الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا: مستويات القدرة التسخيرية
تتفاوت مستويات القدرة التسخيرية عند الأفراد. وطبقا لتفاوت هذه المستويات يجري تصنيف المتعلمين إلى: أولي ألباب محسنين، ومؤمنين متبعين، ومسلمين مقلدين. وتتكامل هذه المستويات طبقات لعلاقة المسئولية، والدرجية التي تم استعراضها في الكتاب الأول من هذه السلسلة -كتاب فلسفة التربية الإسلامية. أما عن تفاصيل مستويات القدرة التسخيرية، فهي كما يلي:
المستوى الأول، وهو القدرة على التفاعل العلمي مع الكون المحيط كله، بحيث يصبح عقل الفرد دائر التفكر في خلق السماوات والأرض، وما فيهما من كائنات دون أن يتوقف عن التساؤل: كيف؟ ولماذا؟ لحظة واحدة. وأصحاب هذه القدرة يديمون النظر، والبحث عن الإجابات الصحيحة للتساؤلات المتكررة في أذهانهم، وهم دائموا الاكتشاف لقوانين الموجودات وقوانين الاجتماع، والنفس ثم يبلورون هذه القوانين، ويثرون بها المعرفة وتطبيقاتها.
والمستوى الثاني، هو القدرة على فهم القوانين والسنن المكتشفة من قبل أصحاب المستوى الأول ثم تحويلها إلى تطبيقات عملية تساهم في سعادة الإنسان، وتنظيم حياته ورقيها.
وأما المستوى الثالث، فهو القدرة على فهم التطبيقات العلمية، وكيفية عملها وتركيبها ثم استعمالها والإفادة منها.
رابعا: أهمية تنمية القدرات التسخيرية
…
رابعا: أهمية تنمية القدرات التسخرية
لم يعد باستطاعة الإنسان العيش في طور التكنولوجيا العلمية إلا إذا احتل -على الأقل- المستوى الثالث من مستويات القدرة التسخيرية التي مر ذكرها. إذ لم تعد قيمة للقدرات العضلية، والطاقات الجسدية إذا لم تتوثق معرفة الفرد بالقدرات التسخيرية، والتفكير العلمي.
وتضيف التربية الإسلامية عاملا آخر لأهمية تنمية القدرات التسخيرية، وإخراج
الإنسان العلمي والمجتمع العلمي والبشرية العلمية. وهذه الأهمية هدفها أن يصبح العلم زادا شعبيا يتزود به العامة، والخاصة لبلوغ درجة اليقين الإيماني. فالعلم والتفكير العلمي هما دعامتا الإيمان وبرهانه الساطع. وحين يشيع العلم وينتشر تتكشف المعجزات الإيمانية في الآفاق، والأنفس كما وعد الله تعالى:
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53] .
بل إن الإشارة واضحة إلى أن المقصود بالعلماء، الذين يخشون الله هم العلماء المختصون بالعلوم الطبيعية كعلم النبات والجيولوجيا والطب، وعلم الإحياء والسلالات والعلوم الاجتماعية، الذين يديمون البحث والنظر في عناصر الكون وظواهر الاجتماع وحركة التاريخ. فالآية التي أثبتت صفة الخشية للعلماء جاءت بعد تقديم لمظاهر الكون، وعناصر الوجود الحي القائم:
فالرسالة الإسلامية جاءت لتطور معجزات الرسالات بما يناسب الطور الجديد الذي دخلته البشرية. فلم تعد معجزة الرسالة الإلهية ناقة تولد من صخرة، أو عصا تنقلب إلى حية تسعى، أو أكمه تبرئه مسحة يد، وما يشبه ذلك من المعجزات الصغيرة المفردة، المحدودة بحياة الرسول الذي يجيء بها، المحسوسة التي توافق الطفولة والمراهقة الفكرية للإنسانية، وإنما صارت المعجزة رسوخا في العلم بنشأة عوالم الكون، والحياة وتكوينها وتطورها، وصار حجمها يملأ الكون القائم، وتخطت حدود الزمان
والمكان، وتجاوزت مرحلة الطفولة والمراهقة الفكرية إلى النضج الفكري الذي وقف الإنسان على أعتابه، وصارت تبرز من خلال العقل البشري دون أن تنحصر في نبي أو رسول. إن آيات الآفاق والأنفس هي هذه المعجزة المستمرة التي لا تتوقف لحظة واحدة، عن لفت العقول والأبصار، والأسماع إلى العلاقة المتبادلة المستمرة، وإلى التطابق الكامل بين آيات الكتاب التي جاء بها الوحي، وآيات الآفاق، والأنفس التي يكتشفها العلم في كل يوم. والقرآن لا تخلو صفحة من صفحاته من الحث على تتبع مظاهر هذه المعجزة العلمية في السموات، وفي الأرض، وفي النفس الإنسانية، وفي مفردات الخلق كلها.
