الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ وَلأَِنَّ الثَّمَنَ فِي الذِّمَّةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَلَا يُحْتَمَل فِيهِ غَرَرُ الاِنْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ؛ وَلأَِنَّ الثَّمَنَ مَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ، وَالْقَبْضُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا بِقَبْضِ غَيْرِهِ مِثْلَهُ عَيْنًا، فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الثَّمَنُ قِسْمَانِ: تَارَةً يَكُونُ حَاضِرًا كَمَا لَوِ اشْتَرَى فَرَسًا بِهَذَا الإِْرْدَبِّ مِنَ الْحِنْطَةِ أَوْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ، فَهَذَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ بِهِبَةٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُشْتَرِي وَغَيْرِهِ.
وَتَارَةً يَكُونُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَوِ اشْتَرَى الْفَرَسَ بِإِرْدَبِّ حِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ فَهَذَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِتَمْلِيكِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي فَقَطْ؛ لأَِنَّهُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ وَلَا يَصِحُّ إِلَاّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ الْقَوْل الْمُقَابِل الْمُعْتَمَدُ لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَاسْتَثْنَى ابْنُ نُجَيْمٍ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ - وَمِنْهُ الثَّمَنُ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ - لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ صُوَرٍ:
الأُْولَى: إِذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ، فَيَكُونُ وَكِيلاً قَابِضًا.
الثَّانِيَةُ: الْحَوَالَةُ.
الثَّالِثَةُ: الْوَصِيَّةُ. (1)
(1) تبيين الحقائق 4 / 82 - 83، ومغني المحتاج 2 / 69، والهداية والعناية وفتح القدير 5 / 269، والبحر الرائق 6 / 129، والدر المختار ورد المحتار عليه 5 / 152، والاختيار ص 181، وبدائع الصنائع 7 / 3226
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ قَبْل قَبْضِهِ.
أَمَّا الثَّمَنُ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ: فَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ. (1)
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْل قَبْضِهِ إِلَاّ إِذَا كَانَ طَعَامًا فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ. (2)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ التَّعَاقُدُ عَلَيْهِ بِكَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ، أَوْ ذَرْعٍ، أَوْ عَدٍّ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ بِالْكَيْل، أَوِ الْوَزْنِ، أَوِ الزَّرْعِ أَوِ الْعَدِّ، وَإِنْ كَانَ التَّعَاقُدُ عَلَيْهِ جُزَافًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَكِيلاً، وَلَا مَوْزُونًا، وَلَا مَعْدُودًا، وَلَا مَزْرُوعًا، جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ.
وَأَمَّا الَّذِي فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْل قَبْضِهِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ. (3)
تَسْلِيمُ الثَّمَنِ:
33 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ أَوْ ثَمَنًا بِثَمَنٍ أَيْ نَقْدًا بِنَقْدٍ سُلِّمَا مَعًا، لاِسْتِوَائِهِمَا فِي
(1) مغني المحتاج 2 / 69، والمجموع 9 / 263
(2)
الحطاب 4 / 482، والدسوقي 3 / 329، والفروق 3 / 279 - 280
(3)
شرح منتهى الإرادات 2 / 189
التَّعْيِينِ فِي الأَْوَّل، وَعَدَمِ التَّعْيِينِ فِي الثَّانِي؛ وَلأَِنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ مَطْلُوبَةٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ عَادَةً، وَتَحْقِيقُ الْمُسَاوَاةِ هَاهُنَا فِي التَّسْلِيمِ مَعًا. (1)
وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَال الْمَالِكِيَّةُ: فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ثَمَنٌ وَمُثَمَّنٌ، فَالثَّمَنُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَعَدَا ذَلِكَ مُثَمَّنَاتٌ، فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ، أَوْ عَلَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَتَشَاحَّا فِي الإِْقْبَاضِ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى أَحَدِهِمَا وُجُوبُ التَّسْلِيمِ قَبْل الآْخَرِ. وَكَذَا إِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُثَمَّنَاتِ كَعَرَضٍ بِعَرَضٍ وَتَشَاحَّا فِي الإِْقْبَاضِ. إِلَاّ أَنَّ الْعَقْدَ يُفْسَخُ بِالتَّرَاضِي فِي الْقَبْضِ فِي الصُّورَةِ الأُْولَى (الصَّرْفُ) وَلَا يُفْسَخُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ؛ لأَِنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الصَّرْفِ دُونَ الْمُقَايَضَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الثَّمَنَ إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا نَقْدًا أَوْ عَرْضًا، يُجْبَرُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي كِلَاهُمَا عَلَى التَّسْلِيمِ فِي الأَْظْهَرِ؛ لاِسْتِوَاءِ الْجَانِبَيْنِ، لأَِنَّ الثَّمَنَ الْمُعَيَّنَ كَالْمَبِيعِ فِي تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالدَّيْنِ، وَالتَّسْلِيمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا، فَيُلْزِمُ الْحَاكِمُ كُلًّا مِنْهُمَا إِحْضَارَ مَا عَلَيْهِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى عَدْلٍ، ثُمَّ يُسَلِّمُ كُلًّا مَا وَجَبَ لَهُ، وَالْخِيَرَةُ فِي الْبِدَايَةِ إِلَيْهِ.
وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ عَدَمُ إِجْبَارِهِمَا. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ عَيْنًا بَل فِي الذِّمَّةِ (الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ) فَفِيهِ
(1) الاختيار 2 / 8، وابن عابدين 4 / 44، والزيلعي 4 / 14، والبناية على الهداية 6 / 255، والبدائع 7 / 3234
أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ، الْمُقَدَّمُ مِنْهَا إِجْبَارُ الْبَائِعِ.
وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَال الْحَنَابِلَةُ: فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا، وَالْمَبِيعُ مِثْلُهُ جُعِل بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِمَا؛ لأَِنَّهُ حَقُّ الْبَائِعِ قَدْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الثَّمَنِ، كَمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِعَيْنِ الْمَبِيعِ فَاسْتَوَيَا.
وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُل عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوَّلاً. (1)
34 -
وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً حَاضِرَةً بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ أَوَّلاً عَلَى اتِّجَاهَاتٍ:
الأَْوَّل: يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ أَوَّلاً.
وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَحَدُ أَقْوَال الشَّافِعِيَّةِ (2)) . فَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إِلَى الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَ الْمَبِيعَ، وَمِثْلُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ نَقْدًا مُعَيَّنًا لأَِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ.
35 -
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: الدَّيْنُ مَقْضِيٌّ (3)
(1) جواهر الإكليل 2 / 10، والحطاب 4 / 305، ومغني المحتاج 2 / 74، والقليوبي 2 / 218، والشرح الكبير مع المغني 4 / 113
(2)
الهداية 5 / 108، وبدائع الصنائع 7 / 3233، ومواهب الجليل 4 / 305، ومغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 113
(3)
حديث: " الدين مقضي " أخرجه الترمذي (3 / 556 - ط الحلبي) من حديث أبي أمامة وحسنه
فَقَدْ وَصَفَ عليه الصلاة والسلام الدَّيْنَ بِكَوْنِهِ مَقْضِيًّا عَامًّا أَوْ مُطْلَقًا، فَلَوْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لَمْ يَكُنْ هَذَا الدَّيْنُ مَقْضِيًّا، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ.
وَاسْتَدَلُّوا بِالْمَعْقُول بِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي تَعَيُّنِ حَقِّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَحَقُّ الْمُشْتَرِي قَدْ تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ، فَيُسَلِّمُ هُوَ الثَّمَنَ أَوَّلاً، لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ فِيهِ، كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي الْمَبِيعِ، إِذْ الثَّمَنُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إِلَاّ بِالْقَبْضِ.
وَصُورَةُ هَذَا: أَنْ يُقَال لِلْبَائِعِ أَحْضِرِ الْمَبِيعَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَإِذَا حَضَرَ قِيل لِلْمُشْتَرِي: سَلِّمِ الثَّمَنَ أَوَّلاً.
36 -
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الْقَوْل ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ: لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَدْفَعَ الْمَبِيعَ قَبْل نَقْدِ الثَّمَنِ فَسَدَ الْبَيْعُ، لأَِنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ. وَقَال مُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الأَْجَل، حَتَّى لَوْ سَمَّى الْوَقْتَ الَّذِي يُسَلِّمُ فِيهِ الْمَبِيعَ جَازَ. وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ حَتَّى يُحْضِرَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ؛ (1) لأَِنَّ تَقْدِيمَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا لَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بِالتَّقْدِيمِ، بَل يَتَقَدَّمُ حَقُّ الْبَائِعِ وَيَتَأَخَّرُ
(1) تبيين الحقائق 4 / 14، والاختيار 1 / 180، وبدائع الصنائع 7 / 3233، 3260، والبحر الرائق 5 / 331، ومغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420
حَقُّ الْمُشْتَرِي، حَيْثُ يَكُونُ الثَّمَنُ بِالْقَبْضِ عَيْنًا مُشَارًا إِلَيْهَا وَالْمَبِيعُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَلأَِنَّ مِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَدْ هَلَكَ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي، فَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إِلَاّ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ أَمْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِحَيْثُ تَلْحَقُهُ الْمُؤْنَةُ بِالإِْحْضَارِ، وَالْمُشْتَرِي إِذَا لَقِيَ الْبَائِعَ فِي غَيْرِ مِصْرِهِمَا، وَطَلَبَ مِنْهُ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ كَفِيلاً أَوْ يَبْعَثُ وَكِيلاً يَنْقُدُ الثَّمَنَ لَهُ ثُمَّ يَتَسَلَّمُ الْمَبِيعَ.
