المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: تعريفه اصطلاحا - المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق

[راوية بنت عبد الله بن علي جابر]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع:

- ‌أسباب اختياره:

- ‌مصطلحات البحث:

- ‌أهداف البحث:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌حدود البحث:

- ‌مخطط البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌إجراءات البحث:

- ‌تمهيد

- ‌نشأة علم مصطلح الحديث، وأبرز المصنفات فيه:

- ‌الفصل الأول: الحديث الصحيح

- ‌المبحث الأول: تعريف الصحيح لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف الصحيح لغة

- ‌المطلب الثاني: تعريف الصحيح اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌ قيود الصحيح عند ابن الصلاح

- ‌القيد الأول: اتصال السند:

- ‌القيد الثاني: العدالة:

- ‌القيد الثالث: الضبط:

- ‌القيد الرابع: السلامة من الشذوذ

- ‌القيد الخامس: السلامة من العلّة

- ‌القيد السادس: اشتراط كونه مُسنداً

- ‌الشروط أو القيود الزائدة على تعريف ابن الصلاح:

- ‌قيد نفي التدليس:

- ‌قيد الشهرة في الطلب:

- ‌قيد اشتراط العدد:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف:

- ‌الفصل الثاني: الحديث الحسن

- ‌المبحث الأول: تعريف الحسن لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف الحسن لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الحسن اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌القيد الأول: قيد الشهرة للراوي بالصدق والأمانة

- ‌القيد الثاني: قيد الستر للراوي:

- ‌القيد الثالث: قيد المتابعة والمعاضدة

- ‌القيد الرابع: قيد السلامة من الشذوذ والنكارة

- ‌القيد الخامس: قيد السلامة من العلّة:

- ‌من القيود الزائدة على تعريف ابن الصلاح:

- ‌قيد اتصال السند في تعريف الحديث الحسن

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف:

- ‌الفصل الثالث: الحديث الضعيف

- ‌المبحث الأول: تعريف الضعيف لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف الضعيف لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الضعيف اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌أسباب ضعف الحديث:

- ‌السبب الأول: السقط في السند أو نفي اتصال

- ‌السبب الخامس: الشذوذ المردود

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الفصل الرابع: الحديث الشاذ

- ‌المبحث الأول: تعريف الشاذ لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف الشاذ لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الشاذ اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌قيود الشاذ عند ابن الصلاح:

- ‌القيد الأول: المخالفة:

- ‌القيد الثاني: التفرد:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريفات

- ‌الفصل الخامس: الحديث المنكر

- ‌المبحث الأول: تعريف المنكر لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف المنكر لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف المنكر اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌قيود المنكر عند ابن الصلاح:

- ‌القيد الأول: التفرد:

- ‌القيد الثاني: المخالفة:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريفات

- ‌الفصل السادس: الأفراد

- ‌المبحث الأول: تعريف الأفراد لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف الأفراد لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الأفراد اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌المحور الأول: تقسيم الأفراد إلى نوعين مطلق، ونسبي:

- ‌المحور الثاني: العلاقة بين مصطلحي الأفراد والغريب:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الفصل السابع: زيادة الثقة

- ‌المبحث الأول: تعريف زيادة الثقة لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف زيادة الثقة لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف زيادة الثقة اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌ القيد الأول: أن يكون الراوي صاحب الزيادة في الحديث ثقةً:

- ‌ القيد الثاني: اتحاد سند الحديث أو مخرجه:

- ‌ القيد الثالث: تقييد عدد رواة الزيادة بواحد أو أكثر:

- ‌الزيادة ومحل ورودها في المتن أو السند:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الفصل الثامن: الحديث المعلل

- ‌المبحث الأول: تعريف المعلل لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف المعلل لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريفه اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌قيود الحديث المعلل عند ابن الصلاح:

- ‌القيد الأول: أن تكون العلة غامضة خفيّة

- ‌القيد الثاني: أن تكون قادحة في صحة الحديث

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الفصل التاسع: الحديث المضطرب

- ‌المبحث الأول: تعريف المضطرب لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف المضطرب لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريفه اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌قيود الحديث المضطرب عند ابن الصلاح:

