الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمواعظ وكثرت المساجد وشعائر العبادة؛ لأن السلوك هو محصلة التفاعل بين الفرد والبيئة في لحظة معينة. لذلك لا يولد العمل الصالح من صلاح الفرد وحده، وإنما من صلاح الفرد والبيئة سواء. يضاف إلى ذلك أن تكرار السقوط في مزالق المعصية، ومصارعة معزياتها في البيئة الملوثة يشيع الاعتقاد بصعوبة التدين، ويجعل العصاة وضعاف النفوس يصدقون مقولات -شياطين العلم- التي تقرر أن الضوابط الأخلاقية قيود نفسية، تنتهي بأصحابها إلى العقد النفسية، والمشكلات الاجتماعية والأمراض الجسدية.
والدرجة الثانية، ولاية الكافرين والمنافقين والعصاة بعضهم لبعض: وإلى هذه الدرجة هذه الدرجة كانت الإشارة بأمثال قوله تعالى:
{وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الجاثية: 19] .
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] .
فالكافرون والمنافقون والعصاة من الموجهين والقادة يتولون الأتباع بالتوجيه، والتدريب على الممارسة والتطبيق، بينما يتولى الأتباع القادة والموجهين بالاستجابة، والاتباع والإيواء والنصرة. وهم جميعا يتعاونون لإقامة -أمة الكفر- والهيمنة في الأرض لنشر الفتنة والفساد الكبير.
التربية ورباط الولاية:
ينبه القرآن الكريم إلى ضرورة العلم بالنوعين من -الولاية- وقيام التربية بالتمييز بينهما بغية اتقاء التداخل، أو الاختلاط بين الأفكار والتطبيقات والروابط، والولاء مما يضعف -ولاية الأمة المسلمة- ويبطل فاعليتها. وأبرز الظواهر التي تختلط فيها مفاهيم الولاية، والرعاية هي -روابط العصبية والدم والمصالح الاقتصادية، ولذلك أخضعتها التربية الإسلامية لتوجيهاتها، وسمحت بها ما دامت -صلة رحم- تدور في فلك -ولاية الإيمان- وتقتصر وظيفتها على التواصل الاجتماعي بعيدا عن مكاسب السياسة والإدارة. أما إذا انقلبت عصبية جاهلية، واصطدمت بولاية المؤمنين فعند
ذلك لا مكان لها في "أمة المؤمنين". وإلى ذلك يشير أمثال قوله تعالى:
والرسول صلى الله عليه وسلم يخرج من بقي مواليا لروابط العصبية من دائرة الانتماء لـ"الأمة المسلمة"، وأنه ليس من هذه الأمة من دعا إلى عصبية أو قاتل على عصبية أو مات على عصبية1.
وتبدو الحكمة من المفهوم الإسلامي لـ"الولاية" حين ننظر في العلاقة بين فاعلية الولاية وسعة دائرتها. فالأمة التي تمتد حدود -الولاية- فيها إلى الدائرة الإيمانية التي تتسع للإنسانية كلها تتفوق على الأمة التي ينتهي رباط الولاية فيها عند "الدائرة القومية". والأمة التي ينتهي رباط الولاية فيها عند "القوم" تتفوق على الأمة التي ينتهي فيها رباط الولاية عند دوائر "القبيلة". والسبب إنه كلما اتسعت دائرة الولاء تطلبت إلى قدر أكبر من العمل الجماعي، ومحتويات أوسع وأعمق لروابط الإيمان والهجرة والجهاد والرسالة، والإيواء والنصرة، وإلى قدر أكبر من الوسائل وتكنولوجيا التنظيم. وهذا ما يفسر تخلف مجتمعات العالم الثالث، وتفوق مجتمعات أمريكا وأوربا واليابان، ذلك أن ولاء الفرد والجماعات في المجتمعات المتفوقة يمتد حتى دائرة "القوم" بينما ينتهي ولاء الفرد في المجتمعات العالم الثالث -ومنه العالم الإسلامي- عند دائرة "القبيلة" أو "الطائفة"، ولذلك تتحدد جهوده ونشاطاته، واهتماماته بحدود الدوائر القبلية والطائفية، وبما يكفي احتياجاتها المحدودة مما يجعل أهدافه أصغر وطموحاته أدنى، ونشاطاته ووسائله في المعرفة، والعمل والإنتاج أقل.
1 صحيح مسلم، كتاب الإمارة.