والقرآن لا يوجه العقل إلى تأمل غيب لا يقع تحت أسماعنا، وأبصارنا وعقولنا، ولكن الغيب الذي يوجه الإسلام إليه هو كائن موجود لم يأتنا تأويله بعد، وحين يأتي تأويله -أي بروزه إلى عالم الحس- فسوف نراه ونعايشه، وما الكهرباء والجاذبية، والطاقة الذرية والطاقة الهيدروجينية وتطبيقات البث التلفزيوني والاتصالات عبر القارات، والتلكس والكمبيوتر، وأمثالها إلا محسوسات كانت في عالم الغيب، وسوف يتوالى انتقال المغيبات إلى عالم الحس حتى يرى الإنسان كل ما وعد به الرسول، وجاءت به الرسالة:
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 53] .
لقد شرعت التربية الإسلامية في عصور الازدهار في تنمية القدرات التسخيرية اللازمة للنظر في آيات الكتاب أولًا، ثم النظر في آيات الآفاق والأنفس ثانيا. وكان من ثمار هذا الشروع أن ارتقى المفكرون إلى المستوى الأعلى من مستوى القدرات العقلية -مستوى تبني المواقف العلمية من الكون المحيط. وبسبب هذه المواقف ارتقوا إلى رتبة الاجتهاد المطلق، وأطلقوا العنان لعقولهم للنظر في آيات الكتاب والسنة، فسبروا أغوارها في ضوء الواقع الذي يعيشونه.
وكان من ثمار إخراج تلك الثروة الفقهية
والعقائدية التي قامت عليها مدارس الأصول والفقه والتربية، وكن من ثماره أيضا تلك التطبيقات الاجتماعية التي ارتقت بالمجتمع الإسلامي إلى تسلم القيادة الحضارية في الأرض كلها.
كذلك ارتقى الناظرون في آيات الآفاق إلى مستوى التفاعل، والحوار المستمر مع الكون المحيط باحثين عن شواهد صدق آيات الكتاب في آيات الكون. وبسبب هذا الموقف العلمي انفتحوا على تراث الحضارات السابقة، وأخضعوه للمراجعة والبحث. وكان من ثمار ذلك تلك الثروة العلمية التي كانت أساسا هاما في أسس النهضة الإنسانية كلها، وكان من ثماره أيضًا تلك التطبيقات التي جعلت العالم الإسلامي آنذاك مصدر التكنولوجيا إلى غيره من الأقطار.
ولكن المسيرة لم تستمر لتصل مداها، فمنذ القرن الرابع الهجري، أخذت مؤسسات التربية الإسلامية تهمل المستوى الأعلى من تنمية القدرات العقلية، واكتفت بتنمية المستوى الأوسط، ونتيجة لذلك جاء جيل من المفكرين انحدر في قدراته العقلية عن مستوى -المواقف العلمية- التي تؤهل للكشف، والابتكار إلى مستوى الوقوف عند فهم القوانين والمبادئ والنظريات دون قدرة على ابتكار جديد مثلها، وهو ما أسموه بـ"الاتباع". فكان من ثمار ذلك تلك التطبيقات الفقهية، والعلمية التي مثلتها مؤلفات المذاهب، والمدارس التربوية المختلفة. ومع النزول إلى هذا المستوى من القدرات التسخيرية بذرت بذور تقديس الآباء وتقليدهم؛ لأن الوقوف عند الأصول، والنظريات التي ابتكرها الآباء هو افتراض الكمال، والاستمرارية في علومهم وقصر الابتكار عليهم.
ثم تلا هذا الجيل جيل ثالث بدأ منذ القرن الثامن الهجري، واستمر حتى مطلع العصور الحديثة، وهو جيل نزل في تفكيره إلى منزلة النظر في مؤلفات المذاهب والمدارس العلمية، والوقوف عندها. أو ما عرف بـ"التقليد" وأهمل جانب النظر في آيات الآفاق والأنفس -أي الجانب العلمي- إهمالًا
كاملا، بل راح يستعدي عليه الحكام ويقلل من شأنه، ويصنفه في قائمة العلم الذي لا ينفع. وكان من ثمار ذلك ظهور الشروح والحواشي والتقارير وتوقف الفقه عن الابتكار، والتطبيق في ميدان العلوم الدينية ثم إغلاق مختبرات البحث، وأكاديميات العلوم وانحسارها إلى مرتبة الاهتمامات الفردية دون النشاطات الاجتماعية.
وهذا المستوى الأخير هو الواقع الذي ورثته المؤسسات التربوية الإسلامية القائمة في العالم الإسلامي المعاصر. وهو واقع ما زال قائمًا تقريبًا وإن أجريت عليه ما سمي -بالإصلاحات التعليمية- فهذه إصلاحات وقفت عند تبديل ألقاب المدرسين، وأسماء الشهادات وأشكال الإدارة والأبنية والأدوات، ولكن جوهر المشكلة ظل قائمًا، وهو أن هذه المؤسسات ما زالت تخرج فردا فاقدا للقدرات التسخيرية الإبداعية -أي عاجزًا عن النظر في آيات الآفاق والأنفس، وعاجزا عن النظر في الكتاب والسنة نظرا اجتهاديا. أي هو عاجز عن إبراز معجزة الرسالة.
وتزداد خطورة المشكلة التي تعانيها هذه المؤسسات حين نرى أن جمهرة العاملين فيها، والخريجين منها لا يتوقفون عن مهاجمة العلم القائم، والحضارة القائمة كوسيلة لنصرة الرسالة، أي أنهم يدافعون عن رسالة الإسلام بمهاجمة معجزة هذه الرسالة، ويرددون ما أفرزه العقل الأوربي حول التناقض التاريخي الذي قام بين العلم والدين في أوربا وامتدادها.
إن العلم لا يكون -أبدًا- ضد الرسالة الإسلامية؛ لأنه معجزتها كما أسلفنا في السطور التي مضت، وينبغي أن لا يميل بنا الهوى لإدانة من يخاصموننا باسم العلم إلى إدانة العلم نفسه. فالعلم لا يكون سببا للضلال، وإنما سبب الضلال هو نقص العلم، وإدراج الظنون في قائمة العلم. ولذلك بدل أن نهاجم العلم يجب أن نسعى إن كشف العلم الناقص، والظن المدرج تحت اسم العلم ونظهرهما على حقيقتهما. والقيام بهذا الواجب يحتاج إلى تخريد علماء راسخين، يحاورون الفكر العالمي بأحسن مما
عنده. ويحتاج كذلك أن نعيد النظر في مفهوم العلم، وتصنيف المتعلمين فلا نسمح بالدخول في حرم العلم، إلا لأولي الألباب من الأذكياء الموهوبين؛ لأنهم وحدهم القادرون على التسخير، وإبراز معجزة الرسالة في ميدان العلم.
كذلك الحضارة لا تكون -أبدًا- ضد الرسالة، وإن من أهداف الرسالة أن تنقل الإنسان من التخلف إلى الحضارة. بل إن الحضارة مقدمة ممهدة لمجيء المثل الأعلى -أي المبدأ الديني- وذلك ما يراه المؤرخ البريطاني توينبي Toynbee حين ذكر أن الحضارة الرومانية بأمنها، وطرق مواصلاتها ورقي مؤسساتها كانت مقدمة سارت عليها الفكرة المسيحية التي حملها المبشرون على الطرق الرومانية الآمنة، حتى جعلوا روما نفسها مركز الكنيسة. فإذا كان العلم معجزة الرسالة في الآفاق، والأنفس فإن الحضارة تقدم وسائل الاتصال والتبليغ الملائمة للوصول إلى المجتمع البشري المعاصر للرسالة.
وإن العلاقة بين القدرات العلمية التي تفرز الحضارة، وبين إرادة المثل الأعلى سببية طردية. فالقدرات العلمية هي التي ترفع درجة إرادة المثل الأعلى عند الإنسان، ثم تعود الإرادة إلى طلب مزيد من القدرة العلمية، ثم تحدث القدرة مزيدا من الإرادة. وهكذا يستمر التأثير المتبادل بين الاثنين، ويكون من ذلك تقدم العلم
الذي هو العامل الرئيسي في تقدم الإرادات والمجتمعات.
وإن التقهقر في الحضارات لا يحدث حين ينتشر العلم، ويتمتع الناس بثماره -كما يشاع بين بعض المؤرخين الذين ينظرون في المضاعفات، ويغفلون عن الأسباب الحقيقية. بل يحدث التقهقر حين تفشل نظم التربية في تنشئة أجيال لا يكون واضحا لديها أمر العلاقة بين القدرات التسخيرية، وبين إرادة المثل الأعلى -أو المبدأ الديني- فيزهدون في العلم ويعبثون بثماره أو يقتصرون على جانب منه، فتبقى الإرادة عزلى عن قدرتها وتبدأ في
الضمور. وهكذا يقل العلم فتقل إرادة المثل الأعلى، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد. ولكن يقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رءوساء جهالًا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا"1.