- ‌القيد الأول: الاختلاف في روايات الحديث الواحد:

- ‌القيد الثاني: التساوي بين وجوه الاختلاف:

- ‌مسألة: العلاقة بين تدليس الراوي لأسماء الرواة واضطراب السند:

- ‌مسألة: العلاقة بين التدليس (خاصة تدليس الشيوخ) والحديث المضطرب، أو وصف الراوي بالاضطراب:

- ‌حكم الحديث المضطرب:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الفصل العاشر: الحديث المدرج

- ‌المبحث الأول: تعريف المدرج لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف المدرج لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريفه اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌قيود الحديث المدرج:

- ‌القيد الأول: أن يُدخَل في الخبر ما ليس منه

- ‌القيد الثاني: ألا يُفصَل بين أصل الخبر وما أُدخل فيه بفاصل يميّزه

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الفصل الحادي عشر: الحديث المقلوب

- ‌المبحث الأول: تعريف المقلوب لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف المقلوب لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريفه اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌قيود الحديث المقلوب:

- ‌قيد: الإبدال في إسناد الحديث المقلوب، أو متنه:

- ‌أقسام الحديث المقلوب:

- ‌أسباب القلب في الحديث سنداً أو متناً

- ‌سبب يخص وقوع القلب في المتن:

- ‌حكم الحديث المقلوب:

- ‌طرق معرفة الحديث المقلوب:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الفصل الثاني عشر: الموضوع

- ‌المبحث الأول: تعريف الموضوع لغة واصطلاحاً:

- ‌المطلب الأول: تعريف الموضوع لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريفه اصطلاحاً

- ‌المبحث الثاني: تحرير التعريفات مع أمثلتها:

- ‌قيود الموضوع عند ابن الصلاح:

- ‌ قيد الاختلاق والصُنْع

- ‌طرق معرفة الموضوع:

- ‌أسباب الوضع في الحديث:

- ‌حكم الموضوع، وروايته:

- ‌المبحث الثالث: خلاصة تحرير التعريف

- ‌الخاتمة

- ‌النتائج العامة لهذا البحث:

- ‌النتائج التفصيلية:

- ‌توصيات البحث:

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: تعريفه اصطلاحا

‌المبحث الأول: تعريف المقلوب لغة واصطلاحاً:

‌المطلب الأول: تعريف المقلوب لغة:

المقلوب: اسم مفعول من قَلَبَ، و"القاف واللام والباء أصلان صحيحان:

أحدهما يدل على: خالص شيء وشريفه، والآخر على: رد شيء من جهة إلى جهة." (1)

فالقلب يأتي على معاني:

- القلب من الشيء: لُبُّه ووسطه وخالصه، ومنه: قلب الإنسان وغيره، سمي لأنه أخلص شيء فيه وأرفعه.

- والقلب للشيء: تحويله وصرفه عن وجهه، ومنه: كلام مقلوب، أي: مصروف عن وجهه.

- وقلب الشَّيْء، وقلَّبه: جعل أعلاه أسفله، ويقال قلب الأمر ظهرا لبطن اختبره، ونظر في عواقبه. (2)

‌المطلب الثاني: تعريفه اصطلاحاً

(حسب الترتيب الزمني):

لم يلتزم كل من جاء بعد ابن الصلاح ممن اختصر كتابه، بالترتيب الذي انتهجه ابن الصلاح في ترتيب الأنواع الحديثية (3)، إذ قام بعضهم بتقديم بعض الأنواع على بعض،

(1) ابن فارس، المقاييس، 5/ 17.

(2)

ينظر مادة (ق ل ب): الفراهيدي، العين، 5/ 171، الأزهري، التهذيب، 9/ 144، ابن سيده، المحكم، 6/ 422، الفيروزآبادي، القاموس، 127، المعجم الوسيط، 2/ 753.

(3)

أشار ابن حجر إلى السبب من أن ترتيب الأنواع عند ابن الصلاح لم يكن بالشكل المتناسب، وذلك لكونه كان يملي هذا الكتاب على تلامذته "شيئا بعد شيء؛ فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المتناسب". النزهة، 34.

