الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأبرز صفاتها أن محور القيم فيها هو "القوة فوق الشريعة"، وبالتالي يكون أصحاب القوة هم -أولو الأمر- في المجتمعات التي توجهها الخبرات الدينية الساحرة. وإنما أطلقنا على هذه الخبرات صفة -الساحرة- لأن سدنتها أو حملتها يقومون بسحر عقول الناس بالأساليب البيانية، والبلاغة اللغوية وتلبيس الحق بالباطل ليبرروا هيمنة -أصحاب القوة- ويسبغوا على ممارساتهم لباس الشرعية الدينية. والقرآن الكريم قد بين في استعراضه لتاريخ الأديان السابقة دور السحرة في محاولة تلبيس معجزات الرسل الأصلية بألاعيب سحرية لتضاهي المعجزات الحقيقية. والرسول صلى الله عليه وسلم قد بين أن من البيان اللغوي ما فيه قوة السحر وتأثيره.
وفي جميع الخبرات الكونية والاجتماعية، والدينية تعتمد التربية الإسلامية في تفاعل الفرد مع هذه الخبرات كلها على أمور منها: الأول، تحديد ميادين هذا التفاعل في الكون وأحداث التاريخ، ووقائع المجتمع البشري القائم وتطوره نحو المستقبل. والثاني، اعتبار ما يجري في الواقع القائم والوجود المحسوس هو المحك الحقيقي لصوابية هذه الخبرات وصدقها. والثالث، هو المراجعة المستمرة للخبرات الموروثة بغية تنقيتها من آثار طاغوت العصر وصنمية العصر، وما أفرزاه من الخرافة والأساطير وألوان السحر البياني.
ثالثا: حدود الخبرة ودوائرها
قلنا: إن الخبرة المربية تقسم إلى أنواع ثلاثة: الخبرات الكونية، والخبرات الاجتماعية، ثم الخبرات الدينية. ونضيف هنا إن كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة يضم في داخله دوائر بعضها أوسع من بعض. فمثلا تبدأ -الخبرة الكونية- بدائرة الحي ثم تتلوها دائرة القرية، ثم دائرة المدينة ثم دائرة الإقليم ثم دائرة القطر، ثم دائرة القارة ثم دائرة الكرة الأرضية، ثم تخرج خارج الكرة الأرضية في دوائر آفاق الكون المتتالية.
ومثلها -الخبرة الاجتماعية- التي تبدأ بدائرة الأسرة ثم دائرة الجماعة
المحلية كالعشيرة أو الطائفة، ثم دائرة مجتمع القرية ثم دائرة مجتمع المدنية، ثم خبرات الاجتماع في القطر أو الأمة، ثم دائرة خبرات الأمم الأخرى.
ومثلها -الخبرة الدينية- التي تبدأ بدائرة التدين الفردي، ثم دائرة تدين الجماعة ثم دائرة القطر أو الأمة، ثم خبرات الأديان الأخرى.
ولكل من -الخبرات الثلاث- الرئيسة بعدان اثنان: بعد أفقي ميدانه الحاضر وبعد رأسي ميدانه تاريخ الخبرة ابتداء من نشأتها، ومرورا بتطوراتها حتى حاضر مستقبلها المنظور.
ولا بد أن يكتمل في كل دائرة جميع شروط الخبرة المربية، أي أن تكون عملا وأثرا. ويتفاوت الأفراد في خبراتهم في الدوائر المذكورة، فبعضهم يقف في الدوائر الأولى، وبعضهم يخطو في الدوائر ذات السعة الأوسع طبقا للأونظمة والمؤسسات التربوية، والبيئات الاجتماعية التي تتولى تنشئتهم وتوجيههم في هذا المجال، وطبقا لاستعداداتهم الشخصية. وكلما اتسعت دائرة خبرة الفرد، كلما استنار، وأحاط بالظواهر الكونية والاجتماعية والدينية، وصار قادرا على رؤية البدائل المختلفة. وكلما ضاقت دائرة الخبرة المربية أصبح الفرد ضيق الأفق، محدود التفكير عاجزًا عن رؤية البدائل السلوكية. ومما يساعد على نمو الخبرة واتساع دوائرها أمور ثلاثة:
الأول، الممارسة، فممارسة الخبرة تساعد على وضوحها وبلورتها، وتمييز الخبرات الصحيحة من الخاطئة.
والثاني، السير في الأرض والرحلات الهادفة؛ لأنهما يساعدان على التحقيق من تنوع الخبرات مكانا وزمانا، ويساعدان على شهود آثارها المتنوعة.
والثالث، شهود الخبرة وذلك بالتنقيب عنها وتمحيصها إن كانت من الخبرات الماضية، أو تحليليها ودراستها، والوقوف على تفاصيلها إن كانت من الخبرات الحاضرة.