الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَال الْبَلَاذِرِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ الدِّمَشْقِيُّ قَال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَال: " بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا جَمَعَ هِرَقْل لِلْمُسْلِمِينَ الْجُمُوعَ، وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ إِقْبَالُهُمْ إِلَيْهِمْ لِوَقْعَةِ الْيَرْمُوكِ رَدُّوا عَلَى أَهْل حِمْصَ مَا كَانُوا أَخَذُوا مِنْهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ. وَقَالُوا: قَدْ شُغِلْنَا عَنْ نُصْرَتِكُمْ وَالدَّفْعِ عَنْكُمْ، فَأَنْتُمْ عَلَى أَمْرِكُمْ، فَقَال أَهْل حِمْصَ: لَوَلَايَتُكُمْ وَعَدْلُكُمْ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ مِنَ الظُّلْمِ وَالْغَشْمِ. وَلَنَدْفَعَنَّ جُنْدَ هِرَقْل عَنِ الْمَدِينَةِ مَعَ عَامِلِكُمْ، وَنَهَضَ الْيَهُودُ فَقَالُوا: وَالتَّوْرَاةِ لَا يَدْخُل عَامِل هِرَقْل مَدِينَةَ حِمْصَ إِلَاّ أَنْ نُغْلَبَ وَنَجْهَدَ فَأَغْلَقُوا الأَْبْوَابَ وَحَرَسُوهَا ". وَكَذَلِكَ فَعَل أَهْل الْمُدُنِ الَّتِي صُولِحَتْ مِنَ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ. وَقَالُوا: إِنْ ظَهَرَ الرُّومُ وَأَتْبَاعُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ صِرْنَا إِلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ، وَإِلَاّ فَإِنَّا عَلَى أَمْرِنَا مَا بَقِيَ لِلْمُسْلِمِينَ عَدَدٌ، فَلَمَّا هَزَمَ اللَّهُ الْكَفَرَةَ وَأَظْهَرَ الْمُسْلِمِينَ فَتَحُوا مُدُنَهُمْ وَأَخْرَجُوا الْمُقَلِّسِينَ، فَلَعِبُوا وَأَدَّوُا الْخَرَاجَ. (1)
وَجَاءَ فِي كِتَابِ صُلْحِ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ مَعَ أَهْل تَفْلِيسَ: (2)
(1) فتوح البلدان ص 143، قال في النهاية المقلسون: هم الذين يلعبون بين يدي الأمير إذا وصل البلد، والواحد: مقلس. (النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 4 / 100) ط. دار الفكر ببيروت.
(2)
تفليس (بفتح التاء وسكون الفاء) : بلد بأرمينية الأولى. (معجم البلدان لياقوت 2 / 35 - 36) .
". . . وَإِنْ عَرَضَ لِلْمُسْلِمِينَ شُغْلٌ عَنْكُمْ فَقَهَرَكُمْ عَدُوُّكُمْ فَغَيْرُ مَأْخُوذِينَ بِذَلِكَ (1) .
هَذِهِ السَّوَابِقُ التَّارِيخِيَّةُ حَدَثَتْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَعَلِمُوا بِهَا وَسَكَتُوا عَنْهَا، فَيُعْتَبَرُ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا.
وَقَدْ نَقَل الإِْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ حَيْثُ قَال فِي مَرَاتِبِ الإِْجْمَاعِ: " إِنَّ مَنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، وَجَاءَ أَهْل الْحَرْبِ إِلَى بِلَادِنَا يَقْصِدُونَهُ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَخْرُجَ لِقِتَالِهِمْ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، وَنَمُوتُ دُونَ ذَلِكَ، صَوْنًا لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ تَسْلِيمَهُ دُونَ ذَلِكَ إِهْمَالٌ لِعَقْدِ الذِّمَّةِ " وَحُكِيَ فِي ذَلِكَ إِجْمَاعُ الأُْمَّةِ. (2)
التَّاسِعُ: اشْتِرَاكُ الذِّمِّيِّينَ فِي الْقِتَال مَعَ
الْمُسْلِمِينَ:
79 -
صَرَّحَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَسْقُطُ عَنِ الذِّمِّيِّينَ بِالاِشْتِرَاكِ فِي الْقِتَال مَعَ الْمُسْلِمِينَ.
قَال الشَّلَبِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ كَنْزِ الدَّقَائِقِ: " أَلَا تَرَى أَنَّ الإِْمَامَ لَوِ اسْتَعَانَ بِأَهْل الذِّمَّةِ سَنَةً، فَقَاتَلُوا مَعَهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ جِزْيَةُ تِلْكَ السَّنَةِ؛ لأَِنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ، وَلَيْسَ لِلإِْمَامِ ذَلِكَ، وَهَذَا لأَِنَّ الشَّرْعَ جَعَل
(1) فتوح البلدان للبلاذري ص 283 - 284.
(2)
الفروق 3 / 14.