الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل العاشر: إحكام تنمية القدرة التسخيرية
أولا: معنى القدرة التسخيرية
القدرة التسخيرية هي المركب الثاني لـ"العمل الصالح" الذي هو صفة الفرد الذي تستهدف التربية الإسلامية إخراجه. وهي تعني القدرة على اكتشاف قوانين الخلق في الكون، والنفس واستثمارها في تطبيقات نافعة لبقاء النوع البشري ورقيه. وهذه القدرة هي ثمرة: تفاعل القدرات العقلية مع الخبرات الكونية، والنفسية اللتين استعرضناهما فيما مضى.
والقدرة التسخيرية التي توجه إليها مصادر التربية الإسلامية -خاصة القرآن الكريم- نوعان: قدرة تسخيرية في ميادين الكون، وهي القدرة على اكتشاف قوانين عناصر الكون، ثم تحويل هذه القوانين إلى تطبيقات وممارسات صائبة. وقدرة تسخيرية في ميدان النفس، وهي القدرة على اكتشاف قوانين السلوك الإنساني، وتفاعلاته في حياة الفرد أو ممارسات الجماعة، عبر الرحلة البشرية على الأرض، ثم الاستفادة من هذه القوانين في تعبئة طاقات الأفراد والجماعات لتحسين حياة الإنسان، والرقي بالنوع البشري وتأمين سلامته، حسب المنطلقات والمبادئ التي تتفق مع قوانين الخلق، وتوجيهات الوحي.
والقرآن يطلق على هذه القوانين اسم -السنن- ويحث الإنسان إلى البحث عنها، واكتشافها والتفكر بعملها، وتتبع آثارها في الوجود الكبير كله. ولقد استطاع الإنسان -حتى الوقت الحاضر- أن يقطع أشواطًا كبيرة في
تحقيق القدرة التسخيرية في ميادين الأشياء الكونية. إذ بواسطة هذا الإنجاز كشف الكثير من قوانين الكون، وطور التكنولوجيا وسخر الكثير من مخلوقات الأرض، وكنوزها وخاض عباب المحيطات، وجاب الفضاء، ونزل على سطح القمر، وتقدم في فهم الصحة والمرض وغير ذلك.
كذلك استطاع الإنسان الوقوف على جانب غير قليل من قوانين النفس والسلوك، فاستطاع من خلال ذلك تسخير إمكانات النفس البشرية، وطاقاتها للتأثير في الأداء الإداري، والتنظيمي والعسكري، وتوجيه الرأي العام والتأثير في المعتقدات والاتجاهات.
ويشير القرآن الكريم إلى أن القدرات التسخيرية في ميدان النفس، والاجتماع، سوف تتطور وتتقدم حتى تستخرج قدرات الإنسان الأخلاقية، والإيمانية، ثم تنيمها وتمكنها من توجيه السلوك البشري، والمنجزات والممارسات بالشكل الذي يبرز علم الله في الإنسان إلى عالم الواقع، فلا يعود يسفك الدماء، أو يفسد في الأرض. وفي التاريخ شواهد محسوسة على أن الرسل، والأنبياء الذين أحكموا القدرات الأخلاقية في ميدان النفس، استطاعوا الارتقاء بنماذج من البشر إلى الدرجة التي يتطلع إليها الإنسان في الكمال والمثالية. والتوسع في ذلك يحتاج إلى مزيد من القدرات التسخيرية في ميدان النفس، والاجتماع، ويحتاج إلى تطوير مفاهيم جديدة للعلم والتربية، وهو الأمر الذي توجه إليه أصول التربية الإسلامية.
لقد استطاع الإنسان من خلال اكتشاف قوانين المحسوس، وتسخير هذه القوانين أن يعرف كيف يتعامل مع مكونات هذا الكون، وتسخيرها لتحسين حياته والارتقاء بوجوده المادي، والتغلب على كثير من الأخطاء والمصاعب التي تواجهه. فالإنسان حين سخر قوانين الهواء والفضاء -كالجاذبية مثلا- صار يعرف كيف يصنع المركبات، ويجوب الفضاء ويدور حول الأرض في ساعات. ولكنه إلى جانب ذلك صار يعرف بالبداهة أن القفز من مراكب