الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلك "أشخاص الأسرة أو العشيرة" لا يفهم -مفهوم الأمة- والذين هم خارج دائرة أسرته أو عشيرته يتساوون في أنهم "أجانب"، وأقربهم إليه أكثرهم نفعا ماديا عاجلا له.
3-
يتحول -الوله- أي الحب والطاعة -إلى "نفاق" موقوت لمن يساعد على توفير حاجات الأسرة، وقضاء مصالحها في المكاسب والوظيفة، وتشتد حدة التنافس على المتع والمكاسب المادية، والمراكز الوظيفية.
4-
يتركز إنتاج "الأشياء"، واستعمالاتها على ما يحقق حاجات دائرة الأسرة الضيقة، ولذلك تختل مظاهر الإنتاج الزراعي والصناعي، فتنحسر من تلبية نصرة أفكار الرسالة إلى تلبية حاجات الأسرة في الاستهلاك، ويشيع الكسب الفردي السريع، ويظهر الاحتكار والكنز ويختفي التعاون الجماعي، وتكافؤ الفرص.
جـ- هبوط مستوى القدرات العقلية والإرادة العازمة، والقدرة التسخيرية:
تنحسر القدرات العقلية بانحسار "المثل الأعلى" فترسخ الآبائية والتقليد، ويزداد ثقل الأغلال والآثار الثقافية والموروثات الاجتماعية، ويجنح الناس إلى الأهواء والاحتكام إلى الأعراف والعادات، والتقاليد بدل المقررات العقلية، وتضعف الإرادات، فتتضاءل القدرات التسخيرية ويكون من ثمار ذلك عقم في التخطيط، والتنفيذ في مجالات الحياة المختلفة.
واستشراء مضاعفات الطور الأسرية ينقل الأمة إلى آخر أطوار المرض، وهو انهيار آخر مظاهر الاجتماع البشري وشيوع الفردية.
الطور الرابع: طور ولاء الفرد لنفسه
أبرز ملامح هذا الطور هو تدني "المثل الأعلى" الموجه للحياة في الأمة لتصبح حقيقته هي:
- دوران "الأفكار والأشياء" في فلك "شخص الفرد" نفسه:
واتصاف المثل الأعلى بهذه الصفة يؤدي إلى انحسار -محور الولاء- من دائرة الأسرة إلى دائرة الفرد نفسه، مما يهيئ إلى انحسار عناصر الأمة: الإيمان، والهجرة، والجهاد والرسالة، والإيواء، والنصرة، وانكماشها في بؤرة الأنانية الفردية، وتكون المحصلة النهائية لهذا الانكماش هي تغير محتويات عناصر الأمة لتصبح معادلتها كالتالي:
الأمة = ولاء الفرد لنفسه "الإيمان + هجرة + جهاد ورسالة + إيواء + نصرة".
= أفراد أنانيون + هجرة فردية + جهاد فردي ورسالة فردية + إيواء فردي + نصرة فردية.
ويمكن أن نمثل لهذا التركيب النهائي لوجود الأمة بالشكل التالي:
ففي الشكل رقم "7" ينحسر محور الولاء إلى "شخص" الفرد نفسه، ويصبح الطابع العام هو:
- دوران "الأفكار والأشياء" حول "شخص" الفرد نفسه:
أما دائرة الأسرة فتتحول إلى صلة "نفاق" لا صلة ولاء، أي هي تنضم
إلى مخزون أرصدة الأفكار والقوم والقبيلة لـ"تنفق" عند الحاجة من أجل مصالح الفرد الخاصة.
وفي هذا الطور تتفاعل مضاعفات المرض وتدفع بالأمة إلى حالة النزع الذي تتمثل مظاهره فيما يلي:
أ- ضآلة التفاعل مع الخبرات الاجتماعية والكونية:
يتفاقم انحساب التفاعل مع الخبرات الاجتماعية، والكونية تبعا لتفاقم انحسار "المثل الأعلى" في الأمة. ويكون التجسيد العملي لهذا التفاقم في ميدان التربية حيث "يقرأ الفرد باسم نفسه" دونما أية فلسفة تربوية أو أهداف، وإنما يتدرب على -المعلومات والمهارات- التي تسوقه في أي مجتمع وتحت أي لواء. ولذلك يتحول إلى مواطن مرتزق يجوب الأرض للعمل تحت أي لواء، ويمنح لكل جهة ولاء.