لِذَلِكَ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ كُلَّهُ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلاً؛ لأَِنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لَا يَتَجَزَّأُ، فَكَانَ كُل الْمَبِيعِ مَحْبُوسًا بِكُل جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الثَّمَنِ.
فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلاً، فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ؛ لأَِنَّهُ بِالتَّأْجِيل أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْحَبْسِ.
وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ حَالًّا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلاً، فَلَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ إِلَى اسْتِيفَاءِ الْحَال. (1)
وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَاقِيَ، لأَِنَّ الإِْبْرَاءَ كَالاِسْتِيفَاءِ.
(1) بدائع الصنائع 7 / 3233 - 3234، 3261 - 3262، وفتح القدير 5 / 108، والشلبي على تبيين الحقائق 4 / 14
وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ حَبْسِ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ، وَلَوْ أَخَذَ بِالثَّمَنِ كَفِيلاً أَوْ رَهَنَ الْمُشْتَرِي بِهِ رَهْنًا؛ لأَِنَّ هَذَا وَثِيقَةٌ بِالثَّمَنِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ عَنْ حَبْسِ الْمَبِيعِ لاِسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ. (1)
37 -
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: يَلْزَمُ الْبَائِعَ تَسَلُّمُ الْمَبِيعِ أَوَّلاً.
وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَحَدُ أَقْوَال الشَّافِعِيَّةِ، لأَِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ وَحَقَّ الْبَائِعِ فِي الذِّمَّةِ، فَيُقَدَّمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ، وَهَذَا كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الدُّيُونِ.
وَلأَِنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لِلثَّمَنِ مُسْتَقِرٌّ، لأَِمْنِهِ مِنْ هَلَاكِهِ وَنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْحَوَالَةِ وَالاِعْتِيَاضِ، وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، فَعَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُهُ لِيَسْتَقِرَّ. (2)
38 -
الاِتِّجَاهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مَعًا.
وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَال الشَّافِعِيَّةِ.
فَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي إِذَا تَرَافَعَا إِلَى حَاكِمٍ يُجْبَرَانِ؛ لأَِنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا، فَيُلْزِمُ الْحَاكِمُ كُلًّا مِنْهُمَا بِإِحْضَارِ مَا عَلَيْهِ إِلَيْهِ، أَوْ إِلَى
(1) فتح القدير 5 / 108 - 109، والشلبي على تبيين الحقائق 4 / 14.
(2)
مغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420، والروض وأسنى المطالب عليه 2 / 89، وبدائع الصنائع 7 / 3260، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 13، 113
عَدْلٍ، فَإِنْ فَعَل سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ وَالْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي، يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ. (1)
39 -
الاِتِّجَاهُ الرَّابِعُ: إِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، وَتَرَافَعَا إِلَى حَاكِمٍ، فَلَا إِجْبَارَ أَوَّلاً، وَعَلَى هَذَا يَمْنَعُهُمَا الْحَاكِمُ مِنَ التَّخَاصُمِ، فَمَنْ سَلَّمَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَال الشَّافِعِيَّةِ.
وَذَلِكَ: لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ إِيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَلَا سَبِيل إِلَى تَكْلِيفِ الإِْيفَاءِ. (2)
وَتَرِدُ هَذِهِ الأَْقْوَال الأَْرْبَعَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَا إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ.
40 -
وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ الْحَبْسَ بِخَوْفِ الْفَوْتِ، فَقَالُوا: لِلْبَائِعِ حَبْسُ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ الْحَال كُلَّهُ إِنْ خَافَ فَوْتَهُ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا لِلْمُشْتَرِي حَبْسُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ إِنْ خَافَ فَوْتَ الْمَبِيعِ بِلَا خِلَافٍ، لِمَا فِي التَّسْلِيمِ حِينَئِذٍ مِنَ الضَّرَرِ الظَّاهِرِ.
وَإِنَّمَا الأَْقْوَال السَّابِقَةُ فِيمَا إِذَا لَمْ يَخَفِ الْبَائِعُ فَوْتَ الثَّمَنِ، وَكَذَا الْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْمَبِيعِ، وَتَنَازَعَا فِي مُجَرَّدِ الاِبْتِدَاءِ بِالتَّسْلِيمِ؛ لأَِنَّ
(1) مغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420، وبدائع الصنائع 7 / 2260، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 113.
(2)
مغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420