الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَالْحَاصِل:
أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لأَِنَّ النُّقُودَ إِمَّا أَنْ تَسْتَوِيَ فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ مَعًا، أَوْ تَخْتَلِفَ فِيهِمَا، أَوْ يَسْتَوِيَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ.
وَالْفَسَادُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ: وَهِيَ: الاِسْتِوَاءُ فِي الرَّوَاجِ وَالاِخْتِلَافُ فِي الْمَالِيَّةِ، وَالصِّحَّةُ فِي الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ.
وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْفَاسِدَةُ ذَكَرَهَا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ تَعَدَّدَتِ السِّكَكُ فِي الْبَلَدِ وَلَمْ يُبَيِّنْ، فَإِنْ اتَّحَدَتْ رَوَاجًا قَضَاهُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قَضَاهُ مِنَ الْغَالِبِ إِنْ كَانَ، وَإِلَاّ فَسَدَ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْبَيَانِ.
وَعِبَارَةُ الشِّرْبِينِيِّ الشَّافِعِيِّ: إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ وَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَتِ الْقِيمَةُ اشْتُرِطَ التَّعْيِينُ لَفْظًا لاِخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِهِمَا.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ بَاعَ بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلَا مَوْصُوفٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنَ الدَّنَانِيرِ كُلُّهَا رَائِجَةٌ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ. (2)
(1) العناية شرح الهداية 5 / 85، والزرقاني 5 / 24، وانظر المقدمات الممهدات ص 550، والمنهاج ومغني المحتاج عليه 2 / 17، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 33، وكشاف القناع 3 / 174، ومطالب أولي النهى 3 / 40
(2)
البهجة شرح التحفة 2 / 11، ومغني المحتاج 72، وكشاف القناع 3 / 174
الْحُلُول وَالتَّأْجِيل فِي الثَّمَنِ:
21 -
يَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ حَالٍّ، أَوْ مُؤَجَّلٍ إِذَا كَانَ الأَْجَل مَعْلُومًا، بِدَلِيل:
1 -
إِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَل اللَّهُ الْبَيْعَ} (1) فَشَمَل مَا بِيعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمَا بِيعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ.
2 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتِ: اشْتَرَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ (2) .
قَال فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ:
إِنَّ الْحُلُول مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُوجَبُهُ، وَالأَْجَل لَا يَثْبُتُ إِلَاّ بِالشَّرْطِ.
فَإِذَا بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ ثُمَّ أَجَّلَهُ صَحَّ؛ لأَِنَّهُ حَقُّهُ. (3)
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ بِيعَ عَلَى شَرْطِ النَّقْدِ أَيْ تَعْجِيل الثَّمَنِ ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى تَأْجِيلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْمُرَابَحَةِ بَيَانُ الأَْجَل، فَيُفْهَمُ مِنْهُ لُزُومُ الأَْجَل الَّذِي تَرَاضَيَا عَلَيْهِ. قَالُوا: لأَِنَّ
(1) سورة البقرة / 275
(2)
حديث: " اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعا من حديد " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 433 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1226 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(3)
الهداية وفتح القدير 5 / 83 - 84، وتبيين الحقائق 4 / 5، وبدائع الصنائع 7 / 3227، والبحر الرائق 5 / 301، ورد المحتار 4 / 531، والاختيار 1 / 181
اللَاّحِقَ لِلْعَقْدِ كَالْوَاقِعِ فِيهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الأَْجَل إِنْ كَانَتْ فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ - خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ - لَحِقَتْ بِأَصْل الْعَقْدِ، أَمَّا بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الأَْجَل لَا تَلْحَقُ وَلَكِنْ يُنْدَبُ الْوَفَاءُ بِهَا، وَكَذَلِكَ تَأْجِيل الدَّيْنِ الْحَال. (1)
وَدَلِيل وُجُوبِ كَوْنِ الأَْجَل مَعْلُومًا:
1 -
أَنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَتَكُونُ مَانِعَةً مِنَ التَّسَلُّمِ وَالتَّسْلِيمِ الْوَاجِبَيْنِ بِالْعَقْدِ، فَرُبَّمَا يُطَالِبُ الْبَائِعُ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ وَالْمُشْتَرِي يُؤَخِّرُ إِلَى بَعِيدِهَا.
2 -
وَلأَِنَّهُ عليه الصلاة والسلام فِي مَوْضِعِ شَرْطِ الأَْجَل وَهُوَ السَّلَمُ أَوْجَبَ فِيهِ التَّعْيِينَ، حَيْثُ قَال: مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (2) فَيُقَاسُ عَلَيْهِ تَأْجِيل الثَّمَنِ.
3 -
وَعَلَى كُل ذَلِكَ انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ. (3)
(1) جواهر الإكليل 2 / 57، ومغني المحتاج 2 / 120، والمغني لابن قدامة ط الرياض 4 / 349، وكشاف القناع ط عالم الكتب 3 / 234
(2)
حديث: " من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 429 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1227 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عباس، واللفظ لمسلم
(3)
الهداية وفتح القدير والعناية 5 / 84، وانظر علة الإفضاء إلى المنازعة في: تبيين الحقائق 4 / 5، والبحر الرائق 5 / 301، ورد المحتار 4 / 531
22 -
وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ مَعْلُومِيَّةَ الأَْجَل فِي الْبَيْعِ الْمُؤَجَّل ثَمَنُهُ. فَإِنْ كَانَ مَجْهُولاً فَهُوَ فَاسِدٌ.
وَمِنْ جَهَالَةِ الأَْجَل:
أ - مَا إِذَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِ الثَّمَنَ فِي بَلَدٍ آخَرَ.
وَلَوْ قَال: إِلَى شَهْرٍ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ الثَّمَنَ فِي بَلَدٍ آخَرَ جَازَ بِأَلْفٍ إِلَى شَهْرٍ. وَيَبْطُل شَرْطُ الإِْيفَاءِ فِي بَلَدٍ آخَرَ؛ لأَِنَّ تَعْيِينَ مَكَانِ الإِْيفَاءِ فِيمَا لَا حَمْل لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ لَا يَصِحُّ. فَلَوْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ صَحَّ.
وَمِنْهُ: عَلَى قَوْل مُحَمَّدٍ: مَا إِذَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ الْمَبِيعَ قَبْل أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ، فَإِنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ؛ لأَِنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله عَلَّلَهُ بِتَضَمُّنِهِ أَجَلاً مَجْهُولاً، حَتَّى لَوْ سَمَّى الْوَقْتَ الَّذِي يُسَلِّمُ إِلَيْهِ فِيهِ الْمَبِيعَ جَازَ الْبَيْعُ.
وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَإِنَّمَا عَلَّلَهُ بِالشَّرْطِ الَّذِي لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ. (1)
ب - وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ جَهَالَةَ الأَْجَل هِيَ مِنَ الْغَرَرِ فِي الثَّمَنِ، وَمَثَّلُوا لَهُ: بِأَنْ يَبِيعَ مِنْهُ السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ إِلَى قُدُومِ زَيْدٍ أَوْ إِلَى مَوْتِهِ. قَال ابْنُ رُشْدٍ: فَإِذَا بَاعَ الرَّجُل السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ أَوْ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ فُسِخَ عَلَى كُل حَالٍ فِي الْقِيَامِ وَالْفَوَاتِ، شَاءَ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَبَيَا.
(1) البحر الرائق 5 / 281، 301، 302، ورد المحتار 4 / 505 - 531، وفتح القدير 5 / 84