ب- تفاقم انحسار مستوى التفاعل مع الرسالة:
في هذا الطور تصبح رسالة الفرد في الحياة أن يعيش طبقا لما يقتضيه محور ولائه لنفسه، وتصبح شبكة العلاقات الاجتماعية كما يلي:
يصبح محتوى "الإيمان" بشهوات الفرد وتأمينها محدد لـ"جنسيته وثقافته"، فهو يقابل للذوبان في أية جنسية وفي أية ثقافة.
ويصبح المكان الذي يجد الفرد فيه قضاء مصالحه هو "المهجر" الذي يشد إليه رحاله.
ويصبح العمل لتأمين المصالح المذكورة هو مظهر "الجهاد" الذي يفرغ الفرد فيه طاقاته العقلية، والنفسية، والجسدية.
ويتحدد مفهوم "الإيواء" في توفير الإقامة المريحة الزاخرة بمصالح الفرد نفسه.
ويتحدد مفهوم "النصرة" في منافحة الفرد عن مصالحة الخاصة دون سواها.
ويتحدد مفهوم "الولاية" في الأنانية الفردية، وتقديمها على أي شيء آخر.
وبلوغ الأمة -هذا الطور- معناه تمزق شبكة العلاقات الاجتماعية، وتعطل الفاعلية الاجتماعية لعناصر الإيمان، والهجرة، والجهاد والرسالة، والإيواء، والنصرة، والولاية، وأبرز مظاهر هذا التعطل هو انفجار الأسرة آخر الوحدات الاجتماعية في الأمة، وانصراف كل عضو فيها لشئونه الخاصة دون سواه. وبروز مرض "الإنسان السرطاني" الذي يتضخم على حساب الأفراد المحيطين به، ويتعامل معهم بالكيد والتآمر للاستئثار بالمكاسب، والمنافع وفرص العمل تماما كما تتضخم الخلايا السرطانية وتدمر بعضها بعضا. وبلوغ الأمة هذه الحالة يحولها إلى أكوام من الخردة البشرية، ومعنى هذه الحالة الدخول في المرحلة الثالثة: مرحلة الوفاة!!
وأخيرا لا بد من الانتباه إلى الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى، إن سلسلة الانحسارات المتوالية التي تمر بها الأمة لا تتم بدرجة متفاوتة عند أفراد الأمة وجماعاتها، فقد يكون أناس على دائرة الولاء للأفكار في الوقت الذي يكون آخرون على دائرة الولاء للقوم، وتناثر الأكثرية على دوائر الولاء للقبيلة، والعائلة، والطائفة، والفردية. وفي هذه الحالة يعاني الذين يعيشون على الدوائر الواسعة من "الاغتراب" الفكري والاجتماعي، ولا يكون لهم أثر في الأحداث أو إيقاف السرطانات الاجتماعية التي تؤدي بالأمة إلى الوفاة!!
والملاحظة الثانية، ليس حتميا أن تتولى الانحسارات حتى تنتهي بالأمة إلى الوفاة، فقد تقوم حركات مراجعة و"توبة" إصلاحية ترد للأمة قسطًا من العافية أو تمنع زيادة الانحسار لمدة، أو تنقلها من المرض إلى الصحة.
والملاحظة الثالثة، يمكن المحافظة على عافية الأمة، وصحتها إذا كان هناك رقابة "وتوبة" دورية، وترميم لظواهر الاختلال أو مقدمات المرض.
والقيام بهذه المهمة يحتاج إلى مؤسسات متخصصة تضم عددا كافيا من الخبراء المختصين يتناسب عددهم مع عدد الأمة.
ولعله من الموضوعية أن نقول أن الأمم الغربية المعاصرة قد انتبهت إلى الملاحظة الثالثة، وأقامت المؤسسات المتخصصة التي تفحص نشاطات الأمة بمختلف الوسائل العلمية، كالبيانات الاستطلاعية، والدراسات الإحصائية والاستفتاءات، والتنقيب في ثمار الخطط وتقويم المشروعات، وفي جميع هذه الوسائل توفر لها حرية النقد والتعبير والتشخيص؛ لأنه بدون هذه الحرية لا يمكن أن يكون هناك تقويم وتصحيح.