الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْهَا؛ لأَِنَّهُمْ نَقَضُوا الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ، وَكَانَ قَدْ صَالَحَهُمْ عَلَى أَلَا يُحْدِثُوا حَدَثًا، وَلَا يَأْكُلُوا الرِّبَا، فَأَكَلُوا الرِّبَا، وَنَقَضُوا الْعَهْدَ، فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لِهَذَا السَّبَبِ، لَا لِكَوْنِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لَا تَصْلُحُ لِسُكْنَى أَهْل الذِّمَّةِ (1) .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ (2) .
وَلأَِنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ أَنَّهُ أَجْلَى مَنْ كَانَ بِالْيَمَنِ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ، فَقَدْ أَجَلَاهُمْ عُمَرُ مِنَ الْحِجَازِ وَأَقَرَّهُمْ بِالْيَمَنِ (3) .
شُرُوطُ مَنْ تُفْرَضُ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ:
34 -
اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِفَرْضِ الْجِزْيَةِ عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ عِدَّةَ شُرُوطٍ مِنْهَا: الْبُلُوغُ، وَالْعَقْل، وَالذُّكُورَةُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْمَقْدِرَةُ الْمَالِيَّةُ، وَالسَّلَامَةُ مِنَ الْعَاهَاتِ الْمُزْمِنَةِ.
وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيل الْقَوْل فِي هَذِهِ الشُّرُوطِ.
أَوَّلاً: الْبُلُوغُ:
35 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُضْرَبُ
(1) المهذب مع المجموع 8 / 267.
(2)
السنن الكبرى للبيهقي 9 / 207.
(3)
نهاية المحتاج 8 / 90.
عَلَى صِبْيَانِ أَهْل الذِّمَّةِ (1) . قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ خِلَافًا فِي هَذَا، وَبِهِ قَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَال ابْنُ الْمُنْذِرِ، لَا أَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ (2) وَاسْتَدَلُّوا لِهَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (3) . . .} آيَةَ الْجِزْيَةِ.
فَالْمُقَاتَلَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْقِتَال تَسْتَدْعِي أَهْلِيَّةَ الْقِتَال مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَيْسَ أَهْلاً لِلْقِتَال، وَالصِّبْيَانُ لَيْسُوا مِنْ أَهْل الْقِتَال فَلَا تَجِبُ الْجِزْيَةُ عَلَيْهِمْ (4)
وَبِحَدِيثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ. حَيْثُ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُل حَالِمٍ دِينَارًا، أَوْ عَدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ.
وَالْحَالِمُ: مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ بِالاِحْتِلَامِ، أَوْ غَيْرِهِ
(1) تبيين الحقائق 3 / 278، بدائع الصنائع 9 / 4330، الهداية 2 / 160، الاختيار 4 / 38، الفتاوى الهندية 2 / 244، الجوهرة النيرة 2 / 351، حاشية ابن عابدين 4 / 198، مجمع الأنهر 1 / 671، الخراج ص 122، المنتقى 2 / 176، المقدمات لابن رشد 1 / 397، حاشية الخرشي 3 / 144، البداية لابن رشد 1 / 404، القوانين الفقهية ص 175، حاشية قليوبي 4 / 2289، الأم 4 / 279، رحمة الأمة 2 / 182، المهذب مع المجموع 18 / 227، كشاف القناع 3 / 119، أحكام أهل الذمة لابن القيم 1 / 42، المبدع 3 / 408، المحلى 7 / 566.
(2)
المغني 8 / 507.
(3)
سورة التوبة / 29.
(4)
بدائع الصنائع 9 / 4330.
مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ، فَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ يَدُل عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الصِّبْيَانِ.
وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إلَى أُمَرَاءِ الأَْجْنَادِ أَنْ يَضْرِبُوا الْجِزْيَةَ وَلَا يَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَلَا يَضْرِبُوهَا إِلَاّ عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى (1) .
