الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم يضيف:
"كذلك العلاقة بين التلميذ والمعلم، حيث يوحي المعلم بأنه يعلم كل شيء، ويأخذ الأطفال الصغار هذا إلى أن يكشفوا جهل المعلم في بعض الأمور. إلا أن هذا الكشف لا يأتي بشكل إيجابي لا من المعلم ولا من التلميذ. وإنما بشكل سلبي من كليهما. فالمعلم لا يقابل ما يجهل بسوية، بل كثيرًا ما يكون بمواربة وخداع
…
والتلميذ المسكين يتقمص هذا الموقف الذي ينتج سوء العلاقة المشبعة بالاحتكار"1.
1 جودت سعيد، العمل، ص183.
خامسًا: الخبرات في التربية الحديثة المعاصرة
من الموضوعية أن نقول أن التربية الغربية المعاصرة هي تربية غنية بالخبرات الكونية، والاجتماعية، وإن القائمين على هذه التربية يعون إلى درجة عالية أثر الخبرة المربية في تكوين شخصية المتعلم، كما يعون أثر عوامل التطور في الخبرة المشار إليها. ولذلك يراعون مبدأ الاستمرارية تمام المراعاة. وليس أدل على ذلك من الجهود التي تدور حاليا لتطوير نظم التربية استعدادا لإيجاد مواطن القرن الواحد والعشرين، الذي سيكون مواطنا عالميا يعيش في "قرية الكرة الأرضية".
والإنسان الغربي -بشكل عام- يبدأ منذ الطفولة في التدريب على التفاعل مع الكون المحيط، وعلى تحليل الخبرات الكونية والاجتماعية وتطويرها. كذلك يتم التركيز على الخبرة، وإعطاؤها حقها في المناهج التعليمية بما يتناسب والدور الذي تعلبه في حياة الفرد، ونمو قدراته ومهاراته. ويكفي أن نشير إلى ما أعطاه مرب واحد هو -جون ديوي- من عناية للخبرة في مجال البحث النظري والتطبيق العملي.
والغربي ما زال منذ أيام النهضة الأولى يعطي الخبرة ما تستحقه من
الجهد والتكاليف التي تتمثل في الرحلات والاكتشافات الجغرافية في البر والبحر ثم أخيرا في الرحلات والاكتشافات الفضائية، ومثلها الخبرات الاجتماعية وما يصاحبها من بحث في الثقافات المختلفة، والآثار العمرانية والمخطوطات والمواد الأثرية المختلفة.
والمدرسة الغربية -ابتداء من المرحلة الابتدائية، ورياض الأطفال حتى الدراسات الجامعية- ما زالت تعطي الخبرة المربية أهمية خاصة في برامجها وأنشطتها، وتوفر لها شروطها وبيئتها التي تساعد على نضوجها.
ولكن مشكلة التربية الغربية تقع في ميدانين: الأول، في العنصر الثاني من الخبرة -أي عنصر الأثر- حيث يقتصر على المستوى الأول: مستوى الأثر المادي الذي يسهم في تقدم -الحضارة المادية، أو وسائل الحياة وأدواتها، ومعارفها، ولا يرتقي إلى المستوى الثاني: مستوى "اليقين" المفضي إلى شكر الله وعبادته. والسبب هو افتقار الخبرة في التربية الحديثة إلى "الذكر" الإلهي الصحيح الذي يرشد المسيرة التربوية إلى مقاصد الحياة وغاياتها. ويتجسد هذا النقص في الأزمة الروحية التي يعاني منها الإنسان الغربي بشكل عام، وفي شبكة العلاقات الاجتماعية التي تنظم علاقات الإنسان بالإنسان داخل المجتمعات الغربية وخارجها. صحيح إن دراسات مقارنة الأديان قد أخذت تتطور هناك بشكل يرقى عن مثيلاتها في الأقطار الأخرى، ولكن المشكلة في هذه الدراسات تتمثل في أمرين: الأول، في أشخاص القائمين عليها وفي الباحثين الذين ينتمون في الغالب للكنيسة والمؤسسات، والكليات المسيحية واليهودية. وهؤلاء يحملون وجهة نظر مسبقة عن غير ديانتهم -خاصة الإسلام- ويتصفون بالتحزب المسبق، لذلك تقوم مناهجهم في البحث على انتقاء حسنات ما عندهم والتركيز على سلبيات ما عند غيرهم، الأمر الذي يحول دون البحث الموضوعي، والرؤيا الصحيحة ويجعل الخبرات المتكونة خبرات غير مربية، ولا نافعة.
صحيح أن هناك نفر قليل حاول التزام العدل والموضوعية، ولكنه
يظل نفرًا نادرًا لا يسمح له أن ينتشر ويشيع. هناك بحث موضوعي ظهر في دائرة المعارف البريطانية Encyclopedea Britanica طبعة عام 1910/ 1911 تحت عنوان -الكتاب المقدس The Bible. ولقد كان كاتبه عميقًا في بحثه واضح الأدلة في تنقيبه، ومقارناته التاريخية بحيث انتهى إلى نتائج تفيد الإنسان الغربي في مراجعة معتقداته وقيمه بشكل جذري. ولكن البحث حذف من الطبعات التي تلت حتى الوقت الحاضر.
والمشكلة الثانية في الدراسات الغربية المقارنة هي أن منهج البحث الذي يتناول الموضوعات الدينية، لا يعالجها باعتبارها خبرات رفيعة مهمتها الإسهام في رقي الإنسان، وتصويب مسيرته عبر الحياة نحو المصير، وإنما باعتبارها معرفة من أجل القوة والسيطرة. فالدراسات الإسلامية -مثلًا- تعالج على أساس أنها دراسات استراتيجية رافدة للسياسات الخارجية من أجل السيطرة، والهيمنة على "مزق" الأمة الإسلامية المعاصرة.
ومن هنا تأتي الأهمية القصوى لاقتراح -أبراهام ماسلو- وهو نقل الدراسات الدينية إلى ميدان العلم بدل بقائها حبيسة في دوائر الكهانة، ليتعيش بها الكهان أو في دوائر السياسة ليستغلها الساسة. وهذا الدور يحتاج إلى مفكر من نوع جديد: نوع يرقى إلى المستوى العالمي في تفكيره وانتمائه. وطرحه للموضوعات والخبرات الدينية دون حساسية سلبية مما تركته خبرات قرون النهضة أيام الصراع، الذي دار بين ممثلي الفهم الديني الخاطئ، وبين ممثلي العلم المنشق عن الدين، ودون حساسية مما تركته خبرات الحروب الصليبية التي ما زالت تلون النظر الغربي في كل بحث في أصول الإسلام، ومصادره.