الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: أزمة التربية الحديثة في ميدان الأهداف التربوية
تعاني التربية الحديثة من أزمة معينة في ميدان الأهداف التربوية. وهي أزمة نابعة من الأصل التربوي الذي يسبق الأهداف في دورة العملية التربوية -أي أزمة فلسفة التربية- التي استعرضنا مظاهرها في كتاب -فلسفة التربية الإسلامية.
وتتمركز مظاهر أزمة الأهداف التربوية في أمور عديدة هي: مشكلة ماهية الأهداف الأساسية للتربية، ومشكلة أهداف تربية الفرد، ومشكلة التناقض بين أهداف تربية الفرد والأهداف الاجتماعية -الاقتصادية، ومشكلة التناقض بين أهداف تربية الفرد والأهداف المتعلقة بالفضائل الأخلاقية.
ولكن الحديث في هذا الفصل سوف يقتصر على المشكلة الأولى دون المشكلات الأخرى، التي ستناقش في مواقعها من هذا البحث.
فما زال الجدال يدور بشدة حول ماهية أهداف التربية وتصنيفها. ويتخذ هذا الجدل مظاهر ثلاثة: الأول: ما هي الأهداف التربوية التي يجب تحديدها؟ والثاني: هل تتصل هذه الأهداف بغايات الحياة الرئيسية أم يجب الاقتصار على بلورة أهداف سلوكية عملية تنحصر في موضوع دراسي محدد أو موقف تعليمي محدد؟ والثالث: هل هذه الأهداف ضرورية للتربية أم هي غير ضرورية أصلًا؟
أما عن تفاصيل المظهر الأول، فلقد كان الاعتقاد في الماضي بوجوب جعل الأهداف الأساسية للتربية هو الحصول على المعرفة من أجل المعرفة
بعيدا عن منافعها العملية في الميادين المهنية، وما زال عدد كبير من المربين والأساتذة يؤمنون بهذا الرأي ويدعون إليه.
والواقع أن "المعرفة من أجل المعرفة" كان هدفًا مقدسًا منذ أيام أرسطو واستمر بمجيء المسيحية التي أضفت على هذا الهداف طابعا دينيا، ثم استمر على يد أمثال الفيلسوف هيجل والمدرسة المثالية. ثم جاء -جون ديوي- الذي نشأ في بيئة دينية وبدأ من أنصار الفلسفة المثالية، ولكن اضطراب عقيدته الدينية -بسبب التناقض والانشقاق بين المسيحية، والعلم خاصة بعد ظهور الدارونية- أي به إلى التخلي على عقائده الدينية، وعن الفلسفة المثالية ثم تبني فلسفة نفعية "براجماتية" تركز اهتمامها في الوجود المحسوس، والتمتع بخيراته المحسوسة.
وكان لهذا التطور العقائدي أثره في الفكر التربوي عند ديوي، فأفرغ قوالب الفلسفة المثالية، والعقائد المسيحية من محتوياتها ثم ملأها بمحتويات مشتقة من عقائده الجديدة. فهو -أولًا- أبقى على اقتران الفلسفة بأهداف التربية -كما فعل المثاليون. كذلك أبقى على الهداف التربوي الذي تتبناه الفلسفة المثالية وتتمحور نشاطاتها التربوية حوله وهو تحقيق الذات -realisation Self والذي يعني استمرار رقي الضمير الإنساني. ولكن ديوي غير اسم هذا الهدف وأطلق عليه مصطلح -النمو Growth- وجعل محتواه استمرار نمو عقل الفرد بدون انقطاع، بل إن التربية -عند ديوي- صارت تعني النمو، وإن هذا النمو هو هدف في حد ذاته. ثم فسر هذا النمو تفسيرًا يتفق مع الدارونية التي تأثر بها تأثرا شديدًا واستمد منها مفهوم -التطور- وعزز بها مفاهيم النمو التي لونت كتاباته التربوية المختلفة، كذلك كانت التربية -عند المثالية والمسيحية- تعني الترقي العقلي لمعرفة الإله، فبتر ديوي هذا الترقي العقلي عن معرفة الإله، وجعله وحده هدفا في حد ذاته. كذلك طور -ديوي- مفهوم المثالية عن الذكاء، وجعله مفهوم -حل
المشكلات1. وأخيرًا جعل ديوي الهدف الأخير لكل هذه الأهداف هو التركيز على الإنتاج وتمجيد العمل، وتركيز النشاط في الحياة المحسوسة.
