحاكم، المدخل إلى الإكليل، 29. وأكّد على ثقة الرواة في الأقسام الأربعة الباقية من الصحيح المتفق عليه، والراوي الثقة في الغالب من جمع بين العدالة والضبط.
(5)
يقصد ابن حجر العسقلاني.
فيه وصف زائد على العدالة وهو الضبط إنما هو اصطلاح لبعضهم، (ويمكن التئامهما (" (1).
وأيّد السيوطي الانتصار للخطابي فقال: "الذي يظهر لي أن ذلك داخل في عبارته، وأن بين قولنا: العدل وعدّلوه فرقاً؛ لأن المغفل المستحق للترك لا يصح أن يقال في حقه: عدّله أصحاب الحديث، وإن كان عدلاً في دينه، فتأمل.
ثم رأيت شيخ الإسلام ذكر في نكته معنى ذلك فقال: إن اشتراط العدالة يستدعي صدق الراوي وعدم غفلته وعدم تساهله عند التحمل والأداء." (2)، ويدلل على ذلك أيضاً صنيع الخطابي في معالم السنن وتضعيفه لأحاديث بسبب وهم رواتها أو اضطرابهم في النقل. (3)
(1) يظهر من نقل السخاوي لأقوال ابن حجر أن الوصف بالعدالة قد يحتمل الضبط عند بعضهم، وقد لا يحتمله. السخاوي، فتح المغيث، 1/ 25. ملاحظة: ما بين المعقوفتين من طبعة (دار المنهاج) تحقيق: عبدالكريم الخضير، ومحمد آل فهيد، وغير موجود في طبعة (مكتبة السنة). تحقيق: علي حسين. 1/ 29
(2)
السيوطي، التدريب، 1/ 62.
(3)
من الأمثلة على ذلك:
- بعد أن ذكر حديث أبي داود في سننه كتاب البيوع، باب في زرع الأرض بغير إذن أصحابها: "حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا شريك، عَن أبي إسحاق عن عطاء عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته)). 3/ 261 ح (3403).
أعقبه الخطابي بقوله: "هذا الحديث لا يثبت عند أهل المعرفة بالحديث وحدثني الحسن بن يحيى عن موسى بن هارون الجمال أنه كان ينكر هذا الحديث ويضعفه ويقول لم يروه، عَن أبي إسحاق غير شريك ولا عن عطاء غير أبى إسحاق وعطاء لم يسمع من رافع بن خديج شيئاً وضعفه البخاري أيضاً، وقال تفرد بذلك شريك، عَن أبي إسحاق وشريك يَهِمُ كثيراً أو أحياناً. 3/ 96
- وذكر حديث أبي داود في كتاب الإجارة، باب في الشفعة: "حدثنا عبدالله بن محمد النفيلي، قال: حَدَّثنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة سمع عمرو بن الشريد سمع أبا رافع رضي الله عنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((الجار أحق بسقبه)). 3/ 286 ح (3516)
ثم قال: "وقد تكلم أهل الحديث في إسناد هذا الحديث واضطراب الرواة فيه، فقال بعضهم عن عمرو ابن الشريد، عَن أبي رافع، وقال بعضهم عن أبيه، عَن أبي رافع وأرسله بعضهم. وقال فيه قتادة عن عمرو بن شعيب عن الشريد والأحاديث التي جاءت في أن لا شفعة إلاّ للشريك أسانيدها جياد ليس في شيء منها اضطراب" 3/ 154.
- وذكر حديث أبي داود في كتاب الأيمان والنذور، باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية: "حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا عبدالله بن المبارك عن يونس عن الزهري، عَن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين.)) 3/ 232 ح (3290)
ثم قال معقِّباً: "لو صح هذا الحديث لكان القول به واجباً والمصير إليه لازماً إلاّ أن أهل المعرفة بالحديث زعموا أنه حديث مقلوب وهم فيه سليمان بن أرقم فرواه عن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سلمة عن عائشة فحمله عن الزهري وأرسله، عَن أبي سلمة ولم يذكر فيه سليمان بن أرقم ولا يحيى ابن أبي كثير." 4/ 54.
