الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلْجَائِزَةِ بِاخْتِلَافِ مَبْحَثِهَا الْفِقْهِيِّ.
وَهُنَاكَ مَوَاطِنُ لِلْجَائِزَةِ لَهَا حُكْمٌ خَاصٌّ مِنْهَا: جَائِزَةُ السُّلْطَانِ، وَالْجَائِزَةُ فِي السِّبَاقِ (السَّبَقِ) .
أَوَّلاً: جَائِزَةُ السُّلْطَانِ:
7 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُول جَائِزَةِ السُّلْطَانِ أَوْ هَدِيَّتِهِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبُول هَدِيَّةِ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ، لأَِنَّ الْغَالِبَ فِي مَالِهِمُ الْحُرْمَةُ إِلَاّ إِذَا عَلِمَ أَنَّ أَكْثَرَ الْمَال حَلَالٌ، بِأَنْ كَانَ لِصَاحِبِهِ تِجَارَةٌ، أَوْ زَرْعٌ، فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لأَِنَّ أَمْوَال النَّاسِ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيل حَرَامٍ فَالْمُعْتَبَرُ الْغَالِبُ.
وَأَمَّا جَائِزَةُ السُّلْطَانِ الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ بِالْجَوْرِ فَقَال الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي أَخْذِهَا، فَقَال بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُعْطِيهِ مِنْ حَرَامٍ، قَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: وَبِهِ نَأْخُذُ مَا لَمْ نَعْرِفْ شَيْئًا حَرَامًا بِعَيْنِهِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَصْحَابِهِ.
وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَحْرُمُ الأَْكْل وَلَا الْمُعَامَلَةُ، وَلَا أَخْذُ الصَّدَقَةِ، وَالْهَدِيَّةِ، مِمَّنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ إِلَاّ مَا عُلِمَ حُرْمَتُهُ، وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ (1) .
(1) الفتاوى الهندية 5 / 342، وحاشية قليوبي وعميرة 4 / 262.
وَقَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ فِي جَائِزَةِ السُّلْطَانِ: أَكْرَهُهَا، وَكَانَ يَتَوَرَّعُ عَنْهَا، وَيَمْنَعُ بَنِيهِ وَعَمَّهُ مِنْ أَخْذِهَا، وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ بِمَا أَخَذُوهُ، وَذَلِكَ لأَِنَّ أَمْوَالَهُمْ تَخْتَلِطُ بِمَا يَأْخُذُونَهُ مِنَ الْحَرَامِ مِنَ الظُّلْمِ وَغَيْرِهِ فَيَصِيرُ شُبْهَةً، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: الْحَلَال بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْل الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُل مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ (1) وَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ (2) .
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ تَنَزَّهُوا عَنْ مَال السُّلْطَانِ، مِنْهُمْ: حُذَيْفَةُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَمُعَاذٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ.
وَلَمْ يَرَ أَحْمَدُ ذَلِكَ حَرَامًا، فَإِنَّهُ سُئِل فَقِيل لَهُ: مَال السُّلْطَانِ حَرَامٌ؟ فَقَال: لَا، وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُتَنَزَّهَ عَنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ قَال: لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ
(1) حديث: " الحلال بين والحرام بين. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 26 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 219 - ط الحلبي) .
(2)
حديث: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ". أخرجه الترمذي (4 / 668 - ط الحلبي) ، والحاكم (4 / 99 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث الحسن بن علي، وقال الذهبي:" سنده قوي ".