الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْكَرَاهَةِ بِالصَّبِيِّ دُونَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ فَيُشْتَرَطُ لَهَا الْبُلُوغُ، وَذَلِكَ لأَِمْرِهِ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ مِنَ الشَّارِعِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الأَْمْرَ بِالأَْمْرِ أَمْرٌ بِالشَّيْءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ أَهْلٌ لِلثَّوَابِ؛ لأَِنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا بَعْدَ الْجُنُونِ وَالْمُسْلِمُ يُثَابُ (1) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ: (صَبِيٌّ، جُنُونٌ، أَهْلِيَّةٌ) .
7 -
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْكَافِرُ مِنْ أَعْمَال الْبِرِّ ثُمَّ يُسْلِمُ، هَل يَنْفَعُهُ عَمَلُهُ السَّابِقُ أَوْ لَا يَنْفَعُهُ؟ وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ رضي الله عنه قَال: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَمِنْ صِلَةِ رَحِمٍ فَهَل فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ (2) .
قَال الْحَرْبِيُّ: مَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ لَكَ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي عَمِلْتَهُ هُوَ لَكَ. وَقَال الْمَازِرِيُّ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَيْرَ الَّذِي أَسْلَفَهُ، كُتِبَ لَهُ، لَكِنَّ ابْنَ حَجَرٍ نَقَل عَنِ الْمَازِرِيِّ رِوَايَةً أُخْرَى فِي مَكَانٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّقَرُّبُ، فَلَا
(1) التلويح 2 / 164 - 167، وجمع الجوامع 1 / 52 - 53، والمجموع 7 / 34 تحقيق نجيب المطيعي، وابن عابدين 1 / 587، وشرح منتهى الإرادات 1 / 119، وتهذيب الفروق بهامش الفروق 1 / 177، والدسوقي 1 / 186.
(2)
حديث: " أسلمت على ما أسلفت من خير ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 301 - ط السلفية) .
يُثَابُ عَلَى الْعَمَل الصَّالِحِ الصَّادِرِ مِنْهُ فِي شِرْكِهِ. . . وَتَابَعَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَلَى ذَلِكَ.
وَاسْتَضْعَفَ النَّوَوِيُّ رَأْيَ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الثَّوَابِ وَقَال: الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ بَل نَقَل بَعْضُهُمْ فِيهِ الإِْجْمَاعَ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا فَعَل أَفْعَالاً جَمِيلَةً كَالصَّدَقَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ عَلَى الإِْسْلَامِ أَنَّ ثَوَابَ ذَلِكَ يُكْتَبُ لَهُ، وَقَدْ جَزَمَ بِمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَابْنُ بَطَّالٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْقُدَمَاءِ، وَالْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ الْمُنِيرِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ (1) .
أَمَّا مَا فَعَلَهُ الْكَافِرُ مِنْ أَعْمَال الْبِرِّ ثُمَّ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ، فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَا قَال النَّوَوِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ فِي الآْخِرَةِ، وَإِنَّمَا يُطْعَمُ فِي الدُّنْيَا بِمَا عَمِلَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ (2)، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآْخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِل بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآْخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا (3) .
مَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَشُرُوطُهُ:
8 -
مِنَ الْمُقَرَّرِ شَرْعًا أَنَّ الإِْنْسَانَ يُثَابُ - بِفَضْل
(1) فتح الباري 1 / 99 - 100، 3 / 301 - 302.
(2)
صحيح مسلم بشرح النووي 17 / 150 وهامش الفروق 3 / 222، والقرطبي 20 / 150 - 151.
(3)
حديث: " إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة ". أخرجه مسلم (4 / 2162 - ط الحلبي) .
اللَّهِ - عَلَى مَا يُؤَدِّي مِنْ طَاعَاتٍ، وَاجِبَةً كَانَتْ أَوْ مَنْدُوبَةً، وَعَلَى مَا يَتْرُكُ مِنْ مُحَرَّمَاتٍ وَمَكْرُوهَاتٍ. يَقُول اللَّهُ تَعَالَى:{فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (1) } ، وَيَقُول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآْخِرَةِ لَكِنَّ فِعْل الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَتَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ لَيْسَ سَبَبًا فِي حَدِّ ذَاتِهِ - لِلثَّوَابِ - مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْفِعْل مُجْزِئًا وَمُبْرِئًا لِلذِّمَّةِ وَالتَّرْكُ كَافِيًا لِلْخُرُوجِ مِنَ الْعُهْدَةِ؛ لأَِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِحُصُول الثَّوَابِ فِي الْفِعْل وَالتَّرْكِ نِيَّةُ امْتِثَال أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. بَل إِنَّ الْمُبَاحَاتِ رَغْمَ أَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ، لَكِنْ إِنْ أُرِيدَ بِهَا الثَّوَابُ بِجَعْلِهَا وَسِيلَةً لِلْعِبَادَةِ الْمَشْرُوعَةِ افْتَقَرَتْ إِلَى نِيَّةٍ (2) .
قَال الشَّاطِبِيُّ: الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ، وَالْمَقَاصِدُ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ، وَالأَْدِلَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا تَنْحَصِرُ، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (3) } وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ،
(1) سورة الزلزلة / 7، 8.
(2)
الذخيرة / 62، 240، والموافقات للشاطبي وما بعدها 1 / 149 - 151، إلى 2 / 323 - 329، والفروق للقرافي 1 / 130، 2 / 50 - 51، والمنثور في القواعد 3 / 287 - 288.
(3)
سورة البينة / 5.
وَإِنَّمَا لِكُل امْرِئٍ مَا نَوَى (1) . وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: لَا ثَوَابَ إِلَاّ بِالنِّيَّةِ، قَال ابْنُ نُجَيْمٍ: قَرَّرَ الْمَشَايِخُ فِي حَدِيثِ. إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ، أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى، إِذْ لَا يَصِحُّ بِدُونِ تَقْدِيرٍ لِكَثْرَةِ وُجُودِ الأَْعْمَال بِدُونِهَا فَقَدَّرُوا مُضَافًا أَيْ حُكْمَ الأَْعْمَال، وَهُوَ نَوْعَانِ: أُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ الثَّوَابُ وَاسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ، وَدُنْيَوِيٌّ وَهُوَ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ، وَقَدْ أُرِيدَ الأُْخْرَوِيُّ بِالإِْجْمَاعِ لِلإِْجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ إِلَاّ بِالنِّيَّةِ، وَسَاقَ ابْنُ نُجَيْمٍ الأَْمْثِلَةَ عَلَى ذَلِكَ فِي الأَْفْعَال وَالتُّرُوكِ، ثُمَّ قَال: وَلَا تُشْتَرَطُ لِلثَّوَابِ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ، بَل يُثَابُ عَلَى نِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِغَيْرِ تَعَمُّدِهِ، كَمَا لَوْ صَلَّى مُحْدِثًا عَلَى ظَنِّ طَهَارَتِهِ (2) .
9 -
بَل إِنَّ الإِْنْسَانَ قَدْ يُثَابُ عَلَى مَا لَمْ يَعْمَل، وَيَكُونُ الثَّوَابُ عَلَى النِّيَّةِ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً (3) وَقَوْلِهِ: مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّيَ فِي اللَّيْل فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى
(1) حديث: " إنما الأعمال بالنيات ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 9 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1515 - ط الحلبي) من حديث عمر بن الخطاب، واللفظ للبخاري.
(2)
الأشباه لابن نجيم / 19 - 26.
(3)
حديث: " من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ". أخرجه البخاري (الفتح 11 / 323 - ط السلفية) ومسلم (1 / 118 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عباس واللفظ لمسلم.