الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مَنْ كَانَ الْمَال الضَّائِعُ فِي يَدِهِ، وَدَل صَاحِبَهُ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ شَرْعًا فَلَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ عِوَضًا، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ جَعَل جُعْلاً لِمَنْ أَخْبَرَهُ بِأَمْرٍ مِنَ الأُْمُورِ كَدَوَاءٍ يَنْفَعُهُ مَثَلاً فَأَخْبَرَهُ شَخْصٌ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؛ لأَِنَّ مِثْل هَذَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى عَمَلٍ، أَمَّا إِنْ تَعِبَ الْمُخْبِرُ وَصَدَقَ فِي إِخْبَارِهِ، وَكَانَ لِلْجَاعِل الْمُسْتَخْبِرُ غَرَضٌ وَمَنْفَعَةٌ فِي الأَْمْرِ الْمَطْلُوبِ الإِْخْبَارُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْجُعْل.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَعْلَمَ الدَّال أَوِ الْمُخْبِرُ مَكَانَ الْمَال الضَّائِعِ، أَوِ الأَْمْرِ الْمَطْلُوبِ الإِْخْبَارُ عَنْهُ قَبْل إِعْلَانِ الْجَاعِل أَوْ تَعَاقُدِهِ مَعَهُ فَيَسْتَحِقُّ الْجُعْل إِنْ عَلِمَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّعَاقُدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ هُنَاكَ تَعَبٌ أَوْ مَشَقَّةٌ فِي سَبِيل عِلْمِهِ بِذَلِكَ أَمْ لَا، كَأَنْ عَلِمَ بِهِ بِطَرِيقِ الْمُصَادَفَةِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إِنْ عَلِمَ قَبْل التَّعَاقُدِ (1) .
الْفَرَاغُ مِنَ الْعَمَل وَالتَّسْلِيمُ لِلْجَاعِل:
39 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ الْقَائِلُونَ بِالْجِعَالَةِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لاِسْتِحْقَاقِ الْعَامِل الْجُعْل الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ أَنْ يُتِمَّ الْعَمَل الْمُجَاعَل عَلَيْهِ، وَيَفْرُغَ مِنْهُ وَيُسَلِّمَهُ لِلْجَاعِل فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِل شَيْئًا إِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ ذَلِكَ، فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ الآْبِقُ أَوِ الدَّابَّةُ
(1) أسنى المطالب 2 / 440، 441، ونهاية المحتاج 4 / 344، والحطاب 5 / 455، ومنح الجليل 4 / 10، وحاشية العدوي على الخرشي 7 / 71، وكشاف القناع 2 / 417.
الضَّالَّةُ، أَوْ تَلِفَ الْمَال الْمَرْدُودُ، أَوْ غُصِبَ مِنْ يَدِ الْعَامِل فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَلَوْ بِقُرْبِ دَارِ الْجَاعِل، أَوْ تَرَكَهُ الْعَامِل فَرَجَعَ لِلْجَاعِل بِنَفْسِهِ، أَوْ هَرَبَ الْمَرْدُودُ وَلَوْ مِنْ دَارِ الْجَاعِل قَبْل تَسْلِيمِهِ لَهُ، فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِل فِي كُل هَذَا، لِتَعَلُّقِ اسْتِحْقَاقِهِ لِلْجُعْل بِالرَّدِّ، وَتَسْلِيمِ الْمَرْدُودِ لِلْجَاعِل، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ ذَلِكَ.
إِلَاّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا: إِنْ أَفْلَتَ الْحَيَوَانُ الْمَرْدُودُ مِنْ يَدِ الْعَامِل وَهَرَبَ قَبْل تَسْلِيمِهِ لِلْجَاعِل، فَإِنْ جَاءَ بِهِ - مِنْ غَيْرِ تَعَاقُدِ - عَامِلٍ آخَرَ مِنْ عَادَتِهِ رَدُّ الضَّوَال وَالإِْبَاقِ بِعِوَضٍ، فَلَا شَيْءَ لِلأَْوَّل وَكُل الْجُعْل لِلثَّانِي إِنْ جَاءَ بِهِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ عَنِ الْجَاعِل، أَوْ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي وَجَدَهُ فِيهِ الْعَامِل الأَْوَّل، أَمَّا إِنْ جَاءَ بِهِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ مِنَ الْجَاعِل، أَوْ قَبْل أَنْ يَصِل إِلَى مَكَانِ الأَْوَّل، فَلِكُلٍّ مِنَ الْعَامِلَيْنِ - الأَْوَّل وَالثَّانِي - بِنِسْبَةِ عَمَلِهِ مِنَ الْجُعْل مَنْظُورًا فِي ذَلِكَ لِسُهُولَةِ الطَّرِيقِ وَصُعُوبَتِهَا لَا لِمُجَرَّدِ الْمَسَافَةِ؛ لأَِنَّ الثَّانِيَ انْتَفَعَ بِعَمَل الأَْوَّل حِينَئِذٍ.
40 -
وَكَمَا لَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِل شَيْئًا إِنْ لَمْ يَقَعْ عَمَلُهُ مُسَلَّمًا لِلْجَاعِل، فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - إِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ عَلَى الْمَحَل، أَوْ لَمْ يُمْكِنِ الإِْتْمَامُ عَلَيْهِ، وَلَهُمْ فِي هَذَا تَفْصِيلٌ طَوِيلٌ - يُرَاجَعُ فِي مُطَوَّلَاتِهِمْ - حَاصِلُهُ أَنَّهُ إِنْ تَلِفَ مَعْمُول الْعَامِل قَبْل تَمَامِ عَمَلِهِ، فَإِنْ وَقَعَ مُسَلَّمًا لِلْجَاعِل بِأَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ، أَوْ فِي
مِلْكِهِ، وَظَهَرَ أَثَرُهُ عَلَى الْمَحَل وَأَمْكَنَ الإِْتْمَامُ عَلَيْهِ، كَخِيَاطَةِ بَعْضِ ثَوْبٍ، أَوْ بِنَاءِ بَعْضِ حَائِطٍ، أَوْ تَعْلِيمِ بَعْضِ مَا جُوعِل عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَامِل يَسْتَحِقُّ حِصَّةَ مَا عَمِل مِنَ الْجُعْل الْمُسَمَّى.
وَإِنْ لَمْ يَقَعِ الْعَمَل مُسَلَّمًا لِلْجَاعِل بِمَا مَرَّ، أَوْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ عَلَى الْمَحَل كَإِنَاءٍ انْكَسَرَ، أَوْ لَمْ يُمْكِنِ الإِْتْمَامُ عَلَيْهِ كَثَوْبٍ احْتَرَقَ بَعْدَ خِيَاطَةِ بَعْضِهِ أَوْ حَائِطٍ انْهَدَمَ بَعْدَ بِنَاءِ بَعْضِهِ، وَلَوْ بِلَا تَفْرِيطٍ مِنَ الْعَامِل، أَوْ مُتَعَلِّمٍ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ تَعَلُّمِهِ، فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِل فِي كُل ذَلِكَ.
41 -
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْعَامِل الْجُعْل إِلَاّ بِإِتْمَامِهِ الْعَمَل ثَلَاثُ صُوَرٍ:
الأُْولَى - مَا إِذَا حَصَل الاِنْتِفَاعُ بِالْعَمَل السَّابِقِ - الَّذِي لَمْ يُتِمُّهُ الْعَامِل بِأَنِ اسْتَأْجَرَ الْجَاعِل عَامِلاً آخَرَ عَلَى إِتْمَامِهِ، أَوْ جَاعَلَهُ عَلَيْهِ، أَوْ أَتَمَّهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ خَدَمَهُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْعَامِل الأَْوَّل عَلَى عَمَلِهِ - حِينَئِذٍ - بِنِسْبَةِ مَا أَخَذَ الثَّانِي، سَوَاءٌ أَعَمِل الثَّانِي قَدْرَ عَمَل الأَْوَّل أَوْ أَقَل مِنْهُ، أَوْ أَكْثَرَ، وَذَلِكَ مِثْل أَنْ يَجْعَل لِلأَْوَّل خَمْسَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يَحْمِل لَهُ بَضَائِعَ مَثَلاً إِلَى مَكَانٍ مَعْلُومٍ فَحَمَلَهَا نِصْفَ الطَّرِيقِ وَتَرَكَهَا، فَجَعَل الْجَاعِل لِعَامِلٍ غَيْرِهِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى إِيصَالِهَا لِلْمَكَانِ الْمَعْلُومِ، فَإِنَّ الأَْوَّل يَأْخُذُ عَشَرَةً أَيْضًا؛ لأَِنَّهُ الَّذِي يَنُوبُ عَمَلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِعَمَل الثَّانِي؛ لأَِنَّ
الثَّانِيَ لَمَّا جُوعِل مِنْ نِصْفِ الطَّرِيقِ بِعَشَرَةٍ عُلِمَ أَنَّ أُجْرَةَ الطَّرِيقِ كُلَّهَا عِشْرُونَ.
وَلَوْ أَوْصَلَهَا الْجَاعِل بِنَفْسِهِ أَوْ بِخَدَمِهِ، فَإِنَّهُ يُعْطِي لِلْعَامِل الأَْوَّل بِنِسْبَةِ مَا لَوِ اسْتَأْجَرَ أَوْ جَاعَل عَلَيْهَا صَاحِبَهَا. وَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْعَامِل فِي كُل ذَلِكَ أُجْرَةُ مِثْل عَمَلِهِ، وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ؛ لأَِنَّ صَاحِبَ الْبَضَائِعِ قَدْ يَخَافُ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْمَكَانِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَتْ غَالِيَةً، وَشَأْنُ الشَّيْءِ الْغَالِي إِذَا كَانَ فِي مَكَانٍ مَخُوفٍ يَغْلِبُ ضَيَاعُهُ أَوْ هَلَاكُهُ فِيهِ أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَى نَقْلِهِ مِنْهُ بِالأُْجْرَةِ الزَّائِدَةِ عَنِ الْمِثْل، فَلَا يُقَاسُ عَلَى الاِسْتِئْجَارِ الأَْوَّل.
الثَّانِيَةُ - إِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُجَاعَل عَلَيْهِ - حَيَوَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَ حَيَوَانٍ - مَمْلُوكٌ لِغَيْرِ مَنْ جَاعَل عَلَيْهِ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ، وَأَخَذَهُ مِنْ يَدِ الْعَامِل، فَإِنَّ الْجُعْل يَلْزَمُ الْجَاعِل حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ يَتَسَلَّمِ الْمُجَاعَل عَلَيْهِ مِنَ الْعَامِل؛ لأَِنَّهُ وَرَّطَهُ فِي الْعَمَل وَلَوْلَا ظُهُورُ مِلْكِيَّتِهِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِقَبْضِ الْعَامِل الْجُعْل، وَلَا يَرْجِعُ الْجَاعِل بِالْجُعْل عَلَى الْمُسْتَحِقِّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَكُل هَذَا إِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ وَمَمْلُوكٌ لِغَيْرِ الْجَاعِل بَعْدَ وُصُول الْعَامِل الْبَلَدَ وَقَبْل قَبْضِ الْجَاعِل لَهُ، أَمَّا لَوِ اسْتُحِقَّ مِنَ الْعَامِل وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ قَبْل وُصُولِهِ بَلَدَ الْجَاعِل، فَلَا جُعْل لَهُ عَلَى الرَّاجِحِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الاِسْتِحْقَاقِ وَبَيْنَ الْمَوْتِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ قَبْل ذَلِكَ (ف / 39) أَنَّ الاِسْتِحْقَاقَ وَهُوَ