الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني والثلاثون: التربية الإسلامية ووحدة الجنس البشري
الأصول العقدية والاجتماعي لوحدة الجنس البشري
…
الفصل الثاني والثلاثون: التربية الإسلامية ووحدة الجنس البشري
تعمل التربية الإسلامية للوصول إلى وحدة الجنس البشري من خلال أمرين اثنين: الأول، غرس الإيمان بوحدة الإنسانية، والتعريف بالأصول العقدية والاجتماعية لهذه الوحدة. والثاني، اتخاذ الخطوات العملية، وتوفير الأساليب التربوية التي تحول هذه الأصول النظرية إلى ممارسات عملية في واقع الإنسانية كلها.
وفيما يلي عرض لكل من هذين الأمرين:
1-
الأصول العقدية والاجتماعية لوحدة الجنس البشري:
الأصل في الجماعات البشرية المتناثرة في الكرة الأرضية هي الوحدة. أما التنوع والاختلاف القائمان فلها هدفان: الأول، تنوع السلالات والأعراق والشعوب، والقبائل بغية التمييز بين الجماعات، وتسهيل التعارف بين أفراد الجنس البشري:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] .
والهدف الثاني، هو تنوع الاستعدادات والقدرات واختلاف المهن والتخصصات في ميادين الفكر، والتشريع والإدارة والمهن العسكرية والتكنولوجية، والاتجاهات العلمية والذوق الفني وهكذا. ومن الطبيعي أن يلحق بهذا التنوع، والاختلاف العوامل التي جعلها الله أسبابا لذلك مثل تنوع البيئات، والثقافات واللغات وغيرها. وإلى هذا التنوع يشير قوله تعالى:
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118، 119] .
فالناس جميعا -إلا من رحم ربك- مبتلون -أي ممتحنون- فيما آتاهم الله من القدرات والاستعدادات المتباينة المختلفة، ومطلوب منهم أن يتسابقوا في استعمالها من أجل توفير الخيرات للخلق كلهم -لا للأغراض الفردية والأنانيات الشهوانية- وإن إلى الله مرجعهم وهو سينبؤهم فيما اختلفوا فيه حول استعمال هذه القدرات، وأي الاستعمالات كانت استعمالات خيرة، وأيها كانت استعمالات شريرة.
والواقع أن الفهم السليم لهذا التنوع والاختلاف في الأجناس، والثقافات وفي القدرات والاستعدادات منافعه ومزاياه: إذ من خلاله يستطيع الناس أن يتعرفوا على ما لدى بعضهم بعضا من خصائص ثقافية وحضارية، وأن يفهموا تاريخهم الماضي ويقدروا إنجازاتهم في الحاضر. ومن خلاله تصبح الحياة غنية جميلة متجددة الخبرات، متنوعة العطاء والمسرات، فلا تكون -دائما- نمطا واحدا رتيبا يقابله الإنسان في كل وقت، ويطالعه أينما توجه في أرجاء الأرض كلها.
ومن خلال هذا التنوع والاختلاف تثرى المعرفة الإنسانية والعلوم، والإنجازات وتزداد عملية تبادل العطاء الحضاري، والإنتاج المادي والمعنوي، وتتوفر المساواة والرضى النفسي فلا ينقسم البشر إلى قسمين: يد عليا تعطي، ويد سفلى تتلقى، وإنما يكون العطاء متبادلا كل يشبع حاجته النفسية في الإنتاج وتحقيق الذات، ويشبع حاجة الإنسان المقابل الذي يعايشه في المحبة والاحترام، وبذلك يصبح الإنسان بين حالتين: يعطي ويأخذ، فيشكر ويشكر، ويحب ويحب، فتتوثق روابط الأخوة وترسخ دعائم الوحدة الإنسانية.
ولكن لا بد من ملاحظة أمر هام وهو أن التواصل والتوادد المشار
إليهما لا يتمان إلا إذا قام الناس كلهم بأدوارهم في الإنتاج، ووازنوا بين العطاء والأخذ وتوظيف القدرات والاستعدادات. وبدون ذلك يضطرب توازن العلاقات بين البشر، فالذين يعطون ولا يأخذون يصابون بالتخمة والتعالي، والذين يأخذون ولا يعطون يضر بهم الحرمان والضعة. وبذلك ينقلب التنوع والاختلاف عن هدفهما، وتنقسم البشرية إلى نوعين من المجموعات: مجموعة متقدمة متحضرة تنتج تعطي وتمارس دور اليد العليا، ومجموعات متخلفة تأخذ، وتستهلك وتمارس دور اليد السفلى، ولذلك مضاعفات السلبية التي تلحق الأذى بالاجتماع البشري، وتحدث الاضطراب فيه.
ويروي القرآن أن المجتمع البشري عاش طورًا سابقا تسوده الوحدة، ولكن خلال مراحل التطور الثقافي والاجتماعي اختلفت المستويات في الفهم والتطبيق، فكان من ثمرات ذلك خروج البعض عن المنهج الصحيح وإفراز مضاعفات الحسد، والبغي والكسل والتقاعس عن أداء الأدوار وينتج عن ذلك كله الانقسام إلى جماعات متباينة العقائد والقيم والثقافات، ومختلفة المنازل والمكانة.
والإشارات القرآنية المتعلقة بهذا التطور، وما نتج عنه من تنوع واختلاف تحمل توجيها مؤكدا ليقوم الإنسان بالبحث العلمي في تاريخ المجتمعات الإنسانية للوقوف على تفاصيل هذا التطور وآثاره الإيجابية