الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَيْخِهِ أَنَّ أَوَائِل الْجُذَامِ لَا تُثْبِتُ الْخِيَارَ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ إِذَا اسْتَحْكَمَ، وَأَنَّ اسْتِحْكَامَ الْجُذَامِ إِنَّمَا يَحْصُل بِالتَّقَطُّعِ.
وَتَرَدَّدَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا وَقَال: يَجُوزُ أَنْ يُكْتَفَى بِاسْوِدَادِ الْعُضْوِ، وَحُكْمِ أَهْل الْمَعْرِفَةِ بِاسْتِحْكَامِ الْعِلَّةِ (1) .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ خِيَارُ فَسْخِ النِّكَاحِ بِجُذَامِ الآْخَرِ، وَبِهَذَا قَال عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو زِيَادٍ وَأَبُو قِلَابَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالأَْوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما.
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ بِعَيْبِ الْجُذَامِ فِي الْمَرْأَةِ، وَلَهَا هِيَ الْخِيَارُ بِعَيْبِ الْجُذَامِ فِي الزَّوْجِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا، كَمَا فِي الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، بِخِلَافِ جَانِبِ الزَّوْجِ لأَِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ بِالطَّلَاقِ (2) .
وَلِلتَّفْصِيل: (ر: طَلَاقٌ، عَيْبٌ، فَسْخٌ، نِكَاحٌ) .
اخْتِلَاطُ الْمَجْذُومِ بِالنَّاسِ:
5 -
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى مَنْعِ
(1) روضة الطالبين 7 / 176.
(2)
ابن عابدين 2 / 597، وفتح القدير 3 / 267، 268 ط الأميرية.
مَجْذُومٍ يُتَأَذَّى بِهِ مِنْ مُخَالَطَةِ الأَْصِحَّاءِ وَالاِجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ لِحَدِيثِ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَْسَدِ (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَا يَحِل لِمَجْذُومٍ مُخَالَطَةُ صَحِيحٍ إِلَاّ بِإِذْنِهِ. فَإِذَا أَذِنَ الصَّحِيحُ لِمَجْذُومٍ بِمُخَالَطَتِهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ (2) . لِحَدِيثِ لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ (3) .
وَلَمْ نَرَ لِلْحَنَفِيَّةِ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ.
وَإِذَا كَثُرَ عَدَدُ الْجَذْمَى فَقَال الأَْكْثَرُونَ: يُؤْمَرُونَ أَنْ يَنْفَرِدُوا فِي مَوَاضِعَ عَنِ النَّاسِ: وَلَا يُمْنَعُونَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي حَوَائِجِهِمْ.
وَقِيل: لَا يَلْزَمُ الاِنْفِرَادُ (4) .
وَلَوِ اسْتَضَرَّ أَهْل قَرْيَةٍ فِيهِمْ جَذْمَى بِمُخَالَطَتِهِمْ فِي الْمَاءِ فَإِنْ قَدَرُوا عَلَى اسْتِنْبَاطِ مَاءٍ بِلَا ضَرَرٍ أُمِرُوا بِهِ وَإِلَاّ اسْتَنْبَطَهُ لَهُمُ الآْخَرُونَ، أَوْ أَقَامُوا مَنْ يَسْتَقِي لَهُمْ وَإِلَاّ فَلَا يُمْنَعُونَ (5) .
(1) حديث: " فر من المجذوم فرارك من الأسد ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 158 ط السلفية) ، وأحمد (2 / 443 - ط الميمنية) من حديث أبي هريرة، واللفظ لأحمد.
(2)
الشرح الصغير 1 / 445، وحاشية الدسوقي 1 / 333 ط دار الفكر، ونهاية المحتاج 2 / 155 ط الحلبي، ومطالب أولي النهى 1 / 699 نشر المكتب الإسلامي، وكشاف القناع 1 / 497، 498 نشر مكتبة النصر الحدثية.
(3)
حديث: " لا عدوى ولا طيرة " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 158 - ط السلفية) . من حديث أبي هريرة.
(4)
الأبي على صحيح مسلم 6 / 49، وصحيح مسلم بشرح النووي 14 / 228.
(5)
صحيح مسلم بشرح النووي 14 / 228.
وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الآْثَارُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مُخَالَطَةِ الْمَجْذُومِ الأَْصِحَّاءَ، فَجَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَْسَدِ (1) وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَال: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَل إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ (2) .
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: كَلِّمِ الْمَجْذُومَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَيْدُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ (3) .
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ ثُمَّ قَال: كُل بِاسْمِ اللَّهِ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلاً عَلَى اللَّهِ (4) .
(1) حديث: " فر من المجذوم كما تفر من الأسد ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 158 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
(2)
حديث: " إنا قد بايعناك فارجع ". أخرجه مسلم (4 / 1752 - ط الحلبي) من حديث عمرو بن الشريد الثقفي.
(3)
حديث: " كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين ". قال ابن حجر في الفتح (10 / 159 - ط السلفية) : " أخرجه أبو نعيم في الطيب بسنده واه ". وهو من حديث عبد الله بن أبي أوفى.
(4)
حديث: " كل باسم الله ثقة بالله وتوكلا على الله ". أخرجه الترمذي (4 / 266 - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله، وقال:" هذا حديث غريب ". وأعله ابن الجوزي في العلل (2 / 869 - ط دار الكتب العلمية) براوية المفضل بن فضالة، وقال ابن عدي في الكامل (6 / 2404 - ط دار الفكر) :" لم أر له أنكر من هذا ".
6 -
وَقَدْ أَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنِ الاِخْتِلَافِ فِي تِلْكَ الآْثَارِ بِطُرُقٍ مِنْهَا:
التَّرْجِيحُ، وَقَدْ سَلَكَهُ فَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: سَلَكَ تَرْجِيحَ الأَْخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى نَفْيِ الْعَدْوَى وَتَضْعِيفِ الأَْخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ.
وَالْفَرِيقُ الثَّانِي: سَلَكُوا فِي التَّرْجِيحِ عَكْسَ هَذَا الْمَسْلَكِ، وَقَالُوا: إِنَّ الأَْخْبَارَ الدَّالَّةَ عَلَى الاِجْتِنَابِ أَكْثَرُ مَخَارِجَ وَأَكْثَرُ طُرُقًا فَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا أَوْلَى.
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ طَرِيقَ التَّرْجِيحِ لَا يُصَارُ إِلَيْهَا إِلَاّ مَعَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ. وَهُوَ مُمْكِنٌ فَهُوَ أَوْلَى.
7 -
وَفِي طَرِيقِ الْجَمْعِ مَسَالِكُ أَهَمُّهَا:
1 -
نَفْيُ الْعَدْوَى جُمْلَةً وَحَمْل الأَْمْرِ بِالْفِرَارِ مِنَ الْمَجْذُومِ عَلَى رِعَايَةِ خَاطِرِ الْمَجْذُومِ؛ لأَِنَّهُ إِذَا رَأَى الصَّحِيحَ الْبَدَنِ السَّلِيمَ مِنَ الآْفَةِ، تَعْظُمُ مُصِيبَتُهُ وَتَزْدَادُ حَسْرَتُهُ.
2 -
إِثْبَاتُ الْعَدْوَى فِي الْجُذَامِ وَنَحْوِهِ مَخْصُوصٌ مِنْ عُمُومِ نَفْيِ الْعَدْوَى، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا عَدْوَى أَيْ إِلَاّ مِنَ الْجُذَامِ مَثَلاً.
بِهَذَا قَال الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَاّنِيُّ وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ بَطَّالٍ أَيْضًا.
3 -
إِنَّ الأَْمْرَ بِالْفِرَارِ مِنَ الْمَجْذُومِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعَدْوَى فِي شَيْءٍ، بَل هُوَ لأَِمْرٍ طَبِيعِيٍّ وَهُوَ انْتِقَال الدَّاءِ مِنْ جَسَدٍ لِجَسَدٍ بِوَاسِطَةِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُخَالَطَةِ وَشَمِّ الرَّائِحَةِ، وَلِذَلِكَ يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنَ