الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: دور الأهداف في العملية التربوية:
التربية عملية هادفة مقصودة لا بد من تحديد أهدافها وإلا سارت بغير وعي ولا إرشاد. وتنقسم الأهداف التربوية إلى قسمين رئيسين: "الأهداف الأغراض" أي تشتمل على الأغراض والمقاصد النهائية التي يراد من التربية إنجازها، وتحقيقها على المستويات الفردية والاجتماعية والعالمية. و"الأهداف الوسائل" أي التي تشتمل على الوسائل، والأدوات الفعالة لتحقيق -الأهداف الأغراض.
ولا غنى لأي من القسمين عن الآخر. فـ"الأهداف الأغراض" دون وسائل نوع من الأمنيات البعيدة المنال، والتطلعات المعوقة للإنجاز. و"الأهداف الوسائل" دون أغراض تنقصها الدوافع المحركة والغايات الموجهة. فمثلا تعليم درس من التاريخ هو هدف من -الأهداف الوسائل- التي توصل إلى هدف نهائي من -الأهداف الأغراض- وهو الكشف عن قوانين الله في الاجتماع البشري.
والاتفاق في التربية الحديثة قائم حول -الأهداف الوسائل- ولكنه غير قائم حول -الأهداف الأغراض. إذ هناك من ينكر -الأهداف الأغراض- ويعتبر الحديث عنها معوقًا لعمليات النمو والتقدم ومعطلا للكشف والابتكار، بينما هناك من يصر على بلورة -الأهداف الأغراض- لأن التقدم ليس هو الخير الوحيد، وإنما هو وسيلة لهدف نهائي يتلوه وهو السعادة أو الرضا. ولكن هؤلاء
أيضًا لا يلبثون أن يختلفوا حول محتوى السعادة والرضا وحول مكونات أي منهما والحياة التي تعكسها ثم يبدأون الدوران في حلقة مفرغة من الجدال والاختلافات الفلسفية، حتى إذا تعبوا من الجدال
والدوران اصطلحوا على وصف -الأهداف الأغراض- بأنها أهداف نسبية متغيرة1.
وهذه مشكلة لا توجد في التربية الإسلامية. فالأهداف في التربية الإسلامية هي أيضا حلقات في سلسلة متدرجة من الأهداف الوسائل، والأهداف الغايات. ولكنه تدرج متناسق كل هدف يفضي إلى الهدف الذي يليه، ويرتبط به روحا ومنطقا حتى ينتهي التدرج بـ"الأهداف الأغراض". ولتوضيح هذا نأخذ عنية من الأهداف المتولدة من -علاقة التسخير: أي علاقة الإنسان بالكون التي استعرضناها في فلسفة التربية الإسلامية في الكتاب الأول من هذه السلسلة.
هناك بعض الآيات التي تضمنت نماذج من هذه الأهداف منها:
- {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الجاثية: 12] .
فنحن هنا أمام سلسلة متدرجة متناسقة من أهداف التسخير، وكل حلقة في هذه السلسلة هي وسيلة إلى ما بعدها، حتى تبلغ الحلقة الأخيرة التي تشكل الغاية والمقصد النهائي. فـ"جريان الفلك" هدف لـ"تسخير البحر". وهذا التسخير هو وسيلة لتحقيق هدف يليه هو "الابتغاء من فضل الله"، وهذا الهدف الثاني وسيلة لتحقيق الهدف النهائي وهو "شكر الناس لله".
1 فيليب فينكس، فلسفة التربية، ترجمة الدكتور محمد لبيب النجيحي "القاهرة: دار النهضة العربية، 1982" ص827-838.
ومثله حلقة الأهداف المتضمنة في الآية الثانية. فـ"أكل اللحم الطري""واستخراج الحلية للبس" هما هدفان لـ "تسخير البحر"، وهما أيضًا وسيلة لتحقيق الهدف النهائي وهو "شكر الله".
وهكذا في جميع الأهداف التي تنبثق من مختلف مكونات -فلسفة التربية الإسلامية. فهي مهما تفرغت وتعددت فإنها تنتهي إلى هدف نهائي واحد هو "شكر الله وعبادته أي محبته وطاعته". وبسبب هذه الوحدة في الهدف التربوي النهائي كان وصف محور العقيدة الإسلامية بالتوحيد.
إن المشكلة القائمة في التربية المعاصرة أنها تقف في أهدافها -مثلًا- عند "جريان الفلك" و"أكل اللحم الطري" و"استخراج الحلية" ولا تتعداها إلى أمثال "شكر الله" و"الإيقان بالله" و"الحمد لله". فهي في حقيقتها وسائل بلا غايات، ولذلك تتعدد المقاصد وتتصادم، وتختلف الآراء والفلسفات وتتناقض.
إن التدرج في الأهداف وانقسامها إلى -الأهداف الأغراض- والأهداف الوسائل- جعل البعض يفرق بينهما في الاسم في ميدان الممارسات التربوية فيطلق على النوع الأول اسم -الأهداف التربوية- بينما يطلق على النوع الثاني اسم -الأهداف التعليمية.
فالأهداف التربوية هي تلك التغييرات التي يراد حصولها في سلوك الإنسان الفرد، وفي ممارسات واتجاهات المجتمع المحلي أو المجتمعات الإنسانية، فهي تصف الصفات العقلية والنفسية والشخصية التي يتمتع بها الفرد المثقف تثقيفًا عاليًا، وهي تصف أيضا الاتجاهات والخصائص الاجتماعية التي يتصف بها المجتمع الراقي المتحضر. وهذه الأهداف هي الثمرات النهائية للعملية التربوية كما قلنا. وأهمية هذه الأهداف أنها تحدد مسارات الأنشطة التربوية وتحدد الوسائل والأدوات اللازمة للتنفيذ والتقويم. وهي تشتق مباشرة من -فلسفة التربية- وتنبثق عنها انبثاق الثمرة من البذرة كما ذكر في الكتاب الأول من هذه السلسلة.
وهذه الأهداف سابقة على المنهاج التعليمي، وهي توجهه وتحدد بنيته وطبيعته وطرائق ووسائل تنفيذه.
أما -الأهداف التعليمية- فهي نتائج موقف تعليمي معين، أي هي المهارات المحددة التي يراد تنميتها من خلال تعليم خبرة دراسة معينة أو محتوى معين من المنهاج. ولذلك تميز الدراسات الغربية بين النوعين من الأهداف فتطلق على الأهداف التربوية اسم Educational Aims وبعضهم يطلق عليها Educational Goals، بينما يطلق على الأهداف التعليمية اسم Learning Objective أو Teaching Objective.
والأهداف التربوية توجه الأهداف التعليمية، وتمنحها الشرعية اللازمة بينما تعمل الأهداف التعليمية على تجسيد الغايات التي تتضمنها الأهداف التربوية في ممارسات عملية1. وفي الشكل التالي -رقم1- تصوير لهذه العلاقة المتبادلة بين النوعين من الأهداف:
1 لعل هذا التمييز بين الأهداف التربوية والأهداف التعليمية أم ضروري لسببين:
الأول، إن عدم التناسق بين النوعين هو أحد مظاهر الأزمة القائمة في التربية الحديثة. ولذلك حين يضجر البعض أمام تعقيد هذه المشكلة، فإنه يدعو بانفعال إلى طرح الأهداف التربوية بعيدا والاكتفاء بالأهداف التعليمية تحت عنوان -الأهداف السلوكية المحددة.
والسبب الثاني، هو أن العلاقة والتمييز بين النوعين من الأهداف غير واضحين عند الكثيرين من الباحثين والمختصين في ميدان التربية خاصة، وإنه ليس هناك -في اللغة العربية- تمييز واضح بينهم في الاسم كما هو الشأن في اللغة الإنجليزية.
ويجب أن نلاحظ أن -شبكة العلاقات التربوية- المشار إليها في "الشكل 3" تتفاعل مع إطار أوسع، ويؤثر في العملية التربوية بشكل أكبر. ويتألف هذا الإطار من المؤسسة التربوية، والبيئة الصفية "الممارسات الجماعية"، ومدخلات المدرسة "الهيئة العاملة بها"، ومدخلات المجتمع "أي الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للطلاب"، وميزانية التعليم، وبرامجه، وطول السنة الدراسية، والتنظيم المدرسي، وحجم المدرسة، والبناء المدرسي، ومتطلبات الدوام، وطريقة اتخاذ القرارات، وخصائص الأساتذة والطلبة، وطريقة التفاعل بينهما.
كل هذه العوامل التي يتألف منها الإطار الأوسع الذي أشرنا إليه يمكن أن تخدم كأمور مساعدة لتحقيق الأهداف التربوية، أو إعاقة تحقيقها1.
خصائص الأهداف التربوية:
يجب أن تتصف الأهداف التربوية ببعض الخصائص الجوهرية، وهي:
1-
أن تكون الأهداف التربوية متفقة مع الطبيعة الإنسانية مراعية لحاجاتها قابلة لإطلاق قدراتها الإبداعية.
2-
أن تحدد أهداف التربية العلاقة بين الفرد والمجتمع ثم بينه وبين التراث الاجتماعي من عقائد، وقيم وعادات وتقاليد ومشكلات.
3-
أن تلبي هذه الأهداف حاجات المجتمع الحاضرة وتعالج مشكلاته.
4-
أن تكون مرنة قابلة للتغير حسب ما يتطلبه التطور الجاري والمعارف المتجددة.
5-
أن ترشد الأهداف العاملين في التربية إلى ما يجب أن يعملوه، وأن
1 The ASCD Committee on Research and A Theory. Measuring and Attaining the Goals of Education. 1980. PP. 4-9 ASCD - The Association for Supervision and Curriculum Development in the U.S.A.
تساعدهم على تحديد الطرق اللازمة في التربية والتعليم، والأدوات اللازمة لقياس نتائج العملية التربوية وتقويمها.
6-
أن توضع هذه الأهداف نوع المعارف والمهارات، والمواقف، والاتجاهات والعادات التي يراد تنميتها في شخصية المتعلم1.
7-
أن تكون هذه الأهداف شاملة متكاملة في ضوء العلاقات، التي تحدد نشأة الإنسان ومصيره وعلاقاتها بالكون، والإنسان والحياة من حوله.
1 Rodman B.Web، Schooling and Society، "New york: Macmillan Publishing co.، Inc، 1981" PP. 112-113.