ص: 525

ومن ذلك نوع الحديث المقلوب، فقد ذكره ابن الصلاح بعد نوع الموضوع، في حين قمت في هذا البحث بتقديم الكلام على الحديث المقلوب وتأخير الموضوع، والذي هو شرّ أنواع الضعيف (1)، ووجدت لذلك سلفاً وهو الإمام بدر الدين (ابن جماعة) في كتابه المنهل الرويّ، فبالرغم من أنه مختصر من كتاب ابن الصلاح إلا أنه قال في مقدمته:"لم أزل حريصاً على تلخيص ألفاظه لنفسي، وتخليص خلاصة محصوله لتقريب مراجعتي له ودروسي، وترتيبه على ما هو أسهل عندي وأولى، وأخلى من الاعتراض عليه (وأجلى ("(2).

أيضاً، فإن الحديث المقلوب مرتبط بالأنواع الحديثية السابقة خاصة المعلل، إذ أن من أنواع القلب - كما سيأتي- ما يقع سهواً من الراوي ووهماً، فمن هذه الجهة يكون نوعاً من المعلل، قال ابن حجر:"كل مقلوب لا يخرج عن كونه معللا أو شاذا؛ لأنه إنما يظهر أمره بجمع الطرق واعتبار بعضها ببعض ومعرفة من يوافق ممن يخالف فصار المقلوب أخص من المعلل والشاذ، والله أعلم."(3)

أما من جهة وقوع القلب في الحديث عمداً، وقصد فاعله الإغراب (4) فهو قسم من أقسام الموضوع (5)، والذي سيأتي بيانه في الفصل التالي والأخير من هذا البحث.

(1) قال الخطابي: "فأما السقيم منه فعلى طبقات شرها الموضوع ثم المقلوب" معالم السنن، 1/ 6.

(2)

المنهل الروي، 25 ط دار الفكر تحقيق: محي الدين رمضان، 60 ط غراس تحقيق: جاسم الفجي.

(3)

النكت، 2/ 874.

(4)

يقال: "أغرب على أقرانه الغوري، المصطلحات الحديثيّة، 136، ولقد سبق في فصل الأفراد بيان معنى الغريب والفرد.

(5)

ذكر ابن حجر أن أحد أسباب الوضع في الحديث هو: الإغراب لقصد الاشتهار. ينظر: ابن حجر، النزهة، 111.

ص: 526

وبالبحث عن المراد بالحديث المقلوب عند علماء الحديث، نجد وصفهم لبعض الأحاديث بأنهما مقلوبة، كذلك جرحهم لبعض الرواة بكونهم ممن يقلب الأحاديث والأسانيد (1)، من ذلك ما جاء عن الإمام مسلم (ت 261 هـ) في مقدمة كتابه التمييز، حيث ذكر من بعض الأخطاء والأوهام التي تقع من الرواة- وإن كانوا ثقات-:

"أن يروي نفر من حفاظ الناس حدثنا عن مثل الزهري أو غيره من الأئمة بإسناد واحد ومتن واحد، مجتمعون على روايته في الإسناد والمتن، لا يختلفون فيه في معنى، فيرويه آخر سواهم عمن حدث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه فيخالفهم في الإسناد أو يقلب المتن فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا من الحفاظ، فيعلم حينئذ أن الصحيح من الروايتين ما حدث الجماعة من الحفاظ، دون الواحد المنفرد وإن كان حافظا". (2)

ومن أكثر من جاء عنه جرح الرواة بقلب الأسانيد الإمام ابن حبان (ت 354 هـ)، خاصة في كتابه المجروحين (3)، فقد ذكر عشرين نوعاً من أنواع جرح الرواة الضعفاء، خصّ النوع العاشر منهم بقوله:"ومنهم من كان يقلب الأخبار، ويسوّي الأسانيد كخبرٍ مشهورٍ عن [سالم] يجعله عن نافع، وآخر لمالك يجعله عن عبيدالله بن عمر ونحو هذا"(4)، وليس معنى ذلك أنه يقصر القلب على الإسناد فقط، بل جاء عنه أيضاً وصفه لأحاديث بالقلب في المتن، وفيهما معاً. (5)

(1) ينظر: مبحث: (الأئمة الذين استعملوا في عباراتهم الوصف بالقلب) من بحث: محمد عمر بازمول، الحديث المقلوب تعريفه، فوائده، حكمه، والمصنفات فيه، 195 - 212.

