الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُسْقِطَاتُ الْجِزْيَةِ:
69 -
تَسْقُطُ الْجِزْيَةُ بِالإِْسْلَامِ، أَوِ الْمَوْتِ، أَوِ التَّدَاخُل، أَوِ الْعَجْزِ الْمَالِيِّ، أَوْ عَجْزِ الدَّوْلَةِ عَنْ تَوْفِيرِ الْحِمَايَةِ لأَِهْل الذِّمَّةِ، أَوِ الإِْصَابَةِ بِالْعَاهَاتِ الْمُزْمِنَةِ، أَوِ اشْتِرَاكِ الذِّمِّيِّينَ فِي الْقِتَال، وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الأُْمُورِ خِلَافٌ يَتَبَيَّنُ بِمَا يَلِي:
الأَْوَّل: الإِْسْلَامُ:
70 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تَسْقُطُ عَمَّنْ دَخَل فِي الإِْسْلَامِ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ، فَلَا يُطَالَبُ بِهَا فِيمَا يُسْتَقْبَل مِنَ الزَّمَانِ (1) . وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا يَلِي:
1 -
رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ جِزْيَةٌ (2) .
(1) تبيين الحقائق 3 / 278، بدائع الصنائع 9 / 4332، والخراج لأبي يوسف ص 122، والقوانين الفقهية ص 176، وبداية المجتهد 1 / 405، حاشية الدسوقي 2 / 202، والكافي لابن عبد البر 1 / 479، وروضة الطالبين 10 / 312، ومغني المحتاج 4 / 249، ورحمة الأمة للدمشقي 2 / 181، وأحكام أهل الذمة لابن القيم 1 / 57، وكشاف القناع 3 / 122، والمذهب الأحمد لابن الجوزي ص 210، والمبدع 3 / 412.
(2)
حديث: " ليس على المسلم جزية " أخرجه أبو داود (3 / 438 - ط عزت عبيد الدعاس) والترمذي (3 / 18 - ط مصطفى الحلبي) من حديث ابن عباس. ونقل الزيلعي عن ابن القطان أنه أعله بقابوس (نصب الراية 3 / 453 - ط المجلس العلمي) .
2 -
الإِْجْمَاعُ: قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: " أَجْمَعُوا - يَعْنِي الْفُقَهَاءَ - عَلَى أَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَى مُسْلِمٍ ". (1)
3 -
وَلأَِنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ وَسِيلَةً إِلَى الإِْسْلَامِ فَلَا تَبْقَى بَعْدَهُ.
4 -
وَلأَِنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ أَوْ بَدَلاً عَنِ النُّصْرَةِ، فَلَا تُقَامُ الْعُقُوبَةُ بَعْدَ الدُّخُول فِي الإِْسْلَامِ.
وَلَا يُطَالَبُ بِالْجِزْيَةِ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ قَادِرًا عَلَى النُّصْرَةِ بِالدُّخُول فِي الإِْسْلَامِ. (2)
هَذَا الاِتِّجَاهُ الْفِقْهِيُّ هُوَ السَّائِدُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّ بَعْضَ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ لَمْ يَلْتَزِمُوا بِهِ، فَقَدْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْجِزْيَةَ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ وَيَعْتَبِرُونَهَا بِمَنْزِلَةِ الضَّرِيبَةِ عَلَى الْعَبِيدِ.
وَنَقَل أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ بِالْعِرَاقِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم دَاعِيًا وَلَمْ يَبْعَثْهُ جَابِيًا، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَارْفَعِ الْجِزْيَةَ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ (3) .
حُكْمُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ عَمَّا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ بَعْدَ
دُخُول الذِّمِّيِّ فِي الإِْسْلَامِ:
71 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ
(1) الإجماع لابن المنذر ص 59.
(2)
البدائع 9 / 4332.
(3)
أحكام القرآن للجصاص 3 / 102.
الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تَسْقُطُ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْل أَوْ بَعْدَهُ، وَلَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ جِزْيَةُ سِنِينَ. (1)
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا يَلِي:
1 -
قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآْخِرِ} (2)
تَدُل هَذِهِ الآْيَةُ عَلَى سُقُوطِ الْجِزْيَةِ عَمَّنْ أَسْلَمَ؛ لأَِنَّ الأَْمْرَ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِمَّنْ يَجِبُ قِتَالُهُ عَلَى الْكُفْرِ إِنْ لَمْ يُؤَدِّهَا، وَمَتَى أَسْلَمَ لَمْ يَجِبْ قِتَالُهُ، فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ.
2 -
قَوْله تَعَالَى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَْوَّلِينَ} (3)
فَالآْيَةُ تَدُل عَلَى أَنَّ الإِْسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ،
(1) تبيين الحقائق 3 / 278، والهداية 2 / 161، وفتح القدير 5 / 295، وبدائع الصنائع 9 / 4332، وحاشية ابن عابدين 4 / 200، ومجمع الأنهر 1 / 672، والاختيار 4 / 138، وبداية المجتهد 1 / 405، والقوانين الفقهية ص 176، وحاشية الدسوقي 2 / 202، والكافي لابن عبد البر 1 / 479، والمقدمات على هامش المدونة لابن رشد 1 / 400، والمنتقى للباجي 2 / 175، والمبدع 3 / 412، وأحكام أهل الذمة لابن القيم 1 / 57، وكشاف القناع 3 / 122، والإنصاف 4 / 228، والمذهب الأحمد ص 210.
(2)
سورة التوبة / 29.
(3)
سورة الأنفال / 38.
وَأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ لَا يُطَالَبُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ زَكَاةٍ، وَكَذَا لَا يُطَالَبُ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ جِزْيَةٍ قَبْل إِسْلَامِهِ (1) . قَال مَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ أَشْهَبَ عَنْهُ:" الصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يُوضَعَ عَمَّنْ أَسْلَمَ الْجِزْيَةُ حِينَ يُسْلِمُ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنَ السَّنَةِ إِلَاّ يَوْمٌ وَاحِدٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا. . .} يَعْنِي مَا قَدْ مَضَى قَبْل الإِْسْلَامِ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ شَيْءٍ ". (2)
3 -
وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ بَعْضُ الآْثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. (3)
4 -
وَاسْتَدَلُّوا بِالْمَعْقُول مِنْ وَجْهَيْنِ:
الأَْوَّل: أَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ وَسِيلَةً إِلَى الإِْسْلَامِ، فَلَا تَبْقَى بَعْدَ الإِْسْلَامِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْجِزْيَةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ عُقُوبَةً عَلَى الْكُفْرِ، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ جِزْيَةً: أَيْ جَزَاءَ الإِْقَامَةِ عَلَى الْكُفْرِ، فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ بِالإِْسْلَامِ. (4)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ
(1) الإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي ص 114.
(2)
اختلاف الفقهاء للطبري ص 201.
(3)
أحكام القرآن للجصاص 3 / 101، والأموال لأبي عبيد ص 66 - 68، والأموال لابن زنجويه 1 / 173، والموطأ بشرح السيوطي 1 / 265.
(4)
بدائع الصنائع 9 / 4332، وأحكام القرآن للجصاص 3 / 101، وفتح القدير 5 / 296، والاختيار 4 / 138، والمنتقى 2 / 176.