الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأَْمْوَال الَّتِي تُسْتَوْفَى مِنْهَا الْجِزْيَةُ:
61 -
لَا يَتَعَيَّنُ فِي اسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ وَلَا نَوْعٌ بِعَيْنِهِ، بَل يَجُوزُ أَخْذُهَا مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْ أَمْوَال أَهْل الذِّمَّةِ: كَالسِّلَاحِ وَالثِّيَابِ وَالْحُبُوبِ وَالْعُرُوضِ فِيمَا عَدَا ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. (1) وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا يَلِي:
1 -
حَدِيثُ مُعَاذٍ السَّابِقِ: أَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُل حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ (2) فَهُوَ يَدُل عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْقِيمَةِ فِي الْجِزْيَةِ مِنَ الثِّيَابِ الْمَصْنُوعَةِ بِالْيَمَنِ وَالْمَنْسُوبَةِ إِلَى قَبِيلَةِ مَعَافِرَ. قَال أَبُو عُبَيْدٍ: " أَلَا تَرَاهُ قَدْ أَخَذَ مِنْهُمُ الثِّيَابَ مَكَانَ الدَّنَانِيرِ؟ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهَذَا كُلِّهِ الرِّفْقُ بِأَهْل الذِّمَّةِ، وَأَنْ لَا يُبَاعَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَتَاعِهِمْ شَيْءٌ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِمَّا سَهُل عَلَيْهِمْ بِالْقِيمَةِ. أَلَا تَسْمَعُ
(1) انظر: الخراج لأبي يوسف ص 122، الرتاج للرحبي 2 / 98، المنتقى للباجي 2 / 175، ونهاية المحتاج للرملي 8 / 87، والمغني لابن قدامة 8 / 504، زاد المعاد لابن القيم 2 / 90، أحكام أهل الذمة لابن القيم 1 / 29، وكشاف القناع للبهوتي 3 / 122، والمبدع لابن مفلح 3 / 411.
(2)
الحديث سبق تخريجه.
إِلَى قَوْل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْ عَدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ فَقَدْ بَيَّنَ لَكَ ذِكْرُ الْعَدْل أَنَّهُ الْقِيمَةُ ". (1)
2 -
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَالَحَ أَهْل نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، النِّصْفُ فِي صَفَرٍ وَالْبَاقِي فِي رَجَبٍ. (2)
3 -
مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ النَّعَمَ فِي الْجِزْيَةِ (3) .
4 -
مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُل ذِي صَنْعَةٍ مِنْ مَتَاعِهِ: مِنْ صَاحِبِ الإِْبَرِ إِبَرًا، وَمِنْ صَاحِبِ الْمَسَانِّ مَسَانًّا، وَمِنْ صَاحِبِ الْحِبَال حِبَالاً.
قَال أَبُو عُبَيْدٍ: " وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ هَذَا مِنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ هَذِهِ الأَْمْتِعَةَ بِقِيمَتِهَا مِنَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي عَلَيْهِمْ مِنْ جِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ وَلَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى بَيْعِهَا ثُمَّ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنَ الثَّمَنِ، إِرَادَةَ الرِّفْقِ بِهِمْ وَالتَّخْفِيفَ عَلَيْهِمْ. (4)
اسْتِيفَاءُ الْجِزْيَةِ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ:
62 -
اسْتِيفَاءُ الْجِزْيَةِ مِنْ أَعْيَانِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لأَِنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَمَالٌ غَيْرُ مُتَقَوَّمٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهَا فِي الْجِزْيَةِ.
(1) الأموال لأبي عبيد ص 63.
(2)
حديث: صالح أهل نجران. . . " أخرجه ابن زنجويه في كتاب الأموال (2 / 449 - ط مركز الملك فيصل) . مرسلا وضعفه المحقق للإرسال، ولأن في سنده عبيد الله بن أبي حميد وهو متروك (التقريب ص 370 - ط دار الرشيد) .
(3)
الأموال لأبي عبيد ص 63.
(4)
المرجع السابق ص 62 - 63.
وَأَمَّا اسْتِيفَاءُ الْجِزْيَةِ مِنْ ثَمَنِ مَا بَاعُوهُ مِنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إِذَا تَوَلَّى الذِّمِّيُّ بَيْعَهَا. (1)
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا يَلِي:
1 -
مَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ - بِسَنَدِهِ - عَنْ سُوَيْدٌ بْنِ غَفَلَةَ قَال: " بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ نَاسًا يَأْخُذُونَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْخَنَازِيرِ، وَقَامَ بِلَالٌ فَقَال: إِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ، فَقَال عُمَرُ: لَا تَفْعَلُوا: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ بِلَالاً قَال لِعُمَرِ بْنَ الْخَطَّابِ: إِنَّ عُمَّالَكَ يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ فِي الْخَرَاجِ، فَقَال: لَا تَأْخُذُوا مِنْهُمْ، وَلَكِنْ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنَ الثَّمَنِ.
قَال أَبُو عُبَيْدٍ: " يُرِيدُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مِنْ جِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ وَخَرَاجِ أَرْضِهِمْ بِقِيمَتِهَا ثُمَّ يَتَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ بَيْعَهَا، فَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ بِلَالٌ، وَنَهَى عَنْهُ عُمَرُ، ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْ أَثْمَانِهَا إِذَا كَانَ أَهْل الذِّمَّةِ هُمُ الْمُتَوَلِّينَ لِبَيْعِهَا؛
(1) الخراج لأبي يوسف ص 122، وكتاب السير لمحمد بن الحسن ص 263، أحكام أهل الذمة لابن القيم 1 / 61، والمغني 8 / 521.
لأَِنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مِنْ أَمْوَال أَهْل الذِّمَّةِ وَلَا تَكُونُ مَالاً لِلْمُسْلِمِينَ ". (1)
2 -
وَلأَِنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي نُقِرُّهُمْ عَلَى اقْتِنَائِهَا، وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، فَجَازَ أَخْذُ أَثْمَانِهَا مِنْهُمْ كَثِيَابِهِمْ (2) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْل الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ اسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ (3) . وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا يَلِي:
1 -
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ - بِسَنَدِهِ - إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: إِنَّ اللَّهَ جَل ثَنَاؤُهُ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ (4) .
2 -
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَال: " إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْل شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ (5) .
(1) الأموال لأبي عبيد ص 70.
(2)
المغني 8 / 521.
(3)
مغني المحتاج 4 / 253.
(4)
حديث: " إن الله جل ثناؤه حرم الخمر وثمنها. . . " أخرجه أبو داود (3 / 756 - ط عزت عبيد الدعاس) والبيهقي (6 / 12 - ط دار المعرفة) . والدارقطني (3 / 7 - ط دار المحاسن) من حديث أبي هريرة. وحسن إسناده الأرناؤوط (جامع الأصول 1 / 450 - ط مكتبة دار البيان) . وله شواهد ذكرها الهيثمي في مجموع الزوائد (87 - 88 - ط دار الكتاب العربي) .
(5)
حديث: " إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه " أخرجه أحمد (1 / 236 - ط دار المعارف) من حديث ابن عباس وصحح إسناده أحمد شاكر.