(2)

التمييز، 172.

(3)

"كلامه في ذلك كثير جداً، لا تكاد تمر صفحات من كتابه المجروحين إلا وتجد له وصفاُ بالقلب أو السرقة! وهو أكثر أئمة الجرح والتعديل وصفاً بالقلب". المرجع السابق، 205 - 206.

(4)

ابن حبان، المجروحين، 1/ 73 ط دار الوعي، 1/ 72 ط دار الصميعي.

(5)

ينظر: المرجع السابق، 1/ 171، 172، 135، 358.

ص: 527

وأشار الخطابي (ت 388 هـ) إلى مراده من الحديث المقلوب، بعد أن ذكره في المرتبة التي تلي الموضوع في شدة الضعف، فقال:"فأما السقيم منه فعلى طبقات شرها الموضوع ثم المقلوب أعني ما قلب إسناده ثم المجهول"(1).

هذا أبرز ما جاء في الإشارة إلى المراد من القلب في الأسانيد أو المتون عمن سبق ابن الصلاح.

تعريف أما ابن الصلاح (ت 643 هـ) فقال: "معرفة المقلوب هو: نَحْوُ حديثٍ مشهورٍ عن سالم، جعل عن نافع؛ ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه."(2)

تعريفات من جاء بعد ابن الصلاح:

- أما من جاء بعد ابن الصلاح، فهناك من تابع ابن الصلاح فيما ذكره، واقتصر على اختصار كلامه دون تعقيب كالنووي (ت 676 هـ)(3)، وابن جماعة (ت 733 هـ)(4)، والطيبي (ت 743 هـ)(5)، وابن كثير (ت 774 هـ)، وزاد قوله: "وقد يكون في الإسناد كله

(1) الخطابي، معالم السنن، 1/ 6. ثم أتبعه بقوله: "كتاب أبي داود خلي منها بريء من جملة وجوهها فإن وقع فيه شيء من بعض أقسامها لضرب من الحاجة تدعوه إلى ذكره فإنه لا يألو أن يبين أمره ويذكر علته ويخرج من عهدته.

(2)

ابن الصلاح، علوم الحديث، 101 - 102.

قال ابن حجر: "أقول: هذا تعريف بالمثال." وقال الزركشي: "هذا التعريف غير واف بحقيقة المقلوب وإنما هو تفسير لنوع منه". المراجع: الزركشي، النكت، 2/ 299، ابن حجر، النكت، 2/ 864.

(3)

ينظر: النووي، التقريب، 47.

(4)

ينظر: ابن جماعة، المنهل، 53.

(5)

ينظر: الطيبي، الخلاصة، 83.

ص: 528

أو بعضه." (1)، وابن الملقن (ت 804 هـ) في المقنع (2)، إلا أنه في التذكرة، صاغ المراد بالمقلوب بعبارة مجملة فقال: "المقلوب: وهو إسناد الحديث إلى غير راويه" (3).

- وهناك من تعقّب ابن الصلاح كالزركشي (ت 794 هـ) حيث قال: "وهذا التعريف غير واف بحقيقة المقلوب، وإنما هو تفسير لنوع منه. وحقيقته: (جعل إسناد لمتن آخر، وتغيير إسناد بإسناد)."(4)

وتعقّبه كذلك البلقيني (ت 805 هـ) بأن ما ذكره في نوع المقلوب؛ إنما يخص نوع مقلوب السند، فقال: "ما سبق هو القلب في الإِسناد. وقد يقع القلب في المتن،

" (5)، ومثّل له بمثال ثم قال: "ويمكن أن يسمى ذلك المعكوسَ، ولكن لم أر من تعرض له." (6)

أما ابن دقيق العيد (ت 702 هـ) فقد أعاد صياغة ما ذكره ابن الصلاح كمثال، فقال:

(1) ابن كثير، الاختصار، 57.

(2)

ينظر: 1/ 241.

(3)

18.

