الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطور الثالث: طور الولاء للأسرة
تنتقل الأمة إلى هذا الطور حين يُصاب "المثل الأعلى" الذي يوجه حياة الأمة، وعلاقاتها بمزيد من الانحسار وتصبح حقيقته هي:
- دوران "الأفكار والأشياء" في فلك "أشخاص الأسرة":
واتصاف المثل الأعلى بهذه الصفة يؤدي إلى انحسار محور الولاء من دائرة القبيلة، أو الطائفة إلى دائرة الأسرة مما يهيئ أيضا لانحسار عناصر: الإيمان، والهجرة، والجهاد والرسالة، والإيواء، والنصرة إلى دائرة الأسرة لتستمد مضامينها منها وتتفاعل عليها. وتكون المحصلة النهائية هي تغير محتوياتها عناصر الأمة لتصبح معادلتها كالتالي:
الأمة = الولاء الأسري "إيمان + هجرة + جهاد ورسالة + إيواء + نصرة".
و= أفراد يؤمنون بالعصبية الأسرية + هجرة أسرية + كد أسري + إيواء أسري + حمية أسرية.
ويمكن أن نمثل للتركيب الجديد بالشكل التالي رقم "6":
ففي الشكل رقم "6" ينحسر -محور الولاء- من دائرة "أشخاص القبيلة" أو الطائفة أو الإقليم أو الحزب إلى دائرة الولاء لـ"أشخاص الأسرة"، ويصبح الطابع العام لـ"المثل الأعلى" الذي يوجه الحياة العامة هو:
- دوران "الأفكار وأشياء" في فلك "أشخاص الأسرة":
أما دائرة القبيلة أو الطائفة، أو الحزب أو الإقليم فتتحول إلى صلة "نفاق" ومجاملات لا صلة ولاء، أي تنضم إلى مخزون أرصدة "الأفكار والقوم" لـ"تنفق" مثلهما عند الحاجة من أجل -محور الولاء للأسرة- بينما تتحول دائرتها -أي دائرة العشيرة ونظائرها- إلى منطقة جفاف اجتماعي لا يعود الذين يبقون على الولاء لها إلا بالخبرات السلبية، والإحباطات ومشاعر الخيبة والعدمية.
وفي هذا الطور تتفاعل مضاعفات مرض الأمة، وتؤدي إلى مزيد من المضاعفات المرضية في مستوى التفاعل مع الخبرات الاجتماعية والكونية، وفي القدرات العقلية، وفي مستوى التفاعل مع أفكار الرسالة. وتتمثل الملامح الرئيسية للمضاعفات المذكورة فيما يلي:
أ- ازداد هبوط مستوى التفاعل مع -الخبرات الاجتماعية والكونية:
يستمر انحسار مستوى التفاعل مع الخبرات الاجتماعية، والكونية في هذا الطور لانحسار مستوى المثل الأعلى في الأمة. ويكون التجسيد العملي لهذا الانحسار في ميدان التربية، والعلم حيث تتغير فلسفة التربية الواقعية لـ"يقرأ" -إنسان التربية- "باسم أسرته" أي لتأمين متطلبات حياتها المادية، والاجتماعية ويكون من نتائج هذا ما يلي:
1-
مزيد من ضعف دوافع العلم والتربية يؤدي إلى الشكلية العلمية، والاشتغال بقضايا سطحية دنيوية. وإلى هذا المعنى يتوجه قوله تعالى:
{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7] .
وإليه يتوجه الحديث النبوي القائل:
"يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج". قيل: يا رسول الله وما الهرج؟
فقال هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل"1.
وحين سئل صلى الله عليه وسلم عن كيفية قبض العلم قال:
"إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"2.
فالجهل المشار إليه في الحديث يشير إلى انحراف التربية عن الاشتغال بمقاصد الحياة العليا، وارتدادها لتقتصر على الاشتغال بالمهارات الموصلة إلى شهوات "الأشخاص" في "الأشياء" الآنية، الأمر الذي لا يحقق أمنا في الحياة، ولا رقيا في العلاقات، وإنما فتن وخصومات وحروب حتى لا يكون إلا القتل!! والقتل!! والقتل!!
2-
تأخذ الأمية في الانتشار -أمية القراءة وأمية التفكير، ويصبح العلم مجرد "ديكور"، وزينة شخصية وأسرية هدفه الحصول على الشهادات والألقاب العلمية دون أن يصاحبه نشاط علمي أو بحث معرفي، وتهبط ثقافة الجماهير لتصبح ثقافة متع وغرائز، وتهبط الفنون لتصير فنون شهوات، وقبحا لا أذواق وجمال.
ب- ازدياد هبوط مستوى التفاعل مع الرسالة "شبكة العلاقات الاجتماعية":
في هذا الطور يتعمق الخلل في مستوى التفاعل مع الرسالة تبعا لتفاقم الخلل في "المثل الأعلى" للأمة. وتظهر مضاعفات هذا الخلل في محتويات عناصر الأمة التي تصبح كما يلي:
1 البخاري، الصحيح، جـ1، باب العلم، ص31.
2 البخاري، الصحيح، جـ1، باب العلم، ص36.
مسلم، الصحيح، جـ6، "شرح النووي"، ص223.
يصبح "الإيمان" بالرباط الأسري هو المحدد الحقيقي لـ"جنسيات" الأفراد و"ثقافاتهم".
ويصبح "المهجر" الفعلي للأسرة هو المكان الذي تجد فيه استقرارها، وعملها وعيشها.
ويصبح الكد لتأمين حاجات الأسرة هو المظهر الذي تتلخص فيه مفاهيم "الجهاد والرسالة" وتطبيقاتهما في الحياة.
ويصبح مفهوم "الإيواء" هو توفير الإقامة والسكن لأفراد الأسرة.
ويتحدد مفهوم "النصرة" في المنافحة عن شئون الأسرة ومصالحها.
وتغير محتويات عناصر الأمة بهذا المفهوم يؤدي إلى تغير مماثل في الفضائل، والقيم والأخلاق التي توجه شبكة العلاقات الاجتماعية فتصبح كما يلي:
1-
في بيئة الدروان في فلك "أشخاص الأسرة" يتبدل سلم القيم في المجتمع ليصبح محوره "المصلحة الأسرية فوق الصالح العام في الأمة"، الأمر الذي يقطع التواصل، ويشيع التدابر وينحسر الإحساس بالمسئولية إلى داخل الأسرة دون سواها. أما خارج الأسرة فإن المسئولية تنعدم، وترخص القيم لتصبح مثل مناديل الورق التي يحمل الإنسان لفترة محدودة يمسح بها بصاقه، وأوساخه ثم يلقي بها في براميل النفايات.
2-
في الداخل تضطرب الإدارة ويختل النظام، ويشيع التحلل من المسئوليات العامة، وتظهر محاباة العصبيات المختلفة، وينتشر الظلم وينحسر العدل، وتظهر الجريمة وفساد الأخلاق، فلا يعود الناس يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر.
أما في الخارج فإن الناس يتثاقلون أمام الأخطار الخارجية ولا يعدون لدفعها، ويصبح الدائرون في فلك "العصبية الأسرية" أدوات للقوى الأجنبية الطامعة، وبوابات للتجسس على الأمة واختراقها. ذلك إن الذي يدور في