الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قِصَاصٌ وَجِنَايَةٌ عَلَى النَّفْسِ وَجِنَايَةٌ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ) .
قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ قُتِل لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُودَى وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ (1) وَقَال أَبُو عُبَيْدٍ: إِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْل الْقَتِيل، قَال ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ يُؤْخَذُ لَهُمْ بِثَأْرِهِمْ (2) .
هَذَا وَإِنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِذْنِ الإِْمَامِ، فَإِنِ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِدُونِ إِذْنِهِ وَقَعَ مَوْقِعَهُ، وَعُزِّرَ لاِفْتِيَاتِهِ عَلَى الإِْمَامِ.
وَصَرَّحَ الزُّرْقَانِيُّ بِأَنَّ التَّعْزِيرَ يَسْقُطُ إِذَا عَلِمَ وَلِيُّ الْمَقْتُول أَنَّ الإِْمَامَ لَا يَقْتُل الْقَاتِل، فَلَا أَدَبَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ وَلَوْ غِيلَةً، وَلَكِنْ يُرَاعِي فِيهِ أَمْنَ الْفِتْنَةِ وَالرَّذِيلَةِ. (3)
8 -
ج - إِبَاحَةُ الإِْسْلَامِ لِلثَّأْرِ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ التَّعَدِّي عَلَى غَيْرِ الْقَاتِل، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الإِْسْلَامُ مَا كَانَ شَائِعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَتْل غَيْرِ الْقَاتِل، وَمِنَ الإِْسْرَافِ فِي الْقَتْل، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الظُّلْمِ وَالْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى:{وَمَنْ قُتِل مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْل} (4)، قَال الْمُفَسِّرُونَ: أَيْ فَلَا يُسْرِفِ
(1) حديث: " من قتل له قتيل. . . " أخرجه النسائي (8 / 38 - ط دار البشائر) . وابن ماجه (2 / 876 - ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة
(2)
فتح الباري 12 / 205 - 208
(3)
شرح الزرقاني 8 / 4
(4)
سورة الإسراء / 33
الْوَلِيُّ فِي قَتْل الْقَاتِل بِأَنْ يُمَثِّل بِهِ، أَوْ يَقْتَصَّ مِنْ غَيْرِ الْقَاتِل، وَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مِنْ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ قَتَل غَيْرَ قَاتِلِهِ (1)، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِْسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ (2)، قَال ابْنُ حَجَرٍ: وَمُبْتَغٍ فِي الإِْسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ عِنْدَ شَخْصٍ فَيَطْلُبُهُ مِنْ غَيْرِهِ. (3)
حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الْقِصَاصِ وَتَحْرِيمِ الثَّأْرِ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَاهِلِيَّةِ:
9 -
أ - الْقِصَاصُ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْجَانِي فَلَا يُؤْخَذُ غَيْرُهُ بِجَرِيرَتِهِ، فِي حِينِ أَنَّ الثَّأْرَ لَا يُبَالِي وَلِيُّ الدَّمِ فِي الاِنْتِقَامِ مِنَ الْجَانِي أَوْ أُسْرَتِهِ أَوْ قَبِيلَتِهِ
وَبِذَلِكَ يَتَعَرَّضُ الأَْبْرِيَاءُ لِلْقَتْل دُونَ ذَنْبٍ جَنَوْهُ.
(1) حديث: " إن من أعتى الناس على الله عز وجل. . . " سبق تخريجه ف / 1
(2)
حديث: " أبغض الناس إلى الله ثلاثة. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 210 - ط السلفية) من حديث ابن عباس
(3)
الألوسي 15 / 69، والطبري 15 / 59 - 60، ومختصر تفسير ابن كثير 2 / 376، وفتح الباري 12 / 210 - 211، وأحكام القرآن للشافعي / 272، والسياسة الشرعية لابن تيمية / 155
ب - الْقِصَاصُ يَرْدَعُ الْقَاتِل عَنِ الْقَتْل لأَِنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ كَفَّ عَنِ الْقَتْل بَيْنَمَا الثَّأْرُ يُؤَدِّي إِلَى الْفِتَنِ وَالْعَدَاوَاتِ.
يَقُول ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُول تَغْلِي قُلُوبُهُمْ بِالْغَيْظِ حَتَّى يُؤْثِرُوا أَنْ يَقْتُلُوا الْقَاتِل وَأَوْلِيَاءَهُ، وَرُبَّمَا لَمْ يَرْضَوْا بِقَتْل الْقَاتِل، بَل يَقْتُلُونَ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْقَاتِل كَسَيِّدِ الْقَبِيلَةِ وَمُقَدَّمِ الطَّائِفَةِ، فَيَكُونُ الْقَاتِل قَدِ اعْتَدَى فِي الاِبْتِدَاءِ، وَتَعَدَّى هَؤُلَاءِ فِي الاِسْتِيفَاءِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ الْخَارِجُونَ عَنِ الشَّرِيعَةِ فِي هَذِهِ الأَْوْقَاتِ مِنَ الأَْعْرَابِ، وَالْحَاضِرَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ يَسْتَعْظِمُونَ قَتْل الْقَاتِل لِكَوْنِهِ عَظِيمًا أَشْرَفَ مِنَ الْمَقْتُول، فَيُفْضِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُول يَقْتُلُونَ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَاتِل، وَرُبَّمَا حَالَفَ هَؤُلَاءِ قَوْمًا وَاسْتَعَانُوا بِهِمْ وَهَؤُلَاءِ قَوْمًا فَيُفْضِي إِلَى الْفِتَنِ وَالْعَدَاوَاتِ الْعَظِيمَةِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ خُرُوجُهُمْ عَنْ سَنَنِ الْعَدْل الَّذِي هُوَ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى، فَكَتَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا الْقِصَاصَ، وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ، وَالْمُعَادَلَةُ فِي الْقَتْلَى، وَأَخْبَرَ أَنَّ فِيهِ حَيَاةً فَإِنَّهُ يَحْقِنُ دَمَ غَيْرِ الْقَاتِل مِنْ أَوْلِيَاءِ الرَّجُلَيْنِ، وَأَيْضًا فَإِذَا عَلِمَ مَنْ يُرِيدُ الْقَتْل أَنَّهُ يُقْتَل كَفَّ عَنِ الْقَتْل. (1) قَال
(1) السياسة الشرعية لابن تيمية / 156 - 157
رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، أَلَا لَا يُقْتَل مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ (1) .
(1) حديث: " المؤمنون تتكافأ. . . ". أخرجه أبو داود (4 / 666 - 668 ط عزت عبيد الدعاس) . والنسائي (8 / 24 - ط دار البشائر) . من حديث علي بن أبي طالب وصححه أحمد شاكر (المسند 2 / 212 - ط دار المعارف)