قَال أَبُو عُبَيْدٍ: فِي مَعْنَى " مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى ": يَعْنِي مَنْ أَنْبَتَ، وَقَال فِي وَجْهِ الاِسْتِدْلَال بِهِ: هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الأَْصْل فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا جَعَلَهَا عَلَى الذُّكُورِ الْمُدْرِكِينَ دُونَ الإِْنَاثِ وَالأَْطْفَال، وَذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ عَلَيْهِمُ الْقَتْل لَوْ لَمْ يُؤَدُّوهَا، وَأَسْقَطَهَا عَمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْل وَهُمُ الذُّرِّيَّةُ (2) .
وَقَدْ مَضَتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى الصِّبْيَانِ، وَعَمِل بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ (3) .
فَقَدْ صَالَحَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَهْل بُصْرَى عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا عَنْ كُل حَالِمٍ دِينَارًا وَجَرِيبَ حِنْطَةٍ، وَصَالَحَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَهْل أَنْطَاكِيَةَ عَلَى الْجِزْيَةِ أَوِ الْجَلَاءِ، فَجَلَا بَعْضُهُمْ وَأَقَامَ بَعْضُهُمْ، فَأَمَّنَهُمْ وَوَضَعَ عَلَى كُل حَالِمٍ مِنْهُمْ دِينَارًا وَجَرِيبًا.
(1) الأموال لأبي عبيد ص 51، الأموال لابن زنجويه 1 / 151، وقال المحقق الدكتور شاكر فياض: إسناد ابن زنجويه صحيح رجاله ثقات.
(2)
الأموال لأبي عبيد ص 51 - 53.
(3)
الأموال لأبي عبيد ص 54.
وَوَضَعَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى أَهْل مِصْرَ دِينَارَيْنِ دِينَارَيْنِ وَأَخْرَجَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ (1) وَلأَِنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ لِحَقْنِ الدَّمِ، وَالصِّبْيَانُ دِمَاؤُهُمْ مَحْقُونَةٌ بِدُونِهَا (2) .
36 -
وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ، فَهَل يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ أَمْ يَكْفِي عَقْدُ أَبِيهِ
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي وَجْهٍ إلَى أَنَّهُ يَكْفِي عَقْدُ أَبِيهِ؛ لأَِنَّ الْعَقْدَ الأَْوَّل يَتَنَاوَل الْبَالِغِينَ وَمَنْ سَيَبْلُغُ مِنْ أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا، وَعَلَى هَذَا اسْتَمَرَّتْ سُنَّةُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ فِي جَمِيعِ الأَْعْصَارِ، وَلَمْ يُفْرِدُوا كُل مَنْ بَلَغَ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ (3) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْوَجْهِ الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْتِزَامِ الْعَقْدِ وَبَيْنَ أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ، فَإِنِ اخْتَارَ الذِّمَّةَ عُقِدَتْ لَهُ، وَإِنِ اخْتَارَ اللَّحَاقَ لِمَأْمَنِهِ أُجِيبَ إِلَيْهِ (4) .
وَإِذَا كَانَ الْبُلُوغُ فِي أَوَّل حَوْل قَوْمِهِ وَأَهْلِهِ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ فِي آخِرِهِ مَعَهُمْ، وَإِذَا كَانَتْ فِي أَثْنَائِهِ أُخِذَ مِنْهُ فِي آخِرِهِ بِقِسْطِهِ.
(1) فتوح البلدان ص 120، 154، 220.
(2)
المغني 8 / 507.
(3)
حاشية ابن عابدين 4 / 198، ومجمع الأنهر 1 / 671، وحاشية الدسوقي 2 / 201، والمقدمات لابن رشد 1 / 397، وحاشية الخرشي 3 / 144، والمغني 8 / 508، وكشاف القناع 3 / 121، وأحكام أهل الذمة 1 / 45.
(4)
روضة الطالبين 10 / 300، ومغني المحتاج 4 / 245.