الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملاحظات حول التطبيقات الخاطئة لمفهوم الأمة المسلمة وعناصرها في الحاضر
…
جـ- ملاحظات حول التطبيقات الخاطئة لـ"مفهوم" الأمة المسلمة وعناصرها في الحاضر:
تدور هذه الملاحظات حول "مفهوم الأمة المسلمة" عند فريقين من الناس: فريق الجماعات والحركات الإسلامية، وفريق المشيخات الرسمية والحكومات القائمة وجماهير العامة. أما الحركات والجماعات الإسلامية فهذه يغلب عليها "الإحساس" بمفهوم الأمة المسلمة وأهمية وجودها. وهي تعبر عن هذا الإحساس من خلال شعارات فضفاضة غائمة، وعناوين عامة مختلفة مثل:"إقامة مجتمع إسلامي"، "بعث الحياة الإسلامية"، "إقامة حكم الله في الأرض". ولكن ذلك يبقى مجرد إحساس بالمشكلة لا يصل درجة "الوعي" بمفهوم الأمة وعناصرها وإخراجها، وعوامل عافيتها ومرضها وموتها وبعثها من جديد. ولذلك فهي ما زالت تعاني من الأخطاء التالية:
1-
الافتقار إلى الكوادر، والمؤسسات الفكرية التي تعي مفهوم الأمة المسلمة وعناصرها، والتطبيقات التي تجسد هذه العناصر في الحياة الاجتماعية، وهي حين تعمل على تطبيق الشعارات التي أشير إليها مثل "إقامة حكم الله في الأرض" وأمثالها، فإن نموذج التطبيق الذي تتوجه إليه يتمثل في تمكين "أشخاصها" -أي أشخاص الجماعة- من الوصول إلى مناصب الدولة، والمجالس النيابية دون أن يكون لديهم "أفكار"، وبرامج محددة لما سوف يعملونه. لذلك تقتصر ممارساتهم عند تسلم المناصب حول التركيز على القضايا الأخلاقية الفردية، والأمانة والإخلاص في تنفيذ قوانين وتعليمات، وبرامج الناظم السياسي الذي كانوا يعارضونه ويصمونه بـ"الجاهلية" قبل الوصول إلى المراكز والمناصب.
2-
إن "ولاء" الأعضاء في هذه الجماعات يدور -غالبا- في فلك "أشخاص" الجماعة أكثر من الدوران في فلك "أفكار"ها، فهم يحرصون على وجود "الجماعة" الشخصي، والاعتراف لها بالفضل والمكانة العليا أكثر
من حرصهم على "أفكار" الجماعة ونمائها وبلورتها، وانتشارها وتجددها بما يلبي الحاجات ويواجه التحديات.
ولقد انسحبت هذه الصفة على التربية هؤلاء "الأعضاء" فصاروا ينشأون على الانتماء لـ"أشخاص" الجماعة أكثر من الولاء لـ"أفكارها". وصاروا يضفون على أشخاص القيادة "عصمة" غير منطوقة ولا مكتوبة، ولا يسمحون بـ"النقد الذاتي"، ويعتبرونه تجريحا وشتما وتخريبا للصف وتفريقا للجماعة.
كذلك انسحبت هذه الصفة على تركيب الجماعة نفسها، فصارت -في الغالب- تتكون من صنفين من الناس: صنف يدور في فلك "الأشخاص"، وصنف يدور في فلك "الأشياء". أما الأعضاء الذين يدورون في فلك "الأفكار" فهؤلاء يمرون على الجماعة مرورا ولا يستقرون؛ لأنهم حين يبدأون طروحاتهم وتساؤلاتهم الفكرية، ويرفضون "التقاليد" القبلية في القيادة والتبعية والتطبيق يقابلون بالرفض الاجتماعي، والإرهاب الفكري ويتهمون بالخروج على "القيادة"، وتخريب الصف ويدعون دعا إلى خارج صفوف الجماعة.
3-
ونتيجة للصفتين الاثنتين المذكورتين في البند رقم "1" والبند رقم "2" تم إهمال "التعليم" الفكري، وجرى التركيز على "الانتماء" الحزبي. ونتيجة لذلك وقعت هذه الجماعات في رباط العصبية، وصارت قبيلة من لا قبيلة له، ووقعت في الفهم الخاطئ لمفهوم الشريعة، فصارت -تعني لديها- تطبيق "الحدود" مع الغفلة عن "القيم" غير الإسلامية.
ولذلك يمكن القول إن المفهوم الذي تطرحه الجماعات الإسلامية الحاضرة للأمة المسلمة -لو قدر له التطبيق- فسوف يفرز أمة إسلامية تكون في حالة المرض؛ لأنها ستكون في مرحلة -الدروان في فلك "أشخاص" الجماعة، أو الحزب دون "الأفكار".
وأما عن الفريق الثاني -فريق المشيخات الرسمية، والحكومات
الإقليمية وجماهير العامة- فإن مفهوم الأمة المسلمة عندها هو معدوم تمام الانعدام وغائب كل الغياب. فهي تطلق هذا المفهوم على أي ركام بشري أو إطار يحتوي على "مزقة" من "مزق" الأمة الإسلامية المتوفاة. والغالب عليه هو الدوران في فلك "أشخاص" الإقليم أو القبيلة أو الطائفة.
وما زال "فقهاء الملوك والرؤساء" و"مفتو الدول" الإقليمية الذين تطوروا عن طلبة رسبوا في التوجيهية أو اجتازوها بمعدل 50% أو 60% يعززون هذا التشويه لمفهوم الأمة المسلمة، ويفتون بأن تطبيق الشريعة يتمثل في إقامة "الحدود" لحماية: الحكم المطلق، واحتكار الثروة، واغتصاب الحرية، ووراثة الحكم والوظائف، وحماية الظلم والمحسوبية، ودوام التجزئة وممالأة المحتلين، وسجن المطالبين بالشورى وتكافؤ الفرص والقيادة الجماعية وهكذا.
وما زال الجهل بهذا التشويه الذي أصاب مصطلح الشريعة ينفر الأذكياء والوطنيين، والمتطلعين للإصلاح من تطبيق الشريعة، ويملأ نفوسهم بالمخاوف من هذا التطبيق.
ومن الموضوعية أن نقول: أن هذه المضاعفات جرت في الوقت الذي يقف خريجو مؤسسات التربية الإسلامية التقليدية عاجزين عن فهم التحديات، وتشخيص الحاجات إلا ما كان من مواقف التشنج، وإدانة الأعراض والمضاعفات.
ويلاحظ أن حركات الإصلاح وبعث الأمة من جديد ما زالت لم تتبين أهمية التربية وخطورتها. ولذلك تبدأ من -الخطوة الثانية- وهي تجنيد أشخاص تخرجوا من مؤسسات تربوية غرست في نفوسهم مسبقا -الولاء- للعصبيات المختلفة، وأمدتهم بعوامل التناقض في الفهم والتطبيق. ولذلك لا يكون لنشاطاتهم من أثر إلا مزيد من التناقض، والصراع والانتهاء بمحاولات الإصلاح إلى الفشل والإحباط.