(4)

الزركشي، النكت، 2/ 299، ثم قال: فالنسبة من اصطلاحهم إطلاق المقلوب على شيئين:

أحدهما: ما ذكره ابن الصلاح، وهو أن يكون الحديث مشهورا براو فيجعل مكانه راو آخر في طبقته ليصير بذلك غريبا مرغوبا فيه كحديث مشهور بسالم فيجعل مكانه نافعا، وقد يقع ذلك غلطا من بعض الرواة الثقات، كحديث المرور بين يدي المصلي ....

الثاني: أن يوجد إسناد متن فيجعل على متن آخر، أو متن فيجعل بإسناد آخر،

وهذا قد يقصد به أيضا الإغراب، فيكون ذلك كالوضع، وقد يفعل اختبارا لحفظ المحدث، هل يقبل التلقين أم لا؟ . ينظر: المرجع السابق، 2/ 300 - 302

(5)

البلقيني، المحاسن، 285.

(6)

المرجع السابق، 286.

قال ابن حجر: "هو نوع من أنواع علوم الحديث أغفله ابن الصلاح وإن كان أفرد نوع المقلوب؛ لكنه قصره على ما يقع في الإسناد، ونبّه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح، ومثَّل له بحديث ((أن ابن أم مكتوم يؤذن بليل))

، وقال شيخنا ينبغي أن يُسمّى هذا النوع المعكوس انتهى. والأولى تسميته مقلوبا فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن. ابن حجر، الفتح، 2/ 146، والحديث أخرجه ابن خزيمة في صحيحه كتاب الصلاة، باب ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بعض أهل الجهل أنه يضاد هذا الخبر الذي ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن بلالا يؤذن بليل)). 1/ 211 ح (406).

ص: 529

"وهو أن يكون الحديث معروفاً برواية رجل معين، فيُروى عن غيره، طلباً للإغراب، وتنفيقاً لسوق تلك الرواية." ثم قال: "وقد يطلق المقلوب على اللفظ بالنسبة إلى الإسناد، والإسناد بالنسبة إلى اللفظ"(1).

- ومنهم من ذكر أقساماً للمقلوب، ومثّل له:

كالذهبي (ت 748 هـ) حيث قال: "هو ما رواه الشيخ بإسناد لم يكن كذلك، فينقلب عليه ويَنُطُّ من إسناد حديث إلى متن آخر بعده.

أو: أن ينقلب عليه اسم راوٍ، مثل (مُرّة بن كعب) بـ (كعب بن مرة)، و (سعد بن سنان) بـ (سنان بن سعد)." (2)

وقال العراقي (ت 806 هـ): من أقسام الضعيف المقلوب، وهو قسمان:

أحدهما: أن يكون الحديث مشهوراً براو، فجعل مكانه راو آخر في طبقته؛ ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه

القسم الثاني من قسمي المقلوب: وهو أن يؤخذ إسناد متن، فيجعل على متن آخر، ومتن هذا فيجعل بإسناد آخر

(3)

- وتابع ابن الوزير (ت 840 هـ) في كتابه (التنقيح) ما ذكره العراقي في (شرح التبصرة)، وزاد عليه مقلوب المتن، فقال: وهو ما انقلب متنه على بعض الرواة كما رواه مسلم في

(1) ابن دقيق العيد، الاقتراح، 25، وفسّر الدكتور عمر المقبل هذه العبارة بقوله:"كما أن القلب يقع في الأسانيد وفي أسماء الرجال، فكذلك يقع في المتون". ينظر: شرح كتاب الاقتراح لابن دقيق العيد، للدكتور عمر بن عبدالله المقبل، في دروسه الصوتية على الشبكة العنكبوتية، الشريط السادس عشر، الدقيقة 52، https://archive.org/details/morfil-ifsah

(2)

الذهبي، الموقظة، 60.

(3)

ينظر: العراقي، شرح التبصرة، 1/ 319 - 321 باختصار.

ص: 530

حديث أبي هريرة في السبعة الذين يظلهم الله (1)، وحديث أبي هريرة عند البخاري (2) في محاجة الجنة والنار" (3).

