الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الأقطار التي ظلت حبيسة العصبيات الإقليمية والتجزئة السياسية -كما هو الحال في الأقطار العربية، والإسلامية ونظائرها في أفريقيا وأمريكا اللاتينية- فقد انتفى منها "الإيواء الإنساني"، واضطر علماؤها وطلابها، وشعوبها إلى الهجرة
طلبًا للخبز والأمان. وانتفى منها "الإيواء الأمني"، فانهزمت أمام التحديات العسكرية التي طرقتها من خارج، واضطرت قياداتها والعناصر المؤهلة فيها إلى الهروب، واللجوء الساسي بسبب نزاعاتها، وفتنها التي نشبت في الداخل، وانتفى "الإيواء الاقتصادي"، فهاجرت الأموال ورحلت الصناعات، والتجارات
والأعمال، وانتفى "الإيواء الوظيفي"، فتمزقت كفاءاتها في الأقطار المتقدمة. وبالتالي انتهت جميع محاولاتها في البناء الحضاري إلى العجز والإعياء، والسقوط قبل أن تصل إلى غاياتها المطلوبة.
أهمية الإيواء:
واستنادًا إلى معاني -الإيواء- ومظاهره التي مرت يتضح دور الإيواء، وأهميته في
الأمة التي يوجهها روح هذا العنصر. وتتجلى هذه الأهمية فيما يلي:
أولًا: الأمة التي يوجه الحياة فيها عنصر -الإيواء- أمة مفتوحة الأبواب للمؤمنين من جميع الأجناس. فليس هناك حواجز مادية، ولا عوائق قانونية مما تفرزه روابط الدم والإقليم. بل تكون جنسية المسلم هي عقيدته. وبها -فقط- تتحدد مكانته الاجتماعية، وتتيسر إقامته ونشاطاته.
ثانيًا: الأمة التي يوجه الحياة فيها عنصر -الإيواء- يتكامل اقتصادها، وتتوحد مواردها. والرسول صلى الله عليه وسلم يجعل هذه الوحدة إحدى العلامات المميزة للأمة المسلمة فيقول:"ليس منا من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم"1. وإذا كانت تطبيقات الحديث قد تركزت في مجتمع المدينة النبوي على علاقات الجوار الفردي والأسري، فإن هذه التطبيقات تتسع -بعد
1 مسند أحمد، جـ1.
انتشار الإسلام وتعدد أقطار الأمة وشعوبها -لتفرض الوحدة الاقتصادية على جميع أقاليم الأمة، وشعوبها بعد أن أثبت واقع التجزئية أنه انتهى بالأقاليم الغنية، والفقيرة إلى الفقر والديون والأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
ثالثا: الأمة التي يوجه علاقاتها -الإيواء- تتمحور قيمها حول -المظهر الاجتماعي- للعبادة. وتتوفر فيها فرص الاستقرار النفسي، والأسري والاجتماعي، وتتوفر فيها الخدمات العامة كالتعليم والعلاج، وفرص العمل وكل ما يحمي الإنسان من الجهل، والفقر والمرض وآثار الشيخوخة والنوازل المختلفة.
رابعا: حين تسود قيم -الإيواء- في الأمة تتمحور قيمها الإدارية حول "الإعداد والتخطيط" بدل "الارتجال والتفريط" وتعد للمستقبل عدته، وبذلك تحفظ مجتمعها من الأزمات وحضارتها من الانحطاط والانهيارات.
خامسًا: حين يشكل -الإيواء- بعض مكونات الأمة، ويغذي مماراساتها لا تسمح بارتفاع الأسعار ارتفاعا ينسف الاستقرار والأمن المعيشي، ويطرد الأفراد في هجرات معاكسة إلى الخارج. فلا سماح أبدًا بزيادة النفقات عن الدخول، ولا مجال للاحتكار، والاستغلال اللذين يهزان أركان الأمة، ويضعفان تماسكها وروابطها.
سادسًا: حين يشكل -الإيواء- بعض مكونات الأمة يجري حشد الطاقات البشرية، والمادية ويحسن استخدامها، ويدب الاجتهاد والنشاط في ميادين العلم، والمعرفة المتعلقان بتطوير الاقتصاد وازدهاره، ويترجمان إلى أعمال، ومشروعات لاستثمار ثروات الأرض الزراعية والحيوانية، والمعدنية والطبيعية في ضوء التوجيهات التي توجه إليها مفاهيم "الإيواء" الواسعة المنتشرة في القرآن والسنة.