وبالرغم من النجاح الذي حققه ديوي خاصة الحماس الذي حققته آراؤه حول العمل ومنهج النشاط إلا أن أشكالا من النقد والمعارضة بدأت تتصاعد بوجه هذه الآراء وتطبيقاتها. ومن ذلك ما قام به -ألسدير ماكنتاير- عام 1964 حيث قدم بحثه حول أهداف التربية بعنوان: "ضد الفلسفة البراجماتية" وفي هذا البحث فند -ماكنتاير- آراء ديوي وخطورة حصر الأهداف التربوية في الوسائل دون الغايابت، وأخذ على ديوي اقتصار التربية عنده على الإعداد للوظيفة، وزيادة الإنتاج الصناعي، وزيادة استهلاك المنتجات، والخدمات التي ستضاعف الإنتاج وهكذا. وأضاف أن التربية حين تقتصر على الوسائل دون الغايات العليا للحياة، فإنها تفرز مجتمعا عديم العقل مجردا من الإنسانية.
وانطلاقا من هذا النقد لخص -ماكنتاير- أهداف التربية -كما يراها- فلخصها في مساعدة الفرد على اكتشاف قدراته المعرفية والعقلية مع ملاحظة امتداد هذه المعرفة الناقدة لتشمل الفن والعلم والفلسفة، وعدم اقتصارها على الخبرات النظرية الضيقة.
ومع إن آراء -ماكنتاير- هذه وجدت صدى واسعا إلا أنه فشل في بلورة آرائه حين خلط بين نظريتين الأولى تدعو إلى عدم اقتصار التربية على تطوير "الأهداف الوسائل"، بل تعمل على تطوير أهداف جديدة يكون من ثمرتها تنشئة الطلبة على مساعدة بعضهم بعضًا لتحقيق أهداف نبيلة سامية. بينما تتناقض النظرية الثانية مع الأولى حين تدعو إلى أن تركز التربية على تدريب الطلبة على الأنشطة العملية المنتجة للوسائل دون مراعاة لانتفاع الآخرين من هذه الأنشطة، أو تضررهم2.
1 John White، The Aims of Education، "London: Routledge & Kegan Paul، 1982" PP. 9-22.
2 Ibid، PP. 14-16.
ثم تصاعد الخلاف وتفرع حول ماهية الأهداف التربوية، وما يجب أن تكون عليه هذه الأهداف. ولقد استعرض -رونالد كوروين- Ronald Corwin- تفاصيل هذا الخلاف فذكر أن بعض علماء التربية والاجتماع وأولياء الأمور والسياسيين، يرون أن أهداف التربية هي مجرد التحصيل الذهني. ويرى آخرون أن التربية يجب أن تركز على الارتباط بين فاعلية التربية والنجاح الوظيفي. ويرى فريق ثالث أن هدف التربية الرئيسي هو التأثير في تصور الطالب عن نفسه، وتقديره لذاته والثقة بها، واكتشاف قدراته العقلية. ويرى فريق رابع أن الوظيفة الرئيسية للتربية هي تطوير اتجاهات سياسية سليمة ومواطنة صالحة، وتدريب الناشئة على حسن استغلال أوقات الفراغ والترويح عن النفس. ويرى فريق خامس أن وظيفة التربية هي تطوير قيم واتجاهات حسنة مثل: استقلال الشخصية، والدقة في العمل، وضبط النفس، والتقيد بالقوانين العامة، والتكيف مع متطلبات التغير التكنولوجي، والبراجماتية النفعية، وكل ما يؤدي إلى النجاح1.
ويدور المظهر الثاني للخلاف في ميدان أهداف التربية حول ضرورة اتصال الأهداف التربوية بالغايات الرئيسية للحياة، أم تكون أهدافا سلوكية عملية تنحصر في موضوع دراسي محدد، أو موقف تعليمي خاص؟
والخلاف حول هذا الموضوع ما زال قائمًا حتى الوقت الحاضر. ففريق يعترض على الأهداف العامة Aims مثل: النمو، والسعادة، وصالح المجتمع؛ لأنها -حسب رأي هذا الفريق- صيغ عامة غائمة لا ترشد إلى ما يجب عمله في المواقف العملية. ولذلك من الأفضل أن يحل محلها أهداف تعليمية سلوكية Objective يمكن تحديدها وقياسها. كأن يحدد ما يجب أن يتعلمه الطالب ويعمله في درس اللغة. ولقد كان لهذا الرأي أثره في التطبيقات التربوية الحديثة. وما تصنيف الأهداف الذي أعده -بلوم Bloom- وزملاؤه إلا تطبيق لهذا الاتجاه.