- ولعل من أبرز تعريفات الحديث المقلوب بعد ابن الصلاح، تعريف ابن حجر (ت 852 هـ)، فبعد أن تعقّب كلام ابن الصلاح - في النكت - بقوله:"هذا تعريف بالمثال"، وضّح حقيقة المقلوب، فقال:"وحقيقته: إبدال من يعرف بروايةٍ بغيره"، ثم أردفه بقوله:"فيدخل فيه إبدال راو أو أكثر من راو حتى الإسناد كله، وقد يقع ذلك عمدا إما بقصد الإغراب أو لقصد الامتحان، وقد يقع وهما."(4)

ونجده في النزهة يذكر كل قسم على حدة: فقال:

- "إن كانت المخالفة بتقديم أو تأخير أي في الأسماء كمُرَّة بن كعب، وكعب بن مرة؛ لأن اسم أحدهما اسم أبي الآخر، فهذا هو المقلوب."(5)

- ثم أشار إلى القلب في المتن، ومثّل له بحديث السبعة الذين يظلهم الله في عرشه، ففيه: ((ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا

تعلم يمينه ما تنفق شماله)). فهذا مما انقلب على أحد الرواة، وإنما هو:((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) (6) كما في الصحيحين." (7)

(1) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة (2/ 715) ح (1031).

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التوحيد، باب ما جاء في قول الله تعالى:((إن رحمة الله قريب من المحسنين)) 9/ 134 ح (7449.

(3)

ابن الوزير، التنقيح، 183.

(4)

ابن حجر، النكت، 2/ 864.

(5)

ابن حجر، النزهة، 116.

(6)

أخرجه البخاري في صحيحه بلفظ ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، 1/ 133 ح (660)، وكتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، 2/ 111 ح (1423).

(7)

ابن حجر، النزهة، 117.

ص: 531

وتبع السخاوي (ت 902 هـ) شيخه ابن حجر في بيان حقيقة المقلوب، فقال:"وحقيقة القلب: تغيير من يُعرَف بروايةٍ ما بغيره عمدا أو سهوا"(1)، وبينما اكتفى شيخه بذكر أمثلة على المقلوب في المتن، فإن السخاوي ذكر حقيقته بقوله:

"وأما قلب المتن فحقيقته: أن يُعطى أحد الشيئين ما اشتهر للآخر"(2) ثم نقل تعريف ابن الجزري (3)(ت 833 هـ)، فقال:"ونحوه قول ابن الجزري: هو الذي يكون على وجه فينقلب بعض لفظه على الراوي، فيتغير معناه وربما انعكس"(4).

وأشار السخاوي إلى وقوع اختلاف في تسمية بعض أقسام المقلوب، حيث سمّى ابن الجزري مقلوب المتن بالمنقلب، وأفرده في نوع مستقل، وسمّى مقلوب الإسناد عمداً بقصد الامتحان (مركب)، بينما سمّى ابن حجر - هذا الأخير- (المبدل)، قال السخاوي:"واختار في تسمية قسّميِّ العمد الإبدال لا القلب"(5)، فما كان فى المتن - عند ابن حجر-

(1) السخاوي، فتح المغيث، 1/ 335.

(2)

المرجع السابق، 1/ 345.

(3)

محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف العمري الدمشقيّ ثم الشيرازي الشافعيّ، أبو الخير، شمس الدين، الشهير بابن الجزري. من حفاظ الحديث، وشيخ الإقراء في زمانه. من مصنفاته العديدة:(سلاح المؤمن) و (الهداية في علم الرواية) و (المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد) وغيرها. ينظر: ابن العماد، الشذرات، 9/ 298. الزركلي، الأعلام، 7/ 45. كحالة، المؤلفين، 3/ 687 (15828).

(4)

المرجع السابق. ينظر: السخاوي، الغاية في شرح الهداية، 211.

(5)

السخاوي، فتح المغيث، 1/ 345.

لعل السخاوي يقصد قول ابن حجر في النزهة: "وقد يقع الإبدال عمداً امتحاناً". قال قاري في شرحه على النخبة: "جعله المصنف من أقسام الإبدال، وإن جعله غيره من أقسام القلب، لقلة مناسبته بالقلب، كذا قاله شارح، والأظهر عندي أن مناسبته بالقلب أقوى، فإنه يفيد العكس بخلاف الإبدال." المراجع: ابن حجر، النزهة، 117، القاري، شرح النخبة، 485.

ص: 532