وقد زاد ابن حجر قيد التمام لصفة الضبط في راوي الصحيح، وتبعه بعض من جاء بعده، ولعل زيادته لهذا القيد ليمايز بين الصحيح والحسن (1)، ولعلها كذلك سبب تعقّبه لابن خزيمة في تعريفه للصحيح حيث قال:
"فلم يلتزم ابن خزيمة وابن حبان في كتابيهما أن يخرجا الصحيح الذي اجتمعت فيه الشروط التي ذكرها المؤلف، لأنهما ممن لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن، بل عندهما أن الحسن قسم من الصحيح لا قسيمه؛ وقد صرح ابن حبان بشرطه، وحاصله أن يكون راوي الحديث عدلاً مشهوراً بالطلب غير مدلس سمع ممن فوقه إلى أن ينتهي؛ فإن كان يروي من حفظه فليكن عالماً بما يحيل المعاني؛ فلم يشترط على الاتصال والعدالة ما اشترطه المؤلف -يعني ابن الصلاح- في الصحيح من وجود الضبط ومن عدم الشذوذ والعلة
…
" إلى أن قال: "فإذا تقرر ذلك عرفت أن حكم الأحاديث التي في كتاب ابن خزيمة وابن حبان صلاحية الاحتجاج بها لكونها دائرة بين الصحيح والحسن ما لم يظهر في بعضها علة قادحة؛ وأما أن يكون مراد من يسميها صحيحة أنها جمعت الشروط المذكورة في حد الصحيح فلا؛ والله أعلم." (2)
(1) وصف الضبط بالتمام، يشير إلى مسألة تفاوت الضبط بين الرواة،
قال الحسني في بحثه مدار الإسناد: ولما كانت الأسباب المؤدية إلى التفاوت في الضبط كثيرة جداً مع قلة الأسباب المؤدية إلى التفاوت في العدالة قلَّ جداً ترجيح المحدثين بين الرواة بالعدالة، وأكثر ترجيحاتهم ترجع إلى أمور تتعلق بالضبط، لأن العدالة هي الركن الأكبر في الرواية
…
ولابد من اشتراك من يُقبل حديثه من الرواة في أصل العدالة، والتفاضل فيها طفيف مقارنة بالضبط التي تتفاوت مراتبه تفاوتاً بيّناً
…
المراجع: ابن الملقن، المقنع، 1/ 97، ابن حجر، النزهة، 71 - 72، السيوطي، البحر الذي زخر، 3/ 1247، القاري، شرح شرح نخبة الفكر 256، الحسني، مدار الإسناد، 2/ 108 - 109 باختصار، الجزائري، توجيه النظر، 1/ 100.
(2)
ابن حجر، النكت، 1/ 290 - 291.
فابن خزيمة لم ينصّ على شرط الضبط؛ لكنه قد يُفهم من قوله "ولا جرح في ناقلي الأخبار" أنه يشترطه، ويدلل على ذلك صنيعه في كتابه الصحيح، وإعلاله أحاديث بسبب الطعن في ضبط رواتها (1)،
وقد يُثار تساؤل حول السبب في انتصار ابن حجر للخطابي وتضمين معنى الضبط في تعريفه للصحيح -رغم عدم تنصيص الخطابي عليه- وفي المقابل تعقّبه لابن خزيمة رغم اشتراطه نفي الجرح عن الرواة؟
ولعل الجواب على ذلك: لأن الخطابي مايز بين الصحيح والحسن، وعرّف كل منهما بتعريف مستقلّ، بينما ابن خزيمة، وتلميذه ابن حبان لم يذكرا ما يفرّقا بين الصحيح والحسن أو كما قال ابن حجر:"لأنهما ممن لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن، بل عندهما أن الحسن قسم من الصحيح لا قسيمه؛ " هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن نفي الجرح عن الرواة لا يعني اتصافهم بأعلى درجات الضبط والإتقان المطلوبة في الصحيح، حيث شرط الصحيح -عند ابن حجر ومن وافقه- يتطلّب مزيد ضبط من الرواة؛ لذا تعقّب ابن خزيمة وابن حبان في ذلك، وهذا لا ينفي اشتراطهم مجمل ضبط الراوي لمروياته. (2)
(1) من أمثلة ذلك في صحيح ابن خزيمة: تعليله بعض الأحاديث بشكه في ضبط راويه أو سوء حفظه أو وهمه، حيث قال:"في القلب من النعمان بن راشد فإن في حديثه عن الزهري تخليط كثير" وكان هذا سبب تردده في إثبات الخبر، وذلك بعد أن أخرجه من حديث النعمان عن الزهري في باب إعادة الخطبة الثانية بعد صلاة الاستسقاء، ح 1422، 2/ 338. وأيضاً جاء عنه في:"باب ذكر شهود من كان خارج المدن الجمعة مع الإمام إذا جمع في المدن إن صح الخبر؛ فإن في القلب من سوء حفظ عبد الله بن عمر العمري رحمه الله" 3/ 177، ح (1860)، وقال أيضاً في:" باب الرخصة في الشرب في الطواف إن ثبت الخبر؛ فإن في القلب من هذا الإسناد، وأنا خائف أن يكون عبد السلام أو من دونه وهم في هذه اللفظة أعني قوله: في الطواف" 4/ 226، ح (2750). للاستزادة ينظر: عوّامة، مصطلح ابن خزيمة في إعلال الحديث.