1 Ronald G. Corwin. Education in Crisis، "New york: John Wiley & Sons Inc. 1974" P. 13.
والاعتراض الذي ثار أمام هذا الرأي هو أن الأهداف السلوكية Objectives لا تغني عن -الأهداف التربوية العامة- Aims؛ لأن الأهداف السلوكية مقاييس صغيرة تحتاج إلى تبرير منطقي حتى لا تبدو عشوائية مفروضة دون وعي ولا فهم. وهذا التبرير العقلاني لا يتم إلا من خلال الأهداف التربوية العامة.
وأما عن الاتجاه الثالث الذي لا يرى ضرورة للأهداف التربوية، فقد تباينت آراؤه كذلك. فأناس يرون الاقتصار على ترسيخ الآداب العامة وأشكال السلوك العام أكثر من الأهداف التربوية، ويقدمون أمثلة للآداب العامة المقترحة مثل: تنمية احترام العقلانية، وحب الخير، والتسامح. ويضيفون أن هذه ليست مهارات تمارس، وإنما هي قيم يستطيع المعلم أن يغرسها في تلاميذه
من خلال طرائقه، وأساليبه المستعملة.
وأناس آخرون من أمثال -برسي ت. نون Percy T. Nunn- لا يرون داعيا للأهداف التربوية مطلقا؛ لأنه يساء فهمها ويختلف في تفسيرها طبقا لاختلاف الأفراد إزاء المثل العليا للحياة. فالهدف الذي ينص على وجوب: "إعداد الفرد للحياة الكاملة" قد يكون نافعا من وجهة نظر الشخص "أ" وضارا سخيفا من وجهة نظر الشخص "ب". ولذلك يجب أن تعمل التربية على مساعدة كل فرد على انفراد ليطور أهدافه الخاصة التي تساعده على النمو. وانطلاقًا من هذا الرأي ظهرت الآراء التي تدعو إلى عدم التدخل في نمو الطفل والاكتفاء بتوفير البيئة المناسبة له لينمو نموا مستقلا.
ولكن يعترض البعض على هذا الاتجاه بالقول أن المعلم لا يستطيع أن يؤثر في الطلبة ويغرس بهم احترام العقلانية، والخير وما شابه ذلك إلا إذا كان واعيا بالأهداف التربوية العامة، التي يحتاج أن يتمثلها في سلوكه وطرائقه1.
1 John White، OP. Cit، PP.6-8.
ولو نظرنا في كل من الاتجاهات الثلاثة التي مرت لوجدنا أن جوهر الخلاف حول تحديد الأهداف يتركز في أمور ثلاثة هي:
الأول، إن الصعوبة الشديدة في الاتفاق على أهداف عامة للتربية سببها عدم الاتفاق على -فلسفة تربوية- محددة تنبثق منها أهداف محددة كذلك. فإذا لم تحدد فلسفة التربية لا يمكن استنباط الأهداف. وفلسفة التربية تحتاج أن تنبثق من فلفسة كلية للحياة، والإنسان، والكون، والمنشأ، والمصير. وهنا تكمن أزمة التربية الحديثة التي ناقشنا بعض مظاهرها في الكتاب الأول من هذه السلسلة -كتاب فلسفة التربية الإسلامية.
والأمر الثاني، إن الذين يرون عدم الاشتغال بتحديد أهداف التربية هم أناس سئموا الخلاف المزمن حول هذا الموضوع وسئموا من عقم البحث فيه. والذين يصرون على استمرار البحث فيه هم أناس ترعبهم نتائج العملية التربوية في ميادين الحياة الاجتماعية، والعلاقات الإنسانية، وما يرونه من إخراج التربية الحديثة لنماذج إنسانية آلية لا أهداف عليا لها في الحياة إلا الإنتاج والاستهلاك، أو نماذج إنسانية منقسمة على أنفسها، أو مغتربة من الحياة كلها.
والأمر الثالث، إن الذين يدعون إلى الاكتفاء بتحديد أهداف سلوكية عملية مشتقة بشكل مباشر عن موضوعات التعليم -كأن تكون هناك أهداف للحساب، وأخرى للجبر، وأخرى للجغرافية وهكذا- هم أناس سئموا عدم التوصل إلى تحقيق الانسجام بين الأهداف التربوية العامة، والأهداف التعليمية الخاصة. والذين يصرون على عدم الاكتفاء بالأهداف التعليمية الخاصة "السلوكية" هم أناس يضيقون بهذا النوع من الأهداف، التي تحصر الإنسان في اتقان مهارات العمل، والإنتاج ولا تتسع للقيم العليا، والتطلعات الإنسانية الرفيعة.