إن أساس الخطأ الذي يقع فيه بعض مؤرخي الحضارات حين يربطون بين التقدم العلمي وبين تقهقر الحضارات والمجتمعات أمران: الأول، أنهم يخلطون بين العلم والأدب العلمي، وبين الظن وأدب الأهواء والشهوات، والإرادات الهابطة. ومثال ذلك ما يقوم به بعض المؤرخين حين يربطون بين عصر الإمارات الضعيفة في الأندلس، وبين ما يسمونه بازدهار الآداب والثقافة التي لم ترتفع عن مستوى الإرادات الضعيفة، والأهواء والشهوات السائدة، وكأن التعبير عنها أو تشجيع هذا التعبير بأشكاله المختلفة هو ازدهار في حد ذاته. والأمر الثاني، هو الخلط بين العلوم وبين التطبيقات المادية، أو الصناعية للعلوم. فحين يتوقف التقدم العلمي تستمر تطبيقاته المادية زمنا بعده، بل إنها تشيع وتنتشر بسبب الإقبال على حياة الترف والشهوات.
إن ما تحتاجه الرسالة الإسلامية هو قيام مؤسسات تربوية تفرز نماذج جديدة من العلماء، الذين يحسنون إبراز معجزة الرسالة في ميدان العلم، وتكون لهم الكفاءة العلمية، والتفكير العلمي اللذان يؤهلانهم لاعتلاء المنابر الجديدة، التي أفرزها العلم في مسجد "قرية الكرة الأرضية" الطهور الذي خص الله به رسوله2 -منابر التلفزة ومحطات الإرسال الفضائية، والطباعة
1 البخاري، كتاب العلم.
2 إشارة إلى حديث: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا. فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس كافة". البخاري -كتاب التيمم- كتاب الصلاة.
العالمية، ويخاطبون الإنسانية بأحسن مما عندها علما وفكرا وأدبا. تحتاج الرسالة الإسلامية إلى مؤسسات تربوية ومفاهيم، وتطبيقات تربوية جديدة تتعايش مع المفاهيم الجديدة للعلم التي تحكم على الأشياء بنتائجها المحسوسة وثمراتها العلمية. ومفهوم العلم هذا هو المناسب للإسلام، بل نحن نجد أدلة محسوسة لما يعطيه الإيمان للناس المؤمنين من الطمأنينة، والتخفيف من الشقاء، والعذاب الذي يعاني منه من لا يؤمن بالله واليوم الآخر. بل إن العلم بالآخرة صار في قوة العلم التجريبي -كما يقول الأستاذ جودت سعيد- وصار مجاله أوسع، فبدل أن يكون هذا المجال هو غرفة المختبر الذي تستخدم فيه الأنابيب، والقناني تحول إلى مختبر الكون الفسيح، وأحداثه التاريخية والاجتماعية. وهذا ما يلائم المنهج الإسلامي الذي يطلب إلى العالم أن يسير في الأرض، ويتبع التطور الذي يعتري الكائنات والظواهر والأحداث ابتداء من خلقها، وتكوينها حتى واقعها، واحتمالات تطورها الأخرى:
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} [العنكبوت: 20] .
فالذي تهدف إليه التربية الإسلامية -إذن- هو أن يقدم الإيمان إلى الناس بالصورة التي يقدم بها علم الجغرافيا، أو الفلك أو الكيمياء أو الفيزياء، وبذلك يصير الإيمان علما. {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] .
ولكن التعليم الذي تقدمه المؤسسات التربوية في العالم الإسلامي لا يبث في الفرد اكتساب ملكة البحث، وكشف القوانين. وهي لا توحي للدارس أن العلم قابل للزيادة، ولا تحثه على طلب المزيد منه. بل إنها توحي أنها ورثت العلم كاملا فلا يمكن المزيد عليه، وأن البحث انتهى مع "الآباء" الذين لم يتركوا شيئًا إلا بحثوه وفهموه، وليس على الدارس إلا أن يتملق علمهم ويتغنى بإطرائهم. وبذلك تعكس هذه المؤسسات معنى قوله تعالى:
{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] .
وتعكس معنى قوله: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] .
وقوله أيضا: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: 27] .