(2)
يدلل على ذلك صنيع ابن حبان في كتابه الثقات، حيث يذكر فيه الرواة الثقات عنده، ويميّز بين بعض مروياتهم التي وقع فيها وهم أو اضطراب ومن ذلك:
- قوله عن عكرمة بن عمار العجلي، وإدخاله في طبقة التابعين؛ "لأن له لقيا وسماعاً من الصحابي، ومتى صح ذلك دخل في جملة التابعين، سواء قلت روايته أو كثرت، وأما روايته عن يحيى ابن أبي كثير ففيه اضطراب، كان يحدث من غير كتابة." 5/ 233.
- وقوله عن: "جرير بن حازم بن زيد الأزدي العتكي،
…
كان يخطئ؛ لأن أكثر ما كان يحدث من حفظه، وكان شعبة يقول: ما رأيت بالبصرة أحفظ من رجلين هشام الدستوائي، وجرير بن حازم" 6/ 144.
- ويظهر كذلك تفاوت الرواة عنده حسب حفظه وإتقانهم في مفاضلته بين حماد بن زيد، وحماد بن سلمة فقال:"ما كان حماد بن زيد يحدث إلا من حفظه، وقد وهم من زعم أن بينهما كما بين الدينار والدرهم لأن حماد بن زيد كان أحفظ وأتقن وأضبط من حماد بن سلمة، كان اللهم إلا أن يكون القائل بهذا أراد فضل ما بينهما في الفضل والدين؛ لأن حماد بن سلمة كان أدين وأفضل وأورع من حماد بن زيد، ولسنا ممن يطلق الكلام على أحد بالجزاف بل نعطى كل شيخ قسطه وكل راو حظه." 6/ 217.
قال السخاوي: "وعلى كل حال فاشتراطه (أي: الضبط (في الصحيح لا بد منه، والمراد التام كما فهم من الإطلاق المحمول على الكامل، وحينئذ فلا يدخل الحسن لذاته المشترط فيه مسمى الضبط"(1)، أي بشكل عام، فراويا الحديث الصحيح والحديث الحسن لذاته يجتمعان في اشتراط الضبط، وإنما يتميّز راوي الصحيح عن راوي الحسن لذاته بتمامه. (2)
نخلص مما سبق:
أن التنصيص على شرط الضبط في رواة الصحيح إنما كان ظاهراً في تعريفات من جاء بعد ابن الصلاح؛ بل وزاد ابن حجر وصف التمام على الضبط؛ ليكون مُميزاً لدرجات رواة الصحيح عن الحسن- كما سيأتي بيانه في تعريف الحسن- وأما من كان قبل ابن الصلاح، فقد كانت صفة الضبط للراوي متضمنة لدى بعضهم فيما ذكروه من صفات الرواة، أو من صنيعهم بردّ أحاديث وتعليلها للشك في ضبط الراوي أو سوء حفظه كما في صحيح ابن خزيمة.
(1) السخاوي، فتح المغيث، 1/ 29.
(2)
قال ابن حجر: "وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معلل ولا شاذ: هو الصحيح لذاته
…
فإن خف الضبط-أي: قَلّ
…
والمراد مع بقية الشروط المتقدمة في حد الصحيح - فهو الحسن لذاته" ينظر: ابن حجر، النزهة، 67 - 78 باختصار، وسيأتي تفصيل المراد بالحديث الحسن في الفصل الخاص به.