فالمشكلة إذن هي كيفية صياغة كل من الأهداف التربوية العامة، والأهداف العليمية السلوكية بطريقة تحقق التوافق المنطقي بينهما لتشكل
جميعها قائمة الأهداف التي تبدأ بالفرد، وتنتهي بالإنسانية وتتسع لتشمل المهارات العملية والأخلاق الفردية، ولا تضيق بالأخلاق الاجماعية والقيم والتطلعات العليا للإنسان.
وإبراز مثل هذه الأهداف يحتاج إلى أصول محددة تتمثل في فلسفة تربوية شاملة واضحة، تنبثق عن فلسفة كلية للإنسان والكون، والحياة والمنشأ والمصير.
إن عجز التربية الحديثة عن توفير هذه الأصول والمقومات جعل -جون وايت- يقول: إن فلاسفة التربية منذ قرون يعملون للوصول إلى تعريف محدد شامل للتربية وأهدافها. ولكنهم لم يصلوا بعد إلى شيء. والسبب أن البحث في تحديد -معنى التربية- يتضمن كذلك البحث في أهدافها، والبحث في أهداف التربية يتضمن البحث في معناها1.
وبسبب هذا الخلاف حول تحديد الأهداف التربوية، وتصنيفها تنوعت هذه الأهداف إلى ما لا نهاية من الآراء. فهناك من يقول: إن أهداف التربية يجب أن تتركز حول نمو الفرد معرفيًّا وعقليًّا. بينما يرى آخرون أن أهداف التربية يجب أن تركز على مساعدة المتعلم على تطوير قدراته إلى أقصى مدى. وفريق ثالث يرى أن الهدف الرئيسي للتربية هو إيجاد التوازن في شخصية المتعلم، وفريق رابع يرى أن التربية يجب أن تهدف إلى تحقيق التوازن بين المعارف النظرية والتطبيقات العملية، بين الفنون والآداب وبين العلوم، ويرى فريق خامس التركيز على التفوق في ميادين التخصص. ويرى آخرون أن الأهداف هي تلبية حاجات المجتمع من خلال إيجاد طبقة عاملة مدربة تتمتع بمستوى مناسب من التعليم، أو من خلال توفير الجو الملائم للديموقراطية أو الفن أو الثقافة والأخلاق وهكذا2.
1 John White، OP.Cit، PP. 4-5.
2 Ibid، PP. 1-3.
وحينما شرعت -لجنة الإشراف وتطوير المناهج- عام 1980 في تطوير أهداف تربوية تكون أساسًا للتربية في الولايات المتحدة الأميركية واجهت نفس المشكلة -مشكلة تحديد أهداف التربية العامة. ولقد لخصت اللجنة العقبات التي واجهتها في هذا الشأن في التقرير الذي أنجزته بالقول:
"ما هي أنماط السلوك العقلي، والاجتماعي والشخصي المرغوبة في الأفراد الذين يجتازون مراحل العملية التربوية بنجاح منذ مرحلة رياض الأطفال، حتى نهاية العام الدراسي الثاني عشر؟ ما هي ثمرات التعلم ذي القيمة التي لها طابع إنساني؟ هل إن بعض أهداف التربية التي ترغب الأنظمة المدرسية في تحقيقها تتناقض فطريا مع مبادئ التربية الإنسانية؟ كيف نحدد ما هو إنساني، وما هو غير إنساني من أهداف التربية؟ هل تتصف أية قائمة أهداف تربوية بالشمول والطابع الإنساني؟
هذه هي الأسئلة التي شكلت المثيرات التي دفعتنا، ووجهتنا للعمل عندما بدأنا في تحديد التعلم ذي القيمة الذي يعكس الطبيعة الإنسانية النبيلة في أبعادها العقلية، والعاطفية، والجسدية".
وتمضي اللجنة لتقول: إنها تصلت بجميع المؤسسات التعليمية والمعاهد التربوية وطلبت الأهداف التربوية المعتمدة من قبلها، ثم اتصلت بالأفراد، والهيئات المختصة والمهتمة بالبحث في الأهداف، وبدوائر القياس والتقويم وتطوير المناهج، وكانت نتيجة هذه الاتصالات أن تجمع لدى اللجنة كمية هائلة من قوائم الأهداف التربوية، ثم قامت بدراستها وتحليلها، وخلصت إلى النتائج التالية:
1-
تكرار كثير من الأهداف عند المؤسسات والهيئات.
2-
تركزت الأهداف على الجوانب العقلية وحدها.
3-
إن الإشارات التي وردت عن التربية الإنسانية لم تتعد التعميمات الفضفاضة.
4-
لم تتصف الأهداف المدونة بالتكامل العقلي، والعاطفي، والنفسي.
5-
ركز غالب القوائم على أهداف سياسية يصعب قياسها.
وأخيرا -تذكر اللجنة: "إن أكثر هذه القوائم أثرا في عملنا هي قائمة بنسلفانيا -التي اتخذناها أساسا لعملنا الذي اشتققنا منه قائمة أهدافنا"1.
لقد ركزت -أهداف التربية- في عشرة أهداف عامة، ثم أدرجت تحت كل هدف العناصر الفرعية التي رأت أن هذا الهدف يتكون منها. ولعل الأمانة العلمية تقتضي إيراد القائمة حرفيا، كما وضعتها اللجنة، ولكن طولها يجعل من المناسب الاكتفاء بتقديم الأهداف العشرة الرئيسية دون إخلال بالصورة الواقعية لهذه الأهداف.
تتلخص أهداف التربية التي تضمنتها قائمة لجنة البحث، والتنظير المشار إليها بالأهداف العشرة الرئيسية التالية:
الهدف الأول: المهارات الأساسية.
الهدف الثاني: تحديد مفهوم ذات الفرد.
الهدف الثالث: فهم الآخرين.
الهدف الرابع: استعمال المعلومات المتجمعة لتفسير ما يجري في العالم.
الهدف الخامس: التعلم المستمر.
الهدف السادس: السعادة العقلية والنفسية.
الهدف السابع: المشاركة في عالم الاقتصاد.
الهدف الثامن: العضوية الاجتماعية المسئولة.
1 The ASCD Commitee on Research and Theory، OP. Cit،PP. 4-5.
الهدف التاسع: الإبداع.
الهدف العاشر: التعايش مع التطور.
وقبل المضي في تحليل قائمة الأهداف المذكورة أود أن أشيد بروح المثابرة، والجد التي تتصف بها الهيئات التربوية العاملة في أمريكا، وأوربا وأن أغبط المختصين على الروح الجماعية، والشعف العلمي اللذين يتصف بهما البحث التربوي هناك، وأن أقدر للمجتمعات هناك المكانة التي أعطتها للتربية والمربين. ولكن هذه الجهود المتواصلة والتضحيات الجسيمة لا تمنع من القول أن البحث التربوي لم يصل بعد إلى حل جذري لأزمة الأهداف التربوية، وإن مضاعفات هذه الأمة ما زالت تتفاعل على أماكن التطبيق التربوي، والمجتمعات الفسيحة. والسبب هو الأزمة القائمة في ميدان فلسفة التربية الأم المباشرة المولدة للأهداف التربوية، وهي أزمة نابغة من الفراغ العقائدي عامة.
إن النظر في قائمة الأهداف التربوية، التي توصلت إليها -لجنة البحث والتنظير- الأميركية يكشف عن أن القائمة لم تنج من النواقص والعيوب التي نسبتها اللجنة إلى القوائم السابقة التي راجعتها واعتمدت عليها. فهي أيضا ركزت على المهارات الجسدية، والعقلية ولم تورد عن التربية الإنسانية إلا تعميمات فضفاضة. كذلك لم تتصف القائمة بالتكامل العقلي، والعاطفي والنفسي، كما أنها تجاهلت تماما ما يتعلق بنشأة الإنسان ومصيره، وعلاقة الإنسان بالإنسان في قرية الكرة الأرضية. ولو أننا اعتمدنا المقياس الذي طرحه -جون وايت- في الصفحات التي مرت حول اعتبار أهداف التربية كامنة في النفس، وإن الذين يستطيعون كشف هذه الأهداف هم الخبراء بهذه النفس لوضعنا أيدينا على جذور الأزمة، وهي أن المرجع الأول لمعرفة النفس الإنسانية هو -خالق النفس- الذي أودع بها قدراتها وخصائصها، وإلى هذا المنهج يوجه القرآن في أول آية ابتدأ بها الوحي:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق] .
صحيح إن لعلم النفس دورا أساسيا في البحث عن أهداف التربية في النفس الإنسانية، ولكن علم النفس نفسه وصل أخيرا إلى القول الراسخ، وهو إدراك الأثر العميق لفعل الله في النفس الإنسانية، وضرورة الاسترشاد بالوحي الصحيح في توجيه النفس وإرشادها.
ولقد اعترفت اللجنة المذكورة نفسها التي ضمت مشاهير المربين، واستفادت من خبرات جمهور المربين في القارة الأمريكية كلها أن القائمة السابقة للأهداف التربوية لا تمثل كل الأهداف، التي يجب أن تعمل التربية من أجلها، ولكنها تشكل فقط مرشدا لمن يحاول أن يضع أهدافا تربوية.