الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعَلَّلَهُ الْقَرَوِيُّونَ بِأَنَّ قُرَيْشًا أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ قَبْل تَشْرِيعِ الْجِزْيَةِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ عَلَى الشِّرْكِ، فَمَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الشِّرْكِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ (1) .
أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ:
32 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَل الْجِزْيَةُ مِنَ الْمُرْتَدِّ عَنِ الإِْسْلَامِ (2) .
الأَْمَاكِنُ الَّتِي يُقَرُّ الْكَافِرُونَ فِيهَا بِالْجِزْيَةِ
:
33 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ إقْرَارِ أَهْل الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ بِالْجِزْيَةِ فِي أَيِّ مَكَانٍ مِنْ دَارِ الإِْسْلَامِ مَا عَدَا جَزِيرَةَ الْعَرَبِ: وَهِيَ مِنْ أَقْصَى عَدَنِ أَبْيَنَ جَنُوبًا إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ شَمَالاً، وَمِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ سَاحِل الْبَحْرِ غَرْبًا إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ شَرْقًا (3) . كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إقْرَارِهِمْ فِي بِلَادِ الْحِجَازِ وَهِيَ: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمَخَالِيفُهَا (4) .
وَاخْتَلَفُوا فِي إِقْرَارِهِمْ بِالْجِزْيَةِ فِيمَا عَدَا بِلَادِ الْحِجَازِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كَالْيَمَنِ وَغَيْرِهَا.
(1) الكافي 1 / 479، ومواهب الجليل 3 / 381.
(2)
العيني: عمدة القاري 14 / 264، والشوكاني: نيل الأوطار 7 / 219، البهوتي: كشاف القناع 3 / 118، والشيرازي: المهذب مع المجموع 18 / 198.
(3)
فتح القدير 5 / 301.
(4)
تهذيب الأسماء واللغات 3 / 80.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ إِقْرَارِهِمْ بِالْجِزْيَةِ فِيمَا عَدَا بِلَادَ الْحِجَازِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؛ لأَِنَّهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنَ السُّكْنَى فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كُلِّهَا (1) .
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَال: أَوْصَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ، وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ (2) . وَقَال يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَأَلْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَقَال: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ، وَقَال يَعْقُوبُ: وَالْعَرْجُ أَوَّل تِهَامَةَ.
فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ يَدُل عَلَى وُجُوبِ إِخْرَاجِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كُلِّهَا. وَهُوَ عَامٌّ فِي كُل مُشْرِكٍ سَوَاءٌ أَكَانَ وَثَنِيًّا، أَمْ يَهُودِيًّا، أَمْ نَصْرَانِيًّا، أَمْ مَجُوسِيًّا.
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَال: كَانَ مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ
(1) فتح القدير 5 / 301، حاشية ابن عابدين 4 / 203، الفتاوى الهندية 2 / 247، مواهب الجليل 3 / 381، منح الجليل 1 / 758، حاشية الخرشي 3 / 144، بلغة السالك 1 / 367، الزرقاني على مختصر خليل 2 / 141.
(2)
حديث: أوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 170 ط السلفية) ومسلم (3 / 1257 - 1258 ط عيسى الحلبي) .
قَال: قَاتَل اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، لَا يَبْقَيَنَّ دِينَانِ بِأَرْضِ الْعَرَبِ} وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ قَال ابْنُ شِهَابٍ: فَفَحَصَ عَنْ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى أَتَاهُ الثَّلْجُ وَالْيَقِينُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ (1) .
وَبِقَوْل عَائِشَةَ رضي الله عنها: كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ بِهِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَاّ يَنْزِل بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ (2) .
وَبِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: لأَُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، حَتَّى لَا أَدَعَ إلَاّ مُسْلِمًا (3) .
(1) حديث: " قاتل الله اليهودي والنصارى اتخذوا. . . . " أخرجه مالك في الموطأ (2 / 892 ط عيسى الحلبي) مرسلا. وأصله في الصحيحين بنحوه من حديث عائشة.
(2)
حديث: " كان آخر ما عهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينزل بجزيرة العرب دينان ". رواه أحمد (6 / 275 ط الميمنية) وقال الهيثمي: (رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع ومجمع الزوائد 5 / 325 ط القدسي) .
(3)
حديث: " لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب ". أخرجه مسلم (3 / 1388 ط عيسى الحلبي) من حديث عمر بن الخطاب.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى إِقْرَارِ مَنْ تُقْبَل مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ عَلَى السُّكْنَى فِي بِلَادِ الإِْسْلَامِ فِيمَا عَدَا الْحِجَازَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَتَجُوزُ لَهُمْ سُكْنَى الْيَمَنِ وَغَيْرِهَا مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ مِمَّا لَا يَدْخُل فِي بِلَادِ الْحِجَازِ (1) .
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْل أَبِي عُبَيْدَةَ: كَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْل الْحِجَازِ، وَأَهْل نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ شِرَارَ النَّاسِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ (2) .
قَالُوا: فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: أَخْرِجُوا يَهُودَ أَهْل الْحِجَازِ يَدُل عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ تُقْبَل مِنْهُ الْجِزْيَةُ سُكْنَى الْحِجَازِ وَالإِْقَامَةُ فِيهِ، كَمَا لَا يَجُوزُ لِلإِْمَامِ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى الإِْقَامَةِ فِيهِ بِجِزْيَةٍ، وَإِنْ فَعَل ذَلِكَ كَانَ الصُّلْحُ فَاسِدًا. وَالْمُرَادُ بِالْحِجَازِ - كَمَا سَبَقَ - مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمَخَالِيفُهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَخْرِجُوا أَهْل نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
فَيُحْمَل عَلَى أَنَّ بِلَادَهُمْ - وَهِيَ الْيَمَنُ - مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَأَمَرَ
(1) حاشية قليوبي 4 / 230، نهاية المحتاج 8 / 85، المغني 8 / 530، كشاف القناع 3 / 234، أحكام أهل الذمة لابن القيم 1 / 179 - 185.
(2)
حديث: " أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران. . . " أخرجه أحمد (1 / 195 ط الميمنية) وقال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد ورجال طريقين منها ثقات متصل إسنادهما: (مجمع الزوائد 5 / 325 ط القدسي) .