الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَخْصِيصُ الإِْذْنِ وَالْجُعْل بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ:
36 -
قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَوْ قَال الْجَاعِل مَنْ رَدَّ ضَالَّتِي مِنْ بَغْدَادَ مَثَلاً فَلَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ يُنْظَرُ: فَإِنْ رَدَّهَا الْعَامِل مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فِعْلاً، لَكِنْ مِنْ أَبْعَدَ مِنَ الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ فَلَا زِيَادَةَ لَهُ عَلَى الْجُعْل الْمُسَمَّى، لِتَبَرُّعِهِ بِالْمَسَافَةِ الزَّائِدَةِ، وَلَوْ رَدَّهَا مِنْ أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَهُ مَا يُقَابِلُهُ مِنَ الْجُعْل إِنْ تَسَاوَتِ الطَّرِيقُ سُهُولَةً وَصُعُوبَةً، لأَِنَّ كُل الْجُعْل فِي مُقَابَلَةِ كُل الْعَمَل، فَبَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْبَعْضِ فَإِنْ تَفَاوَتَتِ الطَّرِيقُ سُهُولَةً وَصُعُوبَةً بِأَنْ كَانَ النِّصْفُ الَّذِي أَتَى بِهِ مَثَلاً لَهُ مِنَ الأُْجْرَةِ ضِعْفَ النِّصْفِ الآْخَرِ عُمِل بِذَلِكَ فِي الْجُعْل فَيَسْتَحِقُّ ثُلُثَيِ الْجُعْل.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ: إِذَا رَدَّهَا مِنْ مَسَافَةٍ مِثْل مَسَافَةِ بَغْدَادَ وَلَوْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْل الْمُسَمَّى - عَشْرَةَ دَنَانِيرَ - لأَِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْمَكَانِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الإِْرْشَادُ إِلَى مَوْضِعٍ أَوْ مَظِنَّةٍ وَنَحْوِهِ، لَا أَنَّ الرَّدَّ مِنْهُ شَرْطٌ فِي أَصْل الاِسْتِحْقَاقِ، إِذْ لَوْ أُرِيدَ حَقِيقَةُ ذَلِكَ لَكَانَ إِذَا رَدَّهَا مِنْ أَقْرَبَ مِنْهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، لأَِنَّهُ لَمْ يَرُدَّ مِنْهُ.
وَقِيل: لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مُطْلَقًا، لأَِنَّ الْجَاعِل لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الرَّدِّ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ الأُْخْرَى، وَبِمِثْل هَذَا الْقَوْل الْمَرْجُوحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَال الْحَنَابِلَةُ.
37 -
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ لاِسْتِحْقَاقِ الْجُعْل
فِي الدَّابَّةِ الضَّالَّةِ، وَنَحْوِهَا مِنْ الأَْمْوَال الضَّائِعَةِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَالِمًا بِمَكَانِهَا؛ لأَِنَّ مَنْ عَلِمَ مَكَانَهَا غَارَ وَخَادَعَ لِصَاحِبِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ، فَإِنْ عَلِمَ الْجَاعِل مَكَانَهَا وَجَهِلَهُ الْعَامِل، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْجَاعِل الأَْكْثَرُ مِنَ الْجُعْل الْمُسَمَّى، وَأُجْرَةِ الْمِثْل لِلْعَامِل، وَإِنْ عَلِمَ الْعَامِل فَقَطْ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَيَكُونُ آثِمًا ضَامِنًا لِلضَّالَّةِ إِنْ تَلِفَتْ؛ لأَِنَّ الإِْتْيَانَ بِهَا لِصَاحِبِهَا صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ حَيْثُ عَلِمَ مَكَانَهَا دُونَ صَاحِبِهَا.
وَإِنْ عَلِمَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَكَانَهَا فَالرَّاجِحُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِل جُعْل مِثْلِهِ، نَظَرًا لِسَبْقِ الْجَاعِل بِالنِّدَاءِ وَهُوَ الإِْيجَابُ (1) .
الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَال الضَّائِعِ، وَالإِْخْبَارُ عَنْهُ:
38 -
قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنْ جَعَل شَخْصٌ لِمَنْ دَلَّهُ عَلَى مَالِهِ الضَّائِعِ جُعْلاً، فَدَلَّهُ عَلَيْهِ مَنْ لَيْسَ الْمَال فِي يَدِهِ اسْتَحَقَّ الْجُعْل، لأَِنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ بِالْبَحْثِ عَنْهُ، ثُمَّ دَلَالَةُ الْجَاعِل عَلَيْهِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْبَحْثُ الْمُتْعِبُ حَادِثًا بَعْدَ إِعْلَانِ الْجَاعِل لَا قَبْلَهُ؛ لأَِنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْعَمَل الْحَادِثِ قَبْلَهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْجُعْل. وَكَذَلِكَ
(1) نهاية المحتاج 4 / 345، ومغني المحتاج 2 / 431، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير 2 / 257، والخرشي وحاشية العدوي 7 / 70، 71، وحاشية العدوي على شرح أبي الحسن 2 / 163، والمغني 2 / 353، وكشاف